رئيس في "مهمة غير رسمية " لإعادة صياغة الجنوب ... هل وقع العليمي في الفخ ولماذا تتجاهله ابوظبي والرياض؟..(تحليل خاص)
الإثنين 29 أُغسطس ,2022 الساعة: 03:38 مساءً
الحرف 28 - تحليل خاص

قبل نحو أسبوعين، غادر رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي العاصمة المؤقتة عدن إلى الامارات والسعودية، دون مهمة واضحة. 

وقد توجه إلى العاصمتين بينما كانت البلاد تعيش منعطفا خطيرا بدأ انه ينحدر بها إلى أسوأ السيناريوهات : التقسيم، وتمكين مليشيا تتبع التحالف السعودي الإماراتي من المزيد من الاراضي في المحافظات الجنوبية على حساب القوات التابعة لوزارة الدفاع المعترف بها دوليا. 

بدأ رئيس المجلس الرئاسي العليمي زيارته الخارجية للعاصمتين بصورة مرتبكة سياسيا واعلاميا، فقد غادر على وقع ما يشبه الصدمة عندما اتخذ قرارا بالوقوف إلى جانب مليشيات لا تأتمر بأمره، على حساب قوات حكومية تتبع وزارة الدفاع والداخلية في محافظة شبوة، بعد أحداث مصطنعة بدأت بمحاولة اغتيال قائد قوات الأمن الخاصة العميد عبدربه لعكب، لتنتهي بهجوم واسع شنته تشكيلات موالية للإمارات مسنودة بالطيران المسير. 

ويبدو أن الرجل الذي اراد استعجال قطف ثمار استمالة ابوظبي بتلك القرارات التي مكنتها من وضع اليد على محافظة شبوة الغنية بالنفط، لم يكن قد تهيأ بشكل لائق بروتوكوليا فظهر مكتبه الإعلامي مرتبكا في توصيف الزيارة. 

بحسب وكالة سبأ الحكومية، فإن زيارة الرئيس الى ابوظبي كانت " زيارة عمل غير رسمية"، في حين قالت انه سيعقد لقاءات رسمية،  ليجد الرجل نفسه وسط انتقادات عاصفة، انتهت بما يشبه التجاهل التام من أبوظبي التي لم تشر إلى زيارته للإمارات وكأنه لم يكن موجودا. 

وقضى الرجل هناك بضعة أيام دون معرفة ما الذي جناه من الزيارة، بينما كانت التشكيلات الموالية لأبوظبي تواصل شن الهجمات على القوات العسكرية والأمنية الحكومية في شبوة، وتحرك قطع الشطرنج على رقعة واسعة في شبوة وحضرموت والمهرة. 

كانت الواقعة التي هزت الشارع اليمني هي تلك التي ظهر فيها عناصر من تشكيلات الانتقالي الموالي للامارات وهم يدوسون على علم الجمهورية اليمنية ويطلقون النار عليه، وهو السلوك الذي لم يحرك حفيظة الرئيس، وبدلا من ذلك تعهد "بعدم السماح بالإساءة للإمارات والسعودية". 

تذهب بعض التقديرات إلى  أن العليمي، كان قد أدرك قطعا، بعد طول جفاء مع الإمارات في عهد هادي،  بأن مفاتيح اللعبة في الخارطة الجنوبية وخصوصا عدن حيث يفترض أنها عاصمته كرئيس، تكاد تكون في جيب الإمارات حصريا، لذلك حاول استمالتها بمنح مليشياتها، " غطاء الشرعية" في التحركات الأخيرة، لنيل رضا أبوظبي، وتقديم نفسه كحارس للمصالح الإماراتية، على نحو يضمن أيضا عدم الإخلال بمصالح الرياض التي تتلاقى مع ابوظبي في محددات التعامل مع ملف المحافظات الجنوبية والشرقية. 

لكن هذه الخدمات التي أظهرها رئيس مجلس القيادة، والغزل الظاهر بالإمارات والسعودية قبل مغادرة عدن  وتمكين الإنتقالي من مفاصل السلطة المختلفة في المحافظات الجنوبية، لم تشفع للرجل لدى ابوظبي التي تجاهلته بصورة تامة، قبل أن يقرر التوجه إلى الرياض، العاصمة التي ظلت طوال فترة الحرب، مقرا بديلا لرجال " السلطة الشرعية"، وكانت هي الأخرى أكثر برودة في استقبال الرئيس. 

لا يعرف بالضبط ماهي المطالب الإضافية التي تريدها ابوظبي، من العليمي ومجلس القيادة الرئاسي، فهي في الواقع تسيطر على الأرض في مناطق عديدة، سواء بصورة  مباشرة اوغير مباشرة عبر أذرعها العسكرية التي تخضع لتوجيهاتها وتتقاضى منها المرتبات. 

تسيطر الإمارات على جزيرة ميون المتحكمة بباب المندب حيث تواصل بناء القواعد العسكرية،  وميناء المخا، الجزء الساحلي من تعز، حيث تقيم قواعد  ومطار عسكري أيضار، بالإضافة إلى جزيرة سقطرى التي باتت تخضع بشكل شبه تام لتصرف أبوظبي التي تربط الجزيرة بها بحرا وجوا، وتسير الرحلات والأفواج السياحية. 

كما تستمر بفرض سيطرتها دون عناء او رفض من الحكومة أو مجلس القيادة الرئاسي على منشآت بلحاف الغازية في شبوة، ومطار الريان وميناء المكلا في حضرموت وتطمع في مد سيطرتها الى المهرة اقصى شرق البلاد على حدود عمان، رغم أنها زعمت الإنسحاب من اليمن قبل عامين. 

ورغم أن العليمي بدا طيعا ويسيرا لتنفيذ رغبات ابوظبي فالمؤكد وفقا لمصارد قريبة من الرجل أنه ووجه بجفاء وتجاهل إماراتي،  فأخفق حتى في إقناع ابوظبي بتعجيل الوديعة التي وعدت مع الرياض بدفعها عشية إجبار ا الرئيس هادي على نقل سلطته في ابريل الماضي إلى مجلس القيادة الرئاسي في مؤتمر مزعوم بالمملكة. 

في الأثناء واصلت ابوظبي تحريك بيادقها في المحافظات الجنوبية لتواصل السيطرة على بقية المحافظات فبسطت التشكيلات الموالية لها على محافظة ابين في عملية أطلقها عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الإنتقالي وعضو المجلس الرئاسي الذي اصبح رئيشا فعليا في عدن، تحت مسمى " سهام الشرق " لمواجهة ما وصفه بالإرهاب. 

  وفضلت القوات الحكومية عدم المواجهة بعد تفاهمات مع قوات المجلس  الانقالي والوية العمالقة، بينما كان رشاد العليمي يحاول تدارك ما فاته بممارسة ما يعتقد انها صلاحياته الحصرية، فوجه بإيقاف اي عملية عسكرية، لكن الأمور كانت قد مضت بعيدا عنه وعن مجلس القيادة الرئاسي، وبدا ان التفاهم الفعلي يجري بين الرياض وابوظبي. 

بعد خيبة أمل العليمي في الحصول على شيئ يسير من الإهتمام الإماراتي، توجه الرجل إلى الرياض، في زيارة لا تحمل أي عنوان، والأرجح أنه قرر العودة إلى هناك بحثا عن ما يمكن انقاذه بالتفاهم مع السعوديين، لكن الرياض حتى اللحظة لم تظهر أي اهتمام بزيارته، بينما كانت تستقبل رسميا  في المطار عمار الحكيم ، زعيم فصيل عراقي موالي لإيران لا يحمل أي صفة رسمية. 

الواضح أن الرياض وابوظبي كانتا قد هندستا وضعا جديدا بالإطاحة بالرئيس الشرعي هادي،  في ما سمي بإعلان نقل السلطة لمجلس القيادة الرئاسي، في 7 إبريل الماضي، وقد اغرقتا المجلس والنخب السياسية اليمنية بوعود الدعم لتمرير المخطط وابتلع الجميع ما يشبه الطعم، رغم خبرة سنوات الحرب، التي مارست فيها الدولتان مختلف أشكال الخداع والغدر. 

و بذلت العاصمتان وقتها جهدا في التاكيد بأن هادي ونائبه كانا يمثلان مشكلة في طريق وحدة الجبهة الداخلية للشرعية والمجموعات المناوئة للحوثي، لكن ذلك سرعان ما أسفر عن انقلاب آخر ادارته العاصمتان ضد مجلس القيادة الرئاسي نفسه بالإمتناع عن دفع  المنحة  التي اعلناها عشية الإطاحة بهادي وتحولت إلى وديعة موعودة، واشتراط اصدار قرارات رئاسية بتمكين الاطراف التي استولت على عدن وسقطرى في اغسطس 2019، قبل أن تحيل المجلس إلى كيان ضعيف وهش تحت رحمة الإنتقالي. 

ويبدو أن التصدع قد تسرب إلى مجلس القيادة الرئاسي سريعا قبل زيارة العليمي إلى العاصمتين، فغادر معظم اعضاء المجلس السبعة العاصمة عدن، وبقي العليمي وعيدروس الزبيدي والسلفي ابو زرعة المحرمي. 

وبالنظر الى واقع السيطرة على عدن لصالح الزبيدي وابو زرعة، المواليان للإمارات فقد بدا أن العليمي لم يكن أكثر من رهينة في هيئة رئيس؛ فتحول إلى آلة فرمانات تصدر قرارات حصرية لتمكين " الأخ عيدروس" وأنصاره من كل شيئ تقريبا، إنفاذا لإرادة ابوظبي والرياض. 

ليس واضحا ما إذا كان الرجل قد وقع في فخ الوعود بإسناد سلطته غير المرئية في عدن مقابل تلك القرارات التي لقيت استياء حتى من الدائرة المقربة منه، غير أن المسار الذي اختطه العليمي لنفسه، جعله مكشوفا من كل شيئ. 

ووجهت الإتهامات للرجل بأنه بات لعبة بيد التحالف لتمرير ماعجز عنه طيلة سنوات الحرب، كما جرى تجريده من أي دعم سياسي، مفترض يمكن ان يحظى به من القوات العسكرية المنضوية تحت وزارة الدفاع بعد ضرب تلك القوات بمليشيات غير نظامية، فضلا عن خيبة أمل القوى السياسية المؤتلفة في المجلس، والذي ظهر في بيان حزب الإصلاح أحد اكثر الفاعلين المحليين حضورا.. 

تميل بعض القراءات إلى أن التحالف تعمد إيصال العليمي إلى هذه اللحظة الصعبة، ففيما تبهت صورة الرجل وهو قيد التجاهل في الرياض وقبلها ابوظبي، تتكرس صورة عيدروس الزبيدي في جبهة " الشرعية المستلبة" كرجل قوي وحاكم فعلي يمارس دور الرئيس بلا منازع كأمر واقع، بينما يجري حبك صيغة تلفيقية لا تفصح عن جنوب خالص، لكنها واضحة إلى حد كبير فيما يخص التعامل مع الحمهورية اليمنية ككيان يلفظ أنفاسه الأخيرة.

ويبدو أن العاصمتين تحاولان صياغة معادلة جديدة في الجنوب، ففيما إرادتهما تمضي باتجاه تصفية الجمهورية اليمنية كما يقول كثيرون من خلال ابرام هدنة طويلة مع الحوثي لترسيخه في الشمال وربما التمهيد لإسقاط مأرب وتعز، تذهب ملامح التسوية في الجنوب، نحو تحويل ماتبقى من قوات جنوبية موالية لهادي لتكون بعهدة الرياض، او بقاءها بضمانتها كما هو حاصل في أبين بعد السماح بعودة اجهزة الأمن الى زنجبار، في ظل هيمنة عسكرية شبه تامة للمجلس الإنتقالي وأذرع الإمارات. 

لكن ذلك لا يعني التوقف عند شبوة وابين، فالمجلس  الانتقالي والإمارات يضعان حضرموت والمهرة  هدفا تاليا، وهو الهدف الذي تريد السعودية ترتيبه على نحو بضمن لها حضورا مهيمنا سيما في المهرة حيث تحدق في مشروع قديم للوصول إلى بحر العرب. 

ويبدو أن استراتيجية التفكيك وإعادة التركيب التي اعتمدها التحالف طيلة السنوات الماضية للحرب في مناطق سيطرة ما كان يعرف بالشرعية وفقا لأجندته الخاصة، بات ايقاعه أسرع من  ذي قبل، منتهجا سياسة التقسيط والتهام كل شيئ قطعة قطعة.

وسط كل ذلك ثمة رئيس يعيد استنساخ ممارسة سلفه الذي كان يكتفي بلقاء السفراء في الرياض، ليعود إلى النوم متمنعا في وجه مطالب إماراتية وأحيانا سعودية، بينما يمارس هذا الأخير دور المذعن والمنفذ المطيع بلا نقاش، دون أن يجلب لنفسه الإنتباه في عواصم" الحلفاء الأعداء". 

ومع غياب القيادة وأحيانا تماهيها بصورة مذلة، تتولى الرياض وابوظبي عمليا الإمعان في إعادة رسم الخارطة السياسية والجغرافية للبلاد بالشراكة مع إيران، وتستغرقان في ذلك على وقع دعاية سياسية واعلامية مستهكلة تعيد تدوير نسختها القديمة التي سبقت تمكين مليشيا الحوثي وصالح في سبتمبر 2014  بتواطؤ سعودي ودعم اماراتي، باستدعاء شماعة  " حزب الإصلاح " و" الإخوان". 

ما يبدو محبطا للناس هو أن البلد يتمزق، ويتلاشى لمصلحة مشاريع الملشنة المدعومة من التحالف وإيران، بينما تبدو القوى السياسية اليمنية والنخب مرتهنة بشكل تام للخارج، ولا تحرك ساكنا، غير أن الإحباط يغدو يأسا  قاتلا في ظل أداء الرجل الذي يفترض أنه صار رئيسا، وقد عجز حتى عن استنقاذ محافظته، تعز من لعبة الهدنة السعودية الحوثية التي وضعت كل شيئ في جعبة الحوثي.


Create Account



Log In Your Account