في الطريق إلى فندق ريزيدنس في العاصمة التونسية،حيث ينزل وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، سائق السيارة يسألني عن اليمن وأحواله، بعد أن عرف أنني من "اليمن السعيد"، حسب توصيفه. قلت له: أنا ذاهب للقاء وزير خارجيته، وسيدور الحوار حول السؤال الجوهري: كيف هو اليمن؟ وفي بهو الفندق جلست إلى جانب الوزير اليمني، وبدأت أنقل له صورة مقلقة للوضع في بلاده، ينقلها الإعلام ويرويها القادمون من البلاد التي قال عنها السائق التونسي إنها "كانت سعيدة، إش صارِ لْها"؟ سألت ليماني، مستوحياً حديثي مع السائق: الناس في اليمن تعبت من طول فترة الحرب، وتعثر الحلول الدبلوماسية: إما حسم عسكري أو مصالحة وطنية. أين أنتم من الحلين؟ قال "سأتحدث عن مجال عملي في الجانب السياسي والدبلوماسي، وأترك التعليق على الوضع العسكري للعسكريين. نحن مع الحل السياسي المستدام المبني على المرجعيات الثلاث ومع المصالحة، نحن بذلنا كل ما نستطيع، وقدمنا الكثير من التنازلات لحقن الدماء، ولكن الحوثيين يستغلون كل ذلك لمصلحتهم". ثم بدأ يتحدث عن اتفاق ستوكهولم الذي مثل بادرة أمل للخروج من الحرب، لولا تعاطي الحوثيين السلبي معه، مؤكداً على أن الاتفاق يحتضر، وأنه "قائم على انسحاب تدريجي من الحديدة، واليوم وبعد قرابة أربعة أشهر، بدا واضحاً أن الحوثي لن ينسحب". مضيفاً أن "المجتمع الدولي بدأ يشكل قناعات معينة مفادها أن الحوثيين لا يمكن أن ينسحبوا من الحديدة ". ذكرت للوزير أن الإشكالية في اتفاق ستوكهولم تكمن في أنه يناقض القرار الدولي 2216، لأن الأخير ينص على استعادة الدولة للمدن من المليشيات، فيما اتفاق ستوكهولم، يمنع الحكومة من دخول الحديدة! قال "الأمر ليس بهذه الصورة، اتفاق ستوكهولم يعد خطوة لبناء الثقة نحو تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216، لأن الاتفاق يعني خروج المليشيات من الحديدة، وهذا هوأساس الحل السياسي القائم على القرار 2216 الذي يعني الانسحاب وتسليم الأسلحة". يليه عودة تدريجية لمؤسسات الدولة الشرعية إلى محافظة الحديدة. ومضى اليماني قائلاً "الحوثي يصنع الذرائع، ويعيق عمل رئيس لجنة المراقبة مايكل لوليسغارد، ويقصف مطاحن البحر الأحمر، ويمنع توزيع مواد غذائية مخزنة فيها تكفي قرابة أربعة مليون محتاج لمدة شهر كامل، وهذا الغذاء بات في حكم المؤكد أنه قد تعرض للتلف، بفعل طول فترة التخزين، لعدم قدرة فريق برنامج الغذاء العالمي على الوصول إلى صوامع الغلال، بسبب ألغام الحوثيين، ورفضهم فتح ممرات إنسانية، بحجة الخوف من هجوم الجيش حال رفع الألغام". الأمم المتحدة قلقة من مماطلة الحوثيين كشف اليماني أنه "بعد حوالي شهر من التوقيع على اتفاق ستوكهولم جاء مارتن غريفيث للقاء رئيس الجمهورية، وذكر أن لدى الأمم المتحدة قلقاً من عدم التزام الحوثيين، فقال له الرئيس: ضعوا خطة مزمنة ملزمة تفي بالتواريخ المذكورة في اتفاق ستوكهولم". وذكر أن "مارتن غريفيث فضّل-بدلاً من الالتزام بخطة مزمنة ملزمة-التفاوض على تفاصيل التنفيذ وتجزئة الاتفاق، ثم أعاد تجزئة الاتفاق، بحيث ينسحب الحوثيون من من مينائي الصليف ورأس عيسى، وينسحب الجيش من كيلو 8، وهذا شجع الحوثي على المماطلة، وابتكار المعاذير، لإدراكه لعدم وجود خطة ملزمة." ممحاولاً باستماتة إعادة تفسير اتفاق السويد. تحدث وزير الخارجية اليمني عن تذمر الحكومة اليمنية من إداء المبعوث الدولي، حيث قال "بعد أن رفض الحوثيون كل مقترحات غريفيث، جاء