يبدي الأمريكيون والبريطانيون حماسة كبيرة لدفع السعودية لإبرام اتفاق مع الحوثيين .. هل يمكن الرهان على فصل عبدالملك الحوثي عن إيران وفقا لإغراءات واشنطن ولندن؟
الخميس 07 يناير ,2021 الساعة: 12:56 مساءً
الحرف28- سلمان شمسان

قال متحدث الحوثيين العسكري يحيى سريع الإثنين الماضي  إن مليشياته قادرة على ضرب 10 أهداف حيوية في السعودية خلال 24 ساعة فقط إن قررت الجماعة ضرب تلك الأهداف، ولم يفصح –كعادة الحوثيين- عن طبيعة تلك الأهداف.

لم تكن التهديدات الحوثية خلال السنوات القليلة الماضية تؤخذ على محمل الجد من قبل المراقبين، لكن الأمر تغير فور وصول السفير الإيراني حسن أيرلو ضابط الحرس الثوري الذي أصبح يطلق عليه الحاكم الفعلي لصنعاء.

قبل هذه التهديدات بيوم، كان القيادي الإيراني أيرلو يخطب من قلب ميدان الجمهورية في مسجد الصالح بالسبعين في قلب صنعاء  عن أن مليشيا الحوثي صارت اليد الطولى للمحور الإيراني ذي التأثير الأكبر في المواجهة على مستوى الصراع الجيوسياسي في المنطقة.

وقبلها أيضا صرح أيرلوا في صفحته على تويتر أن الصمت على ما يصفه الحوثيون وأنصارهم بالحصار السعودي لن يطول الصمت عليه.

وحين يتكلم الحوثي عن الحصار فهو يعني بالضرورة خضوع السفن القادمة إلى الحديدة للتفتيش عبر التحالف والأمم المتحدة (ثبت أنه تفتيش غير فعال وفق تقرير دولي للجنة الخبراء والعقوبات) وإغلاق المطارات وعزلة دولية كبيرة لكنها ليست بتلك الأهمية.

 وشن عدة ضربات بحرية زادت عن ست هجمات نجحت في تحقيق أهدافها بمستويات متقدمة في السعودية والبحر الأحمر.

 وكانت إيران قد صرحت عقب إعادة العقوبات الأمريكية عليها في 2018 أن جميع من في المنطقة سيبيعون النفط أو ستمنع عنهم جميعا، وبدا أنها تنفذ وعيدها. 

وبينما كانت الحكومة اليمنية الجديدة تحط رحالها في عدن لبدء مرحلة أحدث من الصراع السياسي التفاوضي وفق الرؤية المتبنية لأهداف اتفاق الرياض، وصلت ثلاثة صواريخ موجهة إلى المطار كادت أن تقتل جميع طاقم الحكومة لولا تأخر مغادرتها الطائرة.

كان هذا الهجوم المصور من لحظة الانطلاق حتى لحظة الوصول قد تسبب بمجزرة و قتل 26 شخصا وجرح 112 آخرين، عنوان للمرحلة الجديدة وفق الرؤية المناهضة للحكومة اليمنية.

في جانب آخر يعمل المبعوث الأممي مارتن غريفث منذ سقوط نهم والجوف والهجوم الكبير على مأرب على حل جديد يستند إلى المعطيات العسكرية على الأرض.

 وبينما كانت رايات الصرخة الحوثية ترتفع فوق سماء مدينة الحزم مركز محافظة الجوف في الأول من مارس العام الماضي، وصل مارتن غريفث إلى مأرب، بأحد عشر نقطة حوثية للتفاوض، كان غريفث حينها مندوبا حوثيا يبلغ سلطان العرادة محافظ مأرب عن شروط التفاوض الجديدة.
(غريفيث يلتقي العرادة غداة سقوط الحزم بأيدي الحوثي)

بالتوازي وصل وفد من مكتب غريفث إلى وادي حضرموت حيث يتعامل معه غريفث والإمارات والسعودية على أنه معقل لحزب الإصلاح كما تتعامل بنفس النظرة مع مأرب.

قال مصدر مطلع على لقاءات الوفد الأممي بمسؤولي حضرموت إن الوفد أبلغهم أن الحوثي يستطيع اكتساح الوادي بالقوة العسكرية فماذا أنتم فاعلون؟! 

كان تهديدا صريحا يستند إلى قوة الحوثي المتعاظمة في 2020م بدون أي لباقة دبلوماسية.
لم يكن غريفث ليتحول إلى مفاوض حوثي أو ما يشبه هذا الواقع لولا رؤية بريطانية أمريكية متجذرة في مصانع السياسات الاستعمارية الخبيرة بالمنطقة، تذكر بريطانيا وأمريكا السعودية أن علاقاتها الحقيقية مع القوى في اليمن كانت على وئام تام مع الإمامة، وأن رموز الإمامة أعادتهم السعودية في عام سبعين من القرن، الماضي.

 وقبيل نهاية العام الماضي بأيام قليلة قال السفير الأمريكي الأبرز في اليمن جيرالد فايرستاين الذي عمل حتى 2014 إن الحوثيين سينفصلون عن إيران في اللحظة المناسبة وسيلتحقون بالسعودية على حساب طهران، بحسب البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للحوثيين، وبناء على الخبرة التاريخية للاستعمار والعلاقات السعودية مع الإمامة منذ مطلع القرن العشرين وتأسيس الدولة السعودية الثالثة، أو هكذا يوهمون السعودية. 

وهي صحيحة تاريخيا إلى حد كبير في الأوساط السياسية والشعبية في اليمن، لكن ينقص تلك الحقبة وجود الثورة الخمينية ونظرية ولاية الفقيه وتصدير الثورة، فلم تكن هناك جمهورية إسلامية في إيران إبان حكم الإمامة.

ما الذي تغير بعد وصول السفير الإيراني؟


(حسن أيرلوا يتوسط مسؤولين حوثيين يحيون ذكرى مقتل سليماني بمسجد الصالح بصنعاء يناير2020)

كثيرة هي التحولات التي حصلت بعد ظهور حسن أيرلو إلى صنعاء، في عملية سرية لم يفصح عنها حتى الآن إلا أنها جاءت بعد صفقة حوثية أمريكية قضت بالإفراج عن مخطوفين أمريكيين وجثة لثالث كانوا محتجزين لدى مليشيا الحوثي مقابل ضغط أمريكي على التحالف توج بالسماح لعودة 250 جريحا ومسؤولا حوثيا في الخارج عادوا عبر سلطنة عمان.

فور وصول السفير نجحت مليشيا الحوثي في استهداف أكثر من أربع سفن تقل النفط في البحر الأحمر وميناء جدة وقبالة جيزان، وضربت منشأة لأرامكو في جدة وأخرى في جازان، واستمر أثر التخريب في جازان أكثر من أسبوع، وكادت الإمدادات أن تنقطع عن المنطقة وفق صور بثها ناشطون الشهر الماضي.

 وأرجع الإعلام السعودي أزمة المشتقات حينها إلى شائعات مغلوطة.

ولم تتبن جهة الهجوم على سفينة أخرى قبالة سواحل المهرة حيث ممر التهريب الرئيس وفق تقارير دولية بما فيها تقرير لجنة خبراء العقوبات الدولية الخاصة باليمن.

واعترفت السعودية بخبر نشرته وسائل إعلامها بهجمات حوثية جوية بلغت 480 طائرة مسيرة استهدفت الأراضي السعودية نجحت عدة هجمات منها في إصابة مطار أبها بالطائف، وقالت السعودية أيضا في احتفال نظمته البحرية الملكية الشهر الماضي إن قواتها نزعت 166 لغما بحريا حوثيا ودمرت زوارق بحرية حوثية بلغ عددها 66 زورقا، آخر ست هجمات منها أصابت أهدافها خلال الشهرين الأخيرين من العام 2020م.
وبدأ الحوثي بشن الهجمات البحرية بكثافة في آخر ثلاث سنوات من الحرب، بينما بدأ بشن الهجمات الجوية بالطيران المسير خلال من منتصف 2016م ولم يكن قبلها يملك أي طيران.

وقال تقرير إسرائيلي إن استخباراتها رصدت مصنعا إيرانيا للطيران المسير في غرب اليمن، وتوقع أكثر من تقرير إسرائيلي أن تكون الهجمات الخطرة عليها وعلى المصالح الأمريكية من العراق أو اليمن.

وردت إيران على هذه التصريحات بالفخر الإيراني عبر حسن أيرلو بأن جبهة بلاده عبر اليمن والحوثي صارت يدا طولى وغيرت المعادلة على المستوى الجيوسياسي في المنطقة.

على المستوى الداخلي للمليشيات نفسها

اغتيل حسن زيد وهو مفت حوثي كبير وكان قد أفتى بقتل هادي في مطلع 2015 ولام جماعة الحوثي على عدم الاستماع له بعد فرار هادي، لكن حسن زيد لم يكن على وفاق تام مع إيران فهو من النخبة الهاشمية في صنعاء التي لم تنشئها إيران من الصفر، وشن في أكتوبر من العام 2019 هجوما حادا على إيران واتهمها باستغلال الحرب في اليمن لاستنزاف السعودية على حساب اليمنيين، لكن مصدرا حزبيا مقربا من حسن زيد قال إن الأخير لم يكن يؤمل كثيرا على علاقات سعودية حوثية.

وكان موقع الاغتيال لافتا إذ جاء قبيل أكبر فعالية دينية طائفية حوثية (المولد) واستنفار أمني حوثي رهيب وفي أشد المناطق تحصينا في حي حدة بصنعاء، وكان أيضا رفقة ابنته في سيارة مدنية كي تحميه من اغتيال متوقع، لكنه اغتيل وأصيبت ابنة له كانت برفقته.

وسرعان ما لملمت المليشيا ملف الاغتيال وزعمت قتل ثلاثة من منفذي الهجوم في ذمار بعد ساعات قليلة من مقتل زيد. 
لاحقا أقال الحوثيون مسؤولا من بيت الوزير كان يعمل وزير المياه ويدعى نبيل الوزير مع نائبه توفيق الشرماني بتهم فساد بطريقة مهينة وشرعت في التحقيق معه، لكن أحمد حامد الرجل القوي في المليشيا سرعان ما أعاد تعيين الشرماني وزيرا للمياه.

والوزير من أسرة هاشمية إمامية تنازعت السيطرة على الإمامة مع بيت حميد الدين منتصف القرن الماضي وترى نفسها الأحق بالحكم، وما زال الشعور قائما حتى الآن، وفق مصادر مطلعة على نزاعات فصائل المليشيا.

وقالت بشرى المقطرى إن نزاعات الأسر الهاشمية احتدت بعد وصول أيرلو إلى صنعاء وبدأت المليشيا في التخلص من "جناح الطيرمانات في صنعاء" أي البيوت الهاشمية التي مهدت للحوثيين في صنعاء سياسيا وإعلاميا وثقافيا واستخباراتيا، لكنها لم تكن تشترك في خوض الحروب العسكرية في الحروب الست خلال العقد الماضي مع هاشميي صعدة. 

قال الباحث أيمن نبيل إن تشكيل مليشيا الحوثي على هيئة عصابات سرية يجعل التمييز صعبا بين فصائلها. لكن الاغتيالات والصراعات والتنافس تبدو أيضا واضحة على سلوك كثير من قادتها.

وقال مصدر مطلع للحرف28 إن عددا من الأسر الهاشمية في ذمار وصنعاء لا يسرها العمل تحت إمرة عبدالملك الحوثي أو هاشميي صعدة، لكننا تنتظر الفرص المواتية للتعبير عن رفضها.

وقال مروان الغفوري إن إيران تعيد إنتاج شعب كامل بهوية إيرانية في صنعاء.

من وجهة نظر أيرلو وإيران فإن مليشيا الحوثي عبارة عن مزيج معقد من التداخلات العقائدية والقبلية والسياسية(أو كما عبر عنهم مسؤول إيراني قبل سنوات بأنهم شيعة شوارع)، يقودهم مجموعة من الوافدين إلى إيران منذ  سيطرة نظرية ولاية الفقيه على الحكم. ومن أبرز من زاروا إيران بدر الدين الحوثي وحسين بدر الدين الحوثي فور قيام الجمهورية الإسلامية على أنقاض دولة الشاه، تلاهم آلاف من الطلبة الذين درسوا في إيران وقدرتهم الاستخبارات اليمنية قبل سقوط صنعاء والجمهورية بستة آلاف طالب.

(محمد علي الحوثي أحد القيادات الحوثية البارزة )

قال أحد الخبراء الذين تحدث إليهم الحرفـ28 ورفض الكشف عن اسمه لوجوده في صنعاء إن أولى مهام السفير أيرلو هي إعادة تشكيل المليشيا على طريقة حزب الله بسيطرة كاملة من إيران على التنظيم الحوثي بكل فرقه.

وقد بدا ذلك من خلال عدة اتجاهات عبر شخصيات حوثية يقودها الرجل الأبرز في المليشيا محمد علي الحوثي أحد أنشط القادة الحوثيين، وتمثلت عوامل السيطرة بعدد من الآليات كان من أبرزها لأول مرة تغيير شامل في جميع المحاكم بمناطق سيطرة المليشيا بقضاة جلهم من الأسر الهاشمية. وتغيير جميع أمناء بيع العقارات في كل مناطق السيطرة وسجن مئات آخرين منهم واعتماد بدلا عنهم بأمناء من الجماعة نفسها بوثائق ممنوحة لهم. ثم الانتقال إلى تغيير قانون المرافعات ودعا محمد الحوثي صراحة إلى تغيير لائحة عمل المحامين وتحديد أسعار جلساتهم.

كما شن الحوثيون لأول مرة عبر محمد علي الحوثي وأحمد حامد مدير مكتب المشاط (أحمد حامد مسؤول الإعلام منذ زمن طويل في مليشيا الحوثي والمشرف على عمله) حملة زعموا أنها لمواجهة الفساد، وقد وصف شاعر حوثي عبر معرف له على تويتر أحمد حامد بالقيصر كناية عن استبداده، وأظهرت إعادة حامد للشرماني إلى وزارة المياه استخدام الفساد كأداة للصراع وليس للمكافحة، وقال ناشطون حوثيون إن أحد المدونين الحوثيين بمعرف وهمي اعتقل نتيجة نشر عدة وثائق تثبت صراع الأجنحة داخل المليشيا.

وفور مقتل حسن زيد هرع المحافظ الحوثي لريمة فارس الحباري إلى الإعلام وشن حملة صارخة ضد عبدالكريم الحوثي ومهدي المشاط ومعمر هراش ومحمد علي الحوثي وخلال ساعة كاملة من المقابلة على قناة الهوية تحدث عن شديد إخلاصه لعبدالملك الحوثي وشكايته بالوقت نفسه من "الأمنيين" الحوثيين في صنعاء. 
 
ماذا يعني ذلك على الجهود البريطانية الأمريكية لحل النزاع في اليمن؟ 

نهاية الشهر الأخير من العام الفائت اعترف مرشح بايدن لوزارة الدفاع الأمريكية إن قوات بلاده عملت على دعم الحوثي بهدوء في 2014 للسيطرة على اليمن لقتال القاعدة بعد ضعف قدرات هادي وحكومته، وقال إن التدخل السعودي في اليمن فشل للاستخبارات العسكرية الأمريكية لأنها وجهت ضربة للجهود الأمريكية في حربها ضد القاعدة.

يفسر التصريح الأمريكي من مرشح بايدن لوزارة الدفاع وفق ما نشرته الفورين بوليسي الشهر الماضي سر اختفاء أسلحة أمريكية بقيمة 500 مليون دولار فور سقوط صنعاء وصمت إدارة أوباما عن ذلك الاختفاء، لقد استولى الحوثيون على شحنة أمريكية كاملة من الأسلحة المدرعة والذكية والاتصالات عالية المستوى. 

كان جون كيري قد طرح أثناء مفاوضات الكويت وبعدها في 2016 أثناء ميل الغلبة للحكومة والتحالف خطة عرفت برؤية كيري في اليمن تدعو لاقتسام السلطة بحصص طائفية ومناطقية، تمنح فيها مليشيا الحوثي من السلالة الهاشمية نسبة 30% ويشارك حلفاء الحوثي من المؤتمر بنسبة أخرى بجانبها، على أن تتقاسم بقية القوى السياسية الحكومية السلطة في اليمن مع تقديم هادي لاستقالته أو جعله رئيسا شرفيا بلا صلاحيات حتى إجراء انتخابات رئاسية ومنع على محسن من المشاركة فيها. 

وقال السفير البريطاني لدى اليمن قبيل الضغط الدولي الهائل على التحالف لإيقاف الهجوم على الحديدة أواخر 2018 إن لندن تريد حلا سريعا للصراع في اليمن بناء على ما هو قائم حينها من سيطرة على الأرض بغض النظر عن الأسباب المؤدية إلى الحرب.


(محمد عبدالسلام الحوثي وعبدالملك العجري وإبراهيم الديلمي يلتقون خامنئي في طهران)

وضغطت بريطانيا وأمريكا على السعودية لوقف الهجوم.
وجاء مارتن غريفث بمقترح جديد قائم على ذات الرؤية تحت مسمى الإعلان المشترك على وقع التقدم الحوثي في كل من نهم صنعاء وشرقي مأرب والجوف مطلع العام الماضي.

وبينما كان غريفث يتأمل نهاية العام 2019 عن انخفاض الغارات والطلعات الجوية السعودية بعد هجمات كبيرة على آرامكو في بقيق وخريص، في محاولة سعودية للسير وفق الرؤية الغربية لفصل العلاقة بين مليشيا الحوثي وإيران وإعادة صياغتها على النمط الذي كان قائما بين الإمامة في منتصف القرن الماضي والسعودية، ردت طهران باكتساح مليشيا الحوثي لنهم والجوف وتهديد مأرب والسيطرة على معظم الحدود اليمنية السعودية التي كانت قد خسرتها في السنوات الأولى من الحرب. 
وقال مسؤولون إيرانيون وخبراء دوليون إن حرب طهران في اليمن هي الأقل كلفة مقارنة بالتدخل الإيراني في سوريا والعراق ولبنان.
وبينما كانت مليشيا الحوثي تزعم أن علاقتها بطهران عادية، ظهرت في الأيام الماضية في حالة اندماج حوثي كامل في مليشيا طهران، وقال عبدالملك الحوثي إن "الأمة الإسلامية" واحدة في إشارة إلى أتباع إيران من الشيعة. 

ونشرت الجماعة صور قاسم سليماني في كل أزقة صنعاء واستنفر إعلامها وقادتها في التبرير لذلك. وتحدث محمد عبدالسلام وحسين العزي وعبدالملك الحوثي وعبدالملك العجري وإعلام الحوثيين عن تماه حوثي لم يعد بالإمكان التغطية عليه أو تبريره، بل وصل إلى حد استذكار استعانة سيف بن ذي يزن بالفرس في مواجهة الأحباش قبل 15 قرنا من الزمان. 

الموقف السعودي من التطورات الأخيرة:

  في البدء علينا أن نقول إن مرتكزات العلاقات السعودية مع اليمن لم تكن مع الدولة اليمنية ومؤسساتها بالدرجة الأولى بل على قوى اجتماعية وسياسية في الداخل اليمني سواء كانت في السلطة أو خارجها.

وأهم نقطة أيضا لفهم أو تفسير الموقف السعودي تجاه قضايا شائكة ومعقدة في الملف اليمني الذي ندرسه على النحو التالي: 
قال محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي ولي العهد في وقت مبكر من الحرب إن الحوثي اخترق الخطوط الحمراء بالوصول إلى عدن، كان حينها الحوثيون يسيطرون على معظم محافظات شمال اليمن باستثناء مأرب والجوف وتعز، وتتأهب قواتهم لغزو الجنوب، ومع انتهاك الخط الأحمر السعودي تدخلت السعودية وطردت بتعاون كان متلاحما ظاهريا في البداية مع مختلف فصائل المقاومة اليمنية مليشيا الحوثي من معظم الأراضي الجنوبيبة ومأرب والجوف ومعظم مركز تعز في غضون أشهر قليلة. 

وتجمدت العمليات العسكرية وخريطة السيطرة بين الطرفين حتى مطلع العام 2020 باستعادة الحوثي لزمام المبادرة في الجوف ونهم وتهديد مركز مأرب.
ومع انقسام التحالف وتشرذمه وتجلى ذلك في الصراع العسكري العنيف في عدن بين الحكومة والانتقالي المدعوم من الإمارات في 2019 وتركيز القوى العسكرية المدعومة من التحالف على الصراع الداخلي بينها حسمت السعودية ذلك الصراع باتفاق هش مع أبوظبي لتقاسم السيطرة جنوبا بين الحكومة والانتقالي عبر اتفاق الرياض. 

بعد توقيع الاتفاق صرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونائبه خالد بن سلمان عن أن هدف الاتفاق هو التقدم خطوة في ملف الحل السياسي مع مليشيا الحوثي.

ومع تنفيذ اتفاق الرياض فعليا على الارض وفق الرؤية السعودية الإماراتية المتجاوزة لبنود الأتفاق الرئيسية على حساب الحكومة الشرعية، قال غريفث أمس الأحد إنه سيزور عدن للقاء الحكومة من أجل فتح حوار مباشر بين الحكومة ومليشيا الحوثي بشأن "الإعلان المشترك" وهو المشروع الذي تسعى يكرس الحوثي قوة رئيسية في البلاد وتسعى بريطانيا باسناد أمريكي لتمريره بعد تقاسم النفوذ في الجنوب وإضعاف الشرعية.

ويفتح المشروع الباب لتسوية لا تنهي الحرب، بل ترسم النفوذ المليشياوي على حساب الدولة اليمنية ، ويمنح القوى الاقليمية هيمنة أكبر على البلاد على نحو يذكر بعرض أوباما للسعودية بتقاسم النفوذ مع ايران في اليمن، مايبقي أساس الصراع قائما كنواة لدوامة حروب تهدف الى تهجير اليمنيين من أرضهم وافراغ الأرض من السكان وفقا لدراسة نشرها الوزير السابق المستقيل  محمد الميتمي الشهر الفائت.

لكن السعودية في الواقع فعلت الكثير في سياستها  على الأرض حين اتبعت نهج شريكتها الإمارات في تشتيت معارك التحالف وتقويض الشرعية.

ينقل محافظ محافظة ذمار وهو قائد عسكري موالي للشرعية عن قائد القوات السعودية الجديد في اليمن ما يفيد بأن الرياض تسير باتجاه تنفيذ إملاءات لندن وواشنطن.

وقال المحافظ في أحدث مقابلة صحفية مع قناة المهرية إن القائد السعودي ابلغ القيادات اليمنية أن بلاده ستتعايش مع سلطة الحوثي في اليمن كما فعلت مع الشيعة في البحرين والقطيف، وهي الترجمة السعودية لما يمكن تسميتها خطة فايرستاين آرون.
 لذلك يسعى غريفيث لتسريع وتيرة التحرك صوب إبرام اتفاق يقوم على مايسمى الاعلان المشترك، بسرعة كبيرة رغم ان الحكومة في عدن لم تفق بعد من صدمة الهجوم الحوثي على مطار عدن.
 
وتظهر صحيفة الشرق الأوسط السعودية حماسا لتحركات غريفيث ، وقالت إن جزئين من ثلاثة أجزاء من " الإعلان المشترك " اتفق عليها الطرفان فعلا" الشرعية والحوثيون"  وانحصر الخلاف في مسألة الحديدة والمرتبات والمساعدات الإنسانية. 

وكانت وكالة رويترز قد تحدثت في سبتمبر الماضي عن مفاوضات سرية رفيعة بين السعودية والحوثيين على صيغة اتفاق جديد بينها وبين مليشيا الحوثي يقوم في جوهره على وقف التدخل السعودي مقابل انسحاب حوثي 30 كيلو مترا من حدودها الجنوبية. 

والمشروع ليس تسريبا، فقد سبق أن تحدث عنه وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ماتيس في حوار المنامة نهاية 2018، حيث نصح السعوديين بإبرام اتفاق مع الحوثيين بنفس المضامين مقابل نزع الصواريخ البالستية،  وكان السفير البريطاني مايكل آرون أكثر وضوحا حين قال في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية في اكتوبر 2019  إن على السعودية أن تبرم اتفاق مع الحوثيين لابعادهم عن إيران مذكرا بالعلاقة بين الرياض واسلاف الحوثيين في العهد الإمامي اثناء مواجهة ثورة 26 سبتمبر والحرب الملكية الجمهورية.


Create Account



Log In Your Account