مطلع فبراير 2017 منعت الإمارات طائرة الرئيس المعترف به دوليا عبدربه منصور هادي من الهبوط في مطار عدن الواقع تحت سيطرتها وردته على أعقابه. كانت تلك أول واقعة علنية مهينة تقدم عليها الإمارات وأول صدام علني بين السلطة الشرعية من جهة والإمارات وأذرعها المسلحة التي بنتها على مهل من جهة أخرى. تاليا استخدمت الدولة الثانية في التحالف الذي جاء بغطاء مساندة الشرعية وانهاء انقلاب مليشيا الحوثيين في صنعاء، طائرات الأباتشي لقصف ألوية الحماية الرئاسية التابعة للرئيس، دعما لتمرد أحد الضباط الموالين لها في حماية مطار عدن،لتصنع صدمة أخرى مثلت ضربة قوية لمصداقية التحالف. وسلطت تلك الوقائع العدائية الضوء على أزمة صامتة فجرتها أبوظبي في وجه الشرعية، لتتكشف الأحداث لاحقا عن أجندة خاصة عملت الإمارات على إخفائها منذ بدء عاصفة الحزم تحت غطاء التحالف. والمؤكد أن أطماعا لأبوظبي رفض الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي تمريرها متعلقة بموانئ وجزر ومناطق غنية بالنفط والغاز، صارت هاجسا رئيسيا لحرب الإمارات في اليمن. ويبدو أن الرئيس عبد ربه منصور هادي ابتلع واقعة مطار عدن كشفرات أمواس، نظرا لحساسية اللحظة حيث تستعر حرب الحكومة الشرعية بمساندة التحالف بقيادة السعودية ضد مليشيات الحوثي الإنقلابية، وتقديرا للرياض باعتبارها تتشارك مع اليمن المخاطر الأمنية الناجمة عن انقلاب الحوثيين كذراع متقدم لإيران في خاصرتها الجنوبية. مسلسل الضربات الغادرة والتخادم مع إيران لكن الإمارات، التي عمدت منذ تحرير عدن الى بناء تشكيلات موالية لها خارج سيطرة السلطة الشرعية وأجهزتها الرسمية، استغلت هذا الحرص وواصلت تسديد الضربات للسلطة الشرعية الواحدة تلو الأخرى. وشرعت الإمارات لبناء كيان محلي للعمل كذراع سياسي لها وفرت له كل اشكال الدعم بمسمى المجلس الإنتقالي، لاستغلال القضية الجنوبية العادلة التي عالجتها مخرجات الحوار الوطني. ونشط هذا المجلس كأداة ضغط سياسي يرتفع صخبه ويهبط وفقا للحالة المزاجية لأبوظبي، فقد صنع خصيصا للضغط على الشرعية لتمرير أهداف الإمارات وأطماعها الخاصة من جهة وللمناورة على الساحة الجنوبية في مواجهة الرياض من جانب آخر. وجاء هذا الكيان الإقصائي ليفرض نفسه متحدثا حصريا عن الجنوب وتقرير مصيره متجاهلا كل الكيانات والآراء الواسعة المتباينة للحراك الجنوبي، في مختلف المحافظات مستندا على تشكيلات عسكرية وأمنية بنتها ابوظبي خارج سلطات الشرعية على أسس مناطقية وجهوية ومدتها بأنواع مختلفة من السلاح، في 28 يناير 2018 انفجر الإنتقالي في وجه الحكومة الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن كصاعق قنبلة نزعته ابوظبي، لتندلع اشتباكات وحرب دامية بين القوات الحكومية والتشكيلات الموالية للإمارات التابعة للإنتقالي. وكانت تلك أول محاولة إنقلابية علنية ترعاها الإمارات، لتؤكد كرة أخرى أنها اتخذت من التحالف غطاء لإفشاله من الداخل، وإصابة اهداف التحالف المعلنة في مقتل. وتمكنت الرياض من فرملة الإنقلاب في لحظاته الأخيرة عند أبواب قصر معاشيق الرئاسي، وكانت تلك في الواقع أول تمرين ميداني للقوات الموالية للإمارات لتنفيذ انقلاب ثاني في العاصمة المؤقتة المحظورة على الرئيس الشرعي. بعد المحاولة الأولى، ذهبت الإمارات لقطف ثمارها في سقطرى عندما ارسلت في مايو من نفس العام قوات عسكرية للسيطرة على الجزيرة اليمنية الإستراتيجية، ذات الطبيعة النادرة في المحيط الهادي. رافقت الخطوة العدائية، بحملة إعلامية وادعاءات تاريخية تزعم صلة الإمارات بالجزيرة في تبجح جارح للكرامة الوطنية اليمنية. وقد بدت عارية من كل مزاعم مواجهة الخطر الإيراني، فسقطت عنها ورقة التوت الأخيرة لتبدو في صورة الغازي الذي يخدم التغلغل الإيراني في اليمن ويحرف كليا مسار التحالف، مانحة مليشيا الحوثي خطابا متفوقا وذرائع، جعلته يصور التحالف باعتباره عدوا لليمنيين ويسعى للسيطرة على أرضهم في تخادم واضح. وفتح هذا السلوك الباب لوضع تقارير لجنة العقوبات الدولية التي تحدثت عن خدمات إماراتية في إيصال الطائرات المسيرة والمساعدات النفطية الإيرانية الى الحوثيين، كضرورة ملحة وواجبة لإعادة فحص اهداف الإمارات الحقيقة بالنظر الى أهداف التحالف. لقد وصلت الإمارات الى مايشبه القناعة الى استحالة الحصول على شيئ من اطماعها عبر الرئيس هادي، ومع ظروف المنطقة وحالة التوتر في منطقة الخليج ومضيق هرمز،قررت بشكلةمفاجئ سحب معظم قواتها من اليمن، وفي يوليو الفائت شاهدنا هرولة الإمارات الى أحضان طهران، سبقتها اتصالات سرية مع الحوثيين بشأن الإنسحاب. لم يكن ذلك مفاجئا للحكومة الشرعية، فقد تعرضت لطعنات قاتلة اكثر من مرة على يد حليف مزعوم، لكنه على الأرجح كان صادما للسعوديين. وابتدأ الفصل الأكثر بشاعة في سجل الإمارات وأذرعها، كنتيجة مرتبة للاحضان الدافئة مع خامنئ وتفاهمات طهران غير المعلنة، مهدت له أبوظبي بتصريحات عدائية تجاه الشرعية والأراضي اليمنية، لمقربين من حاكمها. بالإضافة الى ذلك كان قرار الإنسحاب يهدف الى خلط الاوراق وتحريك الدمى لوضع يد أبوظبي على الجنوب بالكامل، دون ان تكون متورطة بشكل مباشر، غير مكترثة بأنها تطلق الرصاصة الاخيرة على ظهر الشرعية، وعلى حليفتها الرياض، وتقديم جائزة ثمينة للحوثيين ومن خلفهم إيران. بغض عن النظر عن المشاهد التي وصفت بالمسرحية وسبقت قرار التمرد على الشرعية، فالمؤكد أن ابوظبي قررت أن يكون العاشر من اغسطس الجاري موعد التصفية النهائية للشرعية في عدن واندفعت بكل ثقلها خلف مليشيا المجلس الإنتقالي لبسط سيطرتها على العاصمة المؤقتة عدن برموزها السيادية ومعسكرات الحكومة. قال وزير الداخلية أحمد الميسري إن الإمارات دفعت ب400 عربة مصفحة من مقر قوات التحالف لحسم المعركة واتهمها بشكل صريح بالوقوف خلف كل ما جرى في عدن. وتوالت الأحداث لتذهب قوات الإنتقالي ومن خلفها قيادة القوات الإماراتية، الى إشعال حرب كبيرة وواسعة أسقطت ابين وحشدت كل قواها لإشعال حرب في شبوة وإسقاط عتق عاصمة المحافظة الغنية بالنفط. ماذا جرى في شبوة وكيف تغيرت المعادلة هناك؟ ميدانيا كانت ألوية النخبة الشبوانية الموالية للإنتقالي تسيطر على معظم المحافظة، بينما تتواجد الوية الجيش الموالي للحكومة الشرعية وقوات الأمن الخاص في عتق بشكل أكبر. فضلت السلطة المحلية وقيادة محور عتق العسكري الحوار مع قوات المجلس الإنتقالي لابرام تفاهم لحقن الدماء والحفاظ على مؤسسات الدولة، وذهبت أبعد من ذلك بقبول إملاءات بإخراج اللواء 21 بقيادة العميد جحدل حنش العولقي بعيدا عن عتق. لكن قيادة الإنتقالي رفضت ذلك واشترطت خروج افراد المعسكر بلا أسلحة وهو ما عقد المشهد ودفع القيادات العسكرية والامنية الى رفض ذلك. بغطرسة وسبق ترصد، سارع المجلس الإنتقالي لإرسال التعزيزات من محافظات الضالع ولحج وعدن، وقرر السيطرة على عتق بالقوة المسلحة. تتحدر معظم تشكيلات المجلس الإنتقالي من محافظة الضالع ولحج (يافع)، وهذا الوجود يضمن تركيزا للسلطة وثقلا يجعل من هاتين المحافظتين تتحكمان بقرارات وسياسة وتوجهات المجلس. في المقابل ينتمي كل أعضاء السلطة المحلية والألوية العسكري والأجهزة الأمنية، لمحافظة شبوة، وهو ما جعل من المعركة تأخذ طابعا متعدد الأوجه. ودفع هذا الوضع المثير للحساسية الإجتماعية عددا من ألوية النخبة الشبوانية الى رفض الأوامر بقتال القوات الحكومية" لأنهم يرفضون مواجهة أهلهم". ورغم محاولة الإنتقالي الإختباء خلف النخبة الشبوانية باعتبار أفرادها من قبائل المحافظة، فقد نبشت غطرسته عميقا في ميراث صراع قديم، وأعاد الى الواجهة صراع عام 1986 بانقساماته المناطقية وحساسيته لتكون حاضرة في التحشيد والتحفز لمعركة شبوة. كيف قاد تعمد إذلال الانتقالي قيادات شبوة العسكرية الى هزيمة حلفاء الإمارات ؟ لقد تسبب تعمد الإنتقالي إذلال قيادات عسكرية تنتمي لقبائل شبوانية نافذة الحضور والتأثير في دفع أفراد القبائل للوقوف مع الجيش والسلطة المحلية. وتمكنت وحدات وقيادات عسكرية شبوانية من العودة لمساندة إخوانهم في مواجهة هجمة الإنتقالي، من جبهات البيضاء المحاذية لشبوة غربا ، وبعضها عاد من منطقة العبر الحدودية مع السعودية. وخلال 3 ايام من هجوم الإنتقالي مع تحييد عدد من ألوية النخبة، تمكنت قوات الجيش من أحكام سيطرتها على عتق والسيطرة على عدد من معسكرات النخب بعتادها، بينها قاعدة "مرة" العسكرية التي تعتبر ثاني أكبر قاعدة مهمة في الجنوب بعد العند. بحسب مصادر ميدانية، بعد السيطرة على عتق، انتهج الجيش تكتيكا مخادعا، وقد سمح للتعزيزات القادمة من عدن بالتقدم في أحد مداخل المدينة وتم محاصرتها واستسلمت بكامل العتاد. تضيف المصادر "استطاع الجيش التسلح من قوات الانتقالي، وبعد كسر هذا الهجوم قاموا بهجوم معاكس من أكثر من اتجاه وحصلت انهيارات متلاحقة كانت مفاجئة للجيش نفسه واستمر الهجوم". في الأثناء ارتفعت حملة إماراتية عبر أذرعها الإعلامية التابعة لها والمحلية الموالية، تتهم الجيش بالتساهل مع الحوثيين طيلة الفترة الماضية وتعاملهم مع الجنوب كعدو، في محاولة للتغطية على أهدافها الخاصة ومنح أتباعها دوافع أخرى للقتال والتخندق معها. تعتبر شبوة ثاني أكبر محافظة جنوبية من حيث المساحة بعد حضرموت حيث تبلغ نحو 43 الف كيلو متر مربع أي اربعة أضعاف مساحة محافظة صعدة. يقول محللون عسكريون إن المعركة في شبوة تداخلت فيها عوامل عديدة ساهمت في تحقيق انتصار سريع وشجعت الجيش على متابعة التقدم حتى السيطرة الكاملة على شبوة. هناك عامل محلي له علاقة بالتركيبة القبلية لشبوة، حيث ساعدت ممارسات الإنتقالي في عدن وأبين بعد السيطرة عليهما على تحفيز القبائل للتصدي لهذه القوات، فضلا عن حساسيات مناطقية قديمة ذات صلة بصراعات دامية كأحداث يناير 1986م. وساهمت هذه الحساسيات في عودة أفراد الجيش من أبناء المحافظات الجنوبية الأخرى الموجودين في جبهات مختلفة لمواجهة الإنتقالي خشية سيطرته والعودة مجددا الى مربع الهيمنة المناطقية على الجنوب لجهة ضد أخرى، سيما أن الإنتقالي منذ تأسيسه زعم احتكار تمثيل الجنوب بكل تنويعاته وانقساماته بماسماه التفويض الشعبي وهو ما أثار مخاوف جنوبية عميقة من التوجه الإقصائي للمجلس وخشيتهم من ان يكون مقدمة دورات صراع عنيفة. وواظب الإنتقالي على التخفي خلف الإدعاء بأن تحركاته العسكرية تستهدف إسقاط سلطة الإخوان وحزب الإصلاح وهو استنساخ حرفي للمزاعم الإماراتية، لكن خطورته تكمن في النفي التام لجنوبية الرئيس هادي وطاقم حكومته الذين ينتمون بأغلبية كبيرة للمحافظات الجنوبية والشرقية في مختلف القطاعات العسكرية والامنية والمدنية والدبلوماسية. هذا السلوك وضع أبناء المحافظات الجنوبية أمام مأزق آخر يشبه ذلك الذي صنعه الحوثي شمالا، بلا أفق او مشروع بسبب استخدامه القوة للسيطرة على الأوضاع، ويواجه عزلة محلية واقليمية ودولية وتحول الى ورقة اقليمية بيد طهران. العوامل العسكرية والميدانية والدعم السعودي بالتوازي لعبت العوامل العسكرية دورا موازيا مهما في المعركة بحسب محللين عسكريين استقصاهم الحرف28 . يجمع أربعة محللين أن الطبيعة الجغرافية لساحة المعركة ساعدت الجيش في تحقيق انتصار سريع حيث خاض معركة في أرض مفتوحة ليس فيها اي عوائق طبيعية كالجبال والمرتفعات أوصناعية كالالغام كما هو الأمر في الجبهات الأخرى مع الحوثيين. ويؤكد 3 من المحللين الأربعة شاركا في الإشراف على المعركة بأن العقيدة العسكرية والقدرة القتالية للطرف الآخر لعبت دورا كبيرا في هزيمة قوات الانتقالي بشبوة. قالوا إن عناصر النخب والأحزمة كانوا يمتلكون العتاد فلديهم عربات مدرعة تساعدهم على سرعة الحركة في المناطق المفتوحة ومناطق إمداد قريبة، وقواعد عسكرية مكتظة بالاسلحة لكنهم كانوا شبه مذعورين ويكسرون من أول وهلة. " ليس هناك هدفا يقاتلون من أجله، ومهاراتهم القتالية ضعيفة للغاية ويبدو انهم جندوا بعد الحرب ولم يخوضوا معارك وكانوا اشبه بقوات امنية تمتلك سلاح ثقيل". يقول أحد الضباط،شارك في معارك ضد مليشيا الحوثي " هناك فرق بين المقاتل الحوثي الايدلوجي ومقاتلي المجلس الإنتقالي المدفوعون بالفقر والحاجة للراتب ..الحوثيون يقاتلون باستماتة مدفوعين باوهام ومزاعم و تعبئة عقائدية" يضيف "في كل منطقة يتراجع فيها مقاتلوا الحوثي يسيجونها بالألغام وهذا النوع من الحروب سيما في التضاريس الصعبة يحتاج الى تغطية طيران وسلاح الدروع وكاسحات الغام والتضحية بعدد كبير من الأفراد". رغم المساحة الكبيرة لشبوة فقد تم السيطرة عليها بشكل كامل كما تقول بيانات الجيش بتضحيات محدودة من القتلى والجرحى، وقد مثلت بداية التراجع الدراماتيكي لقوات الانتقالي. وتشبه تضاريس شبوة الى حد ما تضاريس الجوف ومناطق الساحل الغربي حيث هي خليط من المرتفعات المنخفضة والصحاري، ومع ذلك يقول الضابط أن هذه المناطق تم السيطرة عليها بسقوط آلاف القتلى والجرحى من الجيش وتشكيلات المقاومة، رغم غطاء الطيران والدبابات والوجود الكثيف سيما في الساحل الغربي للاباتشي والمدرعات. أحد أكثر العوامل تاثيرا في تغير المعادلة العسكرية لمصلحة الشرعية في شبوة هو الموقف السعودي، فالمؤكد أن الرياض وضعت خطا أحمر للإنتقالي والإمارات في شبوة. وتقول مصادر مؤكدة إن الرياض أرسلت دعما عسكريا كبيرا للجيش في شبوة، وسمحت بإرسال تعزيزات عسكرية محدودة من مأرب الى شبوة، اقتصر جميعها على وحدات يمثل أغلبية قوامها جنود وضباط جنوبيون. وتقول مصادر محلية إن الحضور السعودي في معظم المحافظات الجنوبية يحظى بقبول كبير بسبب ثقتهم بالرياض، مقابل الريبة والشك والخشية من الدور الإماراتي. لكنه من غير الواضح حتى الآن ما اذا كانت الرياض ستندفع خلف الجيش لاستعادة السيطرة على ابين وعدن، فقد طالبت مع الامارات بوقف اطلاق النار عقب السيطرة على شبوة ودعت الى سرعة الجلوس على طاولة حوار بين المجلس الإنتقالي والحكومة الشرعية. في نفس الوقت ترد الأنباء تباعا باستمرار تقدم الجيش وبات على مشارف زنجبار عاصمة محافظة أبين، ويقول تسجيل صوتي لنائب رئيس الوزراء أحمد الميسري إن قوات الجيش ستدخل زنجبار وعدن وأنها مسألة وقت. فهل انتهت أحلام أبوظبي في الجنوب أم انها ستظل كامنة من خلال تحريك ادواتها وضرب أي محاولة لاعادة ترتيب صفوف الشرعية لمواجهة الحوثيين ؟