السبت 26 أكتوبر ,2019 الساعة: 08:48 مساءً
آشر أوركابي- ترجمة خاصة بالحرف28 - عبدالواحد العوبلي
كانت حرب المملكة العربية السعودية في اليمن مدفوعة بمخاوف إمدادات النفط ونقله. حيث جعلت التوترات الإقليمية مع إيران مضيق هرمز طريقًا غير موثوق به لـ 30 في المائة من إمدادات النفط في العالم، وبرزت موانئ الترانزيت وخطوط الأنابيب كمكون حيوي في الاستقرار الاقتصادي المستقبلي للمملكة. المفارقة في الحملة العسكرية السعودية في اليمن هي أنها بدلاً من تعزيز أمن النفط فقد ولدت معارضا عنيدًا متمثلاً في الحركة الحوثية. تشكل غارة الطائرات بدون طيار في أيلول/سبتمبر على حقول النفط السعودية دليلاً واضحاً لقدرة ميليشيا الحوثي على ضرب الأراضي السعودية وتعطيل إمدادات النفط العالمية. وتغريم المملكة مليارات الدولارات من الأضرار والإيرادات المفقودة. في حين تستمر الحكومة والإعلام السعودي في توجيه أصابع الاتهام وتخمين من يكون الجاني الحقيقي الذي قام بهذا الهجوم. بينما يظل السؤال عن سبب عدم استعداد وزارة النفط السعودية وتفاجؤها بمثل هذا الهجوم الوقح.
منذ عام 2009، شكل رجال القبائل الحوثية تهديدًا مستمرا ً على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، حيث كانوا يتسللون عبر منطقة صحراوية يسهل اختراقها بالإضافة إلى اختراقهم المجال الجوي السعودي بصواريخ سكود وطائرات بدون طيار. فالهجوم على منشآت نفط بقيق لم يكن أول وبالتأكيد لن يكون آخر دليل على ضعف المملكة العربية السعودية.
بعد فترة وجيزة من الهجوم بطائرة بدون طيار، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن المملكة العربية السعودية كان ينبغي عليها شراء نظام دفاع جوي روسي متقدم. لم تكن دعابة بوتين في غير محلها، خاصة بالنظر إلى مليارات الدولارات التي أنفقتها المملكة العربية السعودية على منظومة باتريوت الصاروخية، ودفعت مبالغ تم إضافتها فقط في الأسابيع التي تلت الهجوم. في الوقت الذي لا تزال فيها أن أنظمة S-300 و S-400 الروسية غير مختبرة في ساحة المعركة، وليس هناك ما يضمن أن أنظمة الدفاع الجوي بإمكانها اعتراض طائرة بدون طيار.
في الرد على الهجوم الأخير على الأراضي السعودية من قبل الحوثيين، من المفيد أن ننظر ليس فقط إلى العشر السنوات الأخيرة من الصراع على طول الحدود بين اليمن والمملكة العربية السعودية، ولكن يجب العودة إلى المرة الأخيرة التي تعرضت فيها السعودية للتهديد الجوي والهجوم البري عبر الحدود في اليمن، والتي كانت خلال الستينيات من القرن الماضي. حيث تمركز ثلث القوات الجوية المصرية في اليمن دعماً لجمهورية يمنية تأسست في عام 1962م. كما أدت الحرب الأهلية التي أعقبت ذلك بين رجال القبائل شمال اليمن وبين القادة الجمهوريين إلى جر السعودية إلى الصراع التي لجأ إليها تحالف القبائل الشمالية لليمن. فقد كانت الطائرات المصرية المقاتلة تطارد رجال القبائل داخل الأراضي السعودية، وتقصف الأسواق ومستودعات الإمداد على طول الحدود.
ناشدت المملكة العربية السعودية الرئيس جون كينيدي لتقديم مساعدة عسكرية مباشرة، خشية أن يهدد الهجوم المصري النظام الملكي وإمدادات النفط في البلاد. ولكن كينيدي خوفاً من إقحام القوات الأمريكية بحرب إقليمية أخرى وافق على إرسال سرب واحد فقط من المقاتلين إلى قاعدة الظهران الجوية في المملكة العربية السعودية فيما يسمى عملية السطح الصلب. ولكن كينيدي منع الطيارين من الإشتباك مع الطائرات المصرية، خوفًا من التورط في نزاع حدودي يكون من الصعب إيجاد حلول له مستقبلاً. وبالفعل كان مجرد وجود القوة الأمريكية وتهديدها المحتمل -حتى لو لم يكن في النية استخدامها - كافياً لمنع صراع أوسع بين السعودية ومصر.
ومنذ ذلك الوقت، تم استبدال هذه القوة التي تقدمها سرب طائرات كينيدي بدوريات بحرية، بينما أعيدت تسمية قاعدة الظهران، الواقعة في المنطقة الشرقية، باسم قاعدة الملك عبد العزيز الجوية، وهي الآن بمثابة مركز رئيسي لسلاح الجو الملكي السعودي. ومع ذلك، لا تزال هذه القوة بمثابة استجابة مهمة ومناسبة لتخفيف حدة النزاعات الإقليمية وتجنب تصعيد كبير في العنف. رافقت بعثة كينيدي الجوية في عام 1963 إلى الظهران بعثة مراقبة تابعة للأمم المتحدة راقبت المجال الجوي السعودي وحققت في أي غارات مصرية أُبلغ عنها عبر الحدود. لأن الأمم المتحدة يمكن أن تلعب دورًا مشابهًا لقوات حفظ السلام الإقليمية. وكانت المهمة التي قامت بها لمراقبة الأجواء عامل تطمين كبير للمخاوف السعودية. ولعبت دوراً لخفض مستوى العنف على جانبي الحدود السعودية اليمنية. فيما ظلت سلامة وأمان المنشآت النفطية المستهدفة هي مسؤولية المملكة العربية السعودية، وكان بلا شك السبب الرئيسي لعمليات شراء الأسلحة الباهظة.
ثانيا
ستصبح مسألة الحفاظ على منشآت النفط وضمان عدم انقطاع إمداداته هي الأكثر أهمية بالنسبة للسعودية التي تعمل على بناء خط أنابيب عبر المهره، أقصى شرق اليمن، ليصب في ميناء نشطون على الساحل الجنوبي لليمن.
ويشكل بناء هذا الأنبوب، تتويج لعقدين من المفاوضات السعودية والجهود الدبلوماسية التي رفض خلالها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح منح المملكة العربية السعودية السيادة على الممر الإقليمي المطلوب لبناء ومراقبة هذا الأنبوب.
كما أدت التوترات مع إيران ونقص الثقة في مضيق هرمز كممر لناقلات النفط السعودية إلى زيادة الضغط على السعودية للبحث عن بدائل لنقل النفط.
أتاح اندلاع حرب أهلية في اليمن عام 2014 فرصة فريدة للسعوديين لدعم وتنمية إدارة يمنية جديدة توافق في النهاية على استئجار الأرض اللازمة لبناء ذلك الأنبوب.
رغم أن الحرب الأهلية لم تستمر كما هو مخطط لها في البداية، إلا أن الرئيس اليمني منصور هادي بقي في الرياض لأسباب تتعلق بالبلد المضيف السعودية. مما يعني أنه لن يسمح له أن يكون في مكان يستطيع من خلاله عرقلة مشروع إنشاء خط أنابيب وميناء سعوديين.
في يونيو 2018، زار السفير السعودي في اليمن، محمد الجابر، محافظة المهرة بصفته المشرف العام على برنامج إعادة الإعمار السعودي في اليمن، بعد دراسات الجدوى التي أجرتها شركة أرامكو السعودية. وعلى الرغم من أن المهرة محافظة ذات كثافة سكانية منخفضة نسبياً، إلا أنها لا تزال تشكل تهديداً محتملاً لخط أنابيب النفط الذي تخطط له المملكة العربية السعودية.
كان هجوم أيلول / سبتمبر على مرافق إنتاج النفط في بقيق بمثابة تنبيه لضرورة إستفاقة وزارة النفط السعودية. وأيا كان مرتكب الهجوم، سواء الحوثيين أو إيران، فالسعودية دخلت معمعة الصراع في اليمن سعيا وراء بديل لمضيق هرمز. الأمر الذي أدى عن غير قصد لإنتاج تهديد أمني جديد للمنشآت النفطية. في حين إذا أصبح خط أنبوب نفط المهرة حقيقة، فإن قوات الأمن السعودية سترث مئات الأميال من أهداف الطائرات بدون طيار المحتملة التي تمر عبر أراضٍ معادية محتملة.
ستكون مضطرة لدفع الإيجار، في شكل رشاوي باهظة الثمن لزعماء القبائل المحليين، ناهيك عن تكاليف رصد المجال الجوي المحيط بخط الأنابيب.
وستقع المسؤولية النهائية عن تأمين خط الأنبوب هذا والمنشآت النفطية الأخرى على عاتق المملكة العربية السعودية، في حين سيكون على الولايات المتحدة والأمم المتحدة توفير الردع والمراقبة الكافية لمنع نشوب صراع إقليمي أوسع.
آشر أوركابي
باحث مشارك في معهد ترانسريجيونال التابع لجامعة برينستون.
--------------
نقلا عن مجلة ناشيونال انترست