الثلاثاء 31 يوليو ,2018 الساعة: 02:51 مساءً
رويترز
أعلنت السعودية الأسبوع الماضي تعليق مرور شحنات النفط في مضيق باب المندب بالبحر الأحمر بعد أن هاجم الحوثيون المتحالفون مع إيران سفينتين في الممر المائي.
وحتى الآن لم تحذ حذوها أي من الدول الأخرى المصدرة للنفط. ومن شأن إغلاق كامل للممر المائي الاستراتيجي أن يؤدي فعليا إلى وقف شحنات تبلغ نحو 4.8 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة إلى أوروبا والولايات المتحدة.
وعبر الحلفاء الغربيون الداعمون لتحالف تقوده السعودية يقاتل الحوثيين في اليمن عن القلق بشأن الهجمات، لكنهم لم يشيروا إلى أنهم سيتخذون إجراءات لتأمين المضيق. وتهدد هذه التطورات بتصاعد وتيرة حرب ينظر إليها على أنها معركة بالوكالة بين السعودية وإيران من أجل الهيمنة الإقليمية.
ويتصاعد التهديد للملاحة في باب المندب منذ فترة مع استهداف الحوثيين لناقلات نفط سعودية في هجومين آخرين على الأقل هذا العام.
وليس من غير المعتاد إعادة تقييم الوضع الأمني بعد مثل هذه الحادثة، لكن إعلان الرياض ينطوي أيضا على أبعاد سياسية.
ويقول محللون إن السعودية تحاول تشجيع حلفائها الغربيين على النظر بجدية أكبر إلى الخطر الذي يمثله الحوثيون وزيادة الدعم لحربها في اليمن حيث أسفرت آلاف الضربات الجوية وعملية برية محدودة عن نتائج متواضعة في حين أدت إلى تفاقم أسوأ أزمة انسانية في العالم.
وقال سداد الحسيني وهو مسؤول تنفيذي سابق في أرامكو السعودية ومستشار للطاقة حاليا ”بدلا من السماح لهذه التحركات العدائية بأن تمر دون أن يلاحظها العالم فإن وزير (الطاقة) السعودي يضع ما تقوم به إيران من تخريب للاقتصاد العالمي بأسره تحت أعين الجميع“.
وأضاف قائلا ”السيطرة على ميناء الحديدة لن تضع نهاية لهذه العراقيل إلا بعد وقت طويل“.
والحديدة هي الميناء الرئيسي لليمن والهدف لهجوم بدأه التحالف في 12 يونيو حزيران في محاولة لقطع خط الإمدادات الرئيسي للحوثيين. وبعد الإخفاق في تحقيق مكاسب كبيرة أوقف التحالف العمليات في الأول من يوليو تموز لإعطاء الأمم المتحدة فرصة لحل الموقف رغم استمرار بعض الأعمال القتالية.
وتعليق الشحنات السعودية، مع التهديد الضمني بارتفاع أسعار النفط، ربما يهدف أيضا إلى الضغط على الحلفاء الغربيين الذين ما زالوا يدعمون الاتفاق النووي مع إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في مايو آيار، لاتخاذ موقف أقوى ضد برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودعم جماعات مسلحة في أرجاء المنطقة.
ولم يصدر أي تأكيد رسمي بأن هذه الخطوة جري تنسيقها مع واشنطن لكن أحد المحللين قال إنه سيكون من المثير للدهشة إذا لم يكن هناك تنسيق بالنظر إلى التحالف الاستراتيجي بين البلدين.
ليس لدى أي طرف الرغبة في صراع شامل لكن الوضع يمكن بسهولة أن يتدهور. ويبدو أن هدف السعوديين والحوثيين هو التصعيد إلى أعلى مستوى ممكن ولكل منهما أهدافه المختلفة.
وقال جيمس دورسي من معهد إس.راجارتنام للدراسات الدولية ”الحوثيون يحاولون تصعيد الوضع حتى يتم بذل المزيد من الجهد للتفاوض لإنهاء الحرب في اليمن“.
وأضاف قائلا ”السعوديون يحاولون خلق وضع تكثف فيه الولايات المتحدة بشكل أو آخر دعمها إلى حد كبير... حتى يمكنهم الإعلان عن نصر عسكري“.
ويتمثل الخطر في أن يخطئ أحد الجانبين التقدير، وهو ما قد يثير ردا أقوى من المتوقع.
وقالت حليمة كروفت الرئيس العالمي لاستراتيجية السلع الأولية بشركة آر.بي.سي كابيتال ماركتس ”نحن على بعد مسافة قصيرة من الدخول في مواجهة مباشرة على نحو أكبر“.
