السبت 19 أكتوبر ,2024 الساعة: 01:09 مساءً
للثعالب صفة المكر، والمكر يعني الخداع، وقد ارتبط المكر بالثعلب لشدة هذه الصفة فيه، وطبعاً التغيرات الجغرافية والنباتية ادت الى شبه انقراض للثعالب، الثعلب قد تراه فتحسبه ميتاً، فتغفل عنه فإذا بك تراه قد هرب من مصيدتك وهو في اتم قوته، يتحين الفرصة للغدر يحتال فينجو او يطبق على ضحيته، وكما الثعالب بعض البشر يتصفون بصفاتها، فيجري الخداع واللف والدوران مجرى الدم فيهم بلغة اهل البلد ، فلا تسير حياتهم الا على هذا الطريق، ولا تسلك عقولهم طرقاً للتفكير في حلول لما يواجههم من عقبات في طريق حياتهم الا طريق المكر والخداع، يحكي القرآن الكريم بعضاً من صفاتهم ويصفهم بصفة النفاق والكفر، ففي سورة البقرة تتحدث الآيات البينات عن المفسدين في الارض، هؤلاء المفسدين لا يعترفون بفسادهم مع علمهم بذلك ويقولون للناس انما نحن مصلحون، يقول تعالى ( واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون * الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) وطبعاً يفسر القرآن بعضه بعضا ويجيب عن لماذا هؤلاء هكذا؟ فيقول جلَّ في علاه ( في قلوبهم مرضٌ فزادهمُ الله مرضا ولهم عذابٌ اليم بما كانوا يعملون ) هؤلاء الثعالب او المنافقين او المظهرين الصلاح في مجتمعاتهم ما هم الا سوسةٌ تنخر في علاقات المجتمع، فيسعون لافساد علاقات الناس من حولهم بناءً على مصالحهم، كما انهم لا يهنأُ لهم بال اذا ما استقر حال الناس، يفرقون بين الاخ واخيه وبين المرء وزوجه، ويشعلون نيران احقادهم في كل من خالفهم في رأيهم وفي طريقة تفكيرهم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، حتى في الايمان اذا نُصِحُوا لم ينتصحوا ونظروا لانفسهم انهم المؤمنون حقاً وان غيرهم مجرد سُفهاء يقول سبحانه وتعالى ( واذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس * قالوا أنُؤمن كما آمن السفهاء * الا انهم هم السفهاء ولكن لا يشعرون ) ..
وفي آية اخرى يقولون للمؤمنين ( واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا .. واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انما نحن مستهزئون .. الله يستهزء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) .. من يخادعون؟! يخادعون الله وهو خادعهم
يمكرون والله خير الماكرين .. ولولا هؤلاء الثعالب وامثالهم لتصالح المجتمع مع بعضه بعضا .. ولما انتشر البغي والفساد وقطيعة الارحام بين الناس .. تجدهم في القرى وتجدهم في المدن .. تجدهم في السوق وتجدهم في المراكز المهمة .. تجدهم في المحاكم والنيابات وتجدهم في مجالس اهل العلم ومجالس القات .. يدسون السم في العسل .. ويحلفون الايمان ليقنعوا من حولهم بصحة ما يقولون .. ثعالب ليس لها دين .. وصدق الشاعر العربي الراحل .. امير شعراء العرب حين قال واصفاً حال الثعلب ..
بَـــرَزَ الثَـــعـــلَبُ يَـــومــاً
فــي شِــعــارِ الواعِـظـيـنـا
فَــمَــشــى فـي الأَرضِ يَهـذي
وَيَـــسُـــبُّ المـــاكِـــريــنــا
وَيَــــقــــولُ الحَــــمــــدُ لِلهِ
إِلَهِ العــــالَمــــيـــنـــا
يــا عِــبــادَ اللَهِ تـوبـوا
فَهــوَ كَهــفُ التــائِبــيـنـا
وَاِزهَدوا في الطَيرِ
إِنَّ العَــيــشَ عَــيـشُ الزاهِـديـنـا
وَاطــلُبــوا الديــكَ يُــؤَذِّن
لِصَــلاةِ الصُــبــحِ فــيــنــا
فَــــأَتــــى الديـــكَ رَســـولٌ
مِــن إِمــامِ النــاسِـكـيـنـا
عَــــرَضَ الأَمــــرَ عَــــلَيــــهِ
وَهــوَ يَــرجــو أَن يَــليـنـا
فَـــأَجـــابَ الديـــكُ عُـــذراً
يــا أَضَــلَّ المُهــتَــديــنــا
بَــــلِّغِ الثَـــعـــلَبَ عَـــنّـــي
عَــن جــدودي الصـالِحـيـنـا
عَــن ذَوي التــيــجـانِ مِـمَّن
دَخَــلَ البَــطــنَ اللَعــيـنـا
أَنَّهــُم قــالوا وَخَــيــرُ القَــولِ
قَــولُ العــارِفــيـنـا
مُــخــطِــئٌ مَــن ظَــنَّ يَــومــاً
أَنَّ لِلثَــــعــــلَبِ ديــــنــــا
.. لذلك بعض البشر حالهم كحال هذا الثعلب، يتقلبون حسب المصالح .. يلبسون الف لبس وقناع يتلوه قناع ليضلوا الناس بإسم الهداية .. يتفنون في الحديث ويجيدون تنميق الكلمات .. فهم في نظر انفسهم افهم الناس في السياسة والدين والاقتصاد والعلاقات .. وحكاياتهم مليئة بالنهايات التعيسة .. يرتفعون الى اعلى الاعالي .. ويقعون شر وقعة .. فلا بارك الله بهم .. ولا حقق لهم مطلبٌ ولا غاية .. نسأل الله ان يقينا شرهم .. وسوء مكرهم.
# من سلسلة المقالات الاجتماعية.