معارك إيران والإمارات الفاصلة في مأرب وشبوة.. كيف تسعى أبوظبي وطهران لوضع اللمسات الأخيرة لتقسيم اليمن؟
الأحد 21 نوفمبر ,2021 الساعة: 08:55 مساءً
الحرف 28 – تقرير خاص

بعد سنتين تماما من إنهاك محافظة شبوة عبر الانتقالي الجنوبي والقوات الإماراتية، توغلت مليشيا الحوثي في مديريات شبوة الثلاث: بيحان، عين، عسيلان والأخيرة مديرية نفطية، وطوقت مأرب من الجهة الجنوبية عبر مديرية حريب وصولا إلى الجوبة.

انتهزت الإمارات فرصة جديدة للنيل من محافظ شبوة محمد صالح بن عديو الذي رفض الشروط المجحفة للنخبة الممولة من أبوظبي في صيف 2019، لتعيد الكرة مرة أخرى، على وقع تقدم حوثي واتهامات بتخادم إماراتي  مع الحوثيين، بعد تركيز بن عديو على استعادة منشآت بلحاف.

مثلت حالة السقوط السريع للمديريات الثلاث بعد معارك شهدتها جبهات نعمان وناطع المجاورتين في البيضاء في يوليو وأغسطس من السنة الجارية فرصة سانحة للإمارات لإعادة العمل على أهدافها الخاصة المعلنة بتقسيم اليمن، والسيطرة على السواحل الجنوبية والغربية منه، وتقديم نفسها كقوة إقليمية لحراسة الملاحة الدولية في باب المندب ومكافحة الإرهاب جنوب اليمن.

عمل إماراتي دؤوب حتى مع الحوثي

بحسب مصادر عسكرية خاصة فقد تمكنت الإمارات من اختراق محور بيحان العسكري عبر مجموعة من العناصر التي عملت معها في المحور بعيدا عن أعين قائده الجسور مفرح بحيبح، على  تفكيك المحور، وتشتيت قواته التي انضمت  منذ سنة ونصف بقوة إلى خط المعارك في الجبهة الجنوبية لمأرب.

أدت سلسلة الاختراقات إلى انكشاف المحور في مديريات بيحان، وفشلت محاولاته في صد هجمات الحوثيين على مواقعه في مديريات محافظة البيضاء، قبل أشهر، رغم مقتل الكثير من جنود المحور.

وقال والد أحد المجندين الذين قتلوا في جبهة القنذع قبل أسابيع في منشور على فيسبوك رصده محرر الحرف28 إن ابنه قتل في جبهة القنذع في قصف حوثي دمر رتلا عسكريا في ليالي عيد الأضحى، بسبب "التواطؤ".

هذا التواطؤ ظهر في تفسير مجموعة من القيادات المهزومة في محور بيحان، إذ ذهبت بعيدا في التغطية على أدوارها، باتهام محافظ شبوة محمد صالح بن عديو بالخيانة وتسليم بيحان، وصناعة أعذار وصفها الشارع بأنها واهية لكنها حظيت باهتمام شديد لدى الإعلام الإماراتي والانتقالي الجنوبي، لتقدمها كذريعة للإطاحة بالسلطة المحلية في محافظة شبوة.

كانت أكثر تلك المشاهد مسرحية عندما قامت بإلباس أحد القيادات العسكرية التي التحقت بالإنتقالي قبل سنوات، زيا عسكريا للجيش الوطني، وظهر في مقطع متلفز أعد بعناية يتهم " الإخوان " وبن عديو بتسليم المديريات، وكان يقرأ تلك العبارات من ورقة مكتوبة.

 

منشآت بلحاف .. كلمة السر في المؤامرة الإماراتية على شبوة

منذ تلقت الإمارات وأذرعها هزيمة قاسية في شبوة في سبتمبر 2019، عندما تمت السيطرة الكاملة على المحافظة عقب الانقلاب الإماراتي على الشرعية في عدن مطلع أغسطس من نفس العام، لم تتوقف أبوظبي عن حياكة الدسائس والمؤامرات للمحافظة بتواطؤ سعودي.

