دراسة حديثة تبحث في تأثير التغيرات المناخية على البلاد.. ما دور أنظمة الإنذار المبكر في مواجهة الظروف المناخية القاسية في اليمن؟
الأحد 27 أُغسطس ,2023 الساعة: 08:57 مساءً
مركز صنعاء

تنعكس آثار تغيّر المناخ في اليمن بشكل واضح مع تنامي الظواهر الجوية المتطرفة في جميع أنحاء البلاد. على مدى السنوات الثماني الماضية، شهدت المهرة -المحافظة الواقعة أقصى شرقي اليمن -تزايد الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغيّر المناخ، بما في ذلك الأعاصير المدارية والسيول المفاجئة التي حصدت الأرواح وتسببت في فقدان سبل كسب عيش كثير من السكان.

يستند هذا الموجز السياساتي إلى استطلاع رأي شمل 183 مشاركًا ومشاركة، إضافة إلى مقابلات ثنائية وحلقات نقاش بؤرية مع خبراء ومسؤولين ومع أبناء المجتمع المحلي، ويبحث في تأثير الظواهر الجوية المتطرفة على المجتمع المحلي في المهرة وانعكاساتها على الحياة اليومية والمساكن والنشاط الاقتصادي، بما في ذلك التأثير على القطاعين الزراعي والسمكي. أظهرت الدارسة افتقار محافظة المهرة حاليًا إلى بنية تحتية متينة قادرة على الصمود ضد الكوارث الطبيعية، مما يعرض حياة فئات المجتمع خصوصًا الضعيفة منها للخطر ويهدد بفقدانها مصادر كسب عيشها بشكل متزايد في ظل تواتر حالات الطقس المتطرفة وتعذر القدرة على التنبؤ بها.

تُساعد نظم الإنذار المبكر على مواجهة أحوال الطقس المتطرفة من خلال جمع المعلومات وتعزيز القدرة على التنبؤ بنمط الطقس، مما يتيح فرصة تحذير المواطنين استباقيًا، وتسليط الضوء على مخاطر مثل هذه الظواهر، ومساعدة السلطات في التخطيط والاستجابة لها.

سعى محافظ المهرة عام 2022 إلى إنشاء نظام إنذار مبكر في المحافظة، لكن للأسف بقي النظام محدودًا جدًا وبدون تفعيل. ومن هذا المنطلق، يقدم هذا الموجز السياساتي توصيات عملية للتخفيف من آثار الظواهر الجوية المتطرفة في اليمن، بما في ذلك تفعيل نظام الإنذار المبكر في المهرة، وتعزيز قدرة المجتمعات المحلية على الصمود في مواجهة الكوارث الطبيعية.

مقدمة

“البلدان التي تضع أطرًا تشريعية ومؤسسية للحد من مخاطر الكوارث والقادرة على تطوير وتتبع التقدم من خلال مؤشرات محددة وقابلة للقياس، لديها قدرة أكبر على إدارة المخاطر وتحقيق إجماع واسع النطاق وإشراك وامتثال جميع قطاعات المجتمع لتدابير الحد من مخاطر الكوارث.”

شهد اليمن خلال العقدين الماضيين تنامي الكوارث الطبيعية المرتبطة بالظواهر الجوية المتطرفة. كما تسبب النمو السكاني السريع، والتوسع الحضري العشوائي، والافتقار للقوانين البيئية إلى جانب تمركز الفئات السكانية الضعيفة في مناطق أكثر عرضة لمخاطر تغيّرات الطقس، بزيادة فرص وقوع النكبات الناجمة عن الكوارث الطبيعية، التي تفاقمت آثارها مع استمرار حرب اليمن منذ ما يقرب عقد من الزمن وما نتج عنها من أزمة إنسانية.

تُعد المهرة أحد أكثر محافظات اليمن تضررًا من الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغيّر المناخ، حيث تطل المحافظة على كلٍ من بحر العرب والمحيط الهندي مما يجعلها عرضة للظواهر الجوية المتطرفة. شهدت المحافظة عددًا من الكوارث الطبيعية خلال السنوات الأخيرة منها الأعاصير المدارية “تشابالا” و”ميغ” عام 2015 و”ساجار” و”مكونو” و”لبان” عام 2018. هذه الظواهر المناخية المتطرفة تسببت في فقدان الأرواح وسبل كسب العيش لكثير من السكان المحليين.

يستكشف هذا الموجز السياساتي التحديات البيئية خلال السنوات الأخيرة، ويتعمّق في استجابة المجتمعات المحلية والتدابير الحكومية والمؤسسية المعمول بها لمواجهة الظواهر الجوية المتطرفة، كما يوضح أولويات المجتمع المحلي لتفعيل نظام الإنذار المبكر. ويختتم الموجز بمجموعة من التوصيات للجهات الرسمية والمنظمات ذات الصلة حول كيفية تفعيل نظام الإنذار المبكر في المهرة.

منهجية البحث

النطاق الجغرافي للدراسة
تقع محافظة المهرة في أقصى شرق اليمن (الشكل 1)، وتحدّها عُمان من الشرق والسعودية من الشمال ومحافظة حضرموت من الغرب وبحر العرب من الجنوب. تبلغ مساحتها 67,300 كيلومتر مربع مما يجعلها ثاني أكبر محافظة على مستوى اليمن من حيث المساحة وبشريط ساحلي يمتد على طول 560 كيلومترًا، هو الأطول بين المحافظات اليمنية. تضم المهرة تسع مديريات، وتقع المراكز الحضرية الرئيسية في المناطق القريبة من الساحل، بما في ذلك عاصمة المحافظة “الغيضة”.  تتميز المهرة بسهول ساحلية في الجنوب، وتضاريس جبلية تتخللها سيول موسمية في الوسط، وصحراء الربع الخالي في الشمال. مناخ محافظة المهرة بشكل عام حار وجاف ويتميز بنسبة هطول أمطار منخفضة ورياح موسمية مع متوسط درجات حرارة حول 30 درجة مئوية على مدار العام. يُقدر عدد سكان المهرة -بمن فيهم النازحون داخليًا -بنحو 650 ألف نسمة، [5] يقطن معظمهم في الغيضة والمدن الساحلية على طول بحر العرب.

