الخميس 24 أكتوبر ,2024 الساعة: 09:12 مساءً
بمفهومها الطائفي والسياسي، الولاية، ليست مجرد فكرة دينية ضالة وإنما آلية للهيمنة والاستعباد ، تسعى لقمع كل صوت حر يحاول أن يبرز في مجتمعاتنا. لم يخلق الإنسان ليُحكم بأمر فرد أو عائلة تتستر بالدين أو تدّعي أنها تملك حق الحكم والتفرد بالسلطة بموجب نسب أو سلالة. بل إن الإنسان ولد حرا، كما ينص القرآن الكريم على أن "وأمرهم شورى بينهم"، وهذا ليس إلا تأكيدا على أن المشورة والحكم يجب أن يكونا حقا جماعيا، يشمل جميع الناس على أسس المساواة والعدالة، وليس على أساس التفوق العرقي أو النسب القبلي.
ما يزيد من فداحة هذا الوضع هو أن من يروّجون لمنطق الولاية لا يرون فقط أن من لا يؤمن بها مخالف لرأيهم أو منحرف عن عقيدتهم، بل يعتبرونه كافرا ومرتدا يستحق العنف والاضطهاد. وهنا تكمن الخطورة الكبرى، حيث يتحول الاختلاف الفكري والديني إلى سبب للعنف الممنهج وشرعنة القمع، ويصبح الدفاع عن حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية معركة حياة أو موت.
تأتي هذه الدعوات لإحياء الولاية والإمامة في وقت يفترض أننا قد تحررنا منها بفضل ثورات كبرى، وأبرزها ثورة 26 سبتمبر المجيدة. تلك الثورة التي هدفت إلى إسقاط الحكم الإمامي والاستبدادي الذي رسخ مفاهيم القمع والاستعباد لقرون. إلا أن دعوات "الولاية" هذه تسعى بشكل سافر إلى إحياء تلك الأوهام البالية، وتغذية النزعة السلالية القبلية القرشية الرجعية، التي تقف حاجزا أمام كل تطلعاتنا لبناء دولة مدنية حديثة تقوم على المساواة وسيادة القانون.
إن مفهوم الولاية هو في جوهره تكرار لمفهوم الإمامة الذي قامت عليه الأنظمة الاستبدادية الزيدية القديمة في اليمن الشمالي. هذا النظام الذي كرس على مدى عقود من القهر الاجتماعي، والتفاوت الطبقي، والتسلط السياسي. وإذا كنا قد ناضلنا عقودا للتخلص من ذلك النظام البائد، فكيف يمكننا اليوم أن نقبل بإعادة إحيائه تحت مسمى جديد يروج له بأنه أمر إلهي مقدس؟
ليس في الدين الإسلامي ما يبرر الولاية بمعناها السياسي أو الديني. بل على العكس، فإن الإسلام يدعو إلى العدالة والمساواة بين البشر، ويرفض كل أشكال الاستبداد والاستعباد. وعلينا أن نعود دائما إلى المبادئ القرآنية الأساسية التي تحترم كرامة الإنسان وتحث على العدل والمساواة. "وأمرهم شورى بينهم" ليست مجرد آية تذكرنا بمبدأ المشاورة في الحكم، بل هي دعوة صريحة إلى الشورى والمشاركة الجماعية، مما يجعل من الديمقراطية وحقوق الإنسان قيما إسلامية أساسية.
لكن أصحاب منطق الولاية لا يتوقفون عند الترويج لهذا المفهوم فقط، بل يسعون إلى تقديس أنفسهم وإعطاء قدسية لسلالتهم. يدّعون أنهم من "آل البيت" وأن لديهم حقوقا إلهية على الناس، ويزعمون أن مخالفتهم هي خروج عن الدين. في الواقع، إن هذه النعرات اللامنطقية لا تمت بصلة للمدنية والتطور الإنساني. هم من يعيقون مسارنا نحو الحرية والمساواة. هؤلاء المتشبثون بتلك الأفكار البالية هم من يعززون العصبية ويعيدوننا قرونا إلى الوراء.
نعم، نحن نغضب، ليس لأننا نكره ديننا أو تاريخنا، بل لأننا نحب الحرية والعدالة. نغضب لأن هؤلاء الناس يسرقون منا حقنا في بناء دولة مدنية حديثة، دولة تقوم على قيم المساواة والمواطنة. ف "الولاية" بمعناها القبلي والديني ليست سوى محاولة لتكريس الاستبداد، ولتعزيز ثقافة الخضوع والعبودية التي يُراد لها أن تكون قدراً محتوما على الشعوب. لكن الشعوب قد ولدت حرة، والحرية هي حق من حقوق الإنسان الأساسية التي لا يجوز لأحد أن ينتزعها.