* خيارات نقل النفط السعودي
أعلنت السعودية وقف شحنات النفط عبر البحر الأحمر ”إلى أن تصبح الملاحة في مضيق باب المندب آمنة“.
ولم يتضح متى ستصبح الملاحة آمنة. لكن المملكة، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، ليست في عجلة من أمرها لأن لديها وسائل أخرى لنقل الخام إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية.
وتغيير مسار السفن للالتفاف حول الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية سيؤدي إلى تكلفة كبيرة في الوقت والمال وهو ما يجعله خيارا غير مرجح.
وبدلا من ذلك، ستتجه المملكة على الأرجح إلى خط أنابيب الشرق-الغرب (بترولاين) الذي ينقل الخام من حقول النفط في المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، ومنه إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.
وتقول مصادر بالقطاع إن المملكة قد تستأجر أيضا سفنا غير سعودية لنقل النفط عبر باب المندب.
وحتى قبل حادث الأسبوع الماضي، اتخذت شركات الشحن إجراءات احترازية إضافية منها الاستعانة بحراسات مسلحة والمزيد من المراقبة والإبحار بسرعات أكبر وتكثيف الاتصالات مع القوات البحرية الدولية.
وكان تقرير للأمم المتحدة في يناير كانون الثاني ذكر أن الإجراءات الحالية لن تحمي السفن من هجمات تتضمن عبوات ناسفة بدائية محمولة بحرا، وصواريخ مضادة للسفن، وصواريخ موجهة مضادة للدبابات متمركزة على البر، وألغام بحرية.
ويقول خبراء إن الولايات المتحدة وشركاء آخرين يمكنهم تقديم حراسات بحرية للناقلات واتخاذ المزيد من الخطوات لتقليل قدرة الحوثيين على استهداف الملاحة، بما في ذلك إمدادات أسلحة والمساعدة في المجال اللوجستي والمعلومات.
وساعد تكثيف الدوريات البحرية في كبح هجمات القراصنة في خليج عدن القريب قبل عشرة أعوام لكن من المستبعد أن ينخرط الحلفاء الغربيون بشكل مباشر هذه المرة تفاديا للانجرار إلى حرب اليمن.
ورغم أن النهج العسكري قد يواجه التهديد الماثل أمام حركة الشحن إلا أن إليزابيث ديكنسون من مجموعة الأزمات الدولية تقول إن الحل الحقيقي الوحيد هو تسوية الحرب في اليمن وهو هدف لا يزال بعيدا.
* ما هو الرد الإيراني المحتمل؟
بعد انسحابها من الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية المبرم في عام 2015، تضغط واشنطن على الدول الأخرى حاليا من أجل وقف وارداتها من النفط الإيراني اعتبارا من نوفمبر تشرين الثاني. وحذرت طهران بأنها ستتخذ إجراءات مضادة، وهددت بمنع مرور سفن نقل الخام من الخليج إذا تم إيقاف صادراتها.
ورغم تهديدات عدائية متبادلة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإيران، إلا أن عددا من المسؤولين الإيرانيين يعتبرون احتمال مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة ”منخفضا للغاية“. ولا يزال البعض يؤمن بإمكانية إجراء مفاوضات مباشرة، لكن كثيرين ممن اتصلت بهم رويترز حذروا من أن رد طهران على أي مواجهة عسكرية تشنها واشنطن سيكون مكلفا.
وقال مسؤول كبير طلب عدم نشر اسمه ”قوتنا العسكرية قد لا تكون مكافئة للقوة الأمريكية لكن القدرات الإيرانية غير التقليدية قد تكون وستكون ضربة للأمريكيين وستجرهم إلى مستنقع آخر في المنطقة“.
وإلى جانب تعطيل تدفق النفط في الخليج، تقول مصادر مطلعة إنه إذا نشبت مواجهة مباشرة فإن من المحتمل أن تستهدف إيران المصالح الأمريكية الممتدة من الأردن إلى أفغانستان، بما في ذلك القوات الأمريكية في سوريا والعراق.
أثناء ”حرب الناقلات“ في منتصف الثمانينات، انتشرت في مياه الخليج ألغام مع قيام إيران والعراق بمهاجمة شحنات النفط. وقامت الولايات المتحدة وبريطانيا وقوى أجنبية أخرى بحراسة ناقلات لدول أخرى، وغيًرت بعض السفن الكويتية راياتها ورفعت العلم الأمريكي، ونفذت ضربات محدودة ضد أهداف بحرية إيرانية.
ورغم قدرة السعوديين على تسيير السفن بأعلام دول أخرى لتفادي هجمات الحوثيين، إلا أن محللين يقولون إن ذلك سيقوض جهود السعودية لإظهار نفوذها في المنطقة.