الخليجيون ينصحون اليمنيين والسعوديين بالتحاور مع إيران
الأحد 18 سبتمبر ,2022 الساعة: 06:56 مساءً


دول الخليج الصغيرة الزائدة الثراء تنصح بقية الدول العربية بالتحاور مع إيران.
وحتى أكبر محلل سياسي عربي في الخمسين السنة الماضية المرحوم محمد حسنين هيكل كان من أكبر من تبنوا مبدأ ضرورة التحاور والتفاهم مع إيران.

هيكل، كان بالتأكيد ينظر إلى إيران من زاوية صراع العرب مع إسرائيل لأنه بالتأكيد لم يكن قابلا بآية الله الذي حاوره مرتين في باريس وطهران ولا بأي فكر ديني أو مذهبي أو أي تصرف عملي ناتج من اختراق إيران لأنسجة البلاد العربية عن طريق الأقليات الطائفية المتعسكرة الموالية لها.

دول الخليج العربية الصغيرة، في حالة انتعاش وازدهار غير مسبوق وتكرر طوال الوقت على أنها تشجع العرب على التحاور مع إيران.

نحن في اليمن، لا يمكن أن نغفل أن هذا التشجيع الخليجي الصغير إنما يقصد بالدرجة الأولى اليمن.
وربما يشعر السعوديون بأنهم هم المعنيون بالدرجة الأولى بالنصيحة التشجيعية من الدول الخليجية الثرية الصغيرة.

سأتأمل اليوم بهذه النصيحة التشجيعية الخليجية من وجهة نظر يمنية.

هل يمكن أيضا أن أتكلم عن نصيحة الدول الخليجية الصغيرة لشقيقتهم الكبرى- السعودية- بأن تتحاور مع إيران؟

السعوديون، هم أكبر دولة عربية ماليا ونفطيا واقتصاديا وأكبر دولة خليجية سياسيا وقد لا يعجبهم بأن أتحدث بالنيابة عنهم بالنسبة للنصيحة التشجيعية الخليجية الصغيرة أو أي شيئ آخر من سياساتهم الداخلية والإقليمية والدولية.
 
ولكني- كمواطن يمني- لا يمكنني إغفال التطرق إلى أمور السعودية وأنا أتكلم عن بلادي اليمن التي هي غارقة وعالقة في الصراع الإيراني السعودي للسيطرة على بلادي اليمن وسط صراعاتها وتناقضاتها وعصبياتها السلالية والقبلية والمناطقية التي تتزايد فداحة وتناقضا كل يوم.

أولا: الخليج بين أمريكا وإيران

دول الخليج الصغيرة أذكى وأشطر من أن يعتمدوا على الأوروبيين والأمريكيين أمام التهديد الإيراني.

يمكن أن يعتمد الخليجيون على الأوروبيين والأمريكيين لحمايتهم أمام أي قوة عربية مثلما حدث أيام صدام حسين بالغزو العراقي للكويت ولكن الخليجيون يدركون الآن أن أمريكا لن تكرر هذه الحماية أمام ملالي وحرس ثوري إيران لأنهم أقوى بكثير ولأن أمريكا قد غرمت كثيرا بحروبها في الشرق الأوسط ولأن الغرب كله يرى أن صراعات هذه المنطقة كلها طائفية وعرقية وعبثية ولا تهدد مصالحه ولا تعني له شيئا.

كل دول الخليج الصغيرة بداخلها قواعد عسكرية أمريكية وتواجد عسكري بريطاني وفرنسي.
الخليجيون، يقولون أنهم حلفاء للغرب.
الأمريكيون، يقولون أنهم حلفاء للخليج.

لكن النفوذ الإيراني داخل كل دولة خليجية صغيرة هو النفوذ الأبرز والأقوى.
خوف الخليجيين من إيران الذي يصل إلى حد الذعر أقوى بكثير من قدرة أمريكا على طمأنتهم بأنها ستحميهم.

ثانيا: قوة إيران الناعمة في الخليج

النفوذ الإيراني ب "القوة الناعمة"- داخل كل دولة خليجية صغيرة- أقوى من نفوذ السعودية "شقيقتهم الكبرى" أو أمريكا "حليفتهم الكبرى".

إيران، معها نفوذ طائفي ومذهبي في كل دول الخليج الصغيرة وهم يعملون لحسابها في فرض نفوذها داخل كل إمارة أو سلطنة أو مشيخة.
 ويستعملون الحسينيات والشيعة المحلية أيضا في التواصل مع حزب الله في لبنان ومع الحوثيين في اليمن عندما تقتضي الحاجة.
إيران، معها استثمارات مالية وعقارية ضخمة داخل كل دول الخليج الصغيرة.
إيران، تهرب نفطها وبضاعتها المقاطعة أمريكيا عن طريق كل دول الخليج الصغيرة.
إيران، تحصل على أشياء كثيرة مما تحتاجه من الغرب الذي يقاطعها عن طريق أسواق الدول الخليجية الصغيرة.
إيران، تتنفس وتأخذ ما تريد من أوروبا وأمريكا التي تقاطعها وتعاقبها عن طريق الدول الخليجية الصغيرة.
إيران، معها علاقة العصا والجزرة مع دولة الإمارات لتحلبها كما تريد ولتؤدبها كما تريد.
إيران، معها أغلبية شيعية داخل البحرين يسافرون بين المنامة وطهران كل ساعة وهم في بحبوحة وازدهار بالرغم عن كل ما يقال.
إيران، معها علاقة أكثر من خاصة مع سلطنة عُمان عابرة لكل التقلبات سواء تحت الإمبراطور شاهنشاه إيران أو آيات الله والملالي.
الكويت، بداخلها جالية إيرانية كبرى ونظامها البرلماني يستوعبهم بتمثيل يرضي إيران ومصالحها ويلبي متطلبات ازدهارهم.
إيران، معها علاقة عاطفية مع قطر توطدت عندما قاطعتها وحاصرتها السعودية والإمارات بمباركة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفتحت أجواءها لرحلات الطيران القطري وأرسلت لها صباح كل يوم بالخضروات والفواكه الطازجة إلى مطار الدوحة.
إيران، تتشارك مع دول الخليج الصغيرة في حقول نفط وغاز ضخمة ومعهم ترتيبات تبادل مصالح مالية وتجارية واستثمارية عميقة.

إيران، لا تهتم بحركات وعلاقات دول الخليج الصغيرة النفعية البراجماتية الانتهازية مع إسرائيل.
ولا تهتم بأحلام القوميين العرب باكتساب إيران في مواجهة مع إسرائيل.
إيران، لا تكترث بصورة جدية بعلاقات إسرائيل بالدول الخليجية الصغيرة ويكفي أن نذكر أنه في هذا اليوم يتواجد الشيخ محمد بن زايد وزير خارجية دولة الإمارات في زيارة رسمية لإسرائيل بعد أن أعلن قبل اسبوعين عودة سفير بلاده إلى طهران.

إيران، تأخذ كل هذا من دول الخليج الصغيرة بينما الحرس الثوري الإيراني يحارب في اليمن وقد استولى فعلا على لبنان وسوريا والعراق.

هل هذا ترويض إيراني لدول الخليج العربية الصغيرة؟
هل هذا تبادل طبيعي للمصالح بين الجيران؟
هل هذا علاقات تاريخية وحكم الجوار والجغرافيا السياسية؟

ثالثا: قوة إيران الخشنة على الخليج

تحتاج إيران أن تذكر الخليجيين بخطوطها الحمراء.

النفوذ الإيراني ب "القوة الخشنة"، جاهز لتذكير أي دولة خليجية صغيرة بمن هو السيد الحقيقي في الخليج.

أنهت إيران الدور السعودي في لبنان وسوريا والعراق بالمساندة المستميتة لوكلائها حزب الله والعلويين والحشد الشعبي في البلدان الثلاثة.
وحتى أن إيران، أنهت دور دولة قطر والجمهورية التركية في محاولاتهم لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.
وطبعا كان هناك دور للإمارات في سوريا وقد تم إنهائه بسبب إيران.

احتاجت إيران لاستعمال القوة المباشرة "الخشنة" ضد الإمارات وضد السعودية في حرب اليمن

١- خشونة إيران ضد الإمارات
احتاجت إيران لتذكير دولة الإمارات بمن هو سيد الخليج عندما كانت أبو ظبي تجتهد بالسيطرة على ميناء الحديدة وطرد ميليشيا الحوثيين الشيعية باستعمال ميليشيات أبو زرعة المحرمي السنية.

كل ما عملته إيران ب "القوة الخشنة" هو تفجيرين طفيفين في باخرتين إماراتيتين أمام ميناء الفجيرة وإرسال مسيرات لعب أطفال بعبوات ناسفة خفيفة إلى مطار دبي.

وانتهت كل مغامرات دولة الإمارات ليس فقط في الحديدة ولكن تم إنهاء أي دور لأبو ظبي ضد الحوثيين في أي مكان.
كل ما تقوم به دولة الإمارات داخل اليمن محصور في عدن وشبوة وأبين في المناطق الجنوبية من اليمن.

كل النشاط الإماراتي- المخابراتي والسياسي وضخ الأموال-
داخل اليمن، يشعل معارك جانبية تمزق النسيج الاجتماعي اليمني ويخدم النزعات الانفصالية ويفتت مجلس الرئاسة القيادي اليمني ويعطل مفهوم استعادة الدولة اليمنية وهذا كله يخدم مصالح الحوثيين والإيرانيين.

٢- خشونة إيران ضد السعودية
الضربة الخشنة المباشرة الكبرى ومن داخل إيران كانت قصف منشآت أرامكو النفطية في البقيق وخريص.

كانت إيران سعيدة جدا بمجريات الأمور في حرب اليمن وبالنزف البطيئ للمجهود الحربي السعودي في اليمن والتبخر البطيئ لأصدقاء السعودية داخل اليمن وداخل التحالف وداخل أوروبا وداخل أمريكا ولغرامات أموال السعودية ولاهتزاز معنويات السعودية بضرب مطاراتها ومدنها بالمسيرات والصواريخ الإيرانية على أيدي الحوثيين.

ولكن إيران قررت أن الوقت قد حان لأن تعرف السعودية بعض الأشياء التي تريدها إيران وعلى ضرورة أن تدرك السعودية أنها يجب الاستماع لبعض ما تريده إيران وفي بعض الأحيان أن تقوم السعودية بأن تنفذ حرفيا أوامر إيران.

هذا هو ما كان الغرض منه من قصف منشآت البقيق وخريص النفطية السعودية.

رابعا: هل يمكن تحاوُر اليمن أو السعودية مع إيران؟

دول الخليج الثرية النفطية الصغيرة، تشجع اليمن والسعودية على التحاور مع إيران.
شكرا جزيلا على النصيحة والتشجيع.
لكن: لا، وشكرا.
No, Thank you.

وهذه الدول الخليجية الصغيرة، تقول أن علاقاتها مع إيران هي قائمة على الحوار وتبادل المصالح وحسن الجوار.

سواء كان حوارا أو قوة ناعمة أو قوة خشنة أو ترويضا، أو تبادل مصالح، أو حكم التاريخ والجغرافيا أو حسن جوار؛ فإنه لا يسري على اليمن.
ولا يسري على السعودية.

ما تريده إيران من الدول الخليجية الصغيرة، قد حصلت عليه فعلا وهو مقبول جدا عند الخليجيين.

ما تريده إيران من السعودية، يجب أن يقرر السعوديون أنفسهم كيفية رفضه ومواجهته سواء داخل اليمن هذه الأيام أو الانتظار لمواجهته داخل أعماق السعودية بعد سنين.

ما تريده إيران من اليمن ومن السعودية، هو أغلى وأثمن بكثير مما تريده من الدول الخليجية الصغيرة والذي قد حصلت عليه فعلا.

ما تريده إيران من اليمن، هو طبق الأصل مما حققته واستولت عليه في لبنان وسوريا والعراق.

ما تريده إيران من اليمن لن تحصل عليه إلا بالحوثيين وبالقوة الصاعقة وبالغصب والاغتصاب.

نقلا عن صفحة الكاتب بالفيسبوك


Create Account



Log In Your Account