الجمعة 22 أُغسطس ,2025 الساعة: 10:50 مساءً
تعز المحاصرة منذ عقد. ثلاثون جبهة على أطرافها، جيش يقاوم بلا رواتب، بلا تسليح، بلا تغطية، ومحافظ يجلس في مكتبه كموظف بارد يتعامل مع الدماء والجبهات كأرقام في دفتر بيروقراطي.
الرجل لا يحمل شيئاً لتعز، لا مشروعاً إدارياً ولا دعماً عسكرياً ولا رؤية للتحرير. كل ما يحمله هو شهوة للبقاء، ورغبة في تحويل المنصب إلى صرافة خاصة يدير به شبكة طفيلية تمتص ما تبقى من موارد.
شمسان يتصرف كزائر عابر. يعرف أنه سيغادر إلى الخارج في اللحظة التي تقترب فيها النيران من المدينة. وهو لا يأتي لتعز الا كزائر وضيف ثقيل وسرعان ما يعود إلى وطنه في القاهرة.
يتصرف تجاه المقاومة وكأنها عبء، يراها فوضى تعيق خياله عن "التنمية" التي لم يقدّم لها شيئاً. يتظاهر كرجل دولة وهو أقرب إلى بهلوان إداري، يستعرض المصطلحات بشأن الإدارة، القانون، التخطيط.
كل خبرته تنحصر في الالتفاف على الموارد.
يلعب على تناقضات السلطة الشرعية نفسها. يهمس في أذن الرئيس بأنه رجله الأول في تعز، ثم يهمس لطارق صالح بأنه رجله الموثوق هناك أيضاً. وأحيانا يقدم نفسه كجسر بينهما لكنه يزرع الشكوك ويغذي الحساسيات بينهما. يتصرف وكأنه يملك فراسة استثنائية، وهو يكرر لعبة مراهق سياسي يظن أنه قادر على التلاعب برئيس ونائب في آن واحد.
ذهب يدفع الحكومة الهشة إلى التحرك ضد محور تعز. تحرك رئيس الوزراء ووزير دفاعه وأصدرا توجيهات تعيد ضريبة القات من الجبهة إلى المحافظ شمسان الذي كان يرى في ضريبة القات تهديداً لشبكته المالية، وذهب يقدمها للحكومة على أنها تمرد على القانون.
مفارقة فاضحة وساخرة.. الجيش في تعز يقاتل منذ سنوات بدون موازنة حكومية وبلا نفقات ولا تسليح وبراتب لا يتجاوز قيمة كيس دقيق، بينما الفرد في وحدات عسكرية غير رسمية يتقاضى أكثر من ألف سعودي شهرياً مع مصاريف يومية تعادل رواتب عشرين جندياً من محور تعز.
حين وجد المحور وسيلة للاستمرار، تحرك المحافظ ضدهم، وجعل الحكومة تنقض عليهم بقرارات متغطرسة. الحكومة العارية تتغطرس.
يا حنيني. الحكومة الهزيلة في صورة طفل خرج الشارع بملابس واسعة لا تناسب جسده. الجميع يعرف أنه عاجز عن حماية نفسه، لكن الطفل يرفع صوته ويأمر المارة كما لو كان جنرالاً.
هذه الحكومة، التي تعجز عن عقد اجتماع واحد دون أن تستأذن المضيف في عدن، والتي لا تملك السيطرة على ميناء أو قرار في مؤسسة، وجدت نفسها فجأة صارمة، صارخة، تتحدث بلغة السلطة المركزية القادرة. قالت لمحور تعز: "اتركوا ضريبة القات فورا".
حكومة لا تملك دفع رواتب، ولا توفير رصاصة، تكتشف فجأة أن لديها صلاحيات مطلقة، وتقرر استخدامها على من؟ على الجيش الوحيد الذي ما يزال يحرس صورتها الباهتة في مواجهة الحوثي.
بدت الحكومة كما لو أنها طفل عار أمام المرآة، يظن نفسه مرتدياً بزة عسكرية مزخرفة. يصفق لنفسه، ينفخ صدره، يلوح بيديه، ثم يتوهم أنه أصبح قادراً على إصدار أوامر. المشهد يثير الضحك والوجع في آن.
وزير الدفاع نفسه، الذي لا يخرج من منزله إلا بإذن جماعة مسلحة لا تنضوي تحت وزارته، يوقع على قرار كأنه يملك أسطولاً بحرياً وجيشاً جوياً. رئيس الوزراء، الذي يعيش في مساحة جغرافيا معاشيق كضيف ثقيل، يتحدث كما لو أن بين يديه دولة كاملة السيادة.
طفلان يلعبان لعبة الجنرالات بالبدلات البلاستيكية، يتوهمان أن صرخاتهما قادرة على تغيير مجريات المعركة.
الجيش في تعز، وهو يتقاضى راتباً لا يساوي ثمن كيس قمح، يظل يقاتل. يظل متمسكاً بشرعية الحكومة التي تتنمر عليه.
مشهد عبثي.. الحكومة التي تُنقذ بالدم، تعاقب من ينقذها لانها تدرك أن الجنود في تعز يقاتلون لأجل الكرامة ولن يتخلوا عن كرامتهم حتى إن تخلت عن مسؤوليتها تجاههم.
حكومة عارية تتغطرس على آخر حارس لها، بينما العدو الحقيقي يضيق الحصار أكثر.
مشهد يفضح ما وصفته صاحبة كتاب تفاهة الشر وكيف يتحول الخراب الكبير إلى نتيجة حتمية لأفعال موظفين بيروقراطيين، لا يحسون بثقل اللحظة ولا بمسؤولية التاريخ.