في حضرة "العظيمة مارب"
السبت 06 نوفمبر ,2021 الساعة: 08:59 صباحاً

في العام 1948م اجتمع في صنعاء ثلة من الثوار اغلبهم من الشباب ليخططوا لإزاحة كابوس الامامة عن اليمن ، وحضر معهم كهل من مارب في الثالثة والستين من عمره انزوى في أحد زوايا المكان يدخن غليونه ، ويمدهم ببعض من تجارب نضاله، وحين احتدم النقاش أجمع الثوار ان الأصعب في مهمتهم هو التخلص من الإمام يحي ، وتهيّب الجميع المهمة ، لكن ذلك الكهل أجابهم وهو لازال في زاويته ولم ينطفئ غليونه بعد : "مقدور عليها بإذن الباري" وتحمل المهمة الاكبر ، وأتمها باقتدار ، أتدرون من ذلك الكهل ؟

إنه الشيخ علي ناصر القردعي شيخ مراد في مارب، الذي قال يوم أنجز مهمته :

هذا الصنم يسقط وذا شعبي معي

           يسعى إلى دولة نظام دستورية

يا بندقي مدّي ليحيى وازرعي

          بين العيون هذي الرصاصة الفورية

ما همّني من بعد قتله مصرعي

          أهم شيء تحيا اليمن جمهورية

وتوالت الأحداث وارتقى القردعي شهيداً، واستمرت المحاولات ، ثم تحقق حلمه بعد أربعة عشر عاماً ، وأُسدِل الستار على حكم الأئمة ، وأضحت اليمن جمهورية .

 

 هذه هي مارب إذن منذ الأزل رجالها يحملون المهمة الأصعب ، وينجزونها على أكمل وجه ، والتاريخ يعيد نفسه فتحاول الإمامة أن تطل برأسها من جديد بانقلابها المشؤم في العام 2014م فتكون مارب في مقدمة المقاومين لهذا الإنقلاب، وحتى قبل أن تسقط صنعاء بأيديهم كان الماربيون يؤسسون "المطارح" لحماية الجمهورية ، ومع إطالة عمر الانقلاب ظلت مارب مقصده ووجهته الأهم ، لكنها شكلت له ثقباً أسوداً يبتلع مقاتليه ، وتلقت مارب صنوفاً من الخُذلان والتخلي كان كافياً لتسلم أمرها للانقلابيين لكنها فضّلت ان تحمل المهمة الأصعب حين عجز او تخلى عنها الآخرون .

 

تلك هي مارب اليوم التي تعلمت دروسها من القردعي وعلي عبدالمغني والشدادي وطابور كبير من المناضلين، فكيف لإماميي العصر الذين لم يعو دروس الماضي أن يحلموا بأن تخضع لهم ، أو أن تتخلى عن تاريخ عريق يربط بين أهلها وبين تلك الأرض التي نقش قدمائها حروفهم على الصخور الصماء لتظل معالم هذه العراقة حاضرة للأبناء تذكرهم بصلابة الأجداد ، ولتشكل اعمدتها الشامخة منذ الأزل منارات يهتدي بها الماربيون ويستمدون منها الشموخ والصلابة .

 

تواجه العظيمة مارب المشروع السلالي اليوم وحيدة وبصلابة منقطعة النظير وقد تخلى عنها القريب والبعيد ، فالحكومة الشرعية سلّمت كل قراراتها وخياراتها للتحالف ، والتحالف يبدو انه لم يعد مهتماً بإعادة الجمهورية وإنهاء الانقلاب بقدر اهتمامه بعدد الغارات التي نفذتها طائراته وإن لم تصب أهدافها ، والمجتمع الدولي عبر مندوبه يسعى بين الرياض وطهران ليبحث تحت الطاولة عن تسويات هلامية ولا يقدم إلا الشجب والتنديد ،  وتبقى مارب منفردة تمثل الرقم الصعب والمعادلة الأصعب ، وبصمودها تثبت يوماً بعد يوم أنها قادرة بإذن الله على قلب الطاولة على الجميع ، والخروج من بين كل هذه المعمعة منتصرة .

 

قلوبنا مع مارب وأروحنا كذلك ، وثقتنا بها وبرجالها أكبر من أن تهتز بانتصارات وهمية يدفع الانقلابيون لأجلها ألافاً مؤلفة من المغرر بهم بينما هي لا تمثل في الواقع الجيوسياسي شيء لمن يدرك ذلك.


Create Account



Log In Your Account