المبعوث الدولي إلى رئيس الجمهورية، وطلب منه أن يعمل فريق الأمم المتحدة للتركيز على الجوانب الإنسانية"، مؤكداً أن هادي قال له: " كل ما يمكن أن يخفف معاناة شعبنا في المناطق التي تسيطر عليها الشرعية أو في مناطق الحوثيين، فنحن مستعدون له". وحول القوى الأمنية التي ستملأ الفراغ بعد الانسحابات المتزامنة ذكر اليماني أن "هادي اقترح الرقابة الثلاثية المشكّلة من الجانب الحكومي والحوثيين ومن الأمم المتحدة، غير أن الحوثيين رفضوا كل ذلك". قاطعت وزير الخارجية اليمني بالقول: هذا يعني أن مرونتكم أدت إلى تعنت الحوثي، وإشاعة التذمر والإحباط بين مؤيدي الشرعية، حسبما يرى كثير من المراقبين، فقال "لدينا توجيهات من الرئيس هادي بأن نذهب إلى أقصى حدود المرونة، بما لا يمس بمبدأ الانسحاب". الأفق مسدود في الحديدة قلت للمسؤول اليمني: الحوثي فيما يبدو لن يقبل بسلام يجرده من سلاحه، فقال "ونحن لن نقبل بسلام يجعل الحوثي نسخة جديدة من حزب الله في اليمن، نريد سلاماً لا يجتث الحوثي، بل يجعله شريكاً في دولة تحتكر وحدها السلاح". وعندها سألت الوزير اليمني: لماذا ذهب الحوثيون إلى السويد ما داموا لا ينوون تنفيذ الاتفاقات؟ قال "الغرض من ذهابهم لمحادثات السويد كان من أجل وقف معركة الحديدة التي كانت قد اقتربت من إنجاز مهمتها، وبعد وقف المعركة رفض الحوثيون تنفيذ الاتفاق، لأنهم حققوا الهدف"، مشيراً إلى أن الإيرانيين أوعزوا إلى الحوثيين بالذهاب للسويد لكي تكسب طهران يداً لدى الأوروبيين في صراعها مع الإدارة الأمريكية على خلفية العقوبات على إيران. سألت اليماني عن لقاءات أممية مؤخراً في صنعاء مع قيادات حوثية للترتيب لنقل آلية الرقابة من جيبوتي إلى الحديدة، ما يعني أن المنظمة الدولية تسعى لاختصار اتفاق ستوكهولم في الرقابة الدولية، مع تجاهل انسحاب الحوثيين من المدينة، فقال "آلية الأم المتحدة للتحقق والتفتيش انشئت بقرار بين الحكومة والأمم المتحدة، وللاستجابة للفقرة 14 من القرار 2216، والتي تخص حظر توريد الأسلحة عبر الموانئ التي تحت سيطرة الانقلابين. والآلية انشئت بموافقة الحكومة والأمم المتحدة،وعندما رأينا أن المبعوث الدولي يريد أن يتجه باتجاه تطبيق الآلية بالتعاون مع الحوثيين مع تجاهل انسحابهم من الحديدة أرسلت رسالة للأمين العام في هذا الخصوص، وقد اعتذرت الأمم المتحدة، وأبدت استياءها من أن الحوثيين حاولوا الاستفادة من الاجتماعات التي تمت في صنعاء بين ممثلة مكتب غريفيث ومدير الآلية من جهة وعدد من قيادات الانقلاب من جهة أخرى، لإعطائها طابعاً سياسياً لصالح الانقلابيين". ما المخرج؟ سألت الوزير اليمني: تحدثتَ كثيراً عن المشكلة، ما هو الحل؟ ما المخرج؟ قال "الحل حدده الرئيس في رؤية تتمثل في تعزيز الصف الشرعي بالتسريع بعقد جلسة مجلس النواب، وتفعيل نشاط اللجنة العليا للانتخابات في عدن، وتفعيل الاتئلاف السياسي بين كافة القوى السياسية اليمنية، وفتح المجال لضم كل القوى السياسية المؤيدة للشرعية، وكل القوى التي تقف ضد الانقلاب، بحيث لا يظل في اليمن إلا شرعية واضحة وانقلاب واضح". وبعد ترتيب أوضاع الشرعية وترتيب العلاقة مع الشركاء في التحالف، يمكن أن يساعد ذلك في تكثيف الجهود محلياً وعربياً لإنهاء الانقلاب وإحلال السلام في البلاد. الموقف الدولي قلت لليماني: يلحظ أن هناك نوعاً من المساواة بين مليشيات الحوثي والحكومة الشرعية عندما يتحدث المسؤولون الدوليون عن الوضع في اليمن. قال "في القانون الدولي