يعتمد اقتصاد المهرة بشكل كبير على الزراعة وصيد الأسماك وتربية الماشية والتبادل التجاري مع سلطنة عُمان المجاورة. تهيمن تربية النحل وصيد الأسماك وزراعة الكفاف على الأنشطة الاقتصادية؛ فتربية الماعز والأغنام والماشية والجِمَال هي مصدر رزق أساسي للبدو والمجتمعات الأخرى التي تعيش في المناطق الداخلية والبعيدة عن المناطق الساحلية، إلا أن مصادر كسب العيش هذه باتت مهددة على نحو متزايد، كما أن الأراضي الصالحة للزراعة وشُح الموارد المائية، التي تحد من الأنشطة الزراعية، باتت محدودة، علمًا أن بعض الحبوب والفواكه والخضروات تُزرع محليًا. تساهم الإيرادات الجمركية المحصّلة في المعابر الحدودية مع عُمان أيضًا في رفد اقتصاد المحافظة.

شهد النشاط الاقتصادي في المهرة تحوّلات مع اندلاع الحرب في اليمن والأزمات السياسية التي أعقبتها، حيث دفع النزاع العديد من العمال إلى مغادرة المهرة تزامنًا مع تبني عُمان سياسات أكثر مرونة للتنقل عبر حدودها الأمر الذي سمح للمَهريين بممارسة التجارة ونقل البضائع عبر الحدود. حرصت مسقط في نفس الوقت على تقديم مساعدات تنموية وإغاثية لسكان المهرة بهدف ضمان أمن حدودها. كما أتاح ذلك للسلطات المحلية في المهرة فرصة ضمان استئناف استيراد وبيع المشتقات النفطية، وتوليد إيرادات للسلطة المحلية عن طريق تحصيل الضرائب. بشكل عام، اعتمدت المهرة على موقعها الاستراتيجي وعلاقاتها الوثيقة مع عُمان للحفاظ على النشاط الاقتصادي طوال فترة الحرب.

آلية جمع البيانات

يعتمد هذا الموجز السياساتي على استطلاع أُجري عبر الإنترنت مع 183 شخصًا من محافظة المهرة، إلى جانب الاستعانة بمراجعة مكتبية لبعض الدراسات ذات الصلة ومقابلات فردية وحلقتي نقاش بؤريتين مع مختصين ومسؤولين من المجتمع المحلي أُجريت قبل وبعد إجراء المسح وجمع البيانات الميدانية.

اعتمدت عملية المسح، التي أُجريت خلال أبريل/ نيسان ومايو/ أيار 2023، على عينة الاستجابة الطوعية، وتصنيفات مقياس ليكرت، وأسئلة استقصائية، وأسئلة متعددة الخيارات، وأسئلة مفتوحة وأخرى مغلقة. سُئل المشاركين في المسح عن تجاربهم وتجارب مجتمعاتهم والسلطة المحلية في مواجهة الظواهر المناخية المتطرفة. كما تناولت الأسئلة الاحتياجات القائمة ومستوى الجاهزية والتحديات المتوقعة عند تفعيل نظام الإنذار المبكر في المهرة.

إضافة إلى ذلك، أُجريت مقابلات ثنائية مع مختصين ومسؤولين ونشطاء في مجال مواجهة تغيّر المناخ ومع أبناء المجتمع المحلي. ولتحليل البيانات استُخدم كل من التحليل الكمي النوعي، بما في ذلك المقاييس المرجحة والوزن النسبي وتحليل الظواهر المناخية شديدة التأثير مقابل الظواهر المناخية الأقل تأثيرًا. أتاح هذا النهج الثلاثي لتحليل النتائج الكمية والنوعية والتفاصيل المرتبطة بالظروف المناخية الخروج بتحليلات دقيقة ساعدت على فهم نطاق وعُمق تأثير الظواهر الجوية المتطرفة على المجتمع المحلي في المهرة واحتياجاتها في مجال الإنذار المبكر.

الأزمة البيئية في اليمن
“اليمن هو مثال حيّ على المعادلة الكارثية: حيث النزاعات وانعدام الأمن الغذائي أمران متلازمان، ومتى ما تزامن تغيّر المناخ مع حالات الصراع، تلوح المجاعة في الأفق لا محالة”.

يقع اليمن في الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، وبالتالي يتأثر مناخه بعوامل عدة مثل منطقة الالتقاء المدارية، ومنطقة التقاء البحر الأحمر، والأعاصير العكسية، والرياح المحلية، فضلًا عن التضاريس الجغرافية المتنوعة التي لها تأثير متداخل ومُعقّد يخلق مناخًا شديد التقلب، بدءًا من الظروف المناخية الصحراوية الحارة إلى هطول الأمطار الموسمية. باتت هذه النُظُم الطبيعية معرضة الآن لخطر التقلبات على ضوء آثار تغيّر المناخ العالمي نتيجة أنشطة من صنع الإنسان. على مدى نصف القرن الماضي، ارتفعت درجات الحرارة في اليمن بمعدل 1.8 درجة مئوية (مع احتمال ارتفاعها إلى 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060)، [11] وتزامن هذا الارتفاع مع تنامي الظواهر الجوية المتطرفة كالأعاصير والأمطار الغزيرة والسيول. تهدد هذه العوامل (كارتفاع درجات الحرارة والجفاف والتغيّرات في أنماط هطول الأمطار والظواهر الجوية المتطرفة) التوازن المناخي في اليمن الأمر الذي يترك البلاد عرضة لخطر التأثر بتغيّرات المناخ.

يُصنف اليمن اليوم واحدًا من بين أكثر دول العالم عرضة لتأثيرات تغيّر المناخ وينعكس ذلك في مختلف أنحاء البلاد. ما زاد الأمر سوءًا هو استمرار الحرب المندلعة منذ ما يقرب عقد من الزمن؛ حيث قوّض الصراع قدرة البلاد على إدارة وحوكمة موارده الطبيعية وتحقيق الرفاه الاقتصادي وتعزيز جاهزيته للتصدي لآثار تغيّر المناخ، الأمر الذي عرّض صحة وسلامة السكان ومستقبل التعليم لمزيد من المخاطر ولا سيما النساء والفتيات الصغيرات. هذا غيض من فيض التحديات التي يواجهها يمنٌ غير مؤهل بما فيه الكفاية لمواجهة آثار تغيّر المناخ، في ظل استشراء الفقر وانعدام الأمن الغذائي (حيث يعيش 43 في المائة من سكانه في فقر مدقع و32 في المئة يتهددهم انعدام الأمن الغذائي).

السيول المفاجئة

تمثل السيول أكبر تهديد يواجه اليمن من بين الكوارث الطبيعية التي تجتاح البلاد سنويًا، حيث تهطل الأمطار على فترات متفرقة ولمدة قصيرة، لكن بكثافة عالية، مما يتسبب بسيول مفاجئة تحصد الأرواح وتخلف دمارًا في الأراضي الزراعية وغيرها من الممتلكات. اجتاحت البلاد سيول مدمرة عامي 1986 و1999، إلا أن السيول المدمرة التي اجتاحت عدد من مناطق اليمن عام 2008 تُعد أسوأ كارثة طبيعية تشهدها البلاد خلال عقد من الزمن. لقي 73 شخصًا مصرعهم نتيجة تلك السيول التي اجتاحت حضرموت والمهرة، وسُجّل 17 شخصًا في عداد المفقودين، بينما تشرّد 25 ألف شخص، وتضرر 6,500 منزل إما كليًا أو جزئيًا. فضلًا عن ذلك، دمرت السيول 22,902 فدان من الأراضي المزروعة في المحافظات المتضررة و51,455 فدانًا من الأراضي غير المزروعة، وتأثرت نُظُم الري والبنية التحتية الزراعية بشكل كبير، ونفق 58,500 رأس من الماشية (من الأغنام والماعز والجِمَال والأبقار). وتشير التقديرات إلى تأثر مصادر رزق أكثر من 50 في المائة من سكان المناطق المتضررة في حضرموت والمهرة، بينما بلغت التكلفة الاقتصادية للأضرار الناجمة عن تلك السيول عام 2008 نحو 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (1.638 مليار دولار أمريكي)، [20] الأمر الذي رفع نسبة الفقر في البلاد من 28 إلى 51 في المائة.

على صعيد آخر، تضرر أكثر من 300 ألف شخص عام 2020 وما لا يقل عن 240 ألف عام 2021 بسبب الأمطار الغزيرة والسيول المفاجئة، وخلّف ذلك دمارًا كبيرًا في البنية التحتية والمنازل والملاجئ والطرق والجسور ونُظُم الري. تكرر سيناريو الأمطار الغزيرة والفيضانات أيضًا في صيف عام 2022، حيث تضرر أكثر من 41 ألف شخص نتيجة السيول التي اجتاحت محافظات الضالع والحديدة وحضرموت وحجة وتعز. كما أدى تأثير السيول على أنظمة الصرف الصحي إلى انتشار الأمراض بما في ذلك الكوليرا وحمى الضنك والملاريا ومرض الخُنّاق (أو الدفتيريا).

تشير تنبؤات الأرصاد الجوية إلى زيادة معدل هطول الأمطار في اليمن مستقبلًا، مما قد يعني ارتفاع وتيرة حدوث السيول وشدّتها. يُتوقع أيضًا أن يؤثر التفاوت الكبير في نمط هطول الأمطار على الأمن الغذائي نتيجة تزايد شدة السيول وموجات الجفاف.

الأعاصير

شهد اليمن خلال السنوات الأخيرة تواتر الأعاصير، مع تأثر أكبر على مناطق جنوب اليمن. في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ضرب إعصارا “تشابالا” و”ميغ” اليمن بفارق أسبوع عن بعضهما، علمًا أن “تشابالا” يُعد أقوى إعصار يضرب شبه الجزيرة العربية على الإطلاق، حيث اقترن بأمطار غزيرة تسببت بسيول وانهيارات أرضية. ألحقت السيول الشديدة أضرارًا بالمنازل السكنية في أربع محافظات تحديدًا: حضرموت وشبوة وسقطرى والمهرة، حيث تعرضت المرافق الصحية في المدن الرئيسية للمهرة كسيحوت وقشن والغيضة ومديريتي حصوين والمسيلة لأضرار جسيمة. أودى الإعصار بحياة ثمانية أشخاص (من بينهم ثلاثة في سقطرى) وإصابة 100 آخرين، إلى جانب نزوح أكثر من 40 ألف من سكان المناطق الساحلية في وسط وشرق اليمن.

في عام 2018، ضربت ثلاثة أعاصير محافظة المهرة، وهي “ساجار” و”لبان” و”مكونو” حيث أغرق الأخير قوارب في الغيضة ومنطقة العبري، وألحق أضرارًا بالمنازل السكنية والمباني العامة، بما في ذلك مكتب منفذ صرفيت الحدودي و مدارس في حصوين وخولة، فضلًا عن تدمير أبراج الاتصالات والمعدات الزراعية. من جانب آخر، حصد إعصار “لبان” (انظر الشكل 2) أرواح ثمانية أشخاص، بينما أُصيب 33 آخرين، وسُجّل تسعة أشخاص في عداد المفقودين، فضلًا عن أضرار جسيمة بالممتلكات والأراضي الزراعية والماشية ومعدات صيد الأسماك والبنية التحتية (كالطرق والجسور وخطوط نقل الكهرباء إلى المناطق الساحلية). كما اضطرت أكثر من 3 آلاف أسرة للنزوح من المسيلة وحصوين وسيحوت وقشن والغيضة. وفق ما ورد في تقرير أوّلي قدمته لجنة وزارية لتقييم آثار الأضرار الناجمة عن الإعصار، قُدّرت حجم الخسائر والأضرار بنحو 700 مليون دولار أمريكي. وبالتالي، تُعد الأعاصير تهديدًا مستمرًا للشرائح الضعيفة من سكان اليمن، كحرمانهم من مصادر كسب عيشهم، وإلحاق الضرر بمنازلهم وممتلكاتهم، وتعطيل الخدمات الأساسية، مما قد يفاقم الأزمة الإنسانية الحادة التي ولّدتها الحرب.

نداء عالمي لتفعيل نُظُم الإنذار المبكر

من المعروف أن تواتر الظروف المناخية المتطرفة وغير المتوقعة هي أحد تبعات تغيّر المناخ، وبالتالي تساعد أنظمة الإنذار المبكر المجتمعات على مواجهة هذه الآثار عبر تحسين جاهزية السكان ووعيهم بالمخاطر القادمة، وجمع البيانات عن أحوال الطقس والتنبؤ بها، ودعم السلطات في تخطيط استجابتها للظواهر المناخية. تعتمد نُظُم الإنذار المبكر الفعالة على تكنولوجيات رصد الأحوال الجوية والتنبؤ بها وأسس حماية الأفراد والمرافق، والاستعانة بالأقمار الصناعية ومحطات الأرصاد الجوية. تستخدم هذه الأنظمة نُهُج مختلفة قابلة للتكيّف وتراعي الظروف المحلية، بما في ذلك البنية التحتية القائمة.

تشمل قنوات التواصل أجهزة إنذار متنقلة، والبث المباشر للتحذيرات، واستخدام مكبرات الصوت أو الميكروفونات في المساجد، فضلًا عن قنوات اتصال بديلة أخرى تُستخدم في المناطق التي لا تتوفر فيها البنية التحتية للاتصالات أو في المناطق التي تستخدم التكنولوجيا على نطاق محدود. أتاح التطور المشهود حاليًا في تكنولوجيات التنبؤ بالأحوال الجوية إجراء تنبؤات دقيقة لأحوال الطقس وتأثيرها المحتمل، مثلًا بات بإمكان المناطق المعرّضة للخطر تركيب أنظمة تصريف للمياه وبناء حواجز مائية لمنع تدفق السيول وحماية المناطق الساحلية إلى جانب تعبيد طرق لإخلاء السكان والحدّ من الخسائر في الأرواح والأضرار التي تلحق بالممتلكات. الأهم من ذلك أن أنظمة الإنذار المبكر تبني قدرة المجتمعات المحلية على الصمود في مواجهة الكوارث والظواهر الجوية المتطرفة، والحد من الأضرار عبر تسليح السكان بالمعلومات والمعرفة، وتزويد السلطات بالوسائل اللازمة للاستعداد وتعبئة الجهود في مواجهة المخاطر.

تشير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر ودعم البنية التحتية لها تعود بمنافع كبيرة، وتُقدر المنظمة الحاجة إلى استثمار نحو 1.5 مليار دولار أمريكي على مدى السنوات الخمس المقبلة لتحسين جودة هذه الأنظمة والبنى التحتية المرتبطة بها، لا سيما في الدول النامية. تتفق الأمم المتحدة مع ذلك، حيث نوّهت إلى أن تكلفة تعزيز نُظُم الإنذار المبكر لا تتجاوز 50 سنتًا سنويًا من نصيب الفرد، وأن حصيلة الوفيات في البلدان التي لا تطبق أنظمة الإنذار المبكر تصل ثمانية أضعاف حصيلة الوفيات في نظيرتها التي فعّلت تلك النُظُم، وهو فرق شاسع. في البلدان النامية ذات القدرات المحدودة على إنشاء وتفعيل نظم الإنذار المبكر، كاليمن، بلغ معدل الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية أرقامًا هائلة مقارنة بالبلدان الأكثر تقدمًا. ووفقًا للجنة العالمية المعنيّة بالتكيّف، قد يكلف تحديث تكنولوجيات رصد الأحوال الجوية والتنبؤ بها وتعميم نُظُم الإنذار في البلدان النامية المعرّضة لتأثير تغيّر المناخ حوالي 800 مليون يورو سنويًا، لكن قد يساعد على تجنب خسائر بين 3 و16 مليار يورو. من هذا المنطلق، فمواصلة إحراز التقدم في إنشاء وتفعيل نُظُم الإنذار المبكر يعني مواجهة التحديات البيئية المتزايدة والحدّ من الخسائر في الأرواح والأضرار التي تلحق بالممتلكات. في المهرة تحديدًا، قد تُعزز أنظمة الإنذار المبكر من القدرة على التنبؤ بالكوارث وتفاديها وتحقيق الأمن وتكييف المجتمعات المحلية مع المناخ غير المتوازن، ولا تُمثل تكلفة انشاء وتشغيل نظام الإنذار المبكر سوى جزء بسيط من التكلفة التي قد تتكبدها السلطات للتعافي من آثار الكوارث أو الاستجابة لها.

النقاشات والاستنتاجات

تأثير الظواهر الجوية المتطرفة على حياة أبناء المهرة
واجَه سكان المهرة تحديات بيئية متزايدة أثّرت بشكل مباشر على حياتهم. خلال البحث تم استطلاع الرأي حول الظواهر الجوية المتطرفة التي شهدتها المحافظة على مدى السنوات الثماني الماضية، أشار 71.4 في المائة من المُستطلعة آراؤهم إلى أن هطول الأمطار الغزيرة والسيول يؤثر بشكل كبير على حياتهم، ونفس النسبة أشارت إلى الأعاصير (الشكل 3). كما ذكر نحو 45.1 في المئة من المُستطلعة آراؤهم ارتفاع درجات الحرارة، بينما أفاد 36.6 في المائة منهم بأنهم تعرضوا لرياح قوية و23.4 في المائة بأنهم شهدوا عواصف رملية وترابية، وهو ما يثبت ما جاء في دراسات تُشير إلى أن المنطقة معرّضة للتصحر وتدهور التربة.

بشكل عام، وصف المشاركون في المسح التأثير المباشر للظروف الجوية المتطرفة على حياتهم بالـ “معتدل”، مقابل 33 في المائة و25 في المائة ممن رأوا أن لذلك تأثيرًا كبيرًا وكبيرًا جدًا على منازلهم وممتلكاتهم على التوالي (الشكل 4). كما أشار المشاركون إلى أن العديد من المنازل، وخاصة في الوديان، بما في ذلك وادي المسيلة، ووادي الجزع في الغيضة، ووادي غبوري في قشن، تضررت كليًا أو جزئيًا بسبب الظروف المناخية المتطرفة.

تعتمد المجتمعات المحلية في المهرة بشكل كبير على الزراعة وصيد الأسماك، وهما قطاعان متأثران بالظروف المناخية المتطرفة، مع تأثر الأراضي الزراعية بصورة كبيرة للغاية وفق ما أشار إليه نحو 56 في المائة من المشاركين في المسح. على هذا الأساس، سيترتب على الأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية -خاصة بالنسبة للمجتمعات المحلية المعتمدة على الزراعة -آثار بعيدة المدى على الاستقرار والأمن الغذائي وسبل العيش. أشار المُستطلعة آراؤهم إلى انجراف العديد من الأراضي الزراعية في الغيضة ومنعر والمسيلة. من جانب آخر، تأثرت الثروة الحيوانية والموارد السمكية بالظواهر المناخية، حيث صنف 36 في المائة و32 في المائة من المُستطلعة آراؤهم التأثير على أنه كبير أو كبير جدًا، على التوالي. تسببت الأعاصير في إلحاق أضرار بقوارب ومعدات الصيد والبنية التحتية لقطاع الصيد البحري والموانئ، مما أدى إلى فقدان الصيادين مصادر دخلهم وصعوبة وصولهم إلى عرض البحر. فضلًا عن ذلك، تسببت الأعاصير والأمطار الغزيرة في موجات سيول في العديد من المدن، بما في ذلك المطلة على الساحل، مما ألحق أضرارًا بمرافق صيد الأسماك.

جاءت المرافق العامة، كالطرق والبنية التحتية لشبكات المياه والكهرباء والمرافق الصحية والتعليمية في المرتبة الثانية من حيث درجة التأثر بعد الأراضي الزراعية. صنف نحو 47 في المائة من المشاركين في المسح درجة التأثير على المرافق العامة على أنه كبير جدا، بينما صنفه 34 في المائة على أنه كبير، مشيرين إلى أن الظواهر المناخية على مدى السنوات الماضية عطّلت أنشطة المرافق العامة، مما صعّب على السكان الوصول إلى الخدمات العامة الأساسية. وفي ظل تضرر البنية التحتية وتعطّل تقديم الخدمات الأساسية التي تعيق جهود التعافي، أعرب المشاركون في المسح عن الحاجة إلى بنية تحتية مُحسّنة في المهرة، كتحسين الطُرق وشبكات تصريف المياه بما يساهم في التصدي بصورة أفضل للظواهر المناخية.

استجابة المجتمع المحلي والسلطة المحلية للظواهر المناخية

أظهرت نتائج المسح والمقابلات افتقار المهرة إلى بروتوكولات محلية معتمدة سلفًا أو إلى معايير محددة لمواجهة الكوارث المناخية. في معرض إجاباتهم عن سؤال حول آليات الاستجابة الشائعة للظواهر الجوية المتطرفة، ذكر غالبية المشاركين بأنها تتسم بالـ”عشوائية وغير المنظمة”. الآلية الأخرى الأكثر شيوعًا هو “طلب المساعدة من أفراد المجتمع المحلي”، بينما اعتُبر “الاتصال بالسلطات المحلية” الحل الأخير الذي اختاره المشاركون في المسح. كما رأى بعضهم أن السلطات تتخذ بعض التدابير الاحترازية لمواجهة الظواهر الجوية المتطرفة، بما في ذلك إنشاء فِرَق للاستجابة لحالات الطوارئ، وتشكيل لجان تُعنى بالاستجابة حال حدوث العواصف المدارية والأعاصير، وتوفير مراكز إيواء للسكان، وتنظيف شبكات تصريف المياه، إلا أن آخرين أشاروا إلى أن تجاوب السلطات الرسمية يُعد غير كافٍ وعادة ما يأتي متأخرًا، ولا يغطي جميع المناطق المتضررة، ولا يصل إلى الفئات الأشد احتياجًا.

تبيّن أن المشاركين في المسح مُلمّين بمخاطر الأعمال الإنشائية في المناطق المعرّضة للسيول وأبدوا استعدادهم لاتخاذ تدابير تحد من تلك المخاطر. رأى الكثيرون أن البناء في مواقع بعيدة عن مجاري السيول هو الوسيلة الأكثر نجاعة لتجنب الأضرار الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة أو الحدّ منها، إضافة إلى إجلاء السكان لمواقع آمنة وتخزين المواد الغذائية والمياه. من جهة أخرى، شدد المشاركون في المسح على ضرورة أن تتولى السلطات الحكومية توفير ملاجئ طارئة (نسبة 69.1 في المائة منهم)، وإمدادات الغذاء والماء (نسبة 75.3 في المائة منهم)، وإنشاء قنوات لتصريف مياه السيول (نسبة 77.8 في المائة منهم). إضافة إلى ذلك، أشار 65.4 في المائة من المشاركين إلى ضرورة توفير المساعدات الطبية من قِبل السلطات الحكومية أثناء مواجهة الظواهر الجوية المتطرفة وبعدها، لا سيما في المناطق التي لا تتوفر فيها المرافق الطبية على نطاق واسع.

على ضوء ذلك، اقترح المشاركون في المسح حلولًا لتحسين مستوى الدعم المقدم للمجتمعات المحلية أثناء حدوث الظواهر الجوية المتطرفة وبعدها، تشمل الآتي: إنشاء نظام إنذار مبكر من قِبل السلطات المحلية، ووضع خطط للاستجابة لحالات الطوارئ، وبناء هياكل أساسية كسدود صغيرة لمواجهة السيول والحواجز المائية، وإذكاء وعي السكان بمخاطر تغيّر المناخ وسبل التصدي للظواهر ذات الصلة، وتوفير المساعدات والتعويضات للمتضررين، وإنشاء فِرَق إنقاذ مُدربة ومُجهزة بشكل جيد، وإشراك المجتمع المحلي في وضع الخطط وتنفيذها، وتحسين الممارسات المتعلقة بمعالجة النفايات لمنع التدهور البيئي. كل هذه التدابير من شأنها أن تضمن الإدارة الفعّالة للكوارث وأن توفر المساعدة الفورية والطويلة الأمد.

الأطر المؤسسية القائمة للحدّ من مخاطر الكوارث
في الوقت الحاضر، تتولى السلطة المحلية والمجالس المحلية وهيئة الدفاع المدني في المهرة مسؤولية تنسيق المعلومات والتحذيرات المناخية. تعتمد هذه الجهات بدورها -وبشكل أساسي -على مكتب الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد في المحافظة، المعني باستقاء المعلومات من هيئات الطيران في صنعاء وعدن. في المقابل، ينخرط عدد من النشطاء المهتمين بالمناخ في تداول الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب المعلومات الواردة من السلطات المحلية في حضرموت وعُمان.

عام 2022، سعى محافظ المهرة إلى إنشاء وحدة للإنذار المبكر بموجب القرار الحكومي رقم 15، تتألف الوحدة من ممثل عن إدارة الأرصاد الجوية بوزارة النقل وممثلين اثنين عن هيئة الدفاع المدني والعمليات المشتركة، وهي هيئة حكومية تابعة للسلطة المحلية في المهرة، لكنها غير فاعلة بعد، رغم تلقي كوادرها بعض التدريبات والمعدات من برنامج الأغذية العالمي.

في هذا السياق، أشار المشاركون في المسح إلى أن التحذيرات المناخية تأتي من مصادر متعددة، وغالبًا ما تكون غير متسقة ولا تصدر إلا عند وقوع كارثة طبيعية، الأمر الذي لا يتيح وقتًا كافيًا للاستعداد لمواجهة الظواهر الجوية المتطرفة والتعامل مع آثارها. ووفقًا للمشاركين، لا توجد حاليًا هيئة رسمية مُعيّنة مسؤولة بشكل أساسي عن التعاطي مع البيانات أو إصدار التحذيرات الاستباقية، وهناك افتقار لحملات التوعية والتثقيف إجمالًا فيما يتعلق بالكوارث المناخية على مستوى المهرة. في هذا الصدد، تبيّن أن نحو 60 في المائة من المشاركين ليس لديهم معرفة مسبقة عن أنظمة الإنذار المبكر للظواهر الجوية المتطرفة و22 في المئة فقط منهم تلقوا تدريبات على كيفية الاستعداد لمواجهة مثل هذه الظواهر رغم تأثر المحافظة.

وجهة نظر المجتمع حول نظام الإنذار المبكر
اتفق المشاركون في الدراسة بالإجماع على ضرورة إنشاء نظام إنذار مبكر في المهرة، معتبرين هذه الخطوة وسيلة لحماية الأرواح البشرية، وتقليل الأضرار والخسائر المادية، والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية. أظهر هذا وعيًا بين أبناء المجتمع المهري بأوجه الترابط بين العوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية في مواجهة تغيّر المناخ.

وفي معرض إجاباتهم على سؤال حول الوسائل المفضّلة لتلقي التحذيرات من أنظمة الإنذار المبكر، اختار 82.7 في المائة من المشاركين وسائل التواصل الاجتماعي، بينما جاء التلفاز في المرتبة الثانية (56.8 في المائة)، يليه مكبرات الصوت كتلك الموجودة في المساجد (48.1 في المائة)، يليه الرسائل النصية القصيرة (44.4 في المائة). من هذا المنطلق، قد تكون الوسيلة الأكثر فعالية لتعزيز التوعية بين مختلف شرائح السكان في كافة مناطق المحافظة هو اعتماد قنوات متعددة لنشر التحذيرات الصادرة عن أنظمة الإنذار المبكر. تجدر الإشارة الى أن 24.7 في المئة فقط من المشاركين اختاروا الإذاعة، بينما اختار 19.1 في المئة إعلانات الصحف (انظر الشكل 5)، وهو ما يشير على الأرجح إلى أن اعتماد وسائل الإعلام التقليدية صعب وأقل فعالية في نشر المعلومة بين أبناء المجتمع المَهري. لكن لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الفئة العمرية للمشاركين في المسح، حيث معظمهم من الشباب ويحظون بفرص ومعرفة أفضل في استخدام تقنيات التواصل.

تضمنت الاقتراحات الأخرى تشكيل لجان في الأحياء السكنية لنشر المعلومات بين أبناء المجتمع، والاستعانة بشخصيات اجتماعية مؤثرة لتعميم المعلومات وبناء الثقة، وتحسين قدرات المحطات المعنية برصد الأحوال الجوية في مطار الغيضة الدولي ومكتب الزراعة في الغيضة ومحطة الأرصاد الجوية في حوف، واستخدام قنوات التواصل الرسمية الأخرى للوصول إلى أبناء المجتمع (البلاغات الصحفية والتقارير والنشرات الإخبارية والمواقع الرسمية)، وتفعيل دور الجهات المختصة -إدارة الأرصاد الجوية، والمجالس المحلية، وهيئة الدفاع المدني، ومكتب العمليات المشتركة -في نشر المعلومات وتنسيق جهود الاستجابة للظواهر المناخية.

بصورة عامة، أعرب معظم المشاركين في المسح عن ثقتهم بنجاح نظام الإنذار المبكر بالمهرة في التخفيف من آثار الظروف المناخية المتطرفة، بينما أعرب قلة قليلة عن عدم ثقتهم. حُصرت بعض التحديات في تفعيل نظام للإنذار المبكر وشملت: الافتقار إلى الموارد والقدرات ومنها الكوادر المؤهلة والمعدات الخاصة، وبُعْد بعض المناطق في المهرة وتحديدًا المناطق الجبلية والصحراوية التي تفتقر إلى شبكات الاتصالات والكهرباء والقنوات الفضائية، والتكلفة الباهظة لإنشاء نظام إنذار مبكر، وقلة الوعي بين السكان بأهمية نظام الإنذار المبكر، والافتقار لفريق متخصص يتمتع بالخبرات اللازمة. إلى جانب ذلك، أشار المشاركون في المسح إلى الوضع السياسي الحالي في اليمن باعتباره تحديًا رئيسيًا، مشيرين إلى عدم جدّية صُناع القرار، واستشراء الفساد، وانعدام الكفاءة الإدارية، والطبيعة النادرة وغير القابلة للتنبؤ للظواهر الجوية المتطرفة مما قد يؤدي إلى إهمال تدريجي لإنشاء وتفعيل نظام الإنذار المبكر.

الخلاصة

تُعد المهرة إحدى أكثر المحافظات عرضة للظواهر الجوية المتطرفة، وتشير النتائج المُستخلصة من هذه الدراسة إلى أن المحافظة شهدت خلال السنوات الماضية زيادة في معدل حدوث مثل هذه الظواهر كهطول الأمطار الغزيرة وموجات السيول والأعاصير وارتفاع درجات الحرارة حسب ما أشار إليه المشاركون في المسح. كما نوّهوا إلى التأثير المدمر للظواهر الجوية المتطرفة على حياتهم، حيث تسببت بأضرار جسيمة لمنازلهم وممتلكاتهم وسبل كسب عيشهم (كون معظمهم يعتمدون على الزراعة وصيد الأسماك)، فضلًا عن إعاقة وصولهم إلى الخدمات العامة الأساسية. تشير نتائج الدراسة إلى أن المهرة تفتقر إلى بنية تحتية متينة للتعامل مع الكوارث المناخية. وذكر المشاركون أن الاستجابات للظروف المناخية المتطرفة اتسمت بطبيعة عشوائية وافتقرت إلى التنظيم، الأمر الذي اضطر معه معظم السكان إلى طلب المساعدة والدعم من غيرهم من أفراد المجتمع. من جهة أخرى، أشار البعض إلى أن السلطات اتخذت التدابير الاحترازية أثناء وقوع الظواهر الجوية المتطرفة، بينما ألقى آخرون باللائمة على السلطات لاستجابتها المتأخرة وغير الكافية، مما ترك معظم المناطق المتضررة والفئات الضعيفة من المجتمع دون مساعدات كافية.

تؤكد نتائج الدراسة على حاجة المهرة إلى التكيّف بشكل عاجل مع آثار تغيّر المناخ والتخفيف منها، واتفق المشاركون بالإجماع على الحاجة إلى تحسين إدارة الكوارث وإنشاء نظام إنذار مبكر، واقترحوا الاستعانة بقنوات التواصل الحديثة كوسائل التواصل الاجتماعي والرسائل النصية القصيرة ووسائل الإعلام التقليدية كالتلفاز وكذلك الوسائل المحلية الشائعة كمكبرات الصوت باعتبارها الطريقة الأكثر فعالية لنشر التحذيرات. من هنا، تبرز أهمية الاستعانة بمجموعة متنوعة من قنوات التواصل لضمان نشر المعلومات والتحذيرات الصادرة عن نظام الإنذار المبكر على نطاق واسع. كما اقترح المشاركون تشكيل لجان في الأحياء، والاستعانة من الشخصيات الاجتماعية المؤثرة لبناء الثقة في خطط الطوارئ، فضلًا عن تفعيل دور السلطات المختصة في المحافظة من أجل تخفيف الآثار الحالية للظواهر الجوية المتطرفة.

على المدى الطويل، سيساعد إنشاء نظام إنذار مبكر في المهرة وتفعيله في الحد من الخسائر في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة وفي التصدي للتحديات البيئية المتزايدة. تتبنى هذه الدراسة نصيحة المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والأمم المتحدة، اللتان طرحتا حججًا اقتصادية واضحة تشجع على الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر كونها تنقذ ملايين الأرواح من خلال تعزيز قدرة المجتمعات المحلية (المهددة) على الصمود. يحظى هذا النظام بأهمية أكبر في سياق اليمن الذي يعاني من ارتفاع معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي، مع احتمال تفاقم الأزمة الإنسانية نتيجة الآثار المدمرة للظواهر المناخية المتطرفة على المجتمعات المحلية، وخاصة الفئات الأكثر ضعفًا كالنساء والأطفال ومن يعيشون في المناطق الريفية.

التوصيات

يتطلب إنشاء نظام فعّال للإنذار المبكر في المهرة تبنّي نهج شامل متعدد الجهات، يقوم على الاستعانة بمجموعة من الأدوات والتقنيات، وينخرط بنشاط مع المجتمعات المحلية عبر فتح قنوات يسهّل من خلالها التواصل ونشر المعلومات وإتاحتها بسهولة. وعلى هذا الأساس، تقدم الورقة التوصيات السياساتية التالية إلى السلطات المعنية على المستوى الوطني ومستوى المحافظة، كون تنفيذها سيساعد المهرة على إنشاء نظام مستدام ومَرن للإنذار المبكر، يُلبي احتياجات المجتمع المحلي وينشر المعلومات المهمة بصورة فعّالة.

التوصيات على المستوى الوطني:

تكليف جهة رسمية واحدة مسؤولة عن رصد أحوال الطقس والتنبؤ بها وإرسال الإنذارات المبكرة.
توحيد وتنسيق نتائج مختلف الدراسات المعنية بتغيّر المناخ والإنذار المبكر التي تجريها المنظمات الدولية، ومواءمتها مع استراتيجية وطنية تهدف إلى التخفيف من تأثير الظواهر الجوية المتطرفة وتغيّر المناخ.

إصدار مرسوم يحد من الأعمال الإنشائية للمباني السكنية أو التجارية في الوديان التي تُعد عرضة للسيول، وتكليف قوات الأمن بحظر تلك الأعمال غير القانونية.

المصادقة على إنشاء صندوق لإدارة المخاطر والكوارث، والذي يمكن أن يعتمد على تمويل صندوق “الخسائر والأضرار” المُتفق على إنشائه في قمة شرم الشيخ المناخية (كوب 27) بمصر عام 2022.
توجيه الوزارات المعنية بإطلاق حملات توعية شاملة على الصعيد الوطني تركز على الوقاية من مخاطر الكوارث وتعزيز ثقافة التأهب والاستجابة الاستباقية لتمكين المجتمعات المحلية من التعامل بشكل أفضل مع الظواهر الجوية المتطرفة.

التوصيات على مستوى المحافظة:

إبرام الشراكات ووضع آليات تنسيق للاستجابة لحالات الطوارئ في المهرة. يتطلب إنشاء نظام الإنذار المبكر التنسيق والتعاون بين مختلف الجهات الفاعلة ذات الصلة، بما في ذلك الوكالات الحكومية والمنظمات غير الحكومية الوطنية والمنظمات المجتمعية والقطاع الخاص. ستُيسر الشراكات وآليات التنسيق تبادل المعلومات، وتعبئة الموارد، والتخطيط المشترك لجهود الاستجابة، ويمكن أن يشمل ذلك: إنشاء منبر لمختلف الجهات الفاعلة ذات الصلة أو تشكيل لجنة تضم ممثلين عن مختلف الجهات الفاعلة المنخرطة في مجال الحدّ من مخاطر الكوارث والتخطيط للاستجابة لحالات الطوارئ.

وضع استراتيجية وخطة عمل شاملة تُحدد أدوار ومسؤوليات مختلف الجهات المعنية بإنشاء وتفعيل نظام الإنذار المبكر، وحشد الموارد والتمويلات المطلوبة، ووضع آليات الرصد والتقييم اللازمة لقياس فعالية النظام. قد يشمل ذلك إجراء تدريب ومحاكاة بصورة منتظمة لاختبار النظام وتحديد أوجه القصور المطلوب تحسينها، فضلًا عن الاستثمار في برامج بناء القدرات والتدريب لأصحاب المصلحة المعنيين.

إطلاق برامج توعية مجتمعية قد تعزز تدابير التأهب للكوارث والاستجابة لها وتحدد الاحتياجات ومواطن الضعف لدى الفئات السكانية المهمشة أو الأكثر عرضة للخطر. يستلزم ذلك العمل مع القادة المحليين والمنظمات غير الحكومية والمنظمات المجتمعية، فضلًا عن استخدام فِرَق متنقلة للتوعية في المناطق النائية التي يصعب الوصول إليها. كما يمكن الاستعانة ببرامج توعية في المدارس والمساجد، باعتبارها مؤسسات مجتمعية رئيسية، حيث سيعزز ذلك ثقافة التأهب والاستجابة الآنية لتحذيرات نظام الإنذار المبكر، وبالتالي تعزيز فعالية نظام الإنذار المبكر بصورة عامة.

إعداد منشورات توعوية بشأن الاستجابات الطارئة للظواهر المناخية المتطرفة، بحيث تتضمن معلومات عن أنواع تلك الظواهر وتدابير التأهب للاستجابة لحالات الطوارئ. من المهم الأخذ بعين الاعتبار صياغة المنشورات بلغة مبسطة وسهلة الاستيعاب، وأن تتضمن تعليمات واضحة وإرشادات مرئية. كما ينبغي توزيعها على نطاق واسع عبر مختلف قنوات التواصل ومن خلال برامج التوعية المجتمعية وفي المدارس ومكاتب السلطة المحلية.

تنفيذ نظام إنذار مبكر متعدد القنوات يجمع بين وسائل التواصل التقليدية والحديثة. من المهم اعتماد نَهْج متعدد القنوات لنشر التحذيرات بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والتلفاز والرسائل النصية القصيرة ومكبرات الصوت -لا سيما تلك الموجودة في المساجد -حيث سيضمن ذلك تعميم التحذيرات في حالات الطوارئ بصورة فعّالة بين جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن استخدامهم تكنولوجيا التواصل الحديثة أو موقعهم الجغرافي.

الاستثمار في شبكات الهاتف المحمول وتوسيع نطاق تغطية الرسائل النصية القصيرة والتعاون مع الشركات المحلية المقدمة لهذه الخدمات. يُمكن استخدام نظام تنبيه عبر الهاتف المحمول لإرسال رسائل نصية قصيرة أو إرسال التنبيهات إلى أفراد المجتمع حال وقوع ظواهر مناخية متطرفة، بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في المناطق النائية.

إنشاء نظام الإنذار المبكر في المهرة على مرحلتين:
ستركز المرحلة الأولى على استخدام الإمكانيات والموارد المتاحة لوضع الأساس اللازم لإنشاء نظام الإنذار المبكر ودعمه بعدد كافٍ من الكوادر المؤهلة والمعدات اللازمة. وستشمل المرحلة الأولى ما يلي:
توفير البنية التحتية المطلوبة (الأجهزة، والبرمجيات، والمواقع الإلكترونية، وغيرها) لربط وحدة الإنذار المبكر بالأقمار الصناعية ومراكز الأرصاد الجوية على المستوى الوطني والدولي، إضافة إلى تخصيص خط ساخن للتواصل مع الجهات ذات الصلة في حضرموت والمركز الوطني للإنذار المبكر في عُمان.

دعم وحدة الإنذار المبكر باثنين من الموظفين المؤهلين قادرين على تشغيل النظام وتحليل البيانات الواردة بشكل سليم وبث التحذيرات.
إشراك النشطاء المهتمين بالمناخ في تفعيل نظام الإنذار المبكر، حيث يُمكن إدماج هؤلاء الأفراد رسميًا وتدريبهم على العمل بصفة مؤسسية مع الجهات ذات الصلة بغرض توحيد البيانات والتنسيق مع جهة واحدة مُكلفة بتعميم ونشر رسائل التحذير.

إجراء مسح لمحطات الأرصاد الجوية القائمة، وتقييم وضعها الراهن وجدوى إدماجها في الخطط قصيرة أو طويلة الأجل لنظام الإنذار المبكر.

تصميم موقع إلكتروني لوحدة الإنذار المبكر يكون بمثابة مصدر مركزي لعرض المعلومات وآخر المستجدات حول الظواهر الجوية المتطرفة في المهرة، مع الأخذ بعين الاعتبار ضمان سهولة دخول الموقع وتصفحه واحتوائه على روابط تنقل المتصفح إلى مصادر وصفحات أخرى، كصفحات وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الهاتف المحمول، والخرائط التي يمكن أن تساعد أفراد المجتمع على الاستعداد للكوارث الطبيعية والاستجابة لها.

إنشاء منصة على مواقع التواصل الاجتماعي تُستخدم من قِبل الهيئات المعنية لنشر المستجدات حول الظواهر الجوية المتطرفة وخطط الاستجابة للطوارئ. يمكن أيضًا استخدام المنصة للتواصل مباشرة مع أبناء المجتمع والإجابة على أسئلتهم أو شواغلهم.

ستركز المرحلة الثانية على توسيع نطاق تغطية نظام الإنذار المبكر عن طريق إجراء الدراسات الميدانية اللازمة وإنشاء المحطات الميدانية ذات الصلة.

ستستلزم هذه المرحلة ما يلي:

إجراء دراسة للعوامل الجوية ودراسات هيدرولوجية وهيدروليكية تجمع بين البيانات القديمة وخرائط تقييم المخاطر والبيانات الحديثة لأجهزة الاستشعار/ المحطات القائمة من أجل تطوير نموذج للتنبؤ بالظواهر الجوية المتطرفة ونشر التحذيرات في الوقت المناسب. سيعتمد هذا على تحديد شبكة أجهزة الاستشعار ومحطات الأرصاد الجوية للتعاطي مع البيانات ونقلها إلى غرفة تحكم.

توسيع نطاق تغطية نظام الإنذار المبكر على أساس تقييم الضعف والمخاطر، والدروس المستفادة من المراحل السابقة. اتباع هكذا نَهْج للتنفيذ المرحلي من شأنه أن يُسهّل إدخال التحسينات بصورة مستمرة وإدماج الدروس المستفادة.


Create Account



Log In Your Account