الاخ الاكبر ( وما أُرِيكُم إلا ما أرى)
الثلاثاء 01 أكتوبر ,2024 الساعة: 09:06 مساءً

   الاهداء / الى كل اخ تسلط على اخوته
                / الى كل شيخ تسلط على رعيته 
   تسلط الأخ الأكبر على أشقائه واحدة من أبرز المشاكل التي تعاني منها العديد من الأسر العربية، هذه المشكلة التي تستند في نشأتها إلى كون الذكر يأتي في المرتبة الأولى تليه الأنثى، والرجل أعقل وأقوى، وأفضل من المرأة. والذكر يجب أن يفرض سلطته على إخوانه و أخواته....غالبا ما يكون متسلطاً عدوانياً يطلب من الجميع إحترامه ويلعب طوال الوقت دورا ليس بدوره ولايأخذ الآراء في قضايا لا يستطيع أن يحسمها ويرى قراراته وأوامره ناهية مقدسة يجب أن تنفذ *
و تظهر سلطة الاخ الاكبر في المجتمعات المختلفة والمتخلفة منها بالذات ،  وتتباين من منطقة الى اخرى ومن شخصية الى شخصية اخرى، هناك النموذج الايجابي المحب لاسرته أكانوا ذكوراً ام إناث،  لا يبتغي سوى الرقي بأسرته والحفاظ على تماسكها،  وكل همه مصلحة الاسرة وخيرها،  جاعلاً نصب عينيه خدمتها والمحافظة عليها من اي عوامل قد تضرها او تضر أياً من افرادها،  وهناك النموذج السلبي والذي يستغل عامل العمر وربما الخبرة في الحياة للسيطرة السلبية على أفراد اسرته وبالذات إخوته الاصغر منه ،  فهو يرى بدلاً عنهم ولا يجب ان تكون لهم رؤية وهدف في حياتهم، ومن يحاول ان يفكر يتم سحقه عبر تجريده من كافة حقوقه التي يتشارك فيها مع افراد اسرته،  وتجد مثلاً هذه الشخصية المتعالية والظالمة كثيراً في مجتمعاتنا،  وقد تناولت الدراما المصرية هذه الشخصية كثيراً وخاصة في المسلسلات التي تناقش هموم البيئة الريفية في الصعيد،  ينظر الاخ الاكبر بتعالٍ  الى من دونه من افراد اسرته،  يراهم من منظور السيد الذي يحق له التصرف حتى بأرواحهم،  تعبهم وجهدهم كله بفضله،  فهم لا شيء بدونه،  شخصياتهم اعتبارهم مقامهم داخل المجتمع ينظر اليه من خلاله هو حسب منظوره القاصر،  يقترب من شخصية فرعون فينصب نفسه وكيلاً لهم ولكن في نموذج مصغر وهو الاسرة،  ( وما أريكم إلا ما أرى .. وما أهديكم إلا سبيل الرشاد )،  وهذه نظرته فهو الذي يميز الحق والصواب،  أما إخوته أو من يقعون تحت سلطته من أسرته فغير قادرين على التمييز بين الصحيح والخاطئ، وبالطبع فهو ايضاً يرى نفس هذا المنظور لمجتمعه المحيط،  وان كان في اطاره المصغر اكثر بطشاً وجبروت،  فهو مستعد حتى للقضاء على أقرب المقربين اليه إذا شعر بخطورته على مستقبله الاستبدادي وبقاء سطوته الاسرية،  ومن أجل تحقيق رغباته فهو يكسر كل القوانين ويحطم الشريعة،  ولكن بطريقة مخادعة تتلبس زي القانون وتتوارى عن الشريعة مكراً وخداعاً وربما أيماناً مغلظة ليتجاوز ظاهراً ما يعرفه باطناً من حقيقة انه على ضلال وانه يخالف قيم العدل والحق ويمزق صلة الرحم كأشد ما يكون التمزيق،  وهذا النموذج لا يهادن ولا يعرف الا رأيه ومنطقه،  لا يعير إهتماماً لحرام أو حلال ولا لقيمٍ ولا لأخلاق،  ففي سبيل المكانة التي هو فيها ومحاولة تأليه نفسه وتنزيه شخصه من الاخطاء سيصنع المستحيل إن إستطاع من اجل ان يبقى على الحالة التي هو فيها،  وكما ذكرنا في اول هذه المقالة فإن هذه الشخصية الاستبدادية للاخ الاكبر يقابلها شخصية محبة لخير من حولها،  جَلَّ همها الحفاظ على وحدة وتماسك الاسرة في مختلف الظروف الاجتماعية والاقتصادية،  ولعل في قصص القرآن ما يذكرنا ببعض النماذج،  قابيل وهابيل كنموذج لصراع الخير والشر،  وكنموذج للطيبة والقسوة،  وقصة يوسف واخوته وما فعلوه به نتيجة الحسد والكراهية،  وقصة اخرى ذات نموذج انساني وديني جميل هي قصة موسى وهارون، هارون أخي أشدد به أمري .. كما وجدت شخصية الاخ الاكبر كشخصية خيالية ترتكز إما على اساس ايجابي أو سلبي ...
*ومع الأيام ارتقت شخصية  (الأخ الأكبر) من شخصية خيالية إلى نظرية سياسية عن الاستبداد والتسلط، أسس لها الكاتب البريطاني جورج اوريل  دون أن يعرف، ربما، هو ذلك. وقد جاء توظيف إسم (الأخ الأكبر) توظيفا عبقريا فعلاً ذا رمزية أدبية باعتباره كناية عن الشخص الذي يُحاسِب ولا يُحاسَب والذي يُراقِب الجميع ولا يراقبه أحد، إنه ذلك الإبن الأول في سلم ترتيب الأسرة التقليدية الذي يتسلط على إخوته الصغار ويدعي مراقبته لهم وهو أكثرهم فسادا وإفسادا في وقت يسكت الأب والأم عن أفعاله واحياناً تحل سلطته الاستبدادية الظالمة بديلاً عن السلطة الابوية اما لرحيلهما المبكر او لضعفهما امام تغول سلطة الاخ الاكبر* ...
*علماء النفس يتصورون أن هذا الشخص هو في حاجة ماسة لعلاج نفسي وعلاج معرفي فالعلاج النفسي لإعادة الثقة بالنفس وبث روح الطمأنينة إلى ذاته وتأقلمه وقبوله للآخر والعلاج المعرفي لإعادة برمجة أهدافه ومشاعره وأفكاره من جديد وحثه على الاستبصار وفهم نفسيات الآخرين من المتعاملين معه *..
.....................................................
* هناك اقتباسات من :
صحيفة البيان.
صحيفة الخليج.
رواية 1984. لجورج اوريل. وتسمى هذه الرواية ايضاً الاخ الاكبر ..
.................................


Create Account



Log In Your Account