صناعة الصراع في اليمن الحلقة الثالثة والأخيرة
الأربعاء 30 يونيو ,2021 الساعة: 12:24 مساءً

مصادر الصراع :
يمكن ان نحط رحالنا حول هذا الموضوع بذكر المصادر الدافعة للصراع وذلك على النحو التالي :
مصدر اقتصادي. مصدر ديني.
اولا : المصدر الاقتصادي 
حاولنا في الحلقات السابقة الاجابة عن السبب الذي يدفع النخب لاختيار العنف في تسوية المشكلات وفي هذه الحلقة نستكمل الحديث عن أهم أسباب الحروب الداخلية و الخار جية ونبدأها بمقولة ميكافللي حين قدم نصيحته للامير للحفاظ على ملكه :
إن الناس شرهون ونفعيون ويستسلمون لموت قريب بسهولة لكنهم لا يفعلون ذلك حين خسارتهم لميراث أو ثروة وهو ما يؤكده منظرو الحروب في التاريخ الحديث من أن الثروة أهم مصادر الصراع وهو من يشعلها حتى وإن لبست لباسا تاريخيا أو دينيا أو طائفيا. فالحروب إما ان تكون :
- لإسترداد حقوق سلبت او للمدافعة عنه.
- وقد تكون وسيلة للحصول على مكاسب اقتصادية من ثروات وأيدي عاملة رخيصة وأراضي شاسعة أو لموقع استراتيجي.
وفي شرح هذه النقطتين نجد ان منظرو الحروب يقدمون أسباب ونظريات عدة للصراع: 
- نظرية الحرمان النسبي : ومفادها أن الطرف الذي يتم حرمانه من حقوق دستورية سوف يقوم بالتحريض على الفتنه والعصيان. 
- نظرية عدم المساوة :
مثل التمييز في الإنفاق العام وفي التعيين بالوظائف العامة أو غض البصر عن فساد المقربين والموالين.
- نظرية الجشع :
صدرت دراسات مثيرة عن البنك الدولي وعن العديد من مراكز الأبحاث بالعالم من أن الجشع يشكل سبب لمعظم الصراعات وأن الحروب الأهلية في الفترة بين 1960-1999 كان عامل الجشع هو العامل الأهم في تحريك الحروب للحصول على مزايا ومصالح جديدة. 
ثانيا المصدر الديني :
الدين بالأصل مصدر توحيدلأي أمة وهو أشبه بالمادة الاسمنتية التي تقوي الجسد وتعمل على تماسكه.
والسؤال هل يمكن أن يكون الدين مصدرا للصراع ؟ 
للإجابة على السؤال يذهب نيلز نيلسون بقوله أن المشكلة تبدأ حين يؤمن جميع الأصوليين والمتدينين بأن الحقيقة لا توجد إلا في الدين الذي يؤمنون به. 
والمتتبع لكثير من الصراعات يجد أن الدين يتحول الى مصدر للصراع حين يستخدم كأداة سياسية من قبل النخب فيتحول من عامل موحد لصف الأمة الى عامل إقصائي حين يتم إظهار الآخرين على أنهم على غير المنهج القويم وأن ما نعتقده نحن هو الدين الصحيح. 
وأمثلة ذلك كثيرة من التاريخ البعيد والقريب. أوضح مثال نجده في العام ١٦٤٨ إذ كان عدد سكان المانيا قد تناقص الى الثلث بسبب ان الصراع كان يدور حول : هل عقيدة الانسان الصحيحة ان يكون كاثوليكيا أو بروتستانتيا. 
وعندما يشتعل الصراع ويكون دافعه وعنوانه ديني فإنه يتسم بالشراسة ويستمر لفترات طويلة لأن القيم الدينية بطبيعتها لا تقبل المساومة أو التفاوض وبالتالي من الصعب إقناع أي طرف بالتخلي عن ما يؤمن به لأنه سيحقق له الفوز بالجنة والنجاة من النار. 
وهو ما ذهبت إليه إحدى الدراسات بقولها إنه من السهولة بمكان ان تجد شخص نصفه عربي ونصفه الآخر أوروبي لكن من المستحيل ان تجد شخص نصفه مسلم ونصفه الآخر كاثوليكي أو بروتستانتي بسبب الطبيعة الخاصة للدين. 
واليوم توجد كثير من القواسم المشتركة بين اتباع الاديان الرئيسية  أهمها :
١- الاعتقاد أن العالم منقسم الى قسمين:  مؤمنين وكافرين.
٢-الاعتقاد أن الفساد والجور سوف يعمان الارض في القريب العاجل لمنع العالم من البقاء في هذه الألفية ولا حل لمنع ذلك الا بالدين وان يأتي المخلص ليملأ الأرض عدلا.
السؤال: كيف يدخل الدين بالسياسة؟
في ذلك يقول جون غارفي :
ان المعتقدات الدينية لا تخلو من مضامين سياسية واضحة وأن الأصوليين في كل الأديان يحفظون النصوص والطقوس الدينية ويستخدمونها كمرشد لكل تصرفاتهم ويفسرونها بشكل مبسط ويأتون بنوع من الدين يتألف من عناصره الأساسية الأولية لكي يصل سريعا خفيفا الى متلقيه. 
ولمزيد من التوضيح حول ذلك يقول كي لوسون في كتابه المجتمع السياسي: اذا كانت الحقيقة في نظر المؤمنين تكمن في العودة للنصوص الدينية فإن هذه النصوص أيضا تشتمل على كيفية إقامة الحكومة وعن صفات الامام والحاكم العادل الصالح،  ويضيف أن كل ما ينتظره الاسلاميين هو العلماء والقادة المفسرين والمترجمين للشريعة وما ينتظره اليهود هو (البلاخة) اي تفسير الكهنة اليهود لتعاليم الكتاب المقدس وما ينتظره الأصوليين المسيحيين هو كلمات الرب على لسان عيسى والحواريين. 
إن ظاهرة التداخل الديني وتوظيفه بالجانب السياسي لم يعد قاصرا على  الدول ذات الشعوب المتدينة بل وصل الأمر الى الدول المتقدمة ذات النهج العلماني.
ففي أسبانيا التي تحافظ على الهوية الدينية نجد أن من يصعد لرئاسة الوزراء يكون مؤمنا ويقسم على الكتاب المقدس إلا أن الشعب صدم بالانتخابات الاخيرة برئيس وزراء ملحد لأول مرة ملحد، رفض ان يقسم على الكتاب المقدس.

أيضا في امريكا ومنذ نهاية تسعينات القرن المنصرم كان اليمين المسيحي المتشدد فيها يزداد نفوذا خاصة بأوساط الحزب الجمهوري وأصبح رجال الدين يتلقون التعليمات السياسية كما يتلقون الوصايا الدينية.


Create Account



Log In Your Account