قطب الصناعة اليمني "الهائل" .. قصة تجوب العالم من خلال 92 شركة
الإثنين 01 فبراير ,2021 الساعة: 03:38 مساءً
بروفايل – الحرف 28 - خاص

في العام 1938 افتتح شاب ريفي نحيل العود محلاً تجارياً  في حي المعلا بعدن الواقعة تحت سيطرة الإحتلال البريطاني.

كان الحي وقتها بعيداً عن قلب الحركة التجارية في المدينة التي كانت تتركز في كريتر، لكن الشاب المثابر كان يصنع قصته على مهل ويمضي في طريق التعب بصبر ودأب.

في هذا الحي البسيط عُرف الشاب هائل سعيد أنعم، بدماثة خلقه وحسن تعامله وأمانته وتعاونه مع الآخرين، وقد اكتسب ثقة وكالة " البس" التاجر الفرنسي الشهير الذي كان يسيطر على جزء من التجارة في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، خصوصاً تجارة الأغذية والأقشمة.

نشط الشاب الودود في شراء البضائع من وكالة "البس" وبيعها للتجار، ثم ازدهر النشاط شيئاً فشيئا مع رفيق كفاحه، أخيه محمد سعيد أنعم، وقام بشراء آلة لطحن الحبوب "طاحون" وتشغيل إخوانه وأبنائهم.

بحلول العام 1952 كانت جهوده مع شقيقه قد أثمرت مردوداً ممتازاً، لكن الموت كان قد أختطف شقيقه محمد والد " علي محمد سعيد " الذي سيرافق عمه وأبنائه لاحقاً في مسيرة العمل والنجاح.

في ذلك العام أُطلق التاجر الحالم النواة الأولى للمجموعة التي ستغدو خلال عقود قليلة واحدة من أكثر المجموعات التجارية العربية والصناعية انتشاراً في العالم، وأسماها " شركة هائل سعيد أنعم وشركاؤه".

في تلك المرحلة، كان نجم رجل الأعمال الذي يشارف الخمسين عاماً قد بدأ يسطع، ولعله كوَن  ،مع آخرين، حلقة وصل البلد المشطور بين الإستعمار في الجنوب  والإمامة في الشمال، فقد كان مقصداً للعمال القادمين من المحافظات الشمالية  وداعماً للحركة الوطنية ورموزها ومحل ثقة المتخاصمين لتسوية الخلافات.

لكن قصة الرجل لم تكن بهذه البساطة، ففي الطريق اليها، كابد قطب الصناعة اليمني "الهائل" حياة الترحال والمخاطر بين الموانئ والقارات ووجع الغربة.

البدايات الصعبة .. أسفار 9 غربة

ولد هائل سعيد أنعم زيد علي ناصر في العام 1902، لأسرة فقيرة، في قرية  "قرض" التابعة لعزلة الأعروق بمديرية حيفان بمحافظة تعز جنوب غربي البلاد، وكان ترتيبه الرابع بين أشقائه.

درس القرآن الكريم في كُتّاب قريته، وختمه خلال أربعة أعوام، وقد عمل في الزراعة ورعي الماشية، وأشتغل في الحياكة في المحل الذي ورثته أسرته.

عام 1923،  ترك الشاب اليافع أسرته وحياة الريف خلفه، وتوجه صوب عدن سيراً على الأقدام لمدة ثلاثة أيام، بصحبة أبناء عمومته قاصداً الهجرة الى فرنسا للعمل.

وقد استقر به المقام في مرسيليا،(ثاني أكبر مدن فرنسا بعد العاصمة باريس) وهناك عمل بحارًا ثم عاملا، ومشرفًا لأحد المصانع في المدينة.

في تلك المرحلة التي عاشها في مرسيليا لمدة خمسة أعوام تشكلت معارف وخبرات الشاب هائل سعيد أنعم في واحدة من أكثر مدن العالم حيوية وحركة تجارية.

 بعدها عاد الى قريته في تعز، وحين توفي والده قرر خوض تجربة جديدة  وقرر التوجه بمساعدة إبن عمه، للعمل في تجارة الجلود من ميناء بربرة الصومالي الى ميناء عدن، وظل متنقلاً بين عدن والصومال وجيبوتي.

"دكان" المعلا والعلاقة "بالبس"

في عام 1938، أنهى هائل رحلة الإغتراب ليستقر في عدن، وبدأ بمزاولة التجارة من خلال تأسيس متجر للبيع بالتجزئة، واشتهر آنذاك بالرجل الصالح والتاجر الصدوق، وقد أسس مع شقيقه محمد نشاطه التجاري تحت إسم " هائل سعيد أنعم وإخوانه" وعمل معه عدد من إخوانه وأبناءهم.

كانت عدن وقتها تشهد ازدهاراً ونشاطاً اقتصادياً مع افتتاح المصافي في البريقة بينما كانت الحركة في ميناء عدن الذي كان يأتي من حيث التصنيف العالمي ثانياً بعد نيويورك، لا تتوقف.

عام 1950، وسع رجل الأعمال "الهائل" نشاطه التجاري نحو الجزء الشمالي من اليمن من خلال فتح فروع مختلفة في الحديدة، وميناء المخا في تعز.

بعد وفاة شقيقه أطلق التاجر المثابر شركته الأولى التي حملت اسم " شركة هائل سعيد أنعم وشركائه" عام 1952.

 ونشط بجهد أكبر لتوسيع أعماله التجارية، حيث بدأ بتصدير المنتجات الزراعية والحيوانية من اليمن إلى أوروبا والهند واستيراد بعض السلع الأجنبية التي كانت آنذاك تقتصر على التجار الأجانب في مستعمرة عدن إبان الاحتلال البريطاني (1839- 1967م).

الموقف من ثورة 26 سبتمبر.. وزيارة القدس مع نجله

وفقاً للعديد من المصادر التي طالعها الحرف28 فقد شارك رجل الأعمال هائل سعيد أنعم وشركاه في تمويل ثورة 26 سبتمبر 1962م في شمال اليمن وتجهيز المتطوعين للتجنيد، ما دفع بالمندوب السامي البريطاني إلى إبعاده من عدن عام 1963 نتيجة لنشاطه السياسي.

وكما حسه الوطني الملتحم بهموم شعبه ونضاله من أجل الحرية، فقد كان مرتبطا بقضايا أمته العربية والإسلامية.

ويكشف الكاتب والباحث عبدالسلام الأثوري في كتابه  "هائل سعيد مسيرة الخير والعمل" جانباً لم يكن معروفاً من قبل ولم يعرفه الناس .

يقول الأثوري إن الحاج هائل قام بزيارة بيت المقدس في فلسطين وكان يرافقه نجله عبدالجبار.

ويؤكد الحاج عبدالجبار هائل سعيد أن الزيارة كانت في عام 1963.يقول في تصريح مسجل مقتضب حصل عليه الحرف28 اثناء التقصي عن المعلومة "  بالفعل زرتها  انا والوالد رحمة الله عليه  في سنة ٦٣ .."

وقتها جرى زيارة الأراضي الفلسطينية التي لم يتم السيطرة عليها بعد من قبل الإحتلال الصهيوني.

زار الحاج هائل ونجله الضفة الغربية وكل مدنها:  القدس والخليل وبيت لحم.

يضيف الحاج عبدالجبار "مكثنا هناك  اكثر من 10  أيام .. الحمد لله وفقنا الله لهذه الزيارة والصلاة في المسجد الأقصى .. وربنا يجمعنا على خير في الدنيا والآخرة..".

تعز .. أول منشأة صناعية

مطلع السبعينيات حوّل قائد المجموعة التجارية النشطة مركزها إلى مدينة تعز، جنوب غربي اليمن وأحد مراكز الكثافة السكانية المتعلمة نسبياً في البلاد.

 وفي منطقة الحوبان شمال شرق المدينة أقام عام 1970 أول المنشآت الصناعية لمجموعته التجارية. وقد أستقر به المقام بعد ذلك في مدينة تعز العزيزة على قلبه.

 في تعز، المحافظة التي مثلت معقلاً للطبقة المتوسطة والأيدي العاملة، تأسست أول شركة صناعية بالمجموعة مملوكة للقطاع الخاص في اليمن، ليتوسع بعد ذلك نشاطه الصناعي في العديد من القطاعات المختلفة في  المحافظات اليمنية وبلدان أخرى.

ومثل نشاط المجموعة إلهاما لآخرين، وشهدت البلاد توطينا للعديد من الصناعات التحويلية، لشركات ورجال أعمال آخرين تنوعت في قطاعات مختلفة.

بالإضافة الى تشغيل عشرات الآلاف من الأيدي العاملة، حققت شركات "هائل سعيد أنعم وشركاؤه"، قصة نجاح مبهرة إقتصادياً وكانت أول شركة رائدة في تحقيق هدف " صنع في اليمن " حيث سجلت العديد من العلامات التجارية اليمنية ذات الشهرة الواسعة خصوصا في مجال الأغذية.

 ومع استمرار تناميها حازت على عديد من شهادات الجودة وفقاً للمقاييس العالمية، واستطاعت الوصول الى أسواق خارجية كثيرة.

عُرف الحاج هائل بالتدين، ورغم ضخامة نشاطه التجاري والصناعي فقد حافظ على تواضعه وبساطته وتواصله مع الناس، وظل محبًا للخير، مسارعًا في تقديم العطاء وإسداء المساعدة والبذل.

التفرغ للأعمال الخيرية

خلال العشرين عامًا الأخيرة من عمره، تفرغ قطب الصناعة اليمني الأكبر، للأعمال الخيرية بمختلف مجالاتها، فأسس العديد من الجمعيات الخيرية التي أسهمت في التخفيف من معاناة المحتاجين وطلبة  العلم ومعالجة المرضى، كجزء من مسؤوليته الإجتماعية تجاه بلده وأهله.

وفي العام1990 م تُوفي الحاج هائل سعيد أنعم في مدينة تعز، تاركًا خلفه مجموعة تجارية  كبيرة ستزدهر لاحقًا وستصبح شركات عالمية متعددة الجنسيات. وقد بكاه الناس بكل محبة ورثاء.

في مضمار ماراثون طويل بدأ بحلم فتى ريفي دؤوب ومكافح، صارت حبات عرق المرحوم الحاج هائل ورفاقه، 92 شركة تنتشر في العديد من الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي و جنوب شرق آسيا، فضلا عن أنشطة اقتصادية مختلفة في أوروبا.

وفقا لدراسة أجريت عام 2007 فقد صار نشاط المجموعة الصناعية والتجارية الضخمة داخل البلاد يشكل ما نسبته 35 % من اقتصاد اليمن.

ووسط الحرب التي تمزق البلاد منذ ستة أعوام ما زالت المجموعة تبحر حاملة وصايا الأب المؤسس وروحه، محاطة بعواصف هوجاء داخلية وخارجية.

 

-------------

المصادر :

- الموقع الرسمي لمجموعة هائل سعيد أنعم

- موسوعة ويكيبيديا

- مصادر مقربة من أسرة هائل سعيد أنعم


Create Account



Log In Your Account