أعلن المتحدث باسم التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن عن سقوط مقذوف حوثي على صالة مطار أبها، أسفر عن إصابة 26 مسافرًا جرى إسعافهم واستئناف عملية تشغيل المطار. واعتبر التحالف الهجوم على مطار مدني يرقى إلى جريمة حرب، متوعدًا الميليشيا الحوثية بردٍّ قاسٍ. كما اتهم التحالف إيران مجددًا بدعم الحوثيين بقدرات عسكرية نوعية. وسارعت الدول الأعضاء في التحالف والولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية إلى إدانة الحادث الذي طال أحد الأهداف المدنية الحيوية في داخل السعودية. وفي المقابل، أعلنت الميليشيا الحوثية على الفور أنها استهدفت برج المطار بصاروخ كروز. وكان القاسم المشترك في تصريحات قادة الميليشيا الإعلان عن الاستعداد لشن مزيدٍ من الهجمات النوعية ضد السعودية باستخدام أسلحة جديدة تستهدف مطارات دول التحالف بدعوى وقف تشغيل مطار صنعاء منذ انقلاب سبتمبر 2014. وتأتي عملية استهداف مطار أبها في 12 يونيو الجاري بعد أقل من شهر على استهداف محطة نفط أرامكو السعودية في 14 مايو بطائرة دون طيار. وكما حمل التفجير الأول مفأجاة في إصابة الهدف، كشفت عن تطوير في قدرات تلك الطائرات على مستوى زيادة المدى ودقة الأهداف؛ فقد جاءت مفاجأة الهجوم الأخير باستخدام صاروخ كروز للمرة الأولى في هجماتها على السعودية، ما يؤكد على متغير زيادة القدرات الصاروخية الحوثية وضم أنواع جديدة إلى منظومة الصواريخ الحوثية التي تمدها بها إيران، وهو ما أشار إليه بيان التحالف بالتأكيد على إمداد إيران للميليشيات بقدرات تسلح نوعية جديدة، وليس فقط عملية تطوير القدرات التي تمتلكها الميليشيا والتي سبق أن أعلنت خلال أبريل الماضي عن تطوير صاروخ “بدر B” ضمن العائلة الباليستية التي تمتلكها الميليشيا. تفنيد الرواية الحوثية بشأن الصاروخ وفقًا للرواية الرسمية للمتحدث العسكري باسم الميليشيا “يحيى سريع” فإن قواته قصفت مطار “أبها” بصاروخ “كروز مجنح”، وأنه “أصاب هدفه بدقة عالية”، على حد تعبيره. وزعم أن الصاروخ استهدف برج المراقبة في المطار، بشكل مباشر، “ما أدى إلى تدميره وخروجه عن الخدمة”، لافتًا إلى أن منظومة الدفاع الجوي السعودية “فشلت” في التصدي للصاروخ. في حين أفادت قناة “المسيرة” (الواجهة الإعلامية الرسمية للميليشيا) بمواصفات الصاروخ، وأنه صاروخ كروز يبلغ مداه 2500 كلم، ومصمم لحمل رأس حربي تقليدي متفجر يزن 450 كلجم، ويتميز بدقته العالية في إصابة الهدف بهامش خطأ لا يتجاوز مترًا ونصف. وأضافت أن الصاروخ ذاتي الملاحة بنظام عالي الدقة يستعمل أقمار “جي بي إس” ومعالجًا حاسوبيًّا، ويطير على ارتفاعات منخفضة، ولديه قدرة عالية على المناورة. منطقيًّا، يمكن القبول بالجزء الأول من الرواية الحوثية في البيان الخاص بالمتحدث باسمها، والذي تناول أبعاد الحادث، وتسمية الصاروخ “كروز” دون التطرق إلى مواصفاته، لكن الجانب الآخر الذي أعلنت عنه الميليشيا يحتمل قدرًا دعائيًّا مبالغًا فيه، يهدف إلى استعراض القوة بشكل يصل إلى حد التضليل وفقًا للقدرات التي تمتلكها إيران، خاصة أنه ثبت قطعًا عدم قدرة الميليشيا على تطوير الصواريخ الباليستية، وبالتالي سيكون من الصعب عليها إنتاج الصاروخ محليًّا، وهو ما أكده المتحدث باسم التحالف في تصريحات متتالية بأن خبراء التحالف توصلوا في تقارير أولية حول العملية إلى أن الحرس الثوري هو من قام بتهريب