يَاْ عاشورْ خلّي السنة تدورْ.. يا عاشور بالمَي والبَخور
الخميس 27 يوليو ,2023 الساعة: 05:46 مساءً

      
      أدْرَكْتُ ذِكرى عاشوراءَ في عدن (كريتر) وهي تقامُ في جوّ من الضغطِ والخوفِ المخيمانِ على أهالي الطائفة الشيعية :الخوجة والبهرة..
والمتطفلون أمثالي معدودين بل مُراقَبين،... وغرباءُ بمعنى الكلمة وكأننا في عالم آخر ومع هذا كُنّا نعاملُ باحترام ... أو لنقل كأننا غير موجودين، ... أحدهم همس في أذني " انت جاسوس لعلي عبدالله صالح "....( بينَ الهزلِ والجدّ)... " أنتم ضيوف الحسين" قالها الشيعي المهذب.

" ..ناحَ الحَمامْ يا ناسْ على الذي بلا راسْ " 
           يَهتِفونَ في حلقةٍ شبه دائريّة ومتحركةٌ؛ لا يدخلُ فيها إلا أشدَّاءُ الرجالِ والشباب المتحمّس، الباقون خارجَ الدائرة يلطمون مثلهم الصدور في أماكنهم، تتسعُ الدائرةُ المتحركةُ شيئاً فشيئا... هل أدخل معهم؟! ... 

   .... كَانَ هذا المشهد في عدنَ التي سمّاها الانجليز (كريتر) ولم أتجاوز العشرة أعوام عندما شاهدتهم أول مرة... بصحبة والدي رحمه الله ....تصالحَ الناسُ على تسميتها (عدن) من الأزل؛ لكنّها لم تعد كذلك مذ أن تحوّلت من المركز إلى الهامش، وعربد فيها بنو حمَّالةِ الحطبِ.
   واااا عدنااااه! .. وااااحرعدناااه

     (الخُوْجَة) لفظةٌ تعني السيد أو المالك يُعتقدُ أنّها مشتقةٌ مِنَ الفارسيَة، وهم في الأصل طائفةٌ من الشيعةِ الإسماعيلية ازدهرت في الهند، وبات من الطبيعي أن ينتقل بعضهم إلى عدن بتجارتهم إبَّان ازدهار عدن؛ ليتمّ تعميم مسمّى (الخوجة) بعدها على كلّ الطوائف الشيعية في عدن من باب (التغليب) في أوّل الأمر، كما سمَّوا كلّ قادمٍ من غرب افريقيا بـــ(الجبرتي) بعدها تمايزت الطائفة الإسماعيلية باسم (البُهرة) وبملابسهم، وكانوا بالفعل مميزين؛ ليبقى اسم (الخوجة) وهم الأغلبية وصفاً لمعتنِقي المذهب الجعفري الاثنا عشري في عدن، وكلّهم (عدانية) من أصول هندية، ويسمّى مسجدهم شعبيًا باسم مسجد (الخُوجة) وموقعه حي القطيع، ومسمّاه الرسمي مسجد (الحسين)...! ... 
                                                يا أبا الفضلِ العبـــــــــــاس! 

    الدائرةُ تتّسِعُ ..هم يدركون أنني مختلفٌ ... الشعورُ بالاختلاف إدراك متبادل .. ملابسك السوداء لا تخفي اختلافك... أو تصنّع الشعور بالأسى .. مقام الدهشة والانبهار والاختلاف يكفي عندي ... " يا الله كم هم مختلفون" .. لماذا هم مختلفون"؟! أم أنّي الوحيد المختلف... أناشيد الأوردو الهنديّة تُشعرني أكثر بالغرابة!
 
    الهتافُ يشتدّ: ( مظلوم حُسيناه.. محروم حسيناه ... شهيد كربلاء الغالي ... مظلوم حُسيناه ) 
         يا حُسيـــــــــــــــــــــــــن! يا حُسيــــــــــــــــــــــــــــــــ!
همُ الغرباءُ أم أنا الغريب ... نظرةٌ فاحصةٌ في المكان .. كفيلة بالإجابة ... أنت يا مجيب ...الغريب! هكذا همست بي جدران (الحسين)!

          المسجدُ ذو القباب المميّزة صغيرٌ جدًا من الداخل؛ فلا تزيد مساحته عن حجم الغرفة المتوسطة إلا قليلاً .... أماكن الوضوء كانت عتيقة و متصلة بفناء المسجد الصغير ... يا الله صلاتهم مختلفة غريبة ... يسجدون على قطع دائرية من الطين اليابس.... وعندي (شجَنٌ) قديمٌ بـــالآخر!
 
        ثمّة درجٌ عريضٌ للنزولِ من داخل المسجد إلى باحة الحسينية المتاخِمة وهي تتسعُ للمئات، فطقوس العزاء الحسينية تحتاج إلى مثل هذا الاتساع. ... فالطقس مقدّمٌ على العبادات ومفضّل.  

    في الحُسينيَة ... لوحاتٌ عجيبة معلَّقةً ورسومات ... آياتٌ قُرآنية أبرزها {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} .. رايات سوداء... الكفُ الخماسيّة... أهلُ الكساءِ... أسماءُ الأئمةِ الاثني عشر، المقدَّسون أبدا! 
ورسمة بديعة لخيل يكادُ ينطقُ ... بالدم مسفوح ... وعبارة ( يالثاراتِ الحُسين .......ألا مِنْ ناصرٍ يَنْصرُنا!... في الداخل تمرّ بك المواكبُ؛ بوجوه مختلفة... والاختلاف وجود.

      التشيُّعُ في عدنَ له طفولته لعلَه أقدم من عهدِ الدولة الزُّريعيّة التي كانت عدن (1083-1174) قصبَتُها، وعندما اتصل بحكّامها الشاعر المغامرُ والعالمُ المؤرخُ عمارة الزبيدي اليمني .... انتهى بِهِ الأمر مصلوباً في قاهرة المُعزّ على يد (صلاح الدين الأيوبي) يوم العيد بتهمة التشيُّع للفاطميين؛ والتآمر لإعادتهم مع الصليبيين...؛ فهو ربيبُهم ومولى صنيعهم، كما زعموا- على إنكاره.
   أما بعض رواسب التشيُّع في عدن فآثارها باقية؛ منها تلك العادة الغريبة -إلى عهد قريب- بتسمية القِطَّةِ الأليفةِ البيضاء (مريم) والسوداء أو المُرَقَّطَة (عيشة)، وفي صياح الصبيان:
ياعاشور خلي السَّنَة تدور ... بالمَيْ والبخور

     تنشرُ صحيفة (الأيام) رسالة في تاريخ 22 فبراير 2007 بعنوان جمعية الشيعة الاثني عشرية بعدن: نبرِّئُ ذمَّتنا من الفتنة التي أشعلها الحوثي ... ويصفونهم بالدُّخلاء على مذهب التشيُّع... ولا حتى نعرفهم... 
وجملة (... ولا حتى نعرفهم...) الواردة بالبيان إسقاط له دلالاته السياقية عن العلاقة الجدَليّة التي ربطت الحوثيين بالشيعة الاثني عشرية بعدن وفق شائعات مسرَّبة تحولت إلى تقارير استخباراتية؛ ليتم قصف المسجد بقِبَابِه الأثرية مباشرة من طائرات التحالف العربي بعدها بثمانِ سنين عندما اتخذه الحوثيون مقراً لهم واجتياحهم لعدن في 2015
   
     في عمل فرح به أهل السُّنَّة السلفيون وشفى صدورهم؛ من كان لهم دورٌ بارزٌ في الدفاع عن عدن والتصدّي للحوثيين وتحريرها ... لكنّه أغضب المُنَادين بحقوق الإنسان، ووصفوه بأنّه اعتداء صارخ على تاريخ المدينة وآثارها، والتعدُّد المذهبي فيها بتحويل الحسينية إلى مسجد (شهداء السُّنَّة).  
   
  أبد والله يا زهراء ما ننسى حُسيناه ... تشتدُّ الأصواتُ في رأسي وأحاديث الذكريات!

    فما أبرز طقوس الشيعة الخُوجة في عاشوراء: أوصافها تقاليدها، مواكبها...الملابس الأطعمة والمشروبات المقدمة (العدس+ اللحم المفروم = الدال ... الزُّرْبيان الأصلي.. (أناشيد فريدة بالأوردو)... وما هي التهاويل التي عنَاها والدي رحمة الله عليه ... سنناقش هذا في المقال القادم ... بس... بس
 بسألك يا عاشور عن حال البلد ... وكيف الناس والبلدة 
بسألك يا عاشور!.... يا عاشور خَلِّي السّنَة تدور!



Create Account



Log In Your Account