بالإضافة إلى الحصار الحوثي.. تعز مدينة العطش (تقرير خاص)
الخميس 22 مايو ,2025 الساعة: 12:22 مساءً
مبارك الحيدري ـ تقرير خاص - الحرف 28

يواجه سكان مدينة تعز أزمة مائية غير مسبوقة، في ظل حصار مليشيا الحوثي على المدينة منذ عشر سنوات ومنع إمدادها بالمياه، إلى جانب تأخر موسم الأمطار لهذا العام ما تسبب بجفاف بعض الآبار، وسط اتهامات للسلطة المحلية بالفشل والتهاون.

في الأيام الأخيرة، ارتفعت أسعار صهاريج المياه بشكل غير مسبوق، حيث وصل سعر الوايت سعة 1500 لتر من مياه الشرب إلى 25 ألف ريال، فيما وصل سعر الصهريج سعة 6 آلاف لتر للاستخدام المنزلي إلى أكثر من 60 ألف ريال.

لكن الأسوأ ليس ارتفاع الأسعار فحسب، بل صعوبة الحصول على الماء، إذ يحتاج الأمر إلى الانتظار لأيام.

يعيد هذا الوضع التذكير بالمشكلة المزمنة لتعز،  فقبل الحرب كانت احياء وحارات المدنية تنتظر  أسابيع لكي تصل المياه إلى المنازل، عبر الشبكة الحكومية الرئيسية، أما الآن فقد تفاقمت المشكلة بصورة أكثر ضراوة وصار يتعين على الناس في المدينة التسجيل في قائمة الانتظار للحصول على شحنة مياه عبر الوايتات وبمبالغ مضاعفة.

خلال سنوات الحرب توقفت شبكة المياه الحكومية كلياً، وبعد تحرير المدينة وطرد مليشيا الحوثي تدخلت بعض المنظمات بمافيها جمعيات كويتية، وحفرت عدد من الآبار في مناطق سيطرة القوات الحكومية.

لكن ذلك لم يكن كافياً في ظل تزايد استهلاك السكان وعودة النازحين إلى المدينة، وزيادة الطلب على المياه مع غياب المصادر المستدامة وسيطرة الحوثيين على منابع وخزانات المياه الرئيسية شمال شرقي المدينة.


حصار حوثي

منذ بداية الحرب، فرضت مليشيا الحوثي المصنفة أمريكياً إرهابية، حصارا خانقاً على مدينة تعز، بما في ذلك منع إمدادها بالمياه التي كانت تضخ للمدينة عبر شبكة مؤسسة المياه.

وتتركز منابع المياه في القسم الخاضع لسيطرة مليشيا الحوثي شمال شرق المدينة حيث يوجد يوجد خمسة حقول مائية مكونة من عشرات الآبار، كانت تضخ المياه لسكان المدينة المحاصرة، أبرزها حقل الحوجلة، لكن مليشيا الحوثي أوقفت ضخ المياه عن المدينة كجزء من الحصار.

وقال المحامي صلاح أحمد غالب في حديث للحرف 28، إن أزمة المياه في تعز سببها الرئيسي هو حصار مليشيا الحوثي للمدينة.

وأضاف غالب، أن مليشيا الحوثي تستولي على آبار مؤسسة المياه الرئيسية في منطقتي الحيمة والهشمة، والتي تمثل نسبة 70% من إجمالي الرافد المائي للمؤسسة.

وأشار غالب إلى أن بعض الآبار نزفت مؤخرا بسبب تأخر نزول الأمطار الموسمية، وهي الآبار التي كان أصحاب الوايتات يأخذون منها الماء ويبيعونها للسكان، مما تسبب بأزمة ماء وارتفاع أسعار الوايتات بشكل كبير.

من جانبه، يؤكد الصحفي أحمد البكاري أن معاناة الناس منذ عشر سنوات ناتجة عن أزمة المياه بسبب الحصار الحوثي على المدينة.

ويقول الصحفي البكاري إن الناس ظلت تعتمد على وايتات تنقل المياه من وادي الضباب إلى المدينة منذ عشر سنوات.

وأضاف في حديث للحرف 28: "كنت أعبي الوايت الواحد بـ12 ألف، لكن مع شحة المياه في الوادي حاليا، ارتفع سعرها إلى 30 ألف.. المسؤولية الأولى يتحملها الحوثي".

ويشير إلى الجهود التي بذلتها المنظمات من خلال حفر الآبار  بهدف التخفيف من الأزمة، لكنها كانت غير قادرة على مواجهة المشكلة في بعض الأحياء، بسبب تلف الشبكة الداخلية بسبب الحرب، وعدم صيانتها.