يبدو الحوثي كطرف صراع كما هي الحكومة في تباين واضح، فالحكومة اليمنية هي الطرف الشرعي فيما انقلبت الميلشيات الحوثية على الدولة بقوة السلاح، ثم إن الحكومة ليست طرف صراع ضمن مكونات متصارعة، لكنها حكومة لكل المواطنين بما في ذلك أولئك الواقعون تحت سيطرة مليشيات الحوثي". وفي هذا السياق، كشف وزير الخارجية اليمني خالد اليماني عن أن بعض الأطراف الدولية كانت تسعى إلى وضع اليمن تحت إدارة مدنية دولية، كتلك التي كانت في العراق وأفغانستان، بمشاركة الأمم المتحدة والقوى الدولية التي غزت البلدين لتشكيل إدارة مدنية. وذكر أن جهوداً دبلوماسية مكثفة بذلت لتفادي الوصول إلى ذلك الوضع، "لأن الحاصل في اليمن غير ما جرى في العراق وأفغانستان، حيث إن القوى التي غزت البلدين أنهت السلطتين فيهما، فكان على تلك القوى تحمل مسؤولية إدارة البلدين بالتعاون مع الأمم المتحدة، وهو ما لم يحدث في اليمن، حيث توجد حكومة معترف بها دوليًا يمكن للعالم أن يتعامل من خلالها ويدعمها، وهذا ما أقرته الأمم المتحدة". وذكر اليماني أن وصول العديد من الوفود الدبلوماسية الدولية إلى عدن مؤخراً يعكس تنامي الاهتمام الدولي بدعم الحكومة الشرعية، ويشير إلى تحسن الوضع الأمني في المناطق التي تسيطر عليها، وقد وصل إلى عدن "وفد أميركي عالي المستوى بصحبة السفير الأميركي، وكذا زيارة السفير الروسي، وزيارات لسفراء ومسؤولين من بريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، ووصول وزير الخارجية البريطاني تحديداً إلى المدينة وهذا نجاح دبلوماسي محسوب للشرعية اليمنية". فساد وخلل ومليشيات داخل الشرعية علقت على كلام الوزير اليمني: ومع هذا فإن وضع الشرعية ليس على ما يرام، وهناك تذمر كبير من أدائها بين أنصارها، وذلك يخدم الحوثيين بشكل كبير، وهناك فساد واسع يضرب الكثير من مؤسساتها. رد اليماني بالقول "لا نستطيع إنكار الخلل الموجود في مؤسساتنا، ولكننا نسعى بما لدينا من إمكانات لكي تقوم الحكومة في عدن بواجباتها بما يمكننا من الظهور بمظهر يليق رغم الصعوبات التي تعترض أعمالنا. سألت وزير الخارجية اليمني عن وجود مليشيات لا تخضع للحكومة، تسبب-ضمن عوامل أخرى-الإرباك للسلطة الشرعية. قال "نعم هناك مليشيات منفلتة تحاول أن تتخفى وراء أجندات سياسية، ونحن نسعى بالتعاون مع شركائنا في التحالف العربي للعمل على دمج هذه المليشيات ضمن أجهزة الجيش والأمن اليمنيين". واعترف اليماني بوجود "خلل" و"أننا لم نستطع إقامة شراكة حقيقية مع التحالف في المناطق المحررة"، وتساءل "هذا الخلل، من المسؤول عنه؟ هل نحن؟ هل التحالف؟ يجب أن نبحث عن مكامن الخلل لإصلاح العلاقة وإقامة شراكة حقيقية تمكن من ظهور المناطق المحررة بمظهر أفضل، لكي نقدم نموذجاً جيداً ومغايراً للمناطق التي لا تزال تحت سيطرة الحوثيين". ورد اليماني على اتهامات واسعة تطال قيادات مدنية وعسكرية في الحكومة بالفساد، مما يشوه صورة الشرعية داخلياً وخارجياً، بقوله "نعم هناك فساد، وهو يعيق عملنا، وهناك من استثمر في الحرب من مليشيات الحوثي ومن المحسوبين على الشرعية. قلت وفي الخارجية؟ قال "لا تخلو الخارجية من وجود الفساد، الذي نحاول التصدي له، لكني أحدثك عن نفسي، خالد اليماني، فيما لو ثبت علي أي تهم فساد أو أن أحداً أقاربي استفاد من وزارة الخارجية، فأنا مستعد للتنازل عن منصبي، لأني حينها لا أستحقه". تجار الحروب وشن الوزير خالد اليماني هجوماً حاداً على من سماهم تجار الحروب المستفيدين منها، والذين شبههم بحال أحد شيوخ القبائل الذي كان موالياً للإمام أحمد حميد الدين، ثم غير ولاءه للإدريسي الذي كان يحكم بعض الأجزاء الجنوبية من المملكة العربية السعودية قبل قيام الدولة الثالثة، وعندما أرسل إليه الإمام يحيى عن سبب تبدل الولاء، قال إن "يحيى حميد الدين إمام مذهب، بينما الإدريسي إمام ذهب"، في إشارة إلى فريق من المنتفعين من الحروب الذين يبدلون الولاءات حيثما تكون المصلحة الشخصية. ضاربين عرض الحائط بالمصالح الوطنية العليا، وهو حال الحوثيين الذين ذهبوا إلى إيران بحثًا عن المال الحرام. وضع البعثات الدبلوماسية في الخارج تحدثنا عن وضع البعثات الدبلوماسية اليمنية في الخارج وأن هناك شكاوى متكررة من أن الكثير من هذه البعثات لا تقوم بدورها بالشكل المطلوب، فقال "القول ليس دقيقاً، فمنذ أن وصلت إلى الوزارة ونحن نقوم بنشاط مستمر لتزويد بعثاتنا الدبلوماسية بما يلزم من محددات سياسية، وبآخر التطورات والمواقف لإيضاحها للمسؤولين في الدول التي يمثلون اليمن لديها". غير أن الوزير اليمني قال إن "هناك من يعمل بشكل جيد وهناك من يعمل على طريقة رفع الملامة والعتب، بدلاً من القيام بواجباتهم بالتخاطب المباشر مع المسؤولين في الدول المختلفة، وتكثيف النشاط الدبلوماسي لإيصال قضية بلادهم إلى مختلف دوائر صنع القرار". ولفت اليماني إلى أن هناك من المسؤولين في البعثات الدبلوماسية اليمنية "من يظن أن السفارة هي شهادة استحقاق نهاية خدمة"، وأنها مكافأة له ليذهب ليستريح كما يستريح المتقاعدون بعد خدمة عمل لسنوات طويلة". وأشار الوزير إلى أن "الرئيس عازم خلال الفترة القليلة القادمة على إحداث تغييرات في السفارات، بحيث لا يبقى إلا من يعمل، مع استمرارية جهود شد الأدوات الدبلوماسية وتغييرها"، منوهاً إلى وجود "ضعف في الأداء بدون شك، نعمل على تجاوزه". العلاقة بين الشرعية والتحالف ذكر وزير الخارجية اليمني أن الرئيس اليمني "يحاول أن يعيد ضبط إيقاع العلاقة بين الحكومة والتحالف، بما يحقق الهدف المعلن في استعادة الشرعية". سألت اليماني عن وجود أصوات بين أنصار الشرعية تذهب بعيداً في المطالبة بإنهاء عمليات التحالف العربي، أو بعض الأطراف فيه لسبب أو لآخر. قال "هذا طرح متطرف يفتقر إلى بعد النظر، ثم إن هؤلاء الذين ينادون بمثل هذه الدعوات لا يملكون بديلاً حقيقياً ، عدا عن أن هناك من يدفعهم لإحداث مثل تلك البلبلة"، مؤكدًا أن تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية ومشاركة متميزة من دولة الإمارات العربية المتحدة وجد ليبقى، وسيشكل فارقًا استراتيجياً في مستقبل اليمن والمنطقة. وذكر أن "التحالف العربي قدم دعماً كبيراً لا يمكن إنكاره للشرعية في اليمن، وفيما لو حدث نوع من الخطأ فنحن مطالبون بدراسة مواضع القصور لتجاوزها، غير أن تسرع البعض في الاتهامات هنا وهناك ليس في مصلحة الشرعية، ولا مصلحة الشعب اليمني بشكل عام. كان وزير الخارجية اليمني ينظر إلى ساعته، فطائرة الرئيس عبدربه منصور هادي ستهبط في المطار العسكري في تونس العاصمة خلال اللحظات القادمة. نظر إليّ بتهذيب، وفهمت أن علي أن ألملم أوراقي. شكرته على إتاحة الفرصة، وصافحته مودعاً، وظلت أسئلة كثيرة معلقة أهمها سؤال السائق التونسي "إش صارِ لْها"؟، وما تولد عن سؤاله الموجع من تساؤلات عن الوضع في "اليمن السعيد"، الذي لن يعود سعيداً إلا إذا "دِرْت إيدك في إيد خوك"، كما قال ذلك التونسي الطيب. --------- نقلا اندبندنت عربية