إن غضبنا هو غضب مشروع، لأننا نرى أن كل دعوة لتكريس الولاية هي انتكاسة لثوراتنا ونضالاتنا التي قامت من أجل الحرية والعدالة. هؤلاء المدافعون عن الولاية يعيدون إنتاج نفس النظام الإمامي الذي ثرنا عليه، ويستغلون الدين لتبرير أفعالهم وتحقيق أهدافهم السياسية الضيقة.
لذلك يجب أن نقف جميعا ضد هذه الأفكار الظلامية التي تحاول إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء. يجب أن نرفع صوتنا عاليا لنقول إننا لا نقبل بأي شكل من أشكال الاستبداد، سواء كان تحت اسم الإمامة أو الولاية أو أي مسمى آخر. إننا نؤمن بالحرية والمساواة، ونرفض كل محاولة لفرض التفوق الطبقي أو الديني أو القبلي على الناس.
نعم، يجب أن نواصل النضال من أجل بناء الدولة المدنية التي نحلم بها، الدولة التي تُكرّس حقوق الإنسان وتؤمن بالمساواة بين جميع المواطنين دون تمييز. الدولة التي تقوم على الديمقراطية الحقيقية والشورى كما أمر الله، وليس على المفاهيم البالية التي تدعو إلى تقديس الأشخاص أو العائلات أو السلالات. تلك الدولة الضامنة التي بإمكانها وحدها أن تحقق العدالة وتحترم كرامة الإنسان اليمني، بغض النظر عن جنسه أو نسبه أو مذهبه.
لكن أريدكم أن تتخيلوا معي خطورة الوثيقة الفكرية الثقافية للحوثيين في أولاً :
الاصطفاء: يقولون
أما مسألة الاصطفاء فالذي نعتقده أن الله سبحانه و تعالى يصطفي من يشاء من عباده جماعات وأفراداً كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) آل عمران الآية 33 وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم (إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) ونعتقد أن الله سبحانه اصطفى أهل بيت رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فجعلهم هداة للأمة وورثة للكتاب من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة وأنه يهيئ في كل عصر من يكون مناراً لعباده وقادراً على القيام بأمر الأمة والنهوض بها في كل مجالاتها(إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً يعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله) ومنهجيتنا في إثباته وتعيينه هي منهجية أهل البيت عليهم السلام.
ماذا يعني هذا.. ؟!
ولنستمر ثانيا: في أصول الفقه يقولون :
أما أصول الفقه فما كان منه مخالفاً للقرآن الكريم أو بدلاً عن آل محمد فهو مرفوض ومنتقد من الجميع وما كان منه موافقاً للقرآن ويستعان به على فهم النصوص الشرعية في إطار آل محمد مع ملاحظة الدور الكبير للإخلاص لله سبحانه وتع إلى والعمل بأسباب الهداية الإلهية (إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا) الأنفال الآية 29 (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت الآية 69 (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) محمد الآية 17 فهو مقبول معتمد لا اعتراض عليه ولا إشكال.
ماذا يعني هذا ؟!
ولنستمر ثالثاً في
الاجتهاد يقولون :
أما بالنسبة للاجتهاد فما كان منه يؤدي إلى التفرق في الدين والاختلاف في معرفة الله وغيره من أصول الشريعة أو إلى مخالفة نهج الآل الأكرمين أو إلى الإضرار بوحدة المسلمين وتكوين الأمة التي أمر بها رب العالمين: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران الآية 104 أو مخالفة من أمر الله بطاعتهم وجعلهم ولاة للأمة –فهو اجتهاد مرفوض لا نقره ولا نرضاه بل هو مفسدة في الدين.
وأما ما كان منع استفراغا للوسع والطاقة في البحث عن أحكام الدين وشريعة رب العالمين ملتزماً منهجية القرآن الكريم وعلى طريق ونهج أهل البيت الأكرمين لا يؤدي إلى تنازع في هذه الأمة ولا مخالفة لمن أمر الله بطاعتهم وجعلهم ولاة للأمة محكوماً بالضوابط التي وضعها ومشى عليها أئمة الآل عليهم السلام فهو مقبول ومطلوب ومحتاج إليه في معرفة الدين وخصوصاً فيما يستجد من المسائل.
ماذا يعني هذا ؟!
واضح أن الوثيقة الفكرية الثقافية للحوثيين، المعروفة أيضا بالوثيقة الفكرية الزيدية، تمثل واحدة من أخطر الوسائل التي تعتمد عليها الحركة الحوثية لتعزيز نفوذها وإضفاء شرعية على رؤاها وتوجهاتها. هذه الوثيقة ليست مجرد نص فكري، بل هي أداة سياسية تهدف إلى إعادة تشكيل الهوية الثقافية والسياسية والدينية للمجتمع اليمني وفق منظور ضيق، يركز على تمييز فئة معينة من المجتمع بناء على مفاهيم الاصطفاء الديني والسياسي. تبرز خطورة هذه الوثيقة في ثلاثة جوانب رئيسية: تعزيز الانقسامات الطائفية، توظيف الدين لخدمة الأهداف السياسية، وتقييد الحريات الفