الأحد 07 سبتمبر ,2025 الساعة: 09:04 مساءً
كان لقاء الدكتور ثابت الأحمدي مع قناة العربية في برنامج سجال، من اللقاءات التي تستوقف المتابع سواء من حيث أهمية الموضوع أو من حيث الأسلوب الذي طرح به، فقد اختارت القناة أن تناقش عبر ضيفها واحدة من أعظم المحطات في تاريخ اليمن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 وشخصية قائدها وأول رئيس للجمهورية العربية اليمنية المشير عبد الله السلال.
اللقاء رغم متعته وعمق كثير من الطروحات فيه، بدا قصيراً ومكتنزاً أكثر مما ينبغي وأنا كمتابع شعرت أن الضيف لم يتح له المجال الكافي للرد على بعض الأسئلة أو لتوضيح محاور شديدة الحساسية ضيق المساحة جعل كثيراً من التفاصيل تمر مروراً عابراً بينما الموضوع يستحق حلقات متعددة.
ثورة إنقاذ لا انقلاب
أكد الدكتور ثابت أن ما حدث في سبتمبر لم يكن انقلاباً عسكرياً ضيق الأفق، بل كان ثورة حقيقية غيرت نمط الحكم من أساسه فقد أخرجت اليمنيين من سواد في سواد من نظام كهنوتي ثيوقراطي قائم على القداسة والخرافة الى أفق جديد من الحرية والجمهورية وكان لثبات بعض الضباط في ليلة الثورة وقرار السلال بفتح مخازن السلاح أثر بالغ في نجاحها.
السلال بين الزعامة والتضحية
ما لفتني في حديث الدكتور ثابت هو إصراره على أن السلال لم يكن مجرد رئيس طارئ، بل كان جزءاً أصيلاً من الحراك الثوري وصاحب مسيرة ممتدة منذ بعثته العسكرية في العراق ومشاركته في ثورة 1948 وحين جاء دوره في سبتمبر كان الأكبر رتبة والأكثر قبولاً لقيادة المرحلة.
لكن الأجمل في السرد هو موقف السلال حين سلم السلطة طواعية وهو في الخارج تفادياً لصراع دموي مع رفاقه. فضل الثورة على الكرسي وخرج مرفوع الرأس ليستقبل في العواصم كرئيس، هذه الصورة أعادت إلى ذهني فكرة نادرة في تاريخنا التضحية بالسلطة من أجل الوطن.
البعثات التعليمية دعم خارجي لا فضل للإمام
من الملاحظات التي أود تسجيلها هنا أن البعثات التعليمية لم تكن يوماً على نفقة الإمام كما يروج البعض، بل كانت بدعم خارجي : العراق الملكي قدم بعثات لتقوية النظام الهاشمي في المنطقة، بينما جاءت بعثات مصر عبر الأزهر الشريف أو عبر منح اجتماعية من ذوي المال، كل ما فعله الإمام هو أنه سمح بالسفر وهذه نقطة مهمة أغفلها الحوار أو لم يفسح لها المجال الكافي.
ما بين الثورة الثقافية والسياسية
من أجمل ما طرحه الدكتور ثابت هو توصيفه بأن الثورة اطأقامت الجمهورية العسكرية والسياسية لكنها لم تقم الجمهورية الثقافية وربما لهذا السبب عاد الفكر الامامي متسللاً حتى وصل بنا الحال الى انتكاسة 2014، هذه رؤية دقيقة لكنها تحتاج إلى تفصيل أكبر مما أتيح في البرنامج.
محاور مسكوت عنها
لم أستطع وأنا أُتابع الحلقة أن أتجاهل مقاطعات المذيع للدكتور ثابت حين تحدث عن المرتزقة الأجانب بقيادة ديفيد سمايلي وآخرين وعن التدخل الاسرائيلي بالطيران والمخابرات ضد ثورة سبتمبر، كما أن الحديث عن الدور السعودي والدعم الإقليمي لإجهاض الثورة بدا وكأنه خط أحمر لم يسمح للضيف بتجاوزه وربما كان هذا مفهوماً في سياق قناة تبث من الرياض، لكنه حجب عن المشاهد جانباّ مهماً من الحقيقة.
وحدة اليمن رفض الطائفية
سجل الدكتور ثابت موقفاً مشرفاً برفضه استخدام مصطلحات مثل الهضبة الزيدية أو اليمن الأعلى واليمن الأسفل، فهذه مصطلحات مذهبية طائفية تمزق ولا توحد وأنا أؤكد هنا أن قوة سبتمبر كانت في كسرها لحاجز القداسة وفي تثبيتها لليمن باعتباره نسيجاً واحداً وقلباً واحداً.
ملاحظة شخصية
لم يكن الدكتور ثابت موفقاً في رأيي حين وصف الأئمة بأنهم جالية أو متوردون كما لو كانوا أجانب عن البلاد، فهذا توصيف بعيد عن الواقع وإن كان عاد سريعاً ونفى أن يكون قصده الهاشميين، هنا تمنيت لو أن الوقت سمح له بإيضاح فكرته أكثر حتى لا يتركها معلقة.
اللقاء مع الدكتور ثابت الأحمدي كان ثرياً وممتعاً، لكنه قصير جداً على قضية بهذا الحجم: ثورة سبتمبر والسلال والتدخلات الإقليمية، كلها محاور تحتاج ثلاث أو أربع حلقات على الأقل ومع ذلك يبقى صوت الدكتور ثابت حاضراً، كصوت باحث ومفكر يذكرنا بأن سبتمبر كانت ولا تزال بوابة اليمن الكبرى الى العصر الحديث.