هل يتفكك تحالف دعم الشرعية إلى اتفاقيات ثنائية مع سلطة هشة؟
الأربعاء 14 ديسمبر ,2022 الساعة: 08:03 مساءً

حفل الأسبوع المنصرم بتطورات لافتة على الساحة اليمنية،كان أبرزها التوقيع على اتفاقية مفاجئة للتعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب، بين الإمارات واليمن، على هامش زيارة قام بها وزير الدفاع الفريق محسن الداعري ووزير الشؤون القانونية أحمد عرمان، وكان في الطرف الآخر وزير العدل الإماراتي الذي وقع الاتفاقية نيابة عن وزير شؤون الدفاع في الحكومة الإماراتية، في مؤشر خطير على إمكانية أن يتفكك تحالف دعم الشرعية وتلجأ دولتا التحالف إلى عقد اتفاقيات ثنائية مع سلطة هشة وضعيفة ومتحكم بها بشكل كامل.

قد تبدو هذه الاتفاقية تبدو في ظاهرها انعكاساً لعلاقات قوية ومميزة بين دولتين متكافئتين، لكنها في الحقيقة ليست كذلك أبداً، بقدر ما تعكس رغبة إماراتية ملحّة لإعادة التكييف القانوني لمهمتها المثيرة للقلق في اليمن، والتي ارتبطت خلال السنوات الماضية بأجندة عدائية توسلت المشاركة ضمن التحالف العربي لدعم الشرعية، لكن غايتها لم تكن سوى محاربة انتقائية لأطراف سياسية وتيارات مستوعبة ضمن السلطة الشرعية وحركة التغيير الوطنية، وهي أبعد ما تكون عن الأهداف التي توخى التحالف تحقيقها؛ ومن بينها دحر الانقلاب الحوثيين المدعومين من إيران واستعادة الشرعية وإعادة اليمن إلى مسار الانتقال السلمي.

التكييف القانوني تعكسه طبيعة وأدوار الذين شاركوا ووقعوا على الاتفاقية، مثل وزير الشؤون القانونية اليمني ووزير العدل الإماراتي، على الرغم من أن الاتفاقية ذات طبيعة عسكرية وأمنية، وذلك لأن مكافحة الإرهاب التي تريد أبو ظبي أن تتمحور مهمتها المفتوحة في اليمن حولها تأسيساً على هذه الاتفاقية، هي عملية ستنطوي بالتأكيد على عدد لا حصر له من التجاوزات والانتهاكات.

والأمر لا يحتاج إلى التثبت، فخلال السنوات الماضية رأينا ما كانت تقوم به الإمارات من انتهاكات خطيرة تجاوزت كل الحدود، فقد استعانت بالقتلة المأجورين والمرتزقة من دول مختلفة، وكانت تقوم بكل ذلك تحت مظلة التحالف، والنتيجة تلك السلسلة المظلمة من السجون السرية التي شهدت عمليات ممنهجة لتعذيب وقتل اليمنيين، بحجة مكافحة القاعدة وداعش، فيما أثبتت الوقائع أن معظم الذين انتهى مصيرهم إلى هذه السجون كانوا يتعرضون لكل هذه الانتهاكات بدوافع سياسية وأيديولوجية، على نحو ما كشفته تقارير لمنظمات حقوقية محلية ودولية، وتحقيقات استقصائية لوكالة أنباء دولية مرموقة.

هذه الاتفاقية تريد من خلالها الإمارات أن تطوي دورها وما ارتبط به من تجاوزات وانتهاكات وجرائم تحت مظلة التحالف وتبدأ من جديد، والأهم من ذلك تريد إعادة استثمار أدواتها والعسكرية المحلية وقواعدها التي لا تزال قائمة في اليمن، بصورة منفردة عن التحالف، وفي إطار أجندة أبو ظبي الخالصة.

ستبقى أبو ظبي متمسكة بادعاءاتها حول مكافحة الإرهاب في اليمن، وهذا سيجعلها تعيد استخدام أدواتها وقواعدها العسكرية في بلحاف (شبوة) والريان (حضرموت)، مضافة إليهما إمكانيات السيطرة الأمنية والعسكرية المتاحة دون خوف من المحاسبة، مع حرصها المستمر على تحصين دورها بالمظلة الأمريكية، وبمشاركة واشنطن اللوجستية عبر ضباط الارتباط المتواجدين في قاعدة الريان بساحل محافظة حضرموت، وفي قاعدة الغيضة بمحافظة المهرة، جنوب شرق البلاد.

ويمكنها أن تستثمر نفوذها في جنوب البحر الأحمر وبالذات في ميناء المخا وباب المندب وقاعدة ميون وفي أرخبيل سقطرى، في تعزيز دورها كمتحكم في هذا المضيق الاستراتيجي الهام، وفي خليج عدن والمحيط الهندي، عبر تضامن إقليمي ودولي تسعى الإمارات إلى بنائه ومن خلاله تعزز مكانتها الإقليمية والدولية.

وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم للغاية، يتعلق بمدى تأثير الخطوة الإماراتية هذه على مستقبل علاقة التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية مع السلطة الشرعية، وعما إذا كانت هذه الخطوة ستدفع السعودية إلى إعادة تكييف دورها في اليمن كما فعلت الإمارات، في ظل ما يتاح للمملكة من إمكانية السيطرة على السلطة الشرعية وإعادة توجيهها على النحو الذي يخدم مصالح الرياض أولا وقبل كل شيء.

هناك سلسلة من الخطوات التي أقدم عليها التحالف السعودي الإماراتي خلال الفترة الماضية، ومن أبرز ما اشتملت عليه هو تقليص الدور العسكري للتحالف في اليمن، إلى مستوى الصفر تقريباً، رغم استمرار المعارك بين قوات الشرعية ومسلحي جماعة الحوثي، مع فارق أن المسلحين المدعومين من إيران يتصرفون بإمكانيات دولة، ويستفيدون من مزايا الهدنة المنهارة حتى اليوم، ومنها الرحلات الجوية واستمرار وصول المشتقات النفطية بما تمثله من رافد اقتصادي كبير، بالإضافة إلى العائدات الجمركية والضريبية وعائدات الاتصالات، وميزة السيطرة على أكبر كتلة ديموغرافية.

وفي المقابل، لا يوجد لدى الشرعية ممثلة في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، هرم سلطوي فاعل وقوي ومتصل بسلسلة أوامر محترمة مع الأدوات العسكرية، التي تتوزع ولاءاتها لدول إقليمية أو لأمراء حروب جرى دمجهم قسراً في مجلس القيادة الرئاسي المنقسم وغير المنسجم، في حين تبتعد هذه السلطة وبضغط من الرياض وأبو ظبي عن الجيش الوطني؛ الهيكل العسكري الوحيد المرتبط فعلياً بالسلطة الشرعية، فلا دعم ولا إسناد ولا مرتبات ولا علاقة تتسم بالاحترام.

يضاف إلى ذلك توقف إنتاج وتصدير النفط بعد هجمات حوثية إيرانية بطائرات مسيرة مفخخة على موانئ وناقلات نفط في خليج عدن، بما يعنيه ذلك من توقف المصدر الأكثر أهمية للإيرادات التي تغطي بها السلطة الشرعية النفقات التشغيلية وتغطي بها جزءا من الفاتورة الكبيرة لاستيراد المواد الأساسية من الخارج.

وفي ظل المسار الغامض للوساطة الدولية الذي يبحث في إمكانية تأسيس سلام على أساس التعاطي مع قوى الأمر الواقع التي أنتجتها حرب التحالف غير العادلة، لا أستبعد أن تعيد الرياض ترتيب علاقاتها مع السلطة الشرعية في عدن، على نحو ما فعلت الإمارات.

سيكون من الممكن أن تعمل السعودية والإمارات، عن قصد، على تكريس السلطة الشرعية كطرف فاعل في الصراع، ليس أكثر، مما يدفع في النهاية إلى تسوية تتحدد حصص المتحاربين فيها بحسب قدراتهم العسكرية ونفوذهم الجغرافي، والعائدات المتحصلة من الجبايات، بالإضافة إلى القدرة على الصمود أمام بقية قوى الأمر الواقع الإمامية الطائفية والجهوية وتلك المرتبطة بأحلام استعادة نظام صالح الممزق.

نقلا عن عربي 21


Create Account



Log In Your Account