وقد أظهر محافظ شبوة القوي محمد صالح بن عديو إلى جانب القيادات العسكرية والأمنية إرادة صلبة مثلت تحديا للإماراتيين بصورة مباشرة، فقد نشط الرجل بشكل مكثف على ملف التنمية والخدمات، ومضى ابعد من ذلك حيث قام بإنشاء ميناء نفطي لتجنب قطع إمدادات النفط عن المحافظة حيث تمثل عدن شريانا رئيسيا.

لكن عين الرجل لم تتزحزح عن منشآت بلحاف الاستراتيجية، وطالما طالب الإمارات بتسليم المنشآت التي حولتها قوات أبوظبي إلى ثكنه عسكرية ومقرا لسجون سرية، بتواطؤ الشركة المشغلة الفرنسية توتال.

وكان هذا السلوك الإماراتي بحسب اقتصاديين وسياسيين، يشكل استراتيجية كاملة لأبوظبي في اليمن، فقد وضعت يدها على الموانئ والمطارات والمنشآت النفطية الضخمة كبلحاف، لحرمان البلاد من أي عائدات تساعدها على مواجهة تبعات الحرب والجمود الاقتصادي، وهو ما تسبب بتجويع ممنهج لليمنيين وانهيار مدبر للعملة اليمنية، برضا سعودي كامل.

بعيدا عن الشرعية التي ظلت تتفرج على إبقاء هذه المنشآت والمطارات والموانئ بيد قوات التحالف، كان بن عديو يضغط بكل السبل لإخلاء هذه المنشآت وقد بذل عديد جهود وتحركات، بما فيها التواصل مع شركة توتال الشريك الأجنبي للحكومة اليمنية في تشغيل المنشآت وإستثمار عائدات الغازات، قبل أن يذهب للتصعيد بمحاصرة المنشآت عسكريا نهاية أغسطس الماضي.

لكن هذه التحركات سرعان ما أثارت حفيظة الرياض التي دفعت بقوات عسكرية ووساطات لتهدئة الموقف، وكان الهدف احتواء مطالب بن عديو الملحة ومنح شريكتها مهلة علنية لإخلاء المنشآت، وفي الواقع كان كما تبين لاحقا، تدبيرا سعوديا، لشراء الوقت  ومنح  أبوظبي فرصة للتحرك في أماكن أخرى للإنقضاض على بن عديو وهدفها الوحيد: الاستئثار بشبوة الغنية بالنفط  ومنشآتها الحيوية وتسهيل سقوط مأرب بيد الحوثيين.

وخلال أقل من شهرين كانت الإمارات قد أعدت عدتها لتحويل مسار المعركة، فأوعزت لأذرعها الذين اخترقتهم في التشكيلات الحكومية، لبدء اللعبة وقد سهل ذلك للحوثيين بالتسلل بدون سلاح إلى بعض المديريات، وبينما كان الجيش يواجه هجوما حوثيا في المقدمة، كانت الخلايا النائمة والعناصر التي تسللت إلى بيحان تقاتل من الخلف.

قبلها كانت مليشيا الحوثي قد تمكنت من السيطرة الكاملة على محافظة البيضاء وسقطت عديد مديريات لم تتمكن مليشيا الحوثي من الوصول إليها منذ بدء الإنقلاب، كمناطق آل حميقان والزاهر المحاذية لمناطق يافع التي يسيطر عليها المجلس الإنتقالي.

وقد حدثت هذه التطورات الميدانية خلال وقت وجيز، فقد جرى اغتيال احد القيادات الميدانية لمقاومة آل حميقان في عدن، وأرسل التحالف تشكيلات موالية له للقتال في البيضاء، وبعد أن تمكن الجيش من الوصول الى مشارف البيضاء عاصمة المحافظة، تدحرجت الأوضاع على نحو معكوس، ليتمكن الحوثيون بصورة دراماتيكية من السيطرة على جميع مديريات المحافظة المتاخمة بعضها لشبوة، قبل أن يخرج قائد ميداني موالي للتحالف متهما المجلس الإنتقالي بمنع وصول التعزيزات والسلاح الى مناطق مواجهات الحوثي، ليؤكد ضمنيا أن المعركة جرى التلاعب بها من قبل الإمارات وحسمت هناك لمصلحة الحوثي.

أبوظبي تتخادم مع الحوثي لإسقاط مأرب وعينها على شبوة

مثل الصمود في مأرب عقبة كؤود أمام السيطرة الحوثية على مركز مأرب، حيث غيرت مليشيا الحوثي التي تعثرت في الكسارة على بعد أميال من مأرب، استراتيجية الاختراق.

وعلى وقع التخادم مع الإمارات وتطورات إسقاط جبهات البيضاء، توجهت مليشيا الحوثي جنوبا عبر البيضاء شبوة مأرب لإسقاط المعقل الأول للمقاومة والحكومة في مدينة مأرب.

وكان المتغير الأهم تزامنا مع ذلك، تسارع وتيرة تحسين العلاقات الإماراتية الإيرانية التي لم تنقطع منذ بداية الحرب، وغياب الاستهداف الإعلامي للإمارات من قبل الحوثيين وإيران رغم التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب.

يفسر خبراء ومتابعون للشأن اليمني أن الإمارات طورت أدواتها لإسقاط شبوة كمقدمة ونتيجة بالوقت نفسه للهجوم الحوثي على مأرب عبر أدوات جديدة بجانب الحوثيين، مع تجميد مؤقت للانتقالي من الواجهة.

ومثلت دعوة الشيخ عوض الوزير عضو مجلس النواب الذي كان يقيم في الإمارات منذ إسقاط شبوة بيد مليشيا الحوثي وصالح، واحدة من تجليات هذه التكتيكات الإماراتية.

ارتدى الوزير شعارا حماسيا للدعوة لتحرير بيحان، لكنه سرعان ما أفصح عن الأدوار الموكلة إليه إماراتيا، بتنظيم مؤتمر قبلي حاشد ذهب في ختام مخرجاته التي عقدت في منتصف نوفمبر الجاري إلى الهجوم على كل منجزات بن عديو والدعوة لمحاكمته، بدلا من التوجه إلى بيحان خلف الجيش.

بحسب مصادر محلية فإن ابن الوزير العولقي رفض ظاهريا أن يكون الانتقالي في واجهة الأحداث، بينما أعلن المجلس دعمه للاجتماع القبلي الذي انصب ضد السلطة المحلية والعسكرية، لإشغال الجيش والسلطة عن الاستعداد لمعارك تحرير بيحان.

وتناول مغردون إماراتيون ومقربون من سلطة أبوظبي أن المرحلة في شبوة تقتضي تقويض سلطات الدولة في المحافظة وعزل بن عديو حتى لو كانت دعوة مؤتمر الوزير العولقي للجهات الحكومية الرسمية بتنفيذ تلك المطالب.

وقال مغردون إماراتيون من بينهم عبدالخالق عبدالله مستشار محمد بن زايد إن الانفصال جنوبا هو حل مهم للصراع في اليمن.

توافق مع الحوثي في مسألة الانفصال

بينما يسارع الحوثي لبناء دولته الخاصة به على النموذج والمصالح الإيرانية، ولم يبق منها إلا معركة مأرب التي ستكون لها تداعيات كبيرة في مستقبل المنطقة وفق ما يصرح به القادة الإيرانيون وحزب الله، مثلت شبوة أحد أهم مواطن الدفاع والإمداد لمحافظة مارب نظرا للتقارب الجغرافي والاجتماعي والعسكري والقبلي بين المحافظتين اللتين تملكان معا كبريات المشاريع النفطية والغازية في اليمن.

على نحو مسعور لم يتوقف، دشنت لإمارات حملتها بكل وسائلها الإعلامية، وناشطيها الموالين لها، ضد بن عديو، حتى ان قناة الغد المشرق الممولة من أبوظبي ثبتت هاشتاج موازيا لشعارها أعلى الشاشة لمهاجمة بن وقوات الجيش واتهمته الحملة، بأنه سيسلم المحافظة للحوثيين.

بالتزامن دعا قيادي كبير في مليشيا الحوثي يدعى حسين السادة وله علاقات دولية وبالمنظمات الدولية جماعته إلى ترجيح خيار الانفصال شمالا، بدلا من التوغل جنوبا، وهو ما يتلاقى مع دعوات عدة أطلقها قادة الانتقالي في السابق بأن سقوط مارب يعني سقوط الحكومة وتثبيت الانفصال، وهي الدعوات التي تتناغم مع دعوات ونشاط الإمارات منذ 2016 لتمزيق البلاد والإستيلاء على سواحلها وجزرها ومواردها.

ورغم صمود المحافظتين شبوة ومأرب حتى الآن في وجه الهجمات الحوثية الإماراتية المشتركة عليهما إلا أن التصعيد من الطرفين مستمر ضدهما.

فبينما يستميت الحوثي لإسقاط مأرب، تحشد الإمارات ألوية سحبتها من الحديدة ضمن خطوة عسكرية صريحة وفر لها التحالف بقيادة السعودية غطاء رسميا، أثارت صدمة في الشارع اليمني، للتوجه جنوبا نحو إسقاط شبوة بحجة المحافظة عليها.

‏يقول الخبير العسكري الأردني فايز الدوري إن "قرار الانسحاب من الحديدة الى تخوم الخوخة إذا كان عسكرياً فإنه يدل على جهل من أتخذه بفنون إدارة الحرب".

وأوضح الدوري في تغريدة على حسابه بتويتر تابعها "الحرف28" بأن قرار الانسحاب إذا كان سياسيا " فإن من اتخذه يهدف الى إطالة امد الحرب وتدمير ما بقي من اليمن وفرض سيطرة الحوثي على محافظات الشمال".

ما هو مؤكد أن التحالف اتخذ القرار بدون معرفة الحكومة الشرعية، ورغما عن القوات التي انسحبت على وقع تهديدات بالقصف الجوي.

وتخفيفا من صدمة الإنسحاب ذهب التحالف لدعم عملية عسكرية في اتجاه المناطق التي كانت متاحة طوال مرحلة الحرب غرب محافظة تعز وباتجاه محافظة إب.

حتى اللحظة لم يقدم التحالف تبريرا منطقيا وعسكريا مقبولا للإنسحاب من تلك المناطق الشاسعة. ويقول خبراء إن المعركة التي أطلقها شرقا نحو غرب تعز وباتجاه محافظة إب كان يمكن إطلاقها منذ ثلاث سنوات وأن تكون مكملة للجغرافيا المسيطر عليها في الساحل وليس على حسابها، ما يثير الشكوك بشأن الهدف منها.

ورغم التفاؤل الذي يبديه الكثيرون، فإن هناك تحذيرات من استخدامها لصرف الأنظار عن الترتيبات الجارية لإسقاط محافظة شبوة وتبرير إرسال القوات العسكرية إلى هناك تحت ذريعة مواجهة الحوثي بينما وجهتها الحقيقية إسقاط المحافظة والمحافظ والقضاء على ألوية الجيش.

الانفصال بتوافق دولي أيضًا

لم تعد مسألة الانفصال شأنا محليا، بل يبدو أنه متوافق عليه دوليا بين أكثر من طرف، خصوصا الأطراف الكبرى، حيث قال السفير البريطاني لدى اليمن إن بلاده، حاملة القلم في الملف اليمني في مجلس الأمن ستتدخل بقرار دولي لفرض السلام في الوقت المناسب، ينقض قرار مجلس الأمن 2216.

وقال القيادي المؤتمري أبوبكر القربي وهو موال للحوثيين ويعمل معهم عن كثب في لقاءات سياسية بمسقط " إن التحركات في العواصم الدولية والإقليمية تقود إلى تقسيم اليمن وفصله".

ولم يحدد شكل الانفصال، لكن تخادما واضحا بين طرفين تقودهما الإمارات، بتواطؤ سعودي، وإيران يخططان للانفصال والعودة إلى التقسيم الشطري السابق في اليمن، قبل اتحاده في 90، مع مراعاة التحولات التي أنتجتها الحرب.

فهل سيسمح اليمنيون بتمرير هذا المخطط التمزيقي للبلاد، أما أن يقظة يمنية قادمة ستطيح بالجميع؟


Create Account



Log In Your Account