في ليلةٍ ماطرة
السبت 17 أُغسطس ,2024 الساعة: 01:47 مساءً


حكاية حدثت لي الليلة الماضية، بدايتها اننا كنا بحاجة الى الماء في منزلنا الكائن في احدى قرى عزلة الحريبة بمديرية الصلو، ولكي احصل على الماء كان ضرورياً ان اصعد الى بئر في الجبل، كي اقوم بتعبئة الانابيب اولاً قبل ان ينزل الماء عبرها لخزان بيتنا، في البداية مررت بالطريق الاعتيادي وقمت بإغلاق حابس في بداية الجبل وعندما هممت بالصعود حاولت ان امر عبر اسهل الطرق الى البئر، كان لدي مصباح والجو مظلم وهناك بعض السحب، حثثت الخطى ولكني فقدت الطريق الصحيح للوصول الى البئر فمررت بين اشجار القرض المشوكة وتسلقت الصخور الجبلية، احاول جاهداً ان استبين الطريق نحو بئر هيجة الحائط فلا استبين، فجأة وبعد تعب وجهد ارى انني قد ارتفعت عن البئر بمسافة لا بأس بها، لكن طريق العودة مظلم وخطير وقد اتعرض للانزلاق والسقوط، فقررت ان التف من الجهة الاخرى، مررت بطريق صعب غير مسلوكة وكدت اكثر من مرة ان اسقط من هذا المكان المرتفع او ذاك، ، وصلت الى تحت قرية في اعالي الجبل قرية الذراع، وهناك حاولت ان استبين مرة اخرى طريق آخر معروف الى البئر، لكنني ايضاً ضللت الطريق ودخلت بين البلس الشوكي او ما يطلق عليه ( البرشم ) ، نزلت شيئاً فشيئاً حتى منتصف المسافة بين قرية الذراع وبين الوادي او السائلة، وهناك ظهرت معالم الطريق، وكانت فرحتي غامرة مشيت حتى وصلت الى البئر، اخذت وعاء ونزلت للبئر لتعبئته كي اقوم بتعبئة الانابيب، كان الوعاء عبارة عن دبة عشرين لتراً، لكن كان من الضروري ان اقوم بذلك اربع مرات، بدأت الرياح تشتد وبعض قطرات المطر فقد تشكلت السحب الرعدية سريعاً، وانا في سباق مع الزمن اريد انت اكمل العمل واسبق هطول المطر بالعودة للمنزل، الا ان المطر انهمر بغزارة لكني كنت مصمماً على تعبئة الانابيب، البروق والراعد تشتد والمطر يتساقط بغزارة، وبينما ان اوشك على تعبئة المرة الرابعة من البئر اذا بأحجار واتربة تتساقط للبئر وكادت احدى الاحجار ككرة البلياردو ان تقع فوق رأسي، تملكني الخوف صعدت سريعاً سكبت ما استطعت للانابيب لكنها لم تمتلئ تماماً، قمت بتوصيل الانابيب وربطها بإحكام ومن ثم اتجهت الى طريق العودة من طريق يعتبر الاسهل لمن يعرفه، المطر يتساقط بغزارة والماء ينهمر من الجبل سيول صغيرة تتجمع من هنا وهناك وانا مبتلٌ تماماً، ولا اكاد اتبين الطريق فأضعتها مرةً اخرى، يا الله اين الطريق من مكان الى آخر حتى دخلت بعض المدرجات الزراعية ومنها رأيت الطريق بالاسفل تسلقت المدرجات نزولاً حتى وصلت للطريق ومضيت وانا ارتجف من شدة المطر والبرد، ، مرة ثالثة اخالف الطريق الاصلية نتيجة المطر والسيول التي تملاء الجبل والطريق فأصل الى طريق اكثر وضوحاً من اعلى، وهو الطريق الذي يصل قرية الذراع الى سوق الحسيوة نزولاً، يتملكني الفرح بالرغم من ما لنا فيه وانزل بين المطر احاول جاهداً ان اتجاوز السائلة خوفاً مو سيل قد يأتي فلا استطيع ان اعبر للجهة الاخرى، اتجاوز السائلة واصعد الى المنزل وانا في حالة من التعب، اقوم مع ابن اخي صهيب بتعبئة الاواني من ماء المطر، واغتسل لازيل بعضاً من التعب وبعضاً من الجهد النفسي الذي عانيت منه في هذه الليلة الماطرة، هذه الليلة ذكرتني بمعاناة الناس في المناطق التي تعرضت لامطار غزيرة في شمير مقبنة وفي بعض مديريات الحديدة وحضرموت، حيث فقدت الانفس والمزروعات، تضررت المنازل وتهدم بعضها، قلت لي نفسي هذه تجربتي نتيجة عدم وجود حلول دائمة لي قرانا لمشكلة شحة المياه، والاخطار التي واجهتها نتيجة لذلك، واي ليست المرة الاولى التي افقد فيها الطريق الى البئر، فكيف بأولئك الذين تقطعت بهم السبل في الاودية وممرات السيول فأخذتهم معها الى عالم الاموات ولكن بطريقة مأساوية فليس في كل مكان قد يوجد عبدالمجيد الفخري الذي انقذ اسرة من موت محقق نتيجة السيول الجارفة في احدى مناطق محافظة اب، ولو لا قدر الله وسقطت انا في منحنيات وتعرجات الجبل لما علم احدٌ بحالي الا بعد فوات الاوان، هناك من يموتون والآخرون يشاهدون ويسجلون لحظات الموت المؤلم بجوالاتهم المهم عندهم تسجيل اللحظة الفارقة للمأسآة، فقد فقدوا الشعور بالانسانية وتوقفوا عن مجرد المحاولة لانقاذ ارواح لفها الموت بطريقة دراماتيكية امام اعين كائنات بشرية تجمدت فيها روح المسئولية .. الرحمة والمغفرة لمن فقدوا ارواحهم نتيجة السيول ونتيجة الصواعق الرعدية ولا اراكم الله مكروهاً ابدا.


Create Account



Log In Your Account