الثلاثاء 26 مارس ,2019 الساعة: 10:21 مساءً
مقدمة
في 26مارس/أذار2015 أعلنت المملكة العربية السعودية عن تشكيل تحالف عربي بقيادتها للحد من نفوذ إيران بعد انقلاب جماعة الحوثي المسلحة على السلطة في اليمن، وكان لتدخل التحالف الأثر البالغ في دعم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية لمواجهة الحوثيين الذين تمددوا في معظم محافظات البلاد الـ21.
تكون التحالف العربي بقيادة السعودية من 10 دول على الأقل، وأطلق على الحملة العسكرية اسم "عاصفة الحزم"، وفقاً لطلب من الرئيس عبدربه منصور هادي لاستعادة شرعيته، وبعد أقل من 30 يوماً تغير مسمى العمليات العسكرية إلى "إعادة الأمل".
بعد أربع سنوات من الحرب الطاحنة داخل البلاد وارتفاع أعداد القتلى والجرحى وتدمير البنية التحتية تبدو اليمن في الجحيم، إنسانياً وسياسياً واقتصادياً، فلا يبدو أن هناك نهاية قريبة للحرب.
ومع تصادم المصالح الاستراتيجية للتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات بالمصالح اليمنية، هل يمكننا القول أن اليمن على وشك التفكك؟ ام أنها ستبقى وسط حرب أهلية طويلة الأمد؟
أولاً: التطورات العسكرية
يسيطر الحوثيون على معظم المحافظات الشمالية ويمتد نفوذهم في وسط وغرب البلاد مسيطرين بشكل كلي على ست محافظات شمالية هي إب وذمار والعاصمة صنعاء وعمران وريمة والمحويت حيث الكثافة السكانية.
وتشمل سيطرة الحوثيين أيضا على محافظتي صعدة وحجة الحدوديتين مع السعودية باستثناء بعض المناطق الحدودية التي تسعى السعودية من خلال الحرب فيها إلى خلق حدود آمنة وتشمل مناطق قليلة من مديريات البقع وباقم وقطابر ورازح والظاهر في صعدة وأجزاء من مديريات ميدي وحرض وحيران في حجة، كما يسيطر الحوثيون على البيضاء عدا أجزاء واسعة من مديريات "ناطع، والملاجم، والنعمان والصومعة والبيضاء"، والحديدة (عدا مديرية الخوخة وجزء من حيس والخط الساحلي حتى مديرية الدريهمي)، إلى جانب مديريات في تعز (ماوية و خدير والتعزية واجزاء من مديريات الصلو و حيفان والوازعية و مقبنه، .ومديرية "دمت" في الضالع وأجزاء من مديريتي القبيطة والمقاطرة في لحج.
المناطق التي لازال الحوثيون يسيطرون عليها بعد تحرير التحالف للمناطق الجنوبية وتوقف الأعمال العسكرية على الحدود السابقة تماما بين اليمن الشمالي والجنوبي مؤشر واضح عن رضى اقليمي أو دولي لدعم الانفصال.
أما الحكومة الشرعية فلا توجد بشكل كامل في المناطق المحررة إلا في المناطق الشرقية مأرب والجوف وجزء من شبوة وحضرموت (سيئون)، فيما غالبية المحافظات الجنوبية المحررة تسيطر فعليا عليها المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة من خلال ميلشيات غير مرتبطة رسميا بالدولة، ففيما تنشر الرياض قوات غير مرتبطة بعمليات التحالف العربي في حضرموت والمهرة، تنازع أبوظبي شرعية الرئيس هادي في العاصمة عدن.
وفي أكثر من مرة تندلع اشتباكات بين وحدات من ألوية الحماية الرئاسية عسكريا وميلشيات الحزام الأمني التي تتبع سلطة المجلس الانتقالي الجنوبي المفروضة من الإمارات. فيما شكلت الإمارات أيضا ميلشيات سمتها قوات النخبة للسيطرة على بقية المحافظات الجنوبية مثل الضالع ولحج وشبوة وحضرموت والمهرة وأبين وسقطرى وهذه المناطق أقل كثافة سكانية لكنها ذات مساحة كبيرة وثروة نفطية هائلة، كما أن جزيرة سقطرى التي تتميز بمناخ متميز ونباتات وحيوانات وسواحل نادرة ، تشكل ثروة سياحية جعلت الإمارات أكثر طمعا بها.
أ) الجبهات العسكرية:
من خلال تتبع اداء الجبهات العسكرية نستطيع القول إن العمليات العسكرية الاستراتيجية توقفت فعليا في 2017، وقد تمكن قائد قوات التحالف في اليمن فهد بن تركي آل سعود من انتزاع أمرا من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي باعتبار قرارات قائد قوات التحالف قرارات عسكرية ملزمة للجيش مع تقليص بعض صلاحيات نائب الرئيس في هذا الشأن.
وتتحرك قوات الشرعية والمقاومة الشعبية بدعم سعودي في عدة جبهات بالذات (صعدة ، الجوف، نهم) في محاولة لإعادة التوازنات على الأرض وتمثل معركة تعز أكبر نقاط الاشتباك مع الحوثيين، فيما لا زالت بقية الجبهات مفتوحة .[2]
لكن يمكن هنا وضع تقسيم جديد للجبهات حسب مصلحة التحالف العربي وليس مصلحة الحكومة اليمنية التي لم تستطع أن تحقق اختراقا حتى في دعم القبائل التي انتفضت ضد الحوثيين منذ علق التحالف العمليات العسكرية بشكل غير رسمي بسبب ضغوط دولية كبيرة تواجها السعودية قائدة التحالف، وأيضا من اجل الضغط على الشرعية للقبول بحلول سياسية مستقبلا.
وتنقسم جبهات الحرب بالنسبة للتحالف إلى:
1) جبهات تأمين حدود السعودية: لا تهدف هذه الجبهات الانتصار على الحوثي وإنما لخلق منطقة آمنة على الحدود اليمنية السعودية توقف هجمات الحوثيين على حرس الحدود السعودي وتمنعهم من والتوغل في الأراضي السعودية. وتمتد هذه الجبهة على طول الحدود في محافظتي صعدة وحجة.
2) جبهات الاستنزاف: تحولت معظم جبهات القتال إلى استنزاف للطرفين المتحاربين في اليمن -الحوثيين والشرعية- نظرا لعدة أسباب أهمها: إيقاف تقدم الجبهات عمليا على الأرض، ومنع التسليح وتسليم الرواتب وإتاحة الفرصة للفساد في أوساط العسكريين وصولا إلى بيع السلاح والتغذية وشراء الجنود من الجبهات الاستراتيجية إلى الجبهات الحدودية، وتقطير الدعم اللوجستي بالذات ما يتعلق بالسلاح النوعي حيث ما يسلم للجبهات هو سلاح وذخيرة عادية وغير نوعية لا تؤدي الى الحسم العسكري وإنما لاستمرار الحرب واستنزاف الجانبين. وتشير معلومات إلى أن هناك أولويات لبعض أطراف التحالف العربي في بقاء الحرب في حالة استنزاف ليسهل تفكيك الكتل الصلبة الداعمة للشرعية ويسهل بعد ذلك التحكم بها بعد هزيمة أو إخضاع أو الحوار مع الحوثيين. ورغم تحول كل الجبهات إلى حالة استنزاف إلا أن جبهات تعز والبيضاء هي أكثر الجبهات استنزافا.
3) جبهات استراتيجية: رغم أهمية الجبهات الاستراتيجية في تحقيق حسم عسكري على الحوثيين إلا أن التحالف العربي حولها إلى جبهات للضغط فقط يحركها متى ما يريد، فجبهة نهم التي يمكن أن تتحرك باتجاه أرحب للسيطرة على مطار صنعاء واعلان انتهاء العمليات القتالية، تم توقيفها وإضعافها ومنع تسليحها، كما أن جبهة صرواح التي يمكن أن تصل إلى مناطق خولان البوابة الجنوبية للعاصمة صنعاء تحولت إلى ثقب اسود ومحرقة للحوثيين وللجيش اليمني معاً. وتعرضت لقصف خاطئ أكثر من مرة من الطيران ومدفعية التحالف كما حدث في يناير/كانون الثاني2017 .
كما لم يتم دعم جبهة الجوف للتحرك سريعا باتجاه عمران وصعدة حيث ظلت تتقدم ببطء حتى تم ضرب مقاتليها بغارة خاطئة من طيران التحالف في مارس/آذار 2019 أدت إلى مقتل وإصابة أكثر من 30 جدنديا وضابطا من قوات الشرعية.
كما كان يمكن أن تتحول انتفاضة المجتمع داخل مناطق الحوثيين إلى جبهات استراتيجية مرهقة ومكلفة للحوثيين، فجبهة حجور إلى جانب أنها ستشجع القبائل على الانتفاضة في وجه الحوثي كان يمكن أن تتيح للجيش الوطني القادم من المنطقة العسكرية الخامسة في تهامة الوصول إلى مناطق عمران حول العاصمة صنعاء وقطع طريق صعدة حجة، وصعدة صنعاء وبذلك ينهار وضع جماعة الحوثي عسكريا وقبليا.
ب) معركة الحديدة:
تحركت القوات الحكومية خلال النصف الأول من عام 2018 في محافظة الحديدة وقطعت القوات المدعومة من الإمارات مسافة 70 كم على طول الشريط الساحلي من "الخوخة" إلى مدينة الحديدة، خلال أيام. لكنها توقفت على تخوم المدينة دون اقتحامها أو إمكانية الوصول إلى الميناء بسبب ضغوط دولية تخشى أن يتأثر إمداد المساعدات الإنسانية لملايين اليمنيين التي تمر عبر الميناء الحيوي.
هذه الجبهة واسعة، حيث يقاتل فيها أكثر من 25 ألف مقاتل موزعين على خمسة ألوية للعمالقة مهمتها تأمين أطراف الحديدة، فيما هناك لوائين سادس وسابع للإسناد، واثنان آخران على بوابة المدينة. وألوية تهامة التي تقاتل في ريف الحديدة وبعض مناطق إقليم تهامة.
من بين الألوية كتائب خاصة بقبائل الزرانيق المعروفين بشراستهم القتالية، حيث ينتشرون في القرى المحيطة بالحديدة وتتكبد خسائر كبيرة. بينما هناك قوات خاصة بنجل شقيق الرئيس السابق ( طارق صالح) الذي انضم للحرب ضد الحوثيين بعد أن تحالف معهم عقب مقتل عمه "علي عبدالله صالح" برصاص الحوثيين نهاية عام 2017م. ويتلقى دعماً كبيراً من الإمارات وبحلول نهاية عام 2018 كانت الإمارات قد قامت بضم ألوية عسكرية تهامية إلى قواته المعروفة باسم "حراس الجمهورية".
ج) الانتفاضات القبلية:
خلال الأربع سنوات تحركت قبائل في مناطق سيطرة الحوثيين منها قبائل "بني معوضة" في مديرية عتمة عام (2018)، لكن الحوثيين انتصروا عليهم. وفي نهاية 2018 كانت قبائل من الضالع وإب قد دعمت تحركا عسكريا للجيش من مريس حتى وصلت على تخوم مدينة دمت السياحية، ولكن توقفت بعد نفاذ الذخيرة وعدم تفاعل التحالف العربي معها كجبهة داخلية يمكن ان تتحول إلى جبهة استراتيجية تؤمن محافظة تعز وتخسر الحوثيين أهم وأكبر المحافظات التي يحكمونها وهي محافظة إب.
وفي نهاية يناير/كانون الثاني 2019، ظهرت مقاومة مسلحة من داخل مناطق الحوثيين الأولى في منطقة الحشاء في محافظة الضالع جنوبي البلاد، بعد أن فجر الحوثيون منازل شيخ قبلي موالِ للحكومة المعترف بها دولياً وتدور مواجهات فيها -حتى كتابة التقرير- وتدعم القبائل قوات الحكومة الموجودة بالقرب من المنطقة.
والثانية في مناطق قبائل حجور الحدودية، وتركزت المواجهات في مديرية "كُشر" بمحافظة حجة شمالي البلاد. وقاومت القبائل هناك أكثر من خمسين يوماً. إذ يخشى الحوثيون من هجوم حكومي من مواقع الجيش الوطني شمال وغرب محافظة حجة، من ميناء ميدي ومدينة حرض، بالتزامن مع تقدم يجري من الشرق في مثلث "عاهم".
ودائما ما حاول الحوثيون السيطرة على منطقة "كٌشر" إذ أنها منطقة محاطة بالجبال ومحصنة تحصيناً جيداً بفعل التضاريس. ويبدو أن الحوثيين مع اقتراب القوات الحكومية من المنطقة خرقت اتفاقاً مع القبائل ينص على هدنة بينها وبين الحوثيين عام 2012م، وتقضي بعدم استخدام الحوثيين أراضي القبائل من أجل تنفيذ عمليات. لكنها مؤخراً اجتمعت بالقبائل وطلبت أن ينتشر عناصرها في الجبال المحيطة مع نقل دبابات وآليات عسكرية، لكن رجال القبائل رفضوا ذلك، ما أدى إلى قيام الحوثيين بنشر عناصرهم بالقوة في الجبال ولأجل ذلك اندلعت الحرب.
حشد الحوثيون مسلحين من القبائل الأخرى في صنعاء وعمران وذمار والمحويت للقتال في "حجور". واجتمع عبدالملك الحوثي بزعماء قبائل معظمهم موالين للجماعة مع اشتداد المواجهات، ووقعوا وثيقة "قبلية" تتبرأ من قبائل "حجور" المنتفضين عليهم.
دعمت الحكومة اليمنية والتحالف العربي حركة القبائل بأسلحة وذخيرة لكنها لم تكن كافية، فيما لم تتحرك القوات الحكومية القريبة لفك الحصار الذي يفرضه الحوثيون على "كُشر". ويبلغ عدد سكان كشر بنحو 114 الف نسمة، نزح أكثر من ثلثهم بسبب القتال.
في فبراير/شباط 2019 دفع الرئيس اليمني بسبع كتائب عسكرية وتكوين لواء عسكري من ابناء حجور لفك الحصار. لكن كان الحوثيون أسرع ففي السابع من مارس/أذار2019 أعلن الحوثيون السيطرة على المنطقة، بعد إسقاطهم لمنطقة "العبيسة" الاستراتيجية، على الرغم من استمرار المقاومة الشعبية في قرى أخرى. وتمكن الحوثيون من الوصول إلى منازل قيادات قبائل المقاومة وتم تفجيرها واختطاف أبنائهم وقتل تلك القيادات.
ويمكن الإشارة إلى أن معركة حجور بقدر ما كشفت هشاشة الحوثيين عسكريا واحتياجهم ما يقارب شهرين لهزيمة قبيلة واحدة انتفضت، إلا أنها أرسلت برسائل أخرى:
- استخدم الحوثيون قوة مفرطة في مهاجمة رجال القبائل حيث حرصت الجماعة على إظهار هيمنتها، لفرض سيطرتها على المنطقة التي لم تدخلها منذ 2012م، في رسالة واضحة إلى زعماء القبائل بأن مصير أي تحركات ضد سيطرتهم وقوتهم سيكون مشابها لما حصل لقبائل حجور.
- يُظهر الحوثيون انتقالهم لمرحلة فرض سلطة الأمر الواقع وتقديم أنفسهم للمجتمع الدولي الذي يرعى العملية السياسية على انهم قوة واحدة تفرض قرارها على المناطق المسيطرة عليها بينما العكس بالنسبة للمناطق المحررة التي تتنازعها وتتجاذبها أطراف محلية واقليمية.
- كشف التحرك القَبلي في "حجور" أن الحكومة والتحالف لا يملكا رؤية واضحة لدعم أي انتفاضة قبلية في مناطق سيطرة الحوثيين، وظلا متخبطين لأسابيع قبل أن يعلنا دعمهما لرجال القبائل، كما أن الجيش الوطني ظل في ثكناته دون حراك لفتح خطوط الإمداد وتأمينها على الرغم من أهمية المنطقة استراتيجياً في معركة تحرير "حجة" و"صعدة".
- بعكس ما قد يعتقده الحوثيون أن ذلك سيخيف القبائل وزعمائها، فإن نكث العهود والهدنة مع شيوخ القبائل التي قبلت بالحياد مقابل دخولهم مناطقها كما حصل في حجور، سيدفع زعماء القبائل الأصليين إلى البحث عن طُرق وأساليب جديدة توحدهم لقِتال جماعة الحوثيين دون الاعتماد على التحالف العربي أو الحكومة المعترف بها دولياً مستقبلا.
د) تطوير أسلحة الحوثيين:
انقلب الحوثيون على السلطة في سبتمبر/أيلول2014 -كميليشيا مسلحة متمردة خاضت ستة حروب ضد الحكومة منذ 2004 وحتى 2010- واستحوذت على أسلحة الجيش وأسست أجهزة موازية للدولة رغم سيطرتهم -أيضاً- على الأجهزة الرئيسية وتغيير المسؤولين وفرض مراقبين للجماعة في كل مؤسسة حكومية.
قام الحوثيون بتطوير أسلحتهم خلال أعوام الحرب ووصل التطوير إلى مستويات كبيرة للغاية، إضافة إلى مدى أوسع وأكبر، في الصواريخ الباليستية وطائرات بدون طيار ما يجعل منطقة شبه الجزيرة العربية تحت تهديد تلك الطائرات والصواريخ.
*طائرات الدرونز: في فبراير/شباط 2017 كشف الحوثيون عن امتلاكهم لطائرات بدون طيار لتنفيذ مهام قتالية واستطلاعية وأعمال المسح والتقييم والإنذار المبكر، وتضم الطائرات المصنعة طرازا يطلق عليه «الهدهد 1»، و«الرقيب» و«راصد» و«قاصف 1»، ومن أبرز مهامها القيام بأعمال تقنية وقتالية منها دور تصحيح المدفعية ورصد وتحديد أماكن تجمع القوات المستهدفة وإرسال الإحداثيات لما يسمونها " الوحدة الصاروخية والقوة المدفعية وقوة الإسناد والتقييم".
وفي عام 2018 أعلن الحوثيون عن طائرات مسيرة من نوع (صماد2، صماد3، قاصف-2K). وكما فعل الحوثيون بالإعلان عن "دائرة خاصة" للتصنيع العسكري وتطوير الصواريخ الباليستية، أعلنوا عن دائرة لما يعرف بـ"سلاح الجو المسير" وهي الدائرة التي تُنسب لها العمليات التي تنفذها جماعة الحوثيين من خلال هذا النوع من الطائرات.
لكن أخطرها هي الطائرات الانتحارية (صماد وقاصف) المختلفة من حيث المدى وخلال الأعوام الماضية اتضح أن هذه الطائرات تشبه الطائرات الإيرانيَّة دون طيار ، وهناك طائرة واحدة على الأقل تملك أرقاماً تسلسلية مع طائرة إيرانية قدمتها لميليشيات الحشد الشعبي في العراق
*الصواريخ الباليستية: على الرغم من الحظر البحري وتعقيد وصول السلاح إلى الحوثيين إلا أن الجماعة تمكنت إما من الحصول على صواريخ باليستية من إيران، مجزأة وتم تركيبها في اليمن، أو أن الجماعة اعتمدت على تكنلوجيا إيرانية لتطوير الصواريخ التي سيطروا عليها من الجيش اليمني. وفي نهاية 2015م طور الحوثيون صواريخ بالستية روسية لتصل مدى أكبر وتحمل قدرة تفجيرية أكبر، مستهدفين البلدات السعودية الحدودية مع اليمن ومستخدمين لها في معارك داخلية بين المدن لتتطور في نهاية العام الرابع من الحرب وتصل إلى الرياض وربما أبوظبي ودبي.
وأبرز هذه الصواريخ التي أعلن عنها الحوثيون " قاهر-1 ، قاهر-M2، زلزال-3 ، بركان-1 ، بركان H2، صاروخ كروز مجنح جوال، صواريخ ذكية (أرض-بحر)".
ثانياً: الأوضاع السياسية
أدى استمرار الحرب مع فقدان الآمال بتوقفها ، إلى تعدد الفاعلين المحليين والإقليميين وتحولت الأهداف الرئيسية للسعودية والإمارات- الدولتان اللتان تقودان التحالف في الوقت الحالي- إلى أهداف فرعية ليس من بينها الدعم الكامل للحكومة الشرعية في حسم المعركة مع الحوثيين.
هذا الوضع أدى إلى الكثير من الأزمات المتعلقة بالحكومة الشرعية. بالمقابل استمر الحوثيون خلال العام الأخير في بناء شرعية سياسية خاصة بعد أن قتلت الجماعة حليفها علي عبدالله صالح (الرئيس اليمني الراحل ورئيس حزب المؤتمر الشعبي العام).
1) التطورات التي طرأت على الشرعية:
تستند الشرعية على انتخاب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي رئيساً توافقياً للبلاد في فبراير/شباط 2012م، كما يستند التحالف مشروعية وجوده في اليمن من شرعية الرئيس الذي يشير قرار مجلس الأمن (2216) إلى أنه رئيس البلاد الشرعي ويجب استعادة شرعيته.
لكن التحولات الطارئة استهدفت الشرعية الجمعية التي انتخبها اليمنيون. ومن تلك التطورات:
-عدم الاعتراف بالشرعية: لا يعترف الحوثيون بـ"هادي" رئيساً، ويتفق معهم في ذلك بقايا الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح الذين على الرغم من خروجهم من عباءة الحوثيين والقِتال في صفوف خصومهم إلا أن "عائلة صالح" ومن يوالونهم يرفضون الاعتراف بشرعية "الرئيس" أو حكومته.
كما أن ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي بُني بدعم من قبل الإمارات يعتبر نفسه سلطة موازية لحكومة "هادي" في المحافظات المحررة جنوب البلاد. ومنذ تأسيس المجلس عام 2017 دارت معارك عسكرية وتوترات بين الطرفين من أجل السيطرة على العاصمة عدن، وهو ما يشير ضمنا إلى أن التحالف لا يريد للرئيس هادي والشرعية الاستقرار السياسي قبل انتهاء الحرب وتحقيق مصالحهم في اليمن.
- وجود الشرعية خارج البلاد: لم يتواجد الرئيس اليمني داخل البلاد منذ بدء الحرب إلا في القليل النادر، ويبقى في مقر إقامته في الرياض وكذلك باقي أعضاء الحكومة، وسط اتهامات بأن "هادي" تحت الإقامة شبه الجبرية حيث أنه محظور من العودة إلى اليمن، ويستدل أصحاب هذا الرأي بتمكين التحالف العربي للميلشيات بالتحكم في محافظات الجنوب المحررة بالذات العاصمة عدن.
- تغيير الحكومة: استبدل هادي حكومته ثلاث مرات الأولى بإزاحة خالد بحاح من رئاسة الحكومة ومنصب نائب الرئيس في 2016، وتعيين أحمد عبيد بن دغر رئيساً للحكومة وعلي محسن صالح الأحمر نائباً له. ثمَّ إزاحة "بن دغر" من رئاسة الحكومة وتعيين "معين عبدالملك" في أكتوبر/تشرين الأول2018م رئيساً للحكومة، وهذه التغييرات أتاحت للرئيس السيطرة الكلية على الحكومة دون إشراك حقيقي للأحزاب فيها كما تنص المبادرة الخليجية.
- السيطرة على الأمن: لا تملك الحكومة اليمنية سيطرة كاملة على القوات التي تدعمها حيث توجد فصائل تتلقى أوامرها من القيادة العسكرية الإماراتية، وتدير سجوناً سرية وعامة ليمنيين بإشراف إماراتي، ومنها قوات "النخبة" و"الأحزمة الأمنية" في المحافظات المحررة إضافة إلى كتائب أبي العباس في تعز وقوات عسكرية سعودية في المهرة.
2) سلطة الحوثيين:
استمرت جماعة الحوثي في الاستحواذ على السلطة مع صورة هامشية لبقايا أتباع "صالح" في حكومة غير معترف بها دولياً، طوال الأعوام الثلاثة منذ تدخل التحالف. ويكتسب الحوثيون سلطتهم كأمر واقع، فتدفع المعارضين إلى السجن والموالين إلى الفحوص الأمنية المتكررة من خلال أدواتها:
- الأمن الوقائي: تملك الجماعة ما يعرف بالأمن الوقائي، لكنها ترفض الاعتراف بوجوده، وهو سلطة عليا على باقي أجهزة الأمن والمخابرات، ويهتم بمراقبة أعضاء الجماعة والموالين لها، فيما تهتم باقي الأجهزة بالبحث عن المعارضين.
- الغطاء السياسي: قامت الجماعة بتطويع بقايا حزب المؤتمر الذي كان متحالفاً مع صالح وبعد تعيين صادق أمين أبو راس رئيساً للحزب، قدمته مجدداً كحليف للمجتمع الدولي من أجل إعادة اكتساب الغطاء السياسي لكن على الرغم من ذلك فشلت الجماعة- إلى حدٍ ما -في الحصول على تعاطف من أعضاء المؤتمر بعد مقتل "صالح".
- وثائق شرف لإخضاع القبائل: استفادت الجماعة من خبرة أعضاء حزب صالح في السلطة، وفشل الحكومة الشرعية في إدارة المناطق المحررة، لتقديم نفسها كسلطة أمر واقع. لكن الجماعة تواجه معضلة كبيرة للغاية فالكثير من مناطق القبائل لا تستطيع الجماعة دخولها أو إنفاذ وجودها بسبب تعهدات سابقة منهم بشأن الحياد مقابل عدم إدارة الحوثيين لمناطقهم. ويبدو أن الجماعة تعاني مع اقتراب القوات الحكومية من صنعاء وحجة وعمران، لذلك دفعت بما يعرف بميثاق "الشرف القبلي" وأسست شيوخ جُدد للقبائل من التابعين لها تمهيداً لاستهداف شيوخ القبائل الرئيسيين واسقاطهم.
- البحث عن مشروعية : وفيما تقوم جماعة الحوثي باجراء تعيينات مستمرة في ما يعرف بمجلس الشورى – الغرفة التشريعية الثانية، أعلنت عن اجراءات لقيام انتخابات برلمانية في دوائر مجلس النواب الشاغرة في المناطق التي تحت نفوذها بعد تعديل اللجنة العليا للانتخابات، والشاغرة بالنسبة للحوثيين يعني إما أن يكون النائب البرلماني قد توفي أو منضم للشرعية وغير متواجد
3) الفاعلون المحليون لأجندة خارجية:
مع استمرار الحرب ظهر فاعلون محليون كُثر، يعتمدون على اقتصاد الحرب، وهؤلاء الفاعلين هم معوقات أي اتفاق سلام محتمل في اليمن.
- المجلس الانتقالي الجنوبي: بعكس المتصور فالمجلس الذي تأسس في مايو/أيار2017م لا يمثل التيَّار الانفصالي، وإن كان يقدم نفسه كحامل لهذا المشروع. لكن التيارات الجنوبية الأخرى التي ترى الانفصال حلاً أو ترى الدولة الاتحادية من ستة أقاليم أو الدولة الاتحادية من إقليمين يعتبرون المجلس مكونا لا يمثل المحافظات الجنوبية. ولا يحظى المجلس بترحيب محلي أو إقليمي، وعادة ما تشن عليه وسائل الإعلام السعودية حملات بصفته يقوض السلم في البلاد. وتعيش معظم قيادته في أبوظبي.
- الأحزمة الأمنية وقوات النخبة: يعتمد المجلس الانتقالي في الترويج بكونه سلطة الأمر الواقع في المحافظات الجنوبية على هذه القوات التي تمولها وتدربها وتتبناها دولة الإمارات العربية. يبلغ عدد هذه القوات في المحافظات المحررة أكثر من 60 ألفا. تقول أبوظبي إن تلك القوات من أجل مكافحة الإرهاب لكن من الواضح أن الإمارات تستخدم شعار مكافحة الإرهاب كغطاء لتنفيذ مصالحها.
- صالح/المؤتمر: تمزق المؤتمر مع بدء الحرب بين "صالح" و"هادي" وبعد مقتل صالح تمزق المؤتمر للمرة الثانية عندما اندفع الذين مع صالح في ثلاثة مسارات، الأول: مع الحوثيين وبقي في صنعاء. والثاني: عاد إلى الحكومة الشرعية وانخرط في المؤتمر الذي يقوده هادي. والثالث: مع عائلة صالح بعضهم يقاتل في الساحل الغربي ضمن "قوات طارق صالح" نجل شقيق "صالح" وآخرون موزعون بين أبوظبي والقاهرة والرياض. لا تعترف "عائلة صالح" بشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، وما زالت العائلة وأنصارها تُقدِّم نجل "صالح" (أحمد علي عبدالله صالح) الموجود في أبوظبي كقائد خلفاً لوالده على حزب المؤتمر في ظِل رفض "هادي" وفصيل صنعاء. وتدفع أبوظبي باتجاه هذه الخيارات لكن "أحمد" يخضع لعقوبات بموجب قرار مجلس الأمن لمساعدة الحوثيين في اجتياح صنعاء وإعاقة العملية السياسية والمرحلة الانتقالية التي كانت البلاد تعيشها (2012-2014)، ما يجعل ظهوره السياسي عداء واضح ودون جدوى.
4) التنافس داخل التحالف:
على عكس تحركات الحوثيين للإطاحة ب"صالح" تجنباً لهشاشة جبهتهم الداخلية، والاستحواذ على حصة صالح من أي توافقات سياسية ضمن جهود عملية السلام. تتوسع الخلافات داخل التحالف العربي الذي تقوده السعودية سواء كانت مع الدول الأخرى التي شاركت منذ البداية في دعم العملية أو بين الأطراف المحلية الداعمة له.
- الانسحابات: خلال أربع سنوات من الحرب انسحبت الدول الأعضاء من التحالف، فبعد إخراج "قطر" من التحالف مع بدء الأزمة الخليجية الداخلية منتصف 2017م، انسحبت القوات المغربية وطائراتها بسبب أزمة دبلوماسية أخرى بين الرباط والرياض. أما ماليزيا فقد سحبت قواتها من الحدود السعودية مع وصول حكومة جديدة يقودها مهاتير محمد، متهمة السعودية بتحويل المساعدات التي كانت تقدمها للحكومة السابقة للمشاركة في حرب اليمن إلى قروض. أما باكستان التي على الرغم من العلاقة الجيدة مع الرياض إلا أن قيود البرلمان وضغط الشارع، وتوازنات المنطقة جعلها تسحب قوة بسيطة كانت على الحدود -قيل أنها للتدريب-. تبقى السودان وهذه الدولة التي تعيش اضطرابات منذ بداية العام الحالي قد تسحب وجود قواتها، مع ضغوط الأحزاب والبرلمانيين.
- صراع النفوذ: اليمن دولة ذات موقع استراتيجي، على بحر العرب والبحر الأحمر والقرن الإفريقي. لذلك تندفع أبوظبي والرياض نحو التنافس للبقاء طويلاً في المواقع الحيوية. وخلال عام 2018م استمرت أبوظبي في قاعدتها العسكرية في المخا والتواجد في سقطرى وعدن وشبوة وتوسيع بناء القاعدة العسكرية في المكلا، والسيطرة على قرار من يدخل البلاد ومن يخرج منها. في نفس الوقت تناضل الرياض لإبقاء قاعدتها العسكرية في المهرة، وتتواجد في وادي حضرموت حيث تحاول الإمارات التوسع اليه. تستخدم أبوظبي أدواتها في اليمن لتهديد النفوذ السعودي، تارة بالاجتياح وأخرى بانتفاضة من الداخل. فيما تدفع السعودية، الحكومة اليمنية إلى الغضب والتهديد المبطن ضد نفوذ أبوظبي. أما سلطنة عمان المجاورة والتي تملك نفوذاً في المهرة ووادي حضرموت تحرك القبائل وتثيرها ضد تواجد السعودية والإمارات بالقرب من حدودها، وتحظى عمان بطمأنة بريطانية بعد أن دخلت لندن كلاعب جديد في الأزمة اليمنية مستفيدة من مواطنها مارتن غريفيث مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن.
5) الضغوط الدولية:
تتعرض السعودية والإمارات في اليمن إلى ضغوط دولية مستمرة من أجل وقف الحرب، وكانت تلك الضغوط هي التي أدت في النهاية إلى وقف معركة تحرير الحديدة.
في أكتوبر/تشرين الأول2018 وبعد لقاءات "غريفيث" مع مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، وجيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، دعا الرجلين إلى إنهاء القتال. أما وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت فقد تحرك في جولات مكوكية من أجل دعم خطط غريفيث في اليمن شملت أبوظبي والرياض وطهران وأيضاً سلطنة عمان في زيارات تكررت للمنطقة. كما زار هنت مدينة عدن حيث توجد الحكومة اليمنية، محذرا من فشل الاتفاقات الدولية. تحدث بومبيو وماتيس في لقاءات وبيانات منفصلة عن سُبل وقف الحرب في اليمن وتصور بلادهما لحل الأزمة وإيقاف الحرب أبرز نقاطها:
- يوقف الحوثيون إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على السعودية والإمارات، بعد ذلك سيكون على التحالف وقف الغارات الجوية التي تستهدف الحوثيين .
- عمل منطقة حدودية منزوعة السلاح بين اليمن والسعودية.
- سحب الأسلحة الكبيرة مثل الصواريخ الباليستية من اليمن “لن يغزو أحد اليمن-قال ماتيس”.
- منطقة حكم ذاتي للحوثيين في شمال اليمن "من أجل أن يتأزروا ويتركوا إيران ويكون صوتهم مسموعاً".
كما أن الكونجرس الأمريكي يضغط بشكل دائم من أجل وقف الحرب في اليمن، وزادت المطالبات بين المشرعين الأمريكيين عقب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في سفارة بلاده بإسطنبول (أكتوبر/تشرين الأول2018). وفي مارس/أذار 2019 صوت مجلس الشيوخ على مشروع قرار لوقف دعم واشنطن للسعودية والإمارات في اليمن، وسيذهب القرار نحو مجلس النواب إذ متوقع أن يتم الموافقة عليه بسبب سيطرة الديمقراطيين. ويتصدى ترامب لهذا القرار ومن المتوقع أن يستخدم أول فيتو ضد قرار الكونجرس في ولايته ضد هذا القرار.وتضغط دول في الاتحاد الأوروبي لوقف الحرب من خلال وقف تصدير الأسلحة إلى السعودية والإمارات كما فعلت على سبيل المثال ألمانيا والنرويج.
6) مكافحة الإرهاب:
شنت الولايات المتحدة 36 غارة جوية على مواقع لتنظيمي الدولة والقاعدة في اليمن خلال 2018 وعلى الرغم من أن تلك الغارات أقل بكثير من إحصائيات عامي 2016و2017م إلا أن مدنيين سقطوا فيها. واشتعلت المواجهات بين التنظيمين في محافظة البيضاء وسجل راصدوا مركز "أبعاد" أكثر من عشر هجمات متبادلة بين التنظيمين بين يوليو/تموز2018 وفبراير/شباط2019.
تُقدِّم الإمارات نفسها في اليمن كدولة محورية لمكافحة الإرهاب؛ وحققت تقدماً في خروج تنظيم القاعدة من المدن لكن أدواتها أوجدت البيئة اللازمة لبقاء التنظيمات قوية ومتماسكة وتملك أسلحة نوعية مستقبلاً. نشرت العفو الدولية وCCN تقريران، عن المستخدم الأخير للأسلحة الأمريكيّة حيث وصلت تلك الأسلحة إلى أيدي تنظيم القاعدة وربما تنظيم الدولة إضافة إلى المخابرات الإيرانيَّة عبر الحوثيين. تقوم السعودية والإمارات بتسليم الأسلحة للقبائل والمقاتلين الموالين لها، والتي أدت في نهاية المطاف لبيعها للتنظيمات أو انضمام الأفراد إليها. هذا النهج في تسليم الأسلحة يناقض اتفاقات البيع من الولايات المتحدة لحلفائها الإمارات والسعودية، ما قد يدفع واشنطن إلى إجراء عقوبات. كما أنه يؤدي إلى معرفة تكنلوجيا الأسلحة الأمريكيّة وتقاسمها مع المنظَّمات الإرهابية لاستهدافها.
إلى جانب ذلك فإن دولة الإمارات تستخدم مبرر مكافحة الإرهاب كغطاء لتمدد نفوذها في المحافظات الجنوبية حيث مناطق النفط والغاز، وتتجنب التوغل في مناطق وجود التنظيمين.
ثالثا: ملف السلام ودور الأمم المتحدة
1) تحركات الأمم المتحدة:
في مطلع عام 2018 حلّ مارتن غريفيث بديلاً عن إسماعيل ولد الشيخ أحمد مبعوثاً أممياً في البلاد. يعتمد غريفيث وهو بريطاني الجنسية، في جهوده على ارتباطه بالأطراف اليمنية منذ عام 2017م عندما كان يقود جهودا خلفية لصالح الاتحاد الأوروبي بصفته رئيساً لمعهد السلام التابع للاتحاد، وشكل مجموعات عمل من كل الأطراف من باحثين وسياسيين وشخصيات اجتماعية لتكوين رؤية لما هو قادم عليه، واستند على ذلك في تحركاته، لكنه اصطدم في سبتمبر/أيلول2018 بأول عقبه في طريقه برفض الحوثيين الحضور إلى جنيف؛ وبعد تنفيذ طلبات الحوثيين التي تمثلت بنقل مصابين للجماعة والحصول على ضمانات بإمكانية العودة، تمكن من التمهيد لمحادثات ستوكهولم بعد عامين من انقطاع الطرفين عن المشاورات.
حصل "غريفيث" على دعم المجتمع الدولي: بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ودول أخرى من أجل بدء المشاورات، واستغل غريفيث الضغط الدولي بشأن مقتل الصحافي خاشقجي في الضغط على المملكة العربية السعودية من أجل تحقيق تقدم في الرؤية التي يقترحها من أجل السلام.
وكالعادة برزت معضلة دائمة أمام المتحدة في البحث عن اتفاق سلام دائم، تتمثل في أيهما أولاً: الأمني أم السياسي، حيث ترى الحكومة الشرعية الالتزام بالمرجعيات الثلاث "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن أهمها القرار 2216". وكان الحوثيون وافقوا تحت ضغط أممي في مشاورات جنيف1 (2015) على الاعتراف بالقرار الأممي 2216، والذي يطلب من الحوثيين الانسحاب من المدن وتسليم السلاح الذي تم نهبه من مخازن الجيش اليمني للحكومة اليمنية. لكنهم رفضوا لاحقاً مطالبين بأن يكون حسب الوضع على الأرض.
2) اتفاق ستوكهولم:
يوم 13 ديسمبر/كانون الأول2018م، تم الإعلان عن اتفاق "ستوكهولم" بعد مشاورات بين الحكومة الشرعية والحوثيين. وتوافق الطرفان على اتفاق الحديدة الذي كان خارج التوافق بين الطرفين حتى اللحظات الأخيرة من المشاورات ضمن اتفاقات أخرى:
الأول: اتفاق الأسرى والمعتقلين برعاية الصليب الأحمر، الذي تضمن الإفراج عن كل الأسرى والمعتقلين من الطرفين وتم تسليم وتسلم قائمة للطرفين بـ16 ألف اسم للإفراج عنهم أو معرفة مصيرهم.
الثاني: تفاهمات حول تعز، وهي تفاهمات تتعلق بفتح المعابر للإغاثة والمسافرين حيث تخضع المدينة التي يعيش فيها 600 ألف يمني لحصار حوثي منذ 2015.
كانت الأمم المتحدة قد وضعت اتفاقاً على مشاورات في يناير/كانون الثاني 2019، لكن عدم تحقيق تقدم في الاتفاقات السابقة أدى في النهاية إلى تأجيل حدوث مشاورات إلى أجل غير مسمى.
لكن ظهرت مخاطر تتعلق بالاتفاق حول توقيف الأعمال القتالية في الحديدة:
أ) الثغرات: بعض فقرات الاتفاق فيها الكثير من الثغرات، فلم تكن واضحة بما فيه الكفاية لإلزام أي من الطرفين وتفتح المجال أمام تأويلات الحكومة والحوثيين، وتحتاج الأمم المتحدة إلى تفسير ذلك بشكل واضح حتى لا تُعلق الآمال على بناء هش فوق اتفاق غير مفهوم.
ب) تثبيت وقف إطلاق النار: يعتبر ذلك مهدد أخر للاتفاق فدون تثبيت وقف إطلاق النار وبدء فريق مراقبة من يخرق الهدنة قد تعود الحرب في الحديدة.
ج) إعادة الانتشار: على الرغم من أن مكان انتشار القوات سيمثل جدلاً متصاعداً من الطرفين إلا أن إعادة الانتشار بما يسمح بعودة الاشتباكات سريعاً قُرب مدينة الحديدة سيجعل من الاتفاق سببا في حرب جديدة ربما أكثر عنفا من ذي قبل؛ كما أن من يتسلم إدارة موانئ الحديدة عقبة أكبر بكثير فلا يبدو أن الحوثيين سيتخلون عن المدينة الحيوية.
د) اللجنة الاقتصادية: حسب الاتفاق فإن الإيرادات من الموانئ ستذهب إلى البنك المركزي في الحديدة ولذلك يحتاج الاتفاق إلى آلية سريعة لإدارة الاقتصاد ودفع مرتبات الموظفين.
3) المفاوضات مع إيران:
تحتضن بروكسل منذ فبراير/شباط2018 اجتماعات بين أربع دول من الاتحاد الأوروبي وإيران، وفي شهر مارس/أذار2019 عقد الوفد الإيراني الذي يقوده نائب وزير الخارجية الإيراني حسين جابري انصاري الاجتماع الخامس مع ممثلين من (بريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا وفرنسا) بخصوص اليمن[. وعلى الرغم من تجاهل الحوثيين لهذه اللقاءات وعدم التعليق حولها إلا أن جابري انصاري قال إن تلك الاجتماعات تتم بطلب من جماعة الحوثي المسلحة
تقول إيران ودول الاتحاد الأوروبي إن لطهران دور في الضغط على الحوثيين من أجل الموافقة، حتى يستمر الاتفاق النووي مع أوروبا، قالت المسؤولة في الاتحاد الأوربي فريديكا موغريني: هذه فوائد استمرار الاتفاق النووي الإيراني: نتيجة الحوار الذي وضعناه مع إيران حول القضايا الإقليمية، استخدمت إيران نفوذها على الحوثيين لبدء المناقشات في السويد، تحت رعاية الأمم المتحدة - وهو أمر أصررنا عليه وأيدناه بشدة
خلاصة
ما سبق يبدو أن الحرب في اليمن لا أفق لها وأن نهاياتها صعبة خاصة مع تغير أولويات التحالف العربي الداعم للشرعية من استعادة السلطة وإنهاء الانقلاب في اليمن إلى تنافس حول مصالح استراتيجية كبيرة تختلف باختلاف الفاعلين الدوليين والاقليميين وهم :
1) إيران: تسعى إيران إلى وجود سلطة لحلفائها في شمال البلاد بالقرب من الحدود مع السعودية سواء على شكل حكم ذاتي أو سيطرة عسكرية مع مشاركة سياسية أو سلطة كاملة في الشمال لضمان نقل المعركة إلى جنوب وشرق السعودية مستقبلا، كما تسعى إلى احداث اختراق للجنوب اليمني والتواجد بالقرب من باب المندب من خلال حلفائها السابقين وجماعات جنوبية تم تدريبهم في لبنان بعد 2011م ويعملون الآن تحت إشراف أبوظبي من أجل اكمال تهديدا الدائم باغلاق المضائق المائية (مضيق هرمز والوصول إلى مضيق باب المندب) .
2) السعودية: بعد أربع سنوات من الحرب تسعى المملكة إلى التحاور مع الحوثيين بعد إضعافهم أو وضمان اخضاعهم لها وابتعادهم عن إيران لتأمين حدودها الجنوبية. وتسعى للحصول على منفذ بحري على البحار المفتوحة بعيدا عن تهديدات إيران باغلاق مضيق هرمز لتتمكن من تصدير صادراتها النفطية بدون مهددات ، وبذلك فهي تحتاج لبناء ميناء نفطي على البحر العربي وهو ما جعلها تكثف من تواجدها العسكري في المهرة وحضرموت خاصة بعد تحويل محافظة خراخير في جنوب المملكة إلى مخزن للنفط، كما تسعى السعودية إلى أن تكون أكثر هيمنة على اي سلطة قادمة في اليمن منعا لأي نفوذ إيراني في خاصرتها.
3) الإمارات: تسعى الإمارات للسيطرة على الموانيء اليمنية بالذات ميناء عدن لضمان عدم تاثر ميناء جبل علي أو من أجل الحصول على بدائل متاحة في حال حصول تطورات بسبب خطة الصين باعادة تفعيل خط الحرير وتنشيط موانئ تؤثر على موانئ الإمارات، كما أن التواجد في الضفة الغربية للبحر الحمر مهم للإمارات التي تحاول أن تبني قواعد عسكرية لها في الضفة الشرقية للبحر الأحمر.
من خلال الحرب في اليمن تسعى أبوظبي أيضا إلى التواجد في دولة شهدت ثورة شعبية ضمن ثورات الربيع العربي التي سارعت أبو ظبي لوأدها بحجة أنها ثورات قادها تيار الإسلام السياسي، وتريد الإمارات أن تكون القوة العسكرية الأولى اقليميا لتقديم نفسها أمام المجتمع الدولي كشريك حقيقي في مكافحة الإرهاب في المنطقة.
4) بريطانيا: تحركت بريطانيا بكل ثقلها في الملف اليمني وأبدت اهتماما غير مسبوق ، ورغم أن سياستها المعلنة مع بقاء اليمن موحدا ودعمها للسعودية إلا أنها تتحرك في الجنوب بشكل مثير للشك، حيث أن معلومات خاصة تتحدث عن توجه بريطاني لتوحيد فصائل الجنوب ما يفهم بأن هناك سياسة بريطانية لدعم انفصال الجنوب. وكما أن بريطانيا رعت حوارا بين السعوديين والحوثيين، رعت أيضا حوارا بين الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة العمانية مسقط.
تهتم بريطانيا ايضا بحليفتها عمان ومؤخرا أجرت مناورات عسكرية معها في ظل حالة قلق عماني من التواجد السعودي الإماراتي على حدودها، وتحاول التوازن بين طمأنة حليفتها عمان وعدم إثارة مخاوف حليفتها الأكبر السعودية.
5) الولايات المتحدة الأمريكية: يبدو أن واشنطن تدرك مدى اهمية دعم حليفتها الرياض خاصة في ظل حاجة الرئيس دونالد ترامب إلى السعودية لسد فجوات اقتصادية وشراء صفقات السلاح وتحقيق السلام مع "الاحتلال الإسرائيلي" والضغط على إيران، وهذا ما يجعل الحرب في اليمن ذو أهمية خاصة لدى الأمريكيين، إلى جانب أن اليمن مهمة ضمن خطة واشنطن لمكافحة الإرهاب . وبالنسبة لترامب قد يرى أن اليمن المكان المناسب لتاديب إيران لكن ذلك قد يدفع بدول كبرى للتدخل مثل روسيا والصين ما سيعقد المشهد اليمني أكثر ويجعله متشابها مع المشهد السوري.
ومن خلال قراءة توجهات الفاعلين الإقليميين والدوليين فإن سيناريوهات الحرب في اليمن مفتوحة ومعقدة لا يمكن التنبؤ بها إلا من بعض الاشارات:
السيناريو الأول: سيناريو التقسيم
هذا السيناريو احتمالية حصوله كبيرة، خاصة مع تصادم أهداف الفاعلين اقليميا ودوليا ببعضهم البعض وتناقض أهداف عاصفة الحزم مع المصالح الاستراتيجية التي تريدان الرياض وابوظبي تحقيقها في اليمن، وقد يكون تقسيم اليمن كما كان إلى دولتين يحكم المجلس الانتقالي الجنوب والحوثيين الشمال أو إلى أكثر من ثلاث دول بحيث تضمن الجماعات التي تبحث عن الانفصال والتقسيم تحقيق مصالح الإقليم والخارج، وهذا السيناريو تسعى له جماعات مناطقية ومذهبية مثل الانفصاليين في الجنوب والحوثيين في الشمال لضمان استمرار السيطرة.
السيناريو الثاني: سيناريو الفوضى
هذا السيناريو احتمالية حصوله متوسطة فتحققه مبني على فشل السيناريو الأول والثالث، وهذا السيناريو تسعى الجماعات الإرهابية لتحقيقه لأن الفوضى تعطيها فرصة التمدد والسيطرة. وقد يؤدي تعامل التحالف العربي مع الحرب في اليمن بخفة إلى انهيار منظومة الشرعية وداعميها ميدانيا ما ينذر بكارثة الفوضى، والدخول في مرحلة أكثر فوضوية تؤثر على الأمن القومي لليمن والخليج.
السيناريو الثالث: الحسم العسكري
هذا السيناريو أصبح احتمالية تحققه ضئيلة إن لم تكن منعدمة بالأساس، حيث أن السعودية والإمارات غير راغبتين بتحقيقه في ظل القيادة الحالية للشرعية، ويبحثان بشكل هادئ إلى انتقال السلطات إلى حلفاء موثوقين من خارج منظومة التحالف بين هادي والأحزاب السياسية على رأسها حزب التجمع اليمني للإصلاح. وبالنسبة للسعودية فإن تفكيك المنظومة القديمة للحكم في اليمن يعني القدرة على التحكم باليمن في المستقبل، ورغم ذلك فإن هذا الخيار يظل متاحا في حالة واحدة وهو التحرك عسكريا على الأرض للحسم بقرار وطني داخلي وإعفاء أي طرف في التحالف العربي لا يقبل بالمعركة الأخيرة من مهمة المشاركة فيها وإنهاء مهماته في اليمن.
*نقلاً عن مركز أبعاد للدراسات والبحوث