الأسوأ عالميًا.. لماذا؟ 3
الخميس 31 أكتوبر ,2019 الساعة: 03:54 مساءً

ليس ثمة ما يؤشر إلى أن اتفاق الرياض سيحدث فرقًا أو يشكل علامة مفارقة لجميع المفاوضات والعروض والصيغ المقترحة التي كانت ولازالت تندرج في إطار المناورات السياسية الهادفة إلى تمديد أجل الحرب ولن يكون له أكثر من مفعول الحقن المؤقت ” الهدنة” بين الاطراف المتقاتلة كيما تلتقط أنفاسها و تجدد طاقتها.

 

كل المقدمات التي تشير – في الظاهر – إلى حمل بسلام كاذب، تصب فعلًا في مجرى إعادة تموضع وتموقع وانتشار الأطراف المتحاربة وتحسين مواقفها والانتقال بالحرب إلى أطوار جديدة وتجريب أنواع وطُرز جديدة من الأسلحة والذخائر وفتح جبهات كانت بمنأى عن ألسنة النيران ولم يكن ثمة مبرر لزجها في الدوامة المجنونة.

 

إن التعقيد الكبير للمسألة اليمنية، على صلة وثيقة بالتزاوج العميق بين أطراف الحرب الدائرة في اليمن وصراعات دول المنطقة ونزاعات القوى الكبرى على السيطرة والنفوذ، وفي ظل هذا التعقيد الناجم عن تعدد الأطراف المحلية والاقليمية والدولية، فإن الخيط المفقود والمطلوب لأي تسوية يتمثل في: غياب دور الفاعلين اليمنيين القادرين على استبطان مبادئ ومعايير وتصورات مشتركة و ركونهم المطلق على “مرجعيات” و “مبادرات” كانت ولازالت تُطبخ وتُهندس من خارجهم وتفرض عليهم بوصاية لا حدود لها ولا تفضي -غالباً- إلا إلى أكثر من تكريس منطق المحاصصة بما يعنيه من إشاعة المزيد من مناخات الفساد والإفساد والنهب والهدر وتمكين مافيات الفساد وجنرالات وأمراء الحرب و الانتهازيين والطفيليين من مفاصل بقايا دولة متهالكة ومنظومة منهارة وعهد وطني مندثر وبلاد كبيرة آلت إلى فريسة وغنيمة حرب.

 

الواضح، أن الدور المشبوه والمتورط للأطراف الخارجية في اليمن يزيد من الأمور سوءًا ومأساوية ولم يعد خافيًا أنه يرفد ويطَّعِم السمة العامة لدور اللاعبين الكبار، التي تقوم على اعتماد الحرب وسيلة للسيطرة وتوسيع رقعة الدمار إلى الدرجة التي لم تعد معها هذه الحرب امتدادًا للسياسة -كما يقال-، بل هي السياسة ذاتها والسياسة الوحيدة الناجعة للعولمة في طابعها الحربي الترامبي المتوحش، وهو طابع ناتج عن تطوير الدول الكبرى لمقدرات عسكرية هائلة خلال العقود الماضية، غدت تستثمرها اليوم في التسابق المسعور على تحسين مواقعها وزيادة حصتها من الموارد الأولية وتجهر بصوت مرتفع -خاصة ادارة ترامب- أنها غير معنية بنزاعات ومصير البلدن المهروسة بالحروب، بقدر ما يهمها الاستثمار في الحروب كسبيل أسهل وأسرع لزيادة حصتها من الناتج العالمي، عبر بيع الحماية والمزيد من الأسلحة والمزيد من تغذية التصدعات والنزاعات بين المذعورين في القصور العائمة على الرمال المتحركة في الخليج.

 

إن متاخمة اليمن للدول الأغنى في كوكب الأرض قد جعلها -وياللمفارقة- الدولة الأفقر في العالم لأسباب كثيرة لها صلة بالتاريخ والجغرافيا والدواخل، وصلة مباشرة بالمخزون الضخم لهذه الدول من النفط والغاز و بامتلاكها لأكبر سيولة مالية في العالم، ولكونها تشكل أكبر مورد مالي للدول المصنعة للسلاح.

 

والمعلوم أنه على خلفية الحرب المستعرة في الحديقة الخلفية -اليمن- وفي مناخاتها أبرمت جُل دول الخليج صفقات شراء أسلحة بمليارات الدولارات وأصبحت حرب اليمن تبيض ذهبًا وألماسًا في خزائن دول الغرب وأمريكا، وبعد أن نشب الخلاف واحتدم علنًا بين: قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة اخرى، انعكس الوبال على اليمنيين والساحة اليمنية وتضاعف مستوى هشاشة الجغرافيا السياسية لهذا البلد وتزايد حجم منخفضهِ التاريخي الجاذب لكافة تيارات الحروب الباردة، الحارة، الساخنة والملتهبة.. وتكاثر الوكلاء والأمراء المحليين “المتمعشين” من تمويلات الأمراء في الجوار و إمداداتهم بالسلاح، وبدلًا من أن تستثمر اليمن في موقعها الاستراتيجي المميز كمنطقة عبور ومصالح استراتيجية لقوى إقليمية ودول كبرى، صارت مسرحًا للحرب الأكثر دموية ودمارًا وعدمية في المنطقة العربية كلها وتحولت إلى غابة سلاح ومخبر مفتوح لكل أنواع الأسلحة الممنوعة في القوانين والتشريعات الدولية التي تمارس على مرأى من أنظار الداخل والخارج ومن قبل الفاعلين في الداخل والخارج.



ينشر بالإتفاق مع البوابة اليمنية للصحافة الإنسانية "أنسم "


Create Account



Log In Your Account