الأربعاء 03 سبتمبر ,2025 الساعة: 03:29 مساءً
الإسلام والصنمية
وجها لوجه:
مستهل :
الإمبراطوريتان فارس والروم والقبيلتان الوظيفيتان التابعتان : الغساسنة والمناذرة، كانت نظرتهم الى عرب الجزيرة دونية؛ كونهم أميون متخلفون،
في المقابل:
صوّر القرآن في أكثر من آية هواجس النفسية العربيه وأحلامها في الحصول على منهج ينظم حياتهم وينهض بهم حضارياً كما في هذا النص:
( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذيرٌ ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم ما زادهم الا نفوراً
استكباراً في الأرض ..)
هذا النفور والإستكبار العربي في وجه حامل الرساله ص. يعني أن الطبقة القرشية كانت تريد مقابلة الإستعلاء الفارسي الرومي باستعلاء عربي،
وهذا مرفوض في رسالة الإسلام؛ كونه رسالة رحمة للعالمين،
رسالة المساواة بين سائر الخلق تحت عرش خالقهم بلا استثناء!
نجد هذه المساواة ماثلة في المحور التالي:
ثانياً:
مركزية عقيدة التوحيد:
هذه المركزية نصت عليها آيات القرآن بكثرة
محورها، عبادة الله بمفهومها الشامل للحياتين الدنيا والآخره!
قال تعالى:
( وما خلقتُ الجن والانس الا ليعبدون)
هو المعبود وكل من تحت عرشه عباد له، وهو صاحب الكبرياء في السماوات والأرض وليس لأحد سواه.
ثالثاً: تجليات عقيدة التوحيد:
إذا قمنا بإمعان النظر في نصوص القرآن سنجد أن مركزية عقيدة التوحيد لها أبعاد ومعالم أبرزها:
- ارادة الله التكريميه للإنسان.
- إرادة الله التشريعية لحماية مصلحة الإنسان.
- إرادة الله الخُلْقية التزكوية.
- إرادة الله التسخيرية للسنن الكونية خدمة للإنسان والحضارة.
رابعاً: تحصين المجتمع:
هذه التجليات لم تكن قواعد نظرية ذهنية مجردة، وإنما تحولت من خلال مقاصد تصرفات الرسول ص. الى قواعد ومبادئ إجرائية وتنفيذيه قام على أسسها المجتمع الإسلامي أولاً،
كما أن مقاصد تصرفات الرسول ص.حولتها الى شبكة شروط ذات فاعلية فريدة قادت الى قيام حضارة إسلامية عدة قرون!
شملت هذه القواعد الإجرائيه مجالات مختلفه وذلك على النحو التالي:
- إحلال عقيدة التوحيد بدلاً عن صنمية الشرك والوثنية - حجراً أو بشراً.
- إحلال العلم بدل الجهل والظن والوهم والهوى و الخرافه.
- الدولة بدلاً من القبيلة.
- الأمة بدلاً عن العشيرة.
- التشريع المقدس بدلاً عن الأبآئية.
- العرف القرآني المستند الى القيم الفطرية النقية بدلاً عن العرف القبلي الأعوج.
- الإعمار بدلاً عن التخريب والإفساد.
- بناء البشر - إيجاد المؤمن المحب للنظام انطلاقاً من التزامه بالقيم الخلقية المتجذرة في أعماق العقيدة بدلاً عن الشخص البدوي المتفلت المتسيب، المحب للفوضى وكراهية النظام.
خامساً: تجسيد سنن الإجتماع:
- هذه المبادئ و القيم والشروط الإنسانية و الحضارية وغيرها مما سنو ضحها لاحقاً .
نلاحظ أن مقاصد تصرفات الرسول ص.قد جسدتها بقوة ووضوح على النحو التالي:
- الرسول ص. دخل المدينه من خلال بيعة سياسية حسب ذلك السياق التاريخي.
الطريقة العميلة في في صَهر الصنميه:
- كتابة دستور مرجعي لكل سكان المدينة..
فالقرآن مرجع المؤمنين به والدستور مرجع للسكان جميعاً - اليهود بمختلف بطونهم،
مسلمون - مهاجرون،
انصار، أوس، خزرج،
ومشركون في الاوس والخزرج.
هنا تحصن المجتمع من التمزق القبلي والعشائري - مع عدم المساس بثقافة الجميع التي أختاروها واستقامت عليها مصلحتهم العامة دون الإضرار بالغير.
سادساً:
التشريع القولي:
مقاصد القرآن تجاه قيمة المساواة واضحة منطوقاً ومفهوماً، ومن ذلك قوله سبحانه:
(إنا خلقناكم من ذكر وانثى.. الخ.
(قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون)
ويسجّل القرآن حملة شعواء أبدية كونيه ضد العلماء - حملة الشريعه والمرشدين بأنهم كسائر الناس،
ناعياً على أهل الكتاب قائلاً:
(اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أرباباً من دون الله)
لم يكتف القرآن بهذا بل أضاف أنه لا يجوز التقديس لأحد ولو كان نبياً، فقال (والمسيح ابن مريم..) أيضاً لا يجوز تقديسه!
سنة الرسول القولية:
- لا تطروني كما أطرت بنو اسرائيل أنبياءهم.
- اظلم الملوك من تسمى ب( شاهنشاه) أو كما قال ص.
- الرسول. ص.يمتع تجاراً مسلمين قدموا من الشام وأرادوا أن يسجدوا للرسول معللين أنه ص. أحق بالتعظيم من رجال الروم قائلاً لا يحوز السجود إلا لله.
- لا يجوز للرجل أن يقول للخادم عبدي إنما غلامي و خادمي.
- رأى شخصاً يرتجف إكباراً لمقامه ص. فقال له:
هوّن على نفسك أنا ابن إمرأة من قريش كانت تأكل القديد.
- سحق الصنمية الإجتماعية، حيث قام بتزويج خادمه زيد بن حارثه بزينب بنت صفيه بنت عبد المطلب!!
- يدخل يوم فتح مكة مطاطئاً رأسه تواضعاً حتى كاد يلامس سنام البعير!
ترسيخ المبدئيه:
- لم يكتف القرآن بما سبق وإنما تتبع أشكالاً أخرى من الصنمية - الغرور بالكثرة - إنه خلق حاضر في النفس البشرية لكنه راسخاً في النفسية العربية الجاهليه القبلية قائلاً :
( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ..)الخ.
فالمبدئيه هي وقود الصمود والثبات والنصر!
تلكم هي نبذة موجزة جداً حول مقاصد القرآن ومقاصد تصرفات الرسول ص. ازاء الصنمية بانواعها..يقابلها تحصين المجتمع.
الصحابة يجسدون
وظيفة الرسول ص.
هذه نظرات سريعة تضعنا في غمار الثقافة الإسلامية التي تشربها جيل الصحابة بل وتشبعوا بها من خلال الوظيفة التعليميه للرسول ص. وهي
تعليم الكتاب والحكمة:
لقد تجلت تعاليم الحكمة في التربية النبوية بأرقى صورها عند الصحابه سنشير الى بعضها:
- ربعي بن رضي الله عنه مجيبا على سؤال رستم الفارسي : لماذا جئتم إلينا معاشر العرب؟
جئنا لنخرج من شاء من عبادة العباد الى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان الى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخره..!
هكذا شمل أهداف الرساله بإيجاز بالغ مما يدل علي نضوج ثقافي تشريعي إنساني حضاري راسخ!
-الفاروق يهدم صنمية الاقطاع - فارس والروم!
هذا الرجل الملهم أدرك أبعاد رسالة الرحمة للعالمين فقرر تعميم قيمة الرحمة على كل من وصلت إليه دولة الإسلام، فقد سجل الفقه الإسلامي والتاريخ قرار الفاروق بتمليك الأرض المفتوحة للعاملين فيها وانهم أحرار لا سلطان للإقطاعية عليهم بعد الفتح الاسلامي!
وأن هذا القرار هدف إسلامي - سواء أسلموا أم لم يسلموا، فالأرض ملكهم وهم أحرار في ظل رسالة الرحمة للعالمين.