الأسلحة النوعية الجديدة إلى اليمن. كما كشفت إيران في فبراير الماضي عن صواريخ جديدة متوسطة المدى لا تصل إلى نصف المسافة أو الحمولة التي تم الإعلان عنها وفق الرواية الإعلامية الحوثية. فعلى سبيل المثال، فإن صواريخ “قادر” و”قدير” التي تم الكشف عنها في فبراير خلال المناورات البحرية لإيران في منطقة بحر عُمان لا يزيد مداها عن 250 كلم لقادر، بينما يصل مدى صواريخ “قدير” إلى 300 كلم، وهي صواريخ بحرية وجوية أيضًا، أما صواريخ “هويز” الثابتة التي جرى الكشف عنها أيضًا في الشهر ذاته فيصل مداها إلى 1350 كلم، وبالتالي يظل هذا المدى بعيدًا للغاية، في حين أن المدى المطلوب للعملية لا يزيد عن 300 كلم في حال إطلاقه من داخل اليمن من مناطق الإطلاق المعروفة داخل الحدود اليمنية. وزعم الحرس الثوري خلال مناورات أجراها في الخليج العربي ومضيق هرمز في أغسطس الماضي، أنه تمكّن من تطوير صاروخ كروز يُطلق من الجو يصل مداه إلى 1500 كلم يمكن تركيبه على مقاتلات “سوخوي”، وهو ما فنّده “فرزين نديمي” في تقرير “الرد على الأسلحة والتدريبات البحرية.. إيران الجديدة في الخليج” الصادر عن معهد واشنطن آنذاك، بأن أيًّا من صواريخ إيران المعروف بأنها قيد التطوير لا يتطابق مع هذا الوصف لصاروخ كروز. كما شكك التقرير في المدى المعلن عنه بشأن صاروخ “سومار” المطابق لنسخة روسية “خ-55″، وأن مداه يصل إلى 2500 كلم. وهذه الرواية تشيعها الميليشيا الحوثية حول أنها تمتلك صواريخ مناظرة لصواريخ كروز الأمريكية، وليس حتى صواريخ إيران، حيث لا تزال هناك شكوك حول قدرة إيران على تطويرها، خاصة أن بيان الحرس الثوري أشار إلى أنه سيتم تحميلها على طائرات سوخوي، وهي مسألة مستبعدة من الناحية الفنية نظرًا لكبر حجم الصاروخ. وحتى فيما يتعلق بالمديات الأقل “700 كلم”، مثل الصاروخ الذي يطلق عليه الحرس الثوري “يا علي”؛ فإن التقرير يُشير أيضًا إلى أن هناك شكوكًا فنية حول تطويره وفقًا للمواصفات المعلنة نظرًا لقصر الصاروخ مقارنةً بالمسافة المعلن عنها. ولم يؤكد التحالف حتى وقت إعداد هذا التقرير رواية “الكروز” من الأساس، واستخدم مصطلح “مقذوف”، لكن هذا لا ينفي إمكانية استخدام كروز، خاصة مع تفادي الدفاعات في المنطقة. ففي فبراير 2017 حاولت الميليشيا استهداف المطار بصاروخ باليستي نجحت الدفاعات السعودية في اعتراضه، وبالتالي فالرواية الأقرب هي أن الصاروخ الحالي الذي لم يتم اعتراضه هو صاروخ موجه، لكن تظل هناك حاجة إلى التثبت من آلية الإطلاق. وربما يكون السيناريو الأقرب إلى الواقع هو استخدام صاروخ كروز بحري معدل من طراز قادر أو قدير بمسافة لا تتجاوز 300 كلم، وهي مسافة تزيد عن المسافة بين الحدود اليمنية وأبها. بالإضافة إلى أن الصور التي وزعتها وكالة الأنباء السعودية تُشير إلى أن رأس الصاروخ أحدث ثقبًا في سقف معلق بإحدى الصالات، وأثره كان محدودًا أيضًا على أرض المطار، وبالتالي فإن حمولة المتفجر لا يمكن أن تُحدث هذا الأثر المحدود. متغير رئيسي: الانتقال من “الباليستي” إلى “الكروز” المتغير الرئيسي الذي تكشف عنه عملية استهداف مطار أبها هو انتقال الميليشيا من استخدام الصواريخ “الباليستية” التي استخدمتها قبيل إطلاق عملية “عاصفة الحزم” (مارس 2015) إلى الصواريخ “كروز” الموجهة التي يمكن التحكم فيها بأكثر من وسيلة، وهو ما يحمل في سياقه عددًا من الأهداف والدلالات، نوضحها فيما