صناعة الصراع في اليمن (الحلقة الثانية)
الثلاثاء 22 يونيو ,2021 الساعة: 08:55 مساءً

لماذا اللجوء للعنف ؟ 
-التشبث بالسلطة واستقواء كل طرف بالعصبية أو بأيديولوجيته سبب اللجوء للعنف، ويذهب ابن الخلدون الى القول  : إن الثوار القائمون بتغيير المنكر من العامة والعلماء، يعرضون أنفسهم في ذلك للمهالك فأحوال الملوك والدول راسخة قوية لا يهدم بنائها الا المطالبة القوية التي من ورائها عصبية القبائل والعشائر.
- سيادة نمط تفكيرالقبيلة والعسكر وممارسة السياسة ليس كعلم وإنما كهواية والمكوث بالسلطة طويلا أدى لممارسة وشيوع (سياسة التربص) و(سياسة النكاية) لنجد بالأخير ان أهم قراراتنا المصيرية (حربا أو سلما) قد اتخذناها من خلال سياسة النكاية (لا حبا في علي وانما كراهية  بمعاوية) وهو ما شكل ثقبا أسودا في وعي النخب اليمنية جعلها عقلية تآمرية وشكاكة غير رشيدة في كافة قراراتها وتحالفاتها وسرعان ما يؤدي ذلك للصراع والانقلاب. 
- أيضا مع كل ممارسة سياسية للنخب سلطة أو أحزاب يكون هناك ضحايا أولها مؤسسات الدولة(الضعيفة أصلا) لصالح مؤسسات موازية مثل القبيلة، الحزب، العسكر، ترتب على ذلك :
١- ضعف مؤسسات الدولة التي تتم فيها عملية المطالب والحاجات (المدخلات) وتقوم بوظيفة السياسات والقرارات (المخرجات) وهي من تحقق التنمية والأمن وبسببهما تحصل السلطة على شرعية الرضا.
ما حدث ان المدخلات والمخرجات للأسف كانت اشبه بعملية الحمل خارج الرحم، فتمت صناعة أهم القرارات والسياسات خارج مؤسساتها الحقيقية وتم توزيع المشاريع الخدمية للتكسب وكمنحه لأفراد يراد صناعتها على حساب نخب أخرى.
وفي هذا يؤكد هنتجتون أن المؤسسات قد تموت في أوج شبابها بفعل عوامل كثيرة أهمها الفساد السياسي الذي يكون ناتجا لإلتقاء من يملكون القوة السياسية والمالكون للثروة أو حين يصبح المتنفذون بالسلطة هم المالكون للثروة. 
٢- تكمن أهمية المؤسسات عند وجود اختلاف او انحراف فتكون كفيلة بإدارة وتصحيح الاختلال ومعالجته وإبعاد مخاوف المتصارعين عبر الأطر الدستورية الصحيحة.
فالمؤسسات أشبه بحلبة الملاكمة التي تحدد إدارة الصراع واصول اللعب وقوانين العراك.
كل ذلك يفسر اللجوء للعنف ولماذا نفشل في كثير من اهدافنا، ولماذا أخفقنا في بناء مؤسسات يمكن الرهان عليها. 
فمثلا نحن نفكر بطريقة سليمة لكن عند التطبيق نفشل ونتعثر.
وممكن ان نضيف المزيد من الكلمات لتوضيح ذلك بقرارين أحدهما ايجابي والآخر سلبي لكن تم اتخاذهم برضا وبعمل مؤسسي. 
النموذج الاول : 
  الوحدة الالمانية التي تمت بالتزامن مع الوحدة اليمنية الا أن الوحدة الألمانية لا تزال مستمرة باقية قوية بينما نحن نعاني الكراهية ونتجه نحو التشظي،( مع وجوب الأخذ في الإعتبار الفارق بين التجربتين ورسوخ المؤسسات وانجاز الدولة الوطنية). 
النموذج الثاني:
تشيكوسلوفاكيا: اتفقت النخب إما أن تستمر وحدة وإمساك بمعروف أو انفصال وتسريح بإحسان وهو ما تم بالعام ١٩٩٢ رغم رغبة الأغلبية (التشيك) بالبقاء بالوحدة ومعارضة رئيس الدولة للانفصال وقدم استقالته قبل الاستفتاء. 
الا ان الانفصال تم (التشيك) و(السلوفاك) دون إراقة دماء وبقت مشاعر الوحدة واللحمة الوطنية قائمة والعلاقات التجارية بنمو مرتفع.
- مما يزيد من الصراع ان الواصلون الى تفاحة السلطة او المغادرون منها كانوا أقل من المستوى والدور المطلوب.
  فالجميع تعمد إرباك المشهد فمثلا فبعد ٢٠١١ لم تحظى اليمن بقائد يمتلك الرؤية والقدرة القيادية لتثبيت أركان الدولة رغم حصوله على الدعم العالمي تجسد ذلك بانعقاد مجلس الامن الدولي ولاول مره خارج مقره في صنعاء .
لكن ما حدث من تلك القيادة والنخب السياسية كان مخيبا للآمال فكان محركها الحقيقي الانتقام والاستحواذ ، زاد الأمر توترا تراكم الثارات والعداوات وبالتالي اصبحت هذه النخب جزء من المشكلة وليس جزء من الحل وولائها للخارج أكثر من البلد،  فتحول الوطن ساحة للصراع وأصبحت اليمن نموذج ثاني ليوغسلافيا (سلوبودان ميلوسو فيتش) وجماعته الذين أشعلوا نار الحرب من أجل البقاء في السلطة إدراكا من أنها لن تستطيع أن تعيش في ظل يوغسلافيا موحدة متعددة الثقافة. 
أدوات النخب اليمنية لحل الصراع: 
إن المتابع للنخب اليمنية في إدارة صراعاتها يجد انها كانت تكرر الأخطاء بوسائل فشلت فيه أغلب من جربته: 
الوسيلة الأولى : 
اختيار عملية تقاسم السلطة (الديمقراطية التوافقية): 
وتعود نشأة المصطلح وبداياته الاولى في اوروبا مرورًا بنضوج معالمه التفسيرية عام 1969 والذي يعد أول تنظير ووصف كلاسيكي لنظرية تقاسم السلطة.
وقد فشلت تلك النظرية بأكثر الدول النامية التي حدث فيها صراع وتبين انها لم تكن الاداة الأمثل لبناء سلام ما بعد الحرب. 
وهو ما أكدته إحدى الدراسات أن عملية التقاسم كانت تضعف جهود السلام بتقاسم السلطة حيث أنها تضع أفرادا ونخبا قد انخرطو بالعنف وهو ما كان يؤدي الى مزيد من الصراع وإضعاف لشرعية الدولة وعرقلة للانتخابات.
وللأسف ورغم وجود شواهد وتجارب سابقة إلا أن النخب اليمنية كررت مشهد تقاسم السلطة ثلاث مرات: الأولى من ١٩٩٠-١٩٩٤ بين الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي وانتهت بحرب صيف ١٩٩٤.
- التجربة الثانية المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للاصلاح ١٩٩٤-١٩٩٧ ولم تنجح وخرج المؤتمر الشعبي العام بتصريح (ان لحمة الشراكة لاتنضج).
- التجربة الثالثة  ٢٠١١ وتقاسم السلطة بناء على المبادرة الخليجية بين المؤتمر الشعبي وحلفائه واللقاء المشترك وشركائه.
ومع دخول العام ٢٠١٥ دخلت اليمن منحى أخر مع وصول لاعبين جدد( كالحوثيين) غيروا المشهد (باستخدام القوى والعنف ) بقضايا وتحالفات إقليمية جديدة.
إن حياتنا السياسية أشبه بدورة حياة (دودة القز) البيضة ثم اليرقة ثم الى الشرنقة ثم مرحلة البلوغ ثم العودة لنفس الدورة مجددا دورة الصراع والاقتتال. 
الوسيلة الثانية :
كانت اليمن تعاني من ازدواجية دستورية،فرغم وجود الدستور الا أن هناك اتفاق جرى بين صانعي الوحدة وكان هذا الاتفاق ينازع الدستور قوته وكان هذا الاتفاق هو المرجعية لمؤسسات الدولة وللأحزاب المؤتلفة على كافة المستويات وظل الدستور يعمل به للإستئناس والتحدث عنه أمام الجماهير.
وفي هذا لم تكن اليمن بدعا من الدول العربية حيث كانت اول دولة عربية توجد فيها اتفاقات اقوى من الدستور تقاسم للمؤسسات الكبرى والصغرى كما عرفت الجزائر الميثاق الوطني الذي كان المرجعية في ممارسة وتوجيه الحياة السياسية.


Create Account



Log In Your Account