فشل إداري واتهامات بالفساد

مع اشتداد الأزمة المائية في تعز نتيجة تأخر موسم الأمطار، يغيب دور مؤسسة المياه، وتبرز باعتبارها جزء من المشكلة التي تتفاقم في ظل سلبية السلطة المحلية وعدم المسارعة في إيجاد حلول للمشكلة منذ سنوات.

ووجهت اتهامات للمؤسسة ومديرها سمير عبدالواحد بالفساد، إذ تشير بعض الوثائق إلى رفضه تزويد السلطة القضائية والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بصرفيات السنوات السابقة للمؤسسة.

وقال المحامي صلاح أحمد غالب للحرف 28، إن هناك فشلا إداريا في مؤسسة المياه بتعز في عدم استغلال الكمية المتاحة من المياه وإعادة توزيعها للسكان.

ويتهم المدير بتبديد موارد ومساعدات قدمتها منظمات وجهات خارجية لمؤسسة المياه.

بحسب وثيقة رسمية، فإن نيابة الأموال العامة  وجهت بضبط مدير مؤسسة المياه بالمحافظة، سمير عبدالواحد، وإحضاره قهراً  في حال امتناعه، على خلفية اتهامات بالفساد.

واستند التوجيه إلى مذكرة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، التي أشارت إلى عدم التزام عبدالواحد بتقديم كشوفات ومحاضر فحص واستلام الدعم العيني المقدم من المنظمات الدولية والمحلية والوارد إلى مخازن المؤسسة.

وأشارت المذكرة إلى أن عبدالواحد لم يقدم محاضر الجرد السنوي للمخازن والموجودات الثابتة لعامي 2021 و2022،  كما أنه لم يقدم كشفاً بالعهد الخاصة بمشاريع الصرف الصحي المنفذة خلال عامي 2023 و2024.

"الحرف 28" تواصل مع مدير مؤسسة المياه في تعز، سمير عبدالواحد، للاستفسار عن إجراءات المؤسسة لمواجهة الأزمة، إلى جانب التهم الموجهة إليه بشأن عدم التزاماته، كما تواصل مع وثيق الأغبري، مدير الإنتاج في المؤسسة، لكنهما لم يردا على أسئلة الموقع.


وساطة وجهود متعثرة

على الجانب الآخر، وسط ضغوط شعبية مع بلوغ الأزمة حد العطش في مدينة مكتظة بالسكان،  تحركت وساطة محلية وبعضها قادتها منظمات، بين مليشيات الحوثي والسلطة المحلية بالمدينة بهدف ضخ المياه من الآبار الواقعة في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي إلى خزانات مؤسسة المياه بالمدينة، ومنها إلى منازل المواطنين، لكن مليشيا الحوثي تواصل الرفض وتشديد الحصار المائي.

على مستوى المدينة، يشوب المساعي التي تبذلها السلطة المحلية، حالة من الإرتجال وسط تذمر شعبي.

فقبل أيام، وجّه وكيل أول محافظة تعز، الدكتور عبدالقوي المخلافي، المؤسسة العامة للمياه بفتح خمسة آبار لتعبئة صهاريج المياه، وذلك في إطار الجهود الرسمية للتخفيف من أزمة المياه.

كما حددت السلطة المحلية آلية لتنظيم التعبئة وتحديد رسومها بسعر 5 آلاف ريال لكل 1000 لتر، وهو السعر المعتمد قبل الأزمة الأخيرة، لكنه لم يتم الالتزام في التسعيرة، ما تسبب بصناعة مشكلة أخرى، أثارت انتقادات شعبية.

ويقول الصحفي عبدالحكيم هلال، مخاطبا الدكتور عبدالقوي المخلافي، وكيل أول محافظة تعز: "ما قمت به لإسعاف مدينة تعز بالماء يفتقر إلى الذكاء والحكمة والمسؤولية.. لا تحل مشاكل الماء بنفس طريقة حل مشاكل الأراضي".

وأضاف هلال في منشور على صفحته بالفيسبوك، تابعه "الحرف 28"، أن "بئر طلحة ( يقع في حي الضبوعة وسط المدينة ) كان يمد سكان 14 حيا مجاورا بالماء. الآن، بتحويله إلى بئر تجارية، افتقدت أكثر من 100 ألف أسرة الماء، ولم يستفد سوى أصحاب الوايتات وهوامير السلطة".

وقال الصحفي هلال إنه جرى سحب أكثر من 500 ألف لتر خلال يوم واحد من بئر قدرته لا تتجاوز 5 لترات في الثانية، متسائلاً: ما الذي سيحدث؟

وأكد أن البئر سينهار سريعا، فلا استفاد السكان المجاورون، ولا استفادت تعز من هذا القرار الذي وصفه بالغبي.

وأضاف مخاطباً وكيل المحافظة "ستنتقلون إلى بئر أخرى بالتأكيد. وبهذه الطريقة، ستستنزفون آبار تعز القليلة سريعا، وستتحملون أنتم المسؤولية في الدنيا قبل الآخرة".


احتياجات تعز


يقول الصحفي محمد طاهر وهو مدير المكتب المحلي  لوكالة سبأ إن تعز تحتاج يوميا إلى 50 ألف لتر مكعب.

في المقابل لاتنتج الآبار السطحية داخل المدينة أكثر من 2000 لتر مكعب يومياً.

وذكر طاهر في  منشور على صفحته بالفيسبوك، تابعه الحرف28 ، إن الآبار الجديدة التي تم حفرها  بالمدينة وصلت إلى 6 آبار عملت على رفع الطاقة الإنتاجية من 2000 لتر مكعب إلى 2500 لتر مكعب يوميًا، وهذا يغطي 10% فقط من الاحتياج اليومي لسكان المدينة.

وطبق طاهر وهو صحفي مقرب من قيادة السلطة المحلية إن حقل الضباب الواقع جنوب غرب المدينة،  ينتج 4000 لتر مكعب يوميا، منها حاليا 9 آبار في مناطق التماس وبعضها تحت سيطرة المليشيات الحوثية وبئرين في منطقة محررة.

وأضاف: نتيجة فقدان 9 آبار تحت سيطرة مليشيا الحوثي توقف الإنتاج من حقل الضباب إلى خزانات المؤسسة.

وتشير المعلومات إلى أن محطة الإنتاج في هذا الحقل دُمرت بشكل كامل ولا تزال مدمرة ويصعب إصلاحها، وبالتالي فقدت المؤسسة 4000 لتر مكعب يوميًا، وفقاً لطاهر.

بحسب مدير الفرع المحلي لوكالة سبأ الحكومية، فإن الحقول الواقعة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي تنتج 1200 لتر مكعب يوميا، في حين ينتج حقل الحيمة وحبير  3000 لتر مكعب يوميا.

كما ينتج حقل الحوجلة وهو الأكبر 7000 لتر مكعب يوميا، بينما ينتج حقل الحوبان مع شعب الريحان 2000 لتر مكعب يوميا.


وبحسب الأرقام الرسمية فإن كميات الإنتاج اليومي قبل الحرب كانت تصل إلى18 ألف لتر مكعب يوميا، لا تغطي سوى نسبة 38% من الاحتياج اليومي لسكان المدينة بينما كان العجز المحقق 32 ألف لتر مكعب بنسبة 68%.

وفقاً للصحفي طاهر فإن الحقول والآبار التي تقع تحت سيطرة المليشيات، قدرتها الإنتاجية 16 ألف لتر مكعب يوميا، متوقفة منذ بداية الحرب.

ويقول المسؤول في وكالة سبأ الحكومية، إن هناك جهوداً تبذلها الأمم المتحدة مع  السلطة المحلية لاستعادة ضخ المياه من الحقول الواقعة تحت سيطرة مليشيات الحوثي، إلى خزانات المدينة.

في اتجاه موازي، يجري حاليا تنفيذ مشروع طالوق القريب من الضباب بدعم عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح لحفر 10 آبار بمنطقة طالوق بطاقة إنتاجية 6 آلاف متر مكعب يوميًا لتلبية احتياج المدينة. ويقول الصحفي طاهر إن العمل لا يزال جاريًا في المشروع.

وقبيل الحرب بسنوات كانت الحكومة قد وقعت اتفاقاً لإنشاء محطة تحلية للمياه لانقاذ محافظة تعز من العطش، بتمويل سعودي، لكن المشروع تعثر بسبب ماقيل حينها إنه تذمر من الرئيس السابق علي صالح، الذي سعى إلى فرض أن يشمل المشروع تزويد صنعاء بالماء بحسب بعض المصادر.

ويبدو أن معظلة تعز المحافظة الأكثر كثافة سكانية، لا تعاني الفقر الاقتصادي فحسب، بل تعاني أيضاً من فقر مائي يجعل الحلول القائمة مجرد حلول إسعافية لا تفي بالحدود الدنيا من تأمين الماء.

ويقول صلاح أحمد غالب، في هذا الصدد إن الحل يكمن في إنشاء محطة تحلية للمياه من البحر، باعتباره الحل المستدام لإنهاء أزمة المياه في تعز.


Create Account



Log In Your Account