لقد تهاوت الامبراطوريتان خلال عقد وثلث من الزمن، والفضل يعود الى العقلية السياسية والفكرية والثقافية الفذة عند الصحابة وفي
طليعتهم باني الدولة الاسلامية - الفاروق رضي الله عنه!
- متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟
هكذا أطلقها الفاروق مدوية عبر التاريخ يوم الوقوف بعرفات، كسر بها بقايا الصنمية القابعة في اللاوعي - عربياً وقبطياً.
- قرار عمري أيضا:
من تزوج جارية وانجبت له فإنها تصبح حرة فور إنجابها ولا يجوز استرقاقها ولا بيعها أبداً.
- أصابت امرأة:
نحن أمام مشروع قرار أراد الفاروق أن يقدمه الى مجلس الشورى بشأن تخفيض المهور.
ولكن هيهات، لقد تصدت لمشروع القرار امراة كانت قد فهمت ظاهر النص اطأنه يجوز المهر وإن كان قنطاراً من ذهب..!
لايهمنا حجم القنطار بقدر ما يهمنا حق الإعتراض على السلطة وكسر الصنمية و لو كان الحاكم عمر الفاروق!
هنا يقف المستشرق الألماني المعاصر افريتش شتيبات ويقول :
عمر ابن الخطاب الرجل الذي بنى الدوله الإسلامية حقاً، أي أنه بنى دولة مؤسسات.
- عمر يعين الشفّاء نيابة تموين وتجارة - رقابة السوق.
هل غاب الرجال؟
لا، وإنما التخصص والمهارة، وهكذا تتلاشى الصنمية وتذوب!
مجتمع مدني مبكر:
القول الثقيل يعني:
أن القران - متعالي ،
ولا متناهي، وأنه كوني!
وعليه، فلا غرابة أن تكون الثقافة المستمدة من قيم القول الثقيل قد نضجت بهذه الصورة المشرقة فتسجل بذور لقيام مجتمع مدني
بعيداً عن صنمية القبيلة والعشيرة!
ذلك أنه وصل الخبر الى الفاروق أن شخصاً قتل خطأ في أرض مصر، فقال الدية في ديوان الجند ولا شأن للعاقلة لأنها لم تعد مستفيدة من الرجل إنطلاقاً من قاعدة الغرم بالغنم!
- الفقيه ابو حنيفة رحمه الله هو أول فقهاء المذاهب حيث أدرك 12 من التابعين مما يعني أن تقعيده الفقهي كان أقرب الى الروح الإسلامية كثيراً ومن ذلك:
أنه أفتى بأن الشخص الذي ختن طفلاً ومات فقال أبو حنيفة، الدية على أبناء مهنته لأن الكوفة يومها قد ذابت فيها صنمية القبيلة والعشيرة.
شهادة فوكو ياما:
في كتابه الموسوعي - النظام السياسي عبر التاريخ نجد الكاتب فوكو ياما، الأمريكي من أصل ياباني، يقرر شهادته عن نبي الإسلام محمد أنه جاء بثقافة جديده أخرجت السياسة والحكم من إطارها المتوارث عبر آلاف السنين في أطر سلالية خاصة، فقد نقلها الإسلام نقلة هائلة، مستشهداً بقبائل الأنباط الذين كانوا منبوذين في ظل الإقطاعيه الفارسية وحررهم عمر فأصبحوا قادة ووزراء وتجار وجلساء بلاط، الي غير ذلك، مضيفاً، أن الأتراك وغيرهم بل والمماليك أصبحوا حكاماً ولم يأنف العرب والمسلمون من حكم أعراق وجنسيات ومماليك ؛ كونهم يحكمون بشريعة الاسلام..!
هل فوكو ياما أدرك دور الثقافة الإسلامية في تكسير الصنمية؟
تلكم هي مؤشرات سريعة حول هدم الإسلام للصنمية، والسؤال كيف عادت الصنميه إلينا اليوم؟
هذا هو موضوع الحلقة القادمة بعونه سبحانه.
نلتقي..