يلي: 1- الأهداف أ- تغير نمط المواجهة: الانتقال بين أنماط متعددة من آليات المواجهة فوق التقليدية كالصواريخ يهدف إلى إظهار القدرة والتنوع، وبالتالي تغير نمط المواجهة التقليدي المتبع، سواء المواجهة الميدانية أو العابرة للحدود. فقد نجح التحالف في التمدد في تظهير جبهات جديدة في باقم وحجة في “شمال الشمال”. كما نجح في اعتراض الصواريخ الباليستية التي تم إطلاقها بعد عملية أرامكو. ويتسق ذلك مع تصريح المتحدث باسم الميليشيا “محمد عبدالسلام الحوثي” في أعقاب عملية استهداف محطة أرامكو، وكرره قادة الميليشيا عقب عملية المطار بأن هناك مرحلة جديدة من المواجهة، وأن تاريخ 14 مايو يختلف عما سبقه في هذا الصدد. ب- الاستقلالية عن إيران: واكب عمليةَ إطلاق الصاروخ الجديد وصولُ رئيس الوزراء الياباني “شينزو آبي” إلى طهران ولقاؤه الرئيس الإيراني “حسن روحاني” في إطار عملية الوساطة التي تقوم بها اليابان بين طهران والولايات المتحدة في إطار جولة التصعيد الأخيرة بين طهران وواشنطن. وفي مقابل هدوء التصعيد الأمريكي-الإيراني انتهجت الميليشيا الحوثية منذ بداية جولة التصعيد القيام بعدة هجمات نوعية ضد الإمارات والسعودية لمحاولة إظهار أن تلك العمليات تأتي في إطار الحرب القائمة في اليمن دون تدخل إيراني. لكن تلك المحاولة لا تبدو مقنعة للتحالف الذي ركز في بيانه على الدعم الإيراني، وأيضًا في معظم بيانات إدانة الحادث لا سيما الإدانة الأمريكية له. ج- تطوير الاستراتيجية العسكرية: لم يسبق أن أعلنت الميليشيا الحوثية أنها تمتلك صورايخ كروز على النحو الذي كان يتم به من قبل الإعلان عن قدراتها الخاصة بالصواريخ الباليستية حتى آخر صاروخ تم تطويره في منظومة صواريخ “بدر”، ما يُعد تكتيكًا جديدًا من جانب الميليشيا أن يأتي الإعلان عن الأسلحة عقب استخدامها في عملياتها الهجومية على النحو الذي سبق وأعلنت به عن طائراتها بدون طيار التي قامت بهجمات على أرامكو ومنظومة الباتريوت في قاعدة نجران. وبالتالي تهدف إلى تطوير الاستراتيجية العسكرية من خلال اللجوء إلى أبعاد لم يسبق التركيز عليها، كبعد الحرب النفسية، ورفع مستوى التهديد من خلال عنصر المفاجأة، وكجانب دعائي أن لديها منظومات قيد التطوير بشكل سري. 2- الدلالات بالإضافة إلى ما سبق، من المتصور أن لجوء الميليشيا الحوثية إلى استخدام صواريخ “كروز” دون وقف هجماتها بصواريخ باليستية، يحمل عددًا من الدلالات، منها: أ- بديل استراتيجي: للتغلب على التحديات التي تواجهها منظومة الباليستي، بالنظر إلى الاعتبارات الفنية التي تميز استخدام صواريخ “كروز” مقارنة باستخدام الصواريخ الباليستية، فالفارق الأساسي هو القدرة على التحكم في عملية التوجيه والمناورة ودقة الإصابة والتأثير الأوسع، حيث إن الصواريخ الكروز يمكن توجيهها بوسائل مختلفة، سواء عبر منصات بحرية متحركة وغواصات، أو من خلال توجيهها بطائرات دون طيار، وهو ما يُمكّن من التحكم فيها عن بعد، بالإضافة إلى إمكانية إطلاقها من مقاتلات جوية، لكن يعد الهدف بالنسبة للميليشيا الحوثية في الحصول على صاروخ كروز هو فشل الميليشيا لفترة طويلة في استخدام الصواريخ الباليستية لتحقيق أهدافها. فبعد إطلاقها ما يصل إلى نحو 300 صاروخ تقريبًا داخل الحدود السعودية، كان يتم اعتراضها من جانب المنظومات الدفاعية للتحالف، وبالتالي فالاعتبار الأساسي هو محاولة التغلب على هذا التحدي من خلال