وداعا عدن ..
الأربعاء 25 مارس ,2020 الساعة: 07:38 مساءً

آخر مرة  كنت في عدن لم يكرهني أحد..

لا عامل الفندق ولا المسلح الحراكي الذي وجد موقفا لسيارتي وابتسم .

حتى الفتاة النسخة من أمل كعدل ولا تزال في السابعة عشر في كريتر ضحكت لي وأنا أستخف دمي ولابس شال وجنبيه اسأل عن الكريمي فقالت : الفكه التانيه شمال

كنت قد قلت : لو سمحتي أين مكتب الكريمي معي حواله من يحيى معراد ، فقهقهت العدنية وهي تلمح راس جنبية الشمالي بلا ضغائن دحباشية

لم تكترث لتصنيف شي غير إنسانيتي.

العدني هو البدلة نصف كم يقول لك : هب له سياسه بجيب لك شاهي ،خالتي سميرة أذكى منك خريجة موسكو  بتقرف عارك سياسة ، ويبحث لك بعدها عن كرسي ونكتة.

عدن هي المدينة التي انتزعتها قبائل الجنوب الضالع وأبين من حلمها الإساني ونهبتها قبائل الشمال وفي كل مرة تنام عدن وثمة عنف يتحدث نيابة عنها بينما تبحث لاطفالها عن مخدة بلا خريطة .

في الليل بعد الواحدة تماما استلقيت عاريا تماما على ساحل ابين ، في الظلمات حيث الله في الأعالي وجسدي يخوض في بحر العرب غير خائف من أي جنوبي غير سمك قرش مولع بالتهام الاعضاء .

كل من كتب في اللياقة الإنسانية قال أن عدن مدينة كوزموبوليتيك ، الاصطلاح الذي يجعل احدهم ليبراليا يشهد بكوزموبوليتيك مدينة حولها المثقفون معرفيا لدغل ، لقد تخلى المثقفون والساسة عن المدينة التي لم يتخلى أهلها عن كوزموبليكيتهم وعاشوا المصطلح دون أن يتباهوا به ، لم تفصح عدن مؤخرا عن نقيض مزاجها المتسامح ووعيها المتقدم لكن البدو انتزعوها من كل الذي كانت عليه ، مثل مسخ ميتافيزيقي احتل جسد أميرة وراح يتحدث عن بشاعته بصوتها وهي مشوشة في الحد الفاصل بين الموت والذهان.

لي مع عدن ذكريات ليل مراهقة قديم منذ الجنسانية الأولى في ليالي قرية الدنوة تحسدنا بقية القرى ، قرية الريح على رأس الجبل تلتقط موجات البث من عدن ،  القناة المشفرة الوحيدة التي لا تحذف المشاهد الساخنة وتغني للوحدة قبل الوحدة .

 احمد بن احمد قاسم وأنفه المفلطحة تغني : الوحده ، الوحده اليمنيه ، الوحدة اليمنية يا شعبي أغلى إنتصار

وبعد الوحدة وإبان تصاعد موجة كراهية الشمال كنت مستلق على رمل ساحل ابين في الظلمات وهو يستجلب موج الليل من المتجمد الجنوبي إلى قدمي يمني يقاوم تصنيفه كشمالي ويغني : صدفه التقينا على الساحل ولا في حد

كلمات لطفي جعفر بإيقاع احمد قاسم هي الأمان ، خضت في اليم مجددا و الكراهية هناك تتفاقم في مطابخ السياسة بينما أنا وعدن نتبادل القبلات ونهمس : الله من هذي العيون من ذي الشفاه والنهد .

في الصباح أرسل بائع السمك إبنه يبحث لي في بقية السوق عن سمك سخله وأنا أسميه غودة ولم يكرهني ولا كره جنبيتي ولم يعاملني على أنني مدير مكتب علي محسن

في كل مرة كنت في عدن تأبطت يدي شاعر فرنسي اسمه رامبو ، احبته عدن ومنحته ليلا ومويجات كافية للاصغاء للأبدية على ساحل جولد مور.

منحتني البنت ذات العين المثلومة في كافتيريا بجولد مور رقمها وقالت : با تتصل بي يا دحباشي ؟ فهي تبحث عن أي شخص من إب يخبرها عن مصير جذرها العائلي هناك  ، كان اسمها لودميلا ، على اسم حبيبة أبيها الروسية وكانت عينها اليمنى تفصح عن عور عالم غبي صدفها بسنارة حديدية في الطفولة ،   فغمزت بالعين الأخرى وتقوضت أنا أمام جمال كون تأنث في عدن ذات ظهيرة بلا خوف ولا رجاء ؟ اتصلت بعدها وكان مجيب آلي يردد من ظلمات عدن : هذا الرقم لم يعد في الخدمة .

أين تراك الآن يا لودميلا ؟

؟ لم تكن رحلتي الى عدن بحثا عن المتبقي من السياسة بقدر ما كان بحث يمني عن مكان لا يزال دافئا بأنفاس وطن ، كلما هنالك أنني بحاجة لبيت شعر واللحاق بالنغمة الأخيرة لمدينة يوشكون على إلحاقها بتجربة تغيير ملامح المدن حتى لا تعود تشبه أهلها ومن خلال وعود الدم ورعاية الغرباء.

 

انا لم أصادفك في المدينة التي لن تكرهني ولم تخبرني عن المحبة والكراهية .

بقيت تتدفق داخلي فحسب دون أن تطلب أوراقي الثبوتية.

عدن التي يقال ان اول جريمة قتل في التاريخ اقترفت على ساحلها عندما قتل قابيل اخاه ولم يجد اين يدفنه .

 الأساطير  تحكي البداية والنهاية والشعراء وحدهم يغادرون مدن الله تاركين للقتلة سرد الخاتمة

هنا على راس صخرة في المعاشيق وقف الشاعر سعدي يوسف يرثي فردوسه الاخير في جحيم 86 بينما يتلاطم بحر الدم عند قدميه :

غادرتك الدلافين

هكذا قرر القادة الآلهة

هكذا يجد الماركسي حقيقته

في النظرية

لا في النظر

وداعا عدن

وداعا

وداعا

وداعا عدن ..

 

- نقلاً عن صفحة الكاتب على فيسبوك


Create Account



Log In Your Account