لماذا يخشى الحوثيون ذكرى السادس والعشرين من سبتمبر؟
الخميس 11 سبتمبر ,2025 الساعة: 10:55 صباحاً

منذ أن بزغ فجر السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962، لم يعد التاريخ اليمني كما كان قبل ذلك اليوم، فقد تحولت صنعاء من عاصمة مقيدة بأغلال الإمامة إلى منارة للحلم الجمهوري، وتحولت ذاكرة اليمنيين إلى ساحة خصبة للحرية والعزة والانعتاق من قرون الظلام. ستة عقود مرت وما زال سبتمبر يضيء في وجدان كل يمني حر كصرخة مدوية ضد الاستبداد الكهنوتي، غير أن ما نشهده اليوم في المناطق الخاضعة لسلطة جماعة الحوثي ليس إلا محاولة ممنهجة لطمس هذا الضوء وإطفاء شعلة التحرر، عبر منع الاحتفال بثورة سبتمبر أو التضييق عليها وكأنها جريمة لا تغتفر.

السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: لماذا يخشى الحوثي من ذكرى السادس والعشرين من سبتمبر إلى هذا الحد؟ الجواب لا يكمن فقط في الصراع السياسي الراهن، بل في عمق الهوية التاريخية والفكرية التي تشكل أساس وجود هذه الجماعة. فالحوثية هي الامتداد العصري للإمامة التي أسقطها سبتمبر، والذاكرة الجمعية لليمنيين تجاه هذه الثورة تمثل السلاح الأخطر الذي يهدد مشروعهم فا السماح بإحياء سبتمبر هو بمثابة اعتراف صريح بشرعية النظام الجمهوري ونفي لمزاعم "الحق الإلهي" الذي يحاول الحوثيون إعادة إنتاجه بوسائل معاصرة وشعارات براقة.

المنع الحوثي  للإحتفال بسبتمبر ليس إجراءً عابراً بل استراتيجية مدروسة تستند إلى ثلاثة أبعاد متشابكة: البعد الأيديولوجي، حيث يُعتبر سبتمبر "جريمة فكرية" في نظرهم لأنها انتزعت السلطة من يد السلالة؛ البعد السياسي، إذ يدرك الحوثي أن كل شعلة توقد في صنعاء أو إب أو ذمار لتمجيد سبتمبر هي بمثابة خنجر في خاصرة سلطته الهشة؛ والبعد النفسي، حيث يعلم أن ذكرى سبتمبر تعيد لليمنيين إحساسهم بالكرامة المسلوبة وتجعلهم أكثر رفضاً لمنظومة الوصاية الجديدة التي يحاول فرضها.

لقد لجأ الحوثيون إلى أساليب متعددة لطمس سبتمبر من الوعي العام: تقييد أي مظاهر احتفال، مطاردة الناشطين، إحلال شعارات "21 سبتمبر" كرمز بديل يراد له أن يبتلع الذاكرة التاريخية للشعب، بل وفرض مناهج تعليمية تعيد صياغة التاريخ على مقاس الجماعة. غير أن التاريخ لا يُكتب بقرار سلطوي ولا تُمحى ذاكرة الشعوب بالمنع والمصادرة، فكل محاولة لطمس سبتمبر لا تزيده إلا حضوراً في القلوب، وكل لافتة تُنتزع من جدار أو علم يُمزق في شارع تتحول إلى شرارة توقظ وعياً جديداً.

إن ما يخشاه الحوثي في جوهر الأمر هو المقارنة: بين نظام إمامي جثم على صدر اليمنيين لقرون وحوّلهم إلى رعايا، وبين جمهورية فتية أنجزت في سنوات قليلة ما عجزت عنه الإمامة في قرون طويلة. يخشى أن يدرك الجيل الجديد أن ما يُفرض عليهم اليوم ليس سوى نسخة مشوهة من ماضٍ بائد انتفض عليه الأجداد. يخشى أن تتحول ذكرى سبتمبر من مجرد احتفال سنوي إلى مشروع وطني جامع يوحد اليمنيين تحت راية الحرية والكرامة.


Create Account



Log In Your Account