الثلاثاء 16 يناير ,2024 الساعة: 01:43 مساءً
في يوم 12 أكتوبر من عام 2000م تم تفجير المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" في خليج عدن، وتم إلقاء التهمة وقتئذ على تنظيم القاعدة.
القاعدة ذلك التنظيم الهلامي (المخابراتي الدولي) الذي خلقته أمريكا من العدم ليوفر لها مبررات غزو البلدان واحتلالها، وتمرير أجندة أمريكية في المنطقة العربية، ومن ضمنها ضرب مصالح دول تريد أمريكا ضربها بيد غيرها ولا تكون هي الفاعل الحقيقي ولا بالصورة، كما تفعل اليوم مع المليشيات الحوثية، وكما فعلت مع داعش في العراق وسوريا.
أتذكر أني كتبت مقالاً حينها أنه من غير استطاعة القاعدة ضرب تلك المدمرة في ظل إمكانياتها التكنولوجية الضخمة من أجهزة الاستشعار وأنظمة الحماية الذاتية، وأن ما جرى مجرد مسرحية أخرجت بشكل سيئ بين الآمر والمأمور، وخروج التنظيم لتبني ذلك الحدث في وسائل الإعلام.
في ذلك الحين تحدث الرئيس الأسبق صالح أنه كان فخاً لإدخال اليمن في أزمات مختلفة وغزوها، وطار إلى الولايات المتحدة الأمريكية لشرح الموقف اليمني للرئيس جورج دبليو بوش، وقال إنه جنب اليمن حرباً محققة وغزواً مؤكدا.
دارت السنون، وحققت أمريكا بعض أجندتها، وقتلت بعض الخلية القاعدية التي وضعت أسماءها في قائمة الإرهاب، بعد انتهاء ورقتها، لكن الرأس الكبيرة في الخلية (جمال البدوي) وبعضها تم الإفراج عنهم مؤخراً عام ٢٠١٨ من قبل مليشيا الحوثي ضمن ٢٥٢ سجيناً من القاعدة، وكرمت واحتفت بالقيادي القاعدي عارف مجلي، الذين كانوا مطلوبين لأمريكا.
قبلها حدثت مسرحية فرارهم من سجن الأمن السياسي بصنعاء بعد الفرار الثاني من سجن المنصورة بعدن، قيل يومها أن عناصر القاعدة قامت بحفر نفق بملاعق الأكل والهروب من سجن الأمن السياسي بصنعاء!
تلك المسرحية التي لم تقنع طفلاً واحداً، ناهيك عن الشعب اليمني برمته، بقيت لغزاً إلى اليوم، لكن من يدرك التلاعب المخابراتي بمثل تلك الحالات لا يستغرب أبداً حدوث مثل تلك المسرحيات!
في أواخر يناير 2019 ، أعلن الجيش الأمريكي أنه قتل المدبر الرئيسي للهجوم على المدمرة "يو إس إس كول" باليمن جمال البدوي بضربة جوية، ليتم بذلك إغلاق ورقة القاعدة وملف كول بشكل نهائي، والعمل مع المليشيا الجديدة (الحوثية).
في الحقيقة لما خفت بريق القاعدة لدى أمريكا، والذي لقي صدوداً محلياً وإقليمياً، واستطاع صالح ترويض وتكييف ذلك التنظيم محلياً والبعد به عن نشأته وأجندته الأمريكية، كانت أمريكا تعد المليشيا الحوثية كبديل حقيقي له عمق فكري وشعبي طائفي هو الذي سيخلخل المجتمعات ويضرب بعضها بعضا لأجندته الطائفية، ورعرعت هذه المليشيا وكبّرتها واصطنعتها على عينها، وبدأ بريقها في الظهور وسط المجتمع الزيدي شمال البلاد، بتبني الشعار الزائف الذي تحمله (الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل) والأموال المغدقة عليها ما لبثت أن فجّرت حرب صعدة الأولى عام ٢٠٠٤، تلتها حروب خمسة حتى عام 2009، والتي كانت تلك الحروب بمثابة مناورات وتدريبات عسكرية للحوثية.
في تلك الحرب طالب الرئيس صالح الولايات المتحدة الأمريكية بتصنيف الحوثية منظمة إرهابية كون انطباق كل مواصفات الإرهاب عليها، إلا أن أمريكا رفضت الطلب، وكان الجيش اليمني - في كل مرة- يقترب من حسم المعركة وإنهاء الحوثية تأتي الاعتراضات الأمريكية السريعة، وظاهرها أن تلك الحرب كانت تقف باتصال وتشتعل باتصال هاتفي، كما أطلق عليه الوصف حينها من المعارضة في تحالف اللقاء المشترك.
مضت الأيام والسنون والمليشيا الحوثية تتقوى محلياً وتزحف على حساب قوات الجيش اليمني وسمعته وحكومته، وكان ذروة مجد هذه المليشيا والتعاون والتخابر الأمريكي أن أمريكا كانت في كل المحطات تقف إلى جانب الحوثي وتدعم انقلابه، وتهدد الشرعية بقرارات أممية باتهامات مختلفة َومنها عرقلة الانتقال السلمي للسلطة، وإدخال اليمن تحت البند السابع.
تذكر مصادر متنوعة أن سفارة الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد أنشأت غرفة عمليات مشتركة في حي سعوان قريباً من السفارة الأمريكية، لرعاية وتسيير الحروب الحوثية بعد ذلك من دماج وحتى الجوف والرضمة وصولاً إلى الانقلاب في 21 سبتمبر 2014.
اعترضت أمريكا على مواجهة الحوثيين وإنهاء انقلابهم وإيقاف الجيش الوطني في مارب وحرمانه من التسلح وضرب من يتجاوز الحدود المرسومة في جبال نهم، وتدخل الطيران الأمريكي بحجة ضرب عناصر القاعدة والتي كان مسرح عملياتها في أراضٍ تسيطر عليها الشرعية رغم التحالف الواضح بين القاعدة والحوثية في جبهات مختلفة وخاصة في البيضاء؛ فكلا التنظيمين برعاية واحدة وتسيير واحد من قبل أمريكا، وكذلك قامت بفرض اتفاق استكهولم بالقوة ومنع تحرير الحديدة، وسحب القوات المشتركة إلى المخاء والخوخة بحجة الدوافع الإنسانية في الحديدة، وعدم الاكتراث بها في تعز التي تذبحها المليشيا من الوريد إلى الوريد!
غضت أمريكا الطرف عن تزَويد الحوثية بالسلاح سواء الإيراني أو المسرب لها من تحت الطاولة، وما كانت تعلن عنه باحتجاز سفن تهريب الأسلحة الإيرانية بين فترة وأخرى هو لزوم حبكة الإخراج المسرحي من ناحية، ومن ناحية أخرى تحتفظ ببعض الأوراق منها لمواجهة إيران مستقبلاً، أو الضغط عليها، فقط ما تلبث أن تعيد تلك الأسلحة للحوثيين.
ورغم مسرحية البحر الأحمر الأخيرة، وضرب بعض الأهداف الحوثية الخالية من أي شيء يذكر، والتحذيرات وزفة مجلس الأمن وقراراته، إلا أن أمريكا لم تضع الحوثية في قائمة الإرهاب كما فعلت مع القراصنة الصوماليين الذين أدخلتهم قائمة الإرهاب وحشدت أساطيلها المختلفة لخليج عدن بحجة مواجهتهم.
هذا الحشد العسكري في خليج عدن منذ عام ٢٠٠٨ حقيقة بدأت تتضح ملامحه اليوم من عسكرة البحر الأحمر والتصدي للصين وعرقلة مشروعها (طريق الحرير)، وربما تستعد أمريكا لحرب كبرى في المنطقة تكون قد هيأت الحوثية لاستجرارها والتسبب بها.
لن نكون مخدوعين بالمسرحية الحوثية الأمريكية؛ فمن لديه ذرة من عقل سيجد هذه الأجندة والتلاعب في المنطقة بين إيران وأمريكا عبر ذراعها الحوثية.
مثلما لم نصدق مسرحية القاعدة مع أمريكا يومها، فلن نصدق اليوم المسرحية الأمريكية الحوثية، كما لم نصدق أبداً أن الحوثية هي من قصفت أرامكو قبل عامين ولا هي من قصفت أنبوب النفط والعائم في ميناء الضبة بحضرموت لسبب بسيط وهو أن الحوثية لا تمتلك وسائل الدقة في أسلحتها لتضرب تلك الأهداف في وسطها، فمن خلال عمليات مختلفة أثبتت الصواريخ الحوثية عدم دقتها، وسقوط بعضها بعيد إطلاقها في أرضها، وأثناء إطلاق بعضها تضل أهدافها بعيداً عنها بعشرات الكيلومترات، وبعضها مئات الكيلومترات، وكذلك الضربات الأخيرة على البارجات والسفن الأمريكية في البحر الأحمر التي تساقطت صواريخها ومقذوفاتها بعيداً عنها رغم حجم وكبر الأهداف بينما تصيب أنبوباً في البحر العربي؟! من يصدق هذا الأمر؟ّ!، باستثناء قلة قليلة جداً منها أو نادرة!
وإن تبنت الحوثية تلك الأعمال الإرهابية فهي كالبطل الكذاب الذي يفرح بالقارح (صوت الانفجار) ولا يهمه أين تصيب القذيفة، المهم أنها حققت مكاسب سياسية وإرضاء الداعم والراعي!
ما نخلص إليه أن الولايات المتحدة الأمريكية هي صانعة التنظيمات الإرهابية لإيجاد الأزمات وإدارتها، وإبقاء العالم في حالة استنفار دائمة، يشغله عن التوجه لمواجهة أمريكا كمتحكم وحيد بالنظام العالمي، وتبتز بهذه التنظيمات دولاً وحكومات وشعوباً، تتيح لها التدخل في شؤونها الداخلية وإدارة أزماتها كيفما تريد، وإدارة الصراعات البينية في كل الساحات الساخنة، أو استدراراً للأموال وتكسباً من خلالها.