السلفيون في جنوب اليمن : من صراع على ميكروفونات المساجد إلى مقاتلين في الجبهات (2-2)
الجمعة 06 يوليو ,2018 الساعة: 05:14 صباحاً
عدن ـ "ديبريفر" - سامي الكاف

درج عدد كبير من السلفيين خلال السنوات الثلاث الفائتة على تصوير الحوثيين بالمجوس الروافض الذين يتعين قتالهم ولا شيء غير ذلك بحجة الدفاع عن الدين والأرض والعرض.

 

 أول مواجهة كجس نبض توجب على السلفيين خوضها مع خصمهم المفترض الحراك الجنوبي الذي يدعو إلى الانفصال واستعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، تلك الدولة التي ينظر إليها السلفيون باعتبارها دولة ماركسية، عانوا منها كثيراً، حصلت قبيل بدء معركة تحرير عدن من مسلحي الحوثيين وصالح بمشاركة ميدانية من قوات التحالف العربي التي أعلنت أنها تهدف لاستعادة شرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ووحدة اليمن وسلامة أراضيه.

 

طلب السلفيون من قوات التحالف العربي إلزام الحراكيين بعدم رفع علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. قالوا بوضوح: "لا يمكننا القتال تحت راية دولة ماركسية مارقة عدوة للإسلام". حدث تأزم في الموقف على نحو مفزع.

 

 انتهى الأمر بالتهدئة وإلزام الجميع بعدم رفع أية أعلام عند بدء تلك المعركة، لكن أحد الشباب استطاع رفع علم الدولة الماركسية على إحدى المدرعات الإماراتية، وتبعه أخرون أثناء وبعد التحرير برفع المزيد من هذه الأعلام حتى صارت تغطي معظم مديريات عدن وعدد آخر من المحافظات الجنوبية.

 

 

 

  في نهاية ديسمبر 2015م أعلن السلفيان هاني بن بريك وهاشم السيد الجنيدي عن "حل مجلس المقاومة الجنوبية بعدن ويعتبر مع وجود رئيس الجمهورية والسلطة المحلية للمحافظة في الأرض لاغ".

 

 وأضاف هاني بن بريك في منشور توضيحي على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "سنعمل تحت قيادة فخامة الرئيس والحكومة لعودة الأمن والاستقرار وإضفاء الشرعية الكاملة على أبطال المقاومة كما أمر فخامة الرئيس، وأن القيادات الميدانية التي تحت قيادة القائد الميداني العام الشيخ هاشم السيد الجنيدي والذين جميعهم أعضاء مؤسسون في المجلس كلهم تحت قيادة فخامة رئيس الجمهورية والحكومة، وبعد هذا التوضيح فلا نأذن لأحد أن يصنفنا تحت مجالس قيادية للمقاومة أياً كانت مع وجود الرئاسة والحكومة، وسنظل حريصين على كل مصالح الأبطال من شهداء وجرحى وأحياء".

 

  لكن تالي الأحداث جلبت معها الكثير من المواقف على نحو دراماتيكي عقّد المشهد فوق ما هو معقد. تخلى السلفي هاني بن بريك عن الشعار التقليدي "لا نكران ولا هجران ولا خروج" الذي يرفع رايته الجماعات السلفية، وذلك بمجرد إقالته من منصبه كوزير في الحكومة اليمنية 27 أبريل 2017م.

 

  انضم هاني بن بريك خلال أيام تالية إلى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً والذي تأسس كرد فعل على الإقالة.

 

 تولى الرجل منصب النائب لرئيس المجلس عيدروس الزبيدي الذي كان تم إقالته من منصبه هو الآخر كمحافظ لعدن في نفس يوم إقالة بن بريك، بل وشارك في الخروج على ولي الأمر لاحقاً عندما قام المجلس الانتقالي الجنوبي عبر مجاميعه المسلحة بمحاولة انقلاب عسكري فاشلة خلال الفترة 28 – 30 يناير الفائت، وأسفرت عن سقوط نحو 70 قتيلاً وعدد من الجرحى.

 

 كشفت أحداث يناير الدموية عن القوة العسكرية التي يمتلكها المجلس الانتقالي الجنوبي في قلب عدن العاصمة المؤقتة للجمهورية اليمنية وكادت تطيح بالحكومة، وبالقدر ذاته كشفت عن وجود قوة أخرى موجودة على الأرض؛ ومؤثرة.

 


  بعد قتال عنيف أعاد إلى الأذهان تذكر الأحداث الدموية البشعة التي حدثت في عدن 13 يناير 1986م، اقتربت المجاميع المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من مسافة قريبة من بوابة القصر الرئاسي الذي تتحصن فيه الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في منطقة معاشيق بحُقّات في كريتر، لكن اطلاق النار توقف فجأة، وساد هدوء حذر أطبق على أنفاس المدينة المنهكة.

 

  أشارت وسائل الإعلام إلى وجود تدخل عاجل وحاسم من قبل السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر. طلب وقف العمليات العسكرية الجارية في عدن على الفور. لكن السبب الرئيس وراء ما حدث كان آتياً من رد فعل قام به مجموعة من المقاتلين السلفيين في جبهة الساحل الغربي على البحر الأحمر.

 

 أظهر المقاتلون السلفيون أنهم صاروا القوة المؤثرة في سياق المشهد العسكري في جنوب اليمن. حصلت وكالة "ديبريفر" للأنباء على وثيقة تدعم ذلك.

 

وجه ستة من المقاتلين السلفيين بصفتهم قادة عدد من ألوية العمالقة في جبهة الساحل الغربي بتاريخ 29 يناير 2018م رسالة مختصرة الكلمات، وواضحة المعنى، الى قوات التحالف العربي تحت عنوان: "بيان مستعجل".

 

  طالب القادة السلفيون بـ"التدخل السريع لوقف القتال بين اخوتنا في عدن خلال 12 ساعة، وإن استمر القتال سنضطر لسحب الألوية إلى عدن"، في إشارة واضحة إلى أنهم مستعدون لفعل ما عليهم فعله لحسم الموقف.

 

  وقع القادة السلفيون على الرسالة بأسمائهم وصفاتهم ومهروها بختوماتهم الخاصة، وهم: قائد اللواء أول عمالقة رائد حسن الحبهي، قائد اللواء الثاني عمالقة حمدي شكري، قائد اللواء الثالث عمالقة عبدالرحمن صالح اللحجي، قائد اللواء الرابع عمالقة نزار الوجيه، قائد اللواء الخامس أبو هارون العامري، وقائد لواء باب المندب لؤي الزامكي.

أظهر المقاتلون السلفيون أنهم صاروا القوة المؤثرة في سياق المشهد العسكري في جنوب اليمن. حصلت وكالة "ديبريفر" للأنباء على وثيقة تدعم ذلك


 تم الاتفاق على وقف اطلاق النار في عدن وتشكيل لجنة من قبل التحالف العربي للوقوف أمام ما حدث، ومع ذلك تم مهاجمة اللواء الرابع التابع للحماية الرئاسية الذي يقوده السلفي مهران القباطي، وتمت السيطرة عليه.

 

  "كان غدرا ونقضاً للاتفاق الذي التزمنا به للأشقاء في السعودية بوقف إطلاق النار والانسحاب من المواقع" قال مهران القباطي في بيان نشره مساء 30 يناير 2018م إثر سقوط اللواء في قبضة القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.

 

  وأضاف: "هذا الوضع لن يستمر، فهم (الانفصاليون) لا غطاء لهم غير الانقلاب مقارنة بما نمتلكه من غطاء شرعي ودستوري"، متعهداً بـ"مواصلة النضال حتى تثبيت دعائم الشرعية وإسقاط الانقلاب".

 

  تالياً؛ قام العميد مسفر الحارثي مدير هيئة الرقابة والتفتيش في وزارة الدفاع اليمنية بوساطة وبإشراف مباشر من لجنة التحالف العربي بقيادة السعودية لوضع حل للمشكلة التي واجهت اللواء الذي يقوده السلفي مهران القباطي.

 

  تم التهدئة والتوصل الى حل: تسليم قيادة اللواء بشكل مؤقت الى سلفي آخر: حمدي شكري الصبيحي. لكن الوضع في عدن ظل كما هو دون حل يضع معالجات حقيقية للأسباب التي أدت إلى اندلاع أحداث يناير الدموية.

 

 عادت كل قوة إلى مواقعها السابقة التي كانت عليها قبل الأحداث، وعاد المقاتلون السلفيون إلى جبهات القتال في جبهة الساحل الغربي.

 


 

 

  قبل أيام فائتة بدا موقف قيادي سلفي آخر في جبهة الساحل الغربي في الحُدَيْدَة بصورة جديدة في نظر متابعين؛ ظهر الرجل كقائد عسكري ويمارس السياسة في آن، و باتزان.

 

 قال السلفي، أبو زرعة المحرمي اليافعي، بصفته القائد العام لجبهة الساحل الغربي في تصريح صحفي في 23 يونيو 2018م إن "ألوية العمالقة ترحب بكل المنشقين من صفوف مليشيا الحوثي الانقلابية".

 

  اختفت كلمتا المجوس والروافض. دائماً ما يكرر السلفيون هاتين الكلمتين كحجة للقتال. قال المحرمي إنهم "يسعون لنصرة الحق وردعاً للانقلاب".

 

 تقاتل ألوية العمالقة الآن في جبهة الساحل الغربي في الحُدَيْدَة على ساحل البحر الأحمر، وتبعد عن العاصمة صنعاء بمسافة تصل إلى حوالي 226 كيلو متراً، تحت اسم "المقاومة اليمنية" التي كوّنتها قوات التحالف العربي وتضم في صفوفها السلفيين الذين يقاتلون دعماً للشرعية اليمنية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي، ومجموعات أخرى لا تعترف بهذه الشرعية وأخرى تدعو إلى انفصال اليمن الجنوبي عن شماله.

 

  وفق صحيفة لندنية، فإن الامارات، الشريك الرئيس في التحالف العسكري، كانت "جمعت في بداية 2018م ثلاث قوى غير متجانسة ضمن قوة واحدة تحت مسمى (المقاومة اليمنية) من أجل شن العملية في الساحل الغربي باتجاه مدينة الحديدة".

 

 أكدت صحيفة (العرب) اللندنية أن "هذه القوة تضم (ألوية العمالقة) وهي وحدة من النخبة في الجيش اليمني أعادت الامارات تأهيلها وكانت في مقدم الهجوم، يدعمها آلاف المقاتلين من اليمن الجنوبي".

 

 وأضافت أن "القوة الثانية الرئيسية هي (المقاومة الوطنية) وتتألف من موالين للرئيس الراحل علي عبدالله صالح الذي قتل على يد حلفائه الحوثيين في ديسمبر الماضي، ويقود هذه القوة طارق صالح نجل شقيق الرئيس الراحل، أما القوة الثالثة فهي (مقاومة تهامة) وتحمل اسم المنطقة الساحلية للبحر الأحمر وتتألف من مقاتلين محليين من المنطقة يوالون الرئيس المعترف به عبدربه منصور هادي المقيم في الرياض"، في إشارة واضحة إلى أن القوات الأخرى المذكورة سلفاً لا توالي رئيس الجمهورية اليمنية عبدربه منصور هادي.

 

  فرض السلفيون أنفسهم في جبهات القتال من خلال تمكنهم من احكام قبضتهم على ألوية العمالقة؛ فالقائد العام لجبهة الساحل الغربي هو أبوزرعة المحرمي اليافعي، فيما يتولى رائد الحبهي قيادة اللواء الأول عمالقة، ويتولى حمدي شكري الصبيحي قيادة اللواء الثاني عمالقة، وعبدالرحمن اللحجي قيادة اللواء الثالث عمالقة، ونزار الوجيه اليافعي قيادة اللواء الرابع عمالقة، وأبو هارون العامري اليافعي قيادة اللواء الخامس عمالقة.

 

 بالنسبة إلى السلفي المثير للجدل هاني بن بريك فتصدر واجهة السلفيين المقاتلين في عدن أواخر 2015م. بدت صوره تظهر في وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي على نحو لافت وكأن هناك من يدفع به ليبدو كذلك خلافاً للشائع لدى السلفيين الذين يتحاشون ظهور صورهم بشكل عام.

 

  لكن هذا التصدر في وسائل الإعلام غير مؤثر بتلك الدرجة الكافية في صفوف السلفيين الذين يتصدرون المشهد القتالي في الجبهات.

 

  على العكس من ذلك؛ لا يظهر القائد العام لجبهة الساحل الغربي السلفي "أبو زرعة المحرمي اليافعي" في وسائل الإعلام ولا حتى في مواقع التواصل الاجتماعي، ويؤكد المقربون منه أنه يتحاشى ظهور صوره قدر ما يستطيع، وهو يفعل ذلك حتى عندما كان قبل الحرب يمارس التجارة في مديرية الشيخ عثمان إحدى أكبر مديريات عدن، ويحظى بسمعة جيدة بين الناس.

 

  والآن المقاتلان اللذان تصدرا معاً واجهة المقاتلين السلفيين في عدن، صارا في خطين مختلفين وفي مكانين شديدي التناقض. إنها صورة تختزل إلى حد كبير، المشهد الذي بات عليه المآل في صفوف الجماعات التي كانت تتصارع من أجل ميكروفونات المساجد لفرض توجهاتها في ما بينها البين.

 

  قاتل أبوزرعة المحرمي اليافعي في بداية الحرب ضمن الجماعات السلفية في عدن تحت قيادة القائد الميداني العام هاشم السيد الجنيدي، ومن ثم انتقل الى محافظة لحج للقتال في قاعدة العند الجوية، وبعد ذلك تم تعيينه قائداً لجبهة الساحل الغربي ويطالب بـ"استعادة شرعية الدولة اليمنية ونصرة الحق و ردع الانقلاب".

 

  وقاتل هاني بن بريك في بداية الحرب ضمن الجماعات السلفية في عدن تحت قيادة القائد الميداني العام هاشم السيد الجنيدي معترفاً بأنه يمني، وأشرف على ألوية الحزام الأمني الناشئة ومن ثم تم تعيينه وزيراً للدولة وجر معه عدداً من الموالين له إلى صفه الموالي للإمارات المعادي لحزب الإصلاح، وتمكينهم من المساجد في عدن.

  تالياً وبعد إقالته من منصبه أصبح هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وصار شعار الدولة الماركسية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية شعاراً للسلفي الذي لم يعد يعترف بيمنيته وبدأ يظهر بصورة جديدة: خفف من لحيته الكثيفة وبات يلبس البدلات الرسمية مع ربطات عنق، وأحياناً لباس عسكري إماراتي، وينادي من أبوظبي بـ"التحرير والاستقلال وتأسيس جمهورية الجنوب العربي الفيدرالية وإلا فسبيل الجبهات".

 

  يقول الصحفي عبدالفتاح الحكيمي لوكالة "ديبريفر" للأنباء: "مشكلة المشهد السياسي الجنوبي هو طغيان جماعات المشاريع المتطرفة، أكانوا سلفيين أو اصلاحيين أو حركات ثورية راديكالية انقلابية تسعى إلى تحقيق أهدافها ومشاريعها بالعنف المسلح".

 

  ويضيف: "بسبب التطرف الديني والعلماني داخل التيارات الجنوبية سوف نشهد أسوأ مظاهر الصراع المسلح على السلطة".

 

  يقاتل العديد من السلفيين الآن في الجبهات ويمارس بعضهم السياسة، ويترقبون معاً ما سوف يواجهونه في المستقبل الذي يبدو غير واضح لهم ولغيرهم إثر ما باتوا عليه وقد صاروا جزءاً من الجيش الوطني في اليمن.

 

  لكن بالنسبة إلى الناشط السياسي شهاب الحامد الذي ينادي بالجنوب العربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي غير معترف بيمنيته، فإن "تمدد السلفية الوهابية في الجنوب على حساب المدرسة الشافعية الوسطية المعتدلة هو الأشد خطراً من خوضهم السياسة، وهو ما تم بشكل متسارع وممنهج بعد حرب 1994م".

 

  ويضيف لوكالة "ديبريفر" للأنباء: "ما نراه اليوم هو نتيجة حتمية لذلك التمدد المسكوت عنه، ولهذا أجد في تعاطيهم السياسة كحق كفله الدستور للجميع فرصة لمعرفة مدى قبولهم بمتطلبات السياسة وفقاً وخيارات الشعب وانفاذاً لإرادته".

 

 


Create Account



Log In Your Account