الصواريخ الموجهة التي يمكنها المناورة وتجنب الدفاعات الجوية، واتباع مسارات مختلفة أثناء توجيهها. ب- رفع مستوى الخطر: الأثر الذي يمكن أن تُحدثه صواريخ كروز نتيجة قدراتها الفنية العالية عن نظيرتها الباليستية يتشكل في موقع الهجوم، حتى وإن تقارب مستوى حمولة الرأس الحربي على مستوى الوزن بين الصاروخين؛ إذ إن دقة الهدف والقدرة على التحكم في الصاروخ تجعله قابلًا لاستهداف نقاط الضعف في مناطق حصينة، وهو ما يرفع من مستوى الخطر الهجومي جراء استخدامه، وبالتالي حدوث تأثير أكبر. لذا تضمّن الإعلان الحوثي عن العملية الإشارة إلى استهداف برج المراقبة في المطار. ج- اتساع ثغرات التهريب: من المستبعد أن تكون الميليشيا الحوثية مؤهلة لإنتاج صاروخ كروز محلي، كما هو الحال بالنسبة للصواريخ الباليستية التي تم تهريبها من إيران، أو نقل خبرات تصنيعها إلى اليمن من خلال الخبرات الإيرانية، مع الاستفادة من بعض خبرات الوكلاء الإقليميين لإيران، ولا سيما حزب الله اللبناني. وبالتالي، من المتصور أن إيران أصبحت تعتمد طرقًا جديدة في تهريب الأسلحة إلى اليمن غير تلك الطرق التقليدية المتبعة التي تم كشفها، وهو ما يفرض تحديات على تتبع مسارات التهريب الجديدة التي تسلكها إيران للوصول إلى اليمن. د- إطالة أمد الحرب وتقويض مسار التسوية: استعراض القوة على هذا النحو باستخدام منظومات تسلح فوق تقليدية هو مؤشر على رغبة الحركة في تعزيز الخيار العسكري، وإفشال مسار التسوية القائم، أو فرض منظور جديد على مسار التسوية وفقًا لشروطها استنادًا إلى معيار التأثير في ميزان القوة. وفي المقابل، من غير المتصور تراجع التحالف والحكومة الشرعية عن مسار الردع والمواجهة العسكرية طالما تستمر الميليشيا في تعزيز قدراتها العسكرية وتقويض مسار التفاوض. ومن ثم، فإن هناك مراحل انتقالية في العمل العسكري لا تواكبها نفس المراحل في عملية التسوية، بل هناك علاقة عكسية بين المسارين، إضافة إلى أن هذا النمط من العمليات العدائية يكرس لتعقيد ملفات التسوية، خاصة ما يتعلق بالشق العسكري فيها، مع امتلاك الميليشيا لقدرات غير معروفة من المستبعد أن تكشف عنها. في الأخير، من المتوقع أن تشهد الحرب اليمنية فصلًا جديدًا من فصول المواجهة العسكرية يُنذر بتصعيد غير مسبوق، ولا سيما من الجانب الحوثي بما لديه من توجه في رفع مستوى التهديد العابر للحدود، وبالتالي استفزاز التحالف، ودفعه إلى تصعيدٍ تحاول الميليشيا استثماره، حيث توعد التحالف برد سريع. وهناك مؤشر يُعزز هذا التوجه مع توقيف التحالف رحلات الطيران المدني من عدن في الجنوب إلى خارج البلاد، وبالتالي هناك استعداد لشن عمليات عسكرية من جانب التحالف للرد على الهجمات الحوثية المتكررة. كذلك، لا يزال هناك دور لإيران في تعزيز البنية العسكرية الحوثية، وهذا الدور يعكس قدرة إيران على استمرار الوصول إلى الساحات الخارجية وإشعالها لرفع سقف التفاوض مع الولايات المتحدة. بالإضافة إلى أن التحالف يواجه تحدي استمرار العمليات غير التقليدية من جانب الميليشيا. وهناك تحدٍّ آخر حول قبول الولايات المتحدة بفكرة استقلالية الحلفاء، والمضيّ في وساطة مع إيران دون وقف هجمات الوكلاء الإقليميين، لا سيما الحركة الحوثية التي تراهن إيران عليها في اختبار التصعيد في مواجهة دول الخليج. -------------نقلا عن المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية