وتلاشت أخرُ بُقعةٍ ضَوءٍ في صَنعاء
الثلاثاء 29 نوفمبر ,2022 الساعة: 01:56 مساءً


في صنعاء المتشحة بالسواد والمغلوبة على أمرها منذ ثمانٍ عجاف كان الراحل الدكتور عبدالعزيز المقالح أخر بقعة للضوء ، وهاهي تتلاشى لتترك صنعاء المكلومة في ظلام دامس صنعه أعداء الثقافة والأدب ، والحرية والحب والخبز والإنسان .

رغم أساها ظل المقالح مستوطناً صنعاء ، أو هي مستوطنة فيه لافرق ، فكلاهما امتشقا سيف الكلمة الحرة باكراً ، ولعلهما تعاهدا على أن لايفرقهما إلا الموت ، فانعم به من وفاء ، وأنعم بهم من رفقة ، ومن لصنعاء في أول أيامها وحيدة باكية تلعن يوماً غادرها خيرة أبنائها ومحبوها خوفاً من سماسرة الموت الذين لوثوا الشوارع والنوادي والجوامع .

ستبكي صنعاء أخر المغادرين قسراً ، وسنبكي نحن صنعاء والمقالح وحروف الهجاء وبحور الشعر وقوافي القصائد ، والوطن الذي يهرب منه أدبائه ومبدعوه ضرباً في الأرض بحثاً عن الخبز والماء والأمنيات ، أو يموتون مقهورين جوعى في عزلتهم البائسة .

مطلع القرن قال المقالح أن "صنعاء لها وجهُ قدِّيسةٍ، ولسانُ حَكيم ، وصوتُ شَهيد، وعواطفُ شاعر " وخلال سنوات التيه حرص الكثيرون على التسلل إلى المقالح ليجدوا صنعاء التي وصفها ، واختار أن يكون بابها الثامن المشرع بحب ، فقدمها إليهم وطناً ظليلاً وحضنا أميناً ، فيما كانت بالخارج أخرى يهربون منها ، لا ظل فيها ولا ندى ، فأين سنجد صنعاء ذات الحضن الدافئ بعد رحيل الصاحب والرفيق ؟
 
عزائنا لذواتنا المكلومة ولصنعاء الحزينة..

◾من كتاب صنعاء للدكتور المقالح : 

حين جئتُ إلى الأرض
كانت معي في قماطي
وكنتُ أرى في حليب الصباح
بياض مآذنها
والقباب
وحين هجرتُ البلادَ،
ابتعدتُ
إلى قارةِ المسك
كانت معي
في القصائد مترعة بالغناء الكتوم
وفي الكتب المورقات بماء الأساطير
كنتُ أراها تسافر في الأبجديات
في لوحةٍ من نجومِ السماء 
أراها فتمنحُني عِطرَها 
ومواعيدَها 
وعلى كفِّ أشرعةِ الشوق
تومئُ لي أنْ تَعالْ


Create Account



Log In Your Account