الجمعة 13 يوليو ,2018 الساعة: 06:29 مساءً
صحف
ورقة عمل لـلدكتور محمد أحمد المخلافي - باحث أول،أستاذ في مركز الدراسات والبحوث اليمني - وزير سابق للشئون القانونية- ونائب أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني، قدمها الى ندوة في القاهرة عن الشأن اليمني.
يواجه اليمن اليوم خطرا حقيقيا علي وحدته الترابية وسيادته وسلامة أراضيه بفعل عوامل تفكيك الدولة والهوية الوطنية; فما الذي أدي إلي ظهور عوامل تفكيك الدولة والهوية؟
يعد مسعي احتكار السلطة والثروة وتوريث الحكم, وغياب المواطنة المتساوية, السبب الرئيسي في حدوث انقسامات حادة سياسية واجتماعية, دفعت بالسلطة وبقواها إلي خوض حربين شاملتين عامي1994 و2015, والأخيرة لا تزال مستمرة.
هذا إلي جانب حروب صعدة. وهي حروب أدت بدورها إلي تعميق الانقسام والتشظي علي الأصعدة السياسية والاجتماعية والمناطقية, وظهرت قوتان تدعوان إلي التفكيك: الجماعة الحوثية في شمال الشمال تتكئ وتستند إلي المشروع الإيراني لتفكيك مشروع الدولة في الوطن العربي, ودعاة دولة الجنوب العربي الساعي إلي تفكيك الدولة شمال وجنوب واصطناع هوية جديدة, هي الجنوب العربي, وهي هوية لم تدم أكثر من عام في عهد الاستعمار البريطاني ولم تضم كل أراضي جنوب اليمن, وتجد هذه الدعوات دعما مباشرا وغير مباشر من دول في الإقليم طامحة للسيطرة علي شواطئ اليمن الطويلة وجزرها الفريدة.
هذه المحاولة وتلك لتفكيك الدولة واصطناع هويات جديدة, قوامها عنصر جغرافي أو ديني ستقود حتما إلي تفكيك الشمال إلي دويلات صغيرة, والجنوب إلي سلطنات ومشيخات لاستعادة الماضي القريب, وتسهل علي دول الجوار الصغيرة السيطرة عليها.
ولأن الهويات التي يجري اصطناعها غير قادرة علي الصمود, فإن أصحاب الدعوات يبحثون عن هويات لدول في الإقليم للاحتماء بها والسكون تحت ظلها. وحيث إن الهوية الثقافية, هي جامعة لعناصر الهوية القومية والدينية والوطنية, نجد جماعة الحوثي التي لا تستطيع هويتها المصطنعة الصمود أمام الهوية اليمنية, تسعي إلي اصطناع هوية أيديولوجية باللجوء إلي طقوس ورموز ومناسبات دينية غير يمنية تستجلب من إيران والعراق وجنوب لبنان, وهي بالتالي تدعو عمليا إلي حرب طائفية, يشارك فيها الطائفيون من هذه الدول, وتلتقي مع طموحات إيران وأجنحتها العسكرية للسيطرة علي المنطقة.
وهذا يظهر عدم إمكانية اصطناع هوية وطنية مستقلة دون التفريط بسيادة اليمن واستقلالها في حاضرها ومستقبلها, لأن هذا يقود حتما إلي البحث عن هوية أجنبية للاحتماء بها. وخيرا لليمن ولليمنيين بمختلف اتجاهاتهم العودة إلي المسار السياسي وبناء الدولة الاتحادية المدنية الحديثة التي رسمت معالمها بوضوح وثيقة الحوار الوطني الشامل; وأهم تلك المعالم والمقومات, هي: المواطنة المتساوية والديمقراطية وحقوق الإنسان, والسيادة الوطنية وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية, هذه هي المقومات والقيم التي يمكن لكل اليمنيين العيش في ظلها وأن توفر لهم الأمان والعيش المشترك للجميع, وعلينا جميعا,كقوي داعمة للشرعية واستعادة الدولة في اليمن وبجانبنا دول التحالف العربي المدافعة عن العروبة تجاه الأطماع الأجنبية سواء أتت من إيران أو تركيا, تقع مسئولية الدفاع عن الهوية اليمنية والتصدي لمشروعات التفكيك بكل الوسائل والأشكال, بما في ذلك, الأشكال السياسية والثقافية.
لكننا كيمنيين, مع الأسف, لا نجد اليوم أشكالا سياسية وثقافية مبلورة ومحددة في هذه اللحظة الفارقة لمواجهة عملية تفكيك الدولة والهوية, الأمر الذي يستوجب من المثقفين اليمنيين والعرب العمل علي إيجاد أشكال سياسية وثقافية قادرة علي مواجهة تحدي عوامل التفكيك, من خلال البحث في النسق الحضاري الموحد, الذي صنع الحضارة اليمنية القديمة وقيمه المادية المشتركة بين اليمنيين, والتي كانت من صنع الإنسان اليمني, والبحث في نسق العادات والتقاليد والتراث التي تشكل العنصر الوطني للهوية اليمنية المشتركة
إلي جانب اللغة والدين, لاستعادة روح المواطنة اليمنية التي يخترقها اليوم التدخل الأجنبي الإيراني وأذرعه العسكرية في العالم العربي وسيطرته ماديا وروحيا علي أجزاء عزيزة من الوطن اليمني, وذلك بإشاعة روح التسامح والقبول بالتعدد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي, ونشر قيم العدل والمواطنة المتساوية, والعمل علي إقناع أطراف الصراع بأن القبول بالمواطنة المتساوية, والتمسك بالهوية المشتركة, وإعادة بناء الدولة واستمرارها, وتحقيق التغيير والاندماج الاجتماعي; هي من تحقق الأمن للجميع, ولا مستقبل لطرف من الأطراف بالاحتماء بالأجنبي أو الحرب أو الصراع.
هذه هي إحدي المهام القومية والوطنية الرئيسية لكل مسئول ومثقف فردي أو جماعي لمقاومة التفكيك.
إذن ما يهدد بتفكيك اليمن دولة وترابا وهوية ليس مشروعات التفكيك الخارجية فحسب, بل والقوي الداخلية الخشنة التي لا تستند إلي فكر ولا عقل مدبر, وهي العامل الأخطر ولكنها ليست الأقوي, ولا تمثل النواة الصلبة للمجتمع, إذ إن فعل القوة مداه ونطاقه محدودان في المكان والزمان, والنواة الصلبة للمجتمع اليمني التي بمقدورها الدفاع عن الكيان والهوية, هي النخبة التي تمتلك مصادر قوة متعددة من سياسة وعلوم وأفكار وفنون, وبالتالي هي الجديرة بالدفاع عن اليمن دولة وترابا وهوية بالمقاومة السياسية والثقافية لمشروعات تفكيك الدولة والهوية في اليمن وقواه الداخلية والخارجية, وهذه مهمة تاريخية تتطلب استخدام أشكال ثقافية متعددة, وإنتاج ثقافة جديدة عابرة للمذاهب والمناطق, تخلق قيما حرة, هي قيم الديمقراطية والتسامح ينهض بها المثقف الفردي والجماعي اليوم وليس غدا.
كما تمثل مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل المنعقد في الفترة2013 ـ2014, الإطار السياسي والقانوني الجامع لحماية الهوية والدولة اليمنية من التفكيك من خلال المبادئ والأسس الدستورية المجسدة في مسودة الدستور التي أوقف مناقشتها انقلاب المليشيات الحوثية في21 يناير2014, وهو التاريخ الذي كان مقررا فيه طرح المسودة علي الهيئة الوطنية للرقابة علي تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل, لدراستها ومواءمتها مع الأسس والمبادئ الدستورية الصادرة عن مؤتمر الحوار الوطني. والمهمة اليمنية والعربية اليوم, هي إنهاء الحرب لتحقيق السلام والعودة إلي العملية السياسية واستكمال إنجاز مهام الفترة الانتقالية, أولها مناقشة مسودة الدستور والاستفتاء عليه, وهذه هي المهمة العملية لمنع المشروع الإيراني ومعه أذرعه العسكرية في العالم العربي لمنع تفكيك اليمن: هوية ودولة.
فقد حددت المبادئ الدستورية في المسودة عناصر الهوية الوطنية ومقوماتها ومقومات كل عنصر في المواد1 ـ7 من المسودة, وهي مبادئ مستقلة ومتشابكة في آن واحد. ووفقا للمادة1 من المسودة, عناصر الهوية الوطنية هي العروبة والإسلام, ويعبر عن هذا الانتماء في المادة2 من المسودة. ومقومات الهوية الوطنية هي الشراكة والمصير المشترك في دولة اتحادية مدنية ديمقراطية قوامها الإرادة الشعبية والمواطنة المتساوية وسيادة القانون.
ورغم أن مسودة الدستور ركزت علي الهوية الوطنية أو الهوية المشتركة أو الجامعة, فإنها لم تغفل حماية التعدد والتنوع بإلزام الدولة بالاهتمام بثقافات المناطق المهمشة, والقبول الدستوري بالاختلاف والاهتمام باللغتين المهرية والسقطرية في المادة3, والنص مباشرة في المادة55 علي تعزيز الهوية الوطنية الجامعة والتنوع الثقافي والفكري.
أكدت مبادئ المسودة إذا علي الهوية الوطنية الجامعة المتمثلة في الانتماء إلي اليمن والعروبة وإلي الديانة الإسلامية وإلي القيم الإنسانية. وهي هوية تقوم علي العيش المشترك في دولة اتحادية عمادها الدولة المدنية والديمقراطية, وقوامها المواطنة المتساوية والإرادة الشعبية وسيادة القانون.
وبالقراءة الشاملة للمواد1 و2 و3 مع المادة55, يمكن اعتبار الهوية الجامعة هي الانتماء لجمهورية اليمن الاتحادي والديمقراطي وللعروبة والإسلام. والمشترك هو الانتماء إلي اليمن واللغة العربية والإسلام والمصير المشترك, مع احترام التعدد الثقافي واللغوي: اللغة المهرية والسقطرية ووجوب الاهتمام بهما في ظل التركيز علي الهوية المشتركة أو الجامعة, القابلة للتطوير والتغيير بفعل التأثير والتأثر.
نخلص, إلي أن اليمنيين والتحالف العربي تقع علي عاتقهم مهمة الدفاع عن الهوية اليمنية وإعادة الشرعية واستعادة الدولة وسيادتها وسلامة أراضيها, ومواجهة مشروع إيران التفكيكي, وتجنب كل ما يناقض هذا الهدف النبيل من خلال وضع إستراتيجية مشتركة ترسم هذه المواجهة بوضوح, وتعيد شراكة القوي السياسية في الميادين كافة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن صحيفة الاهرام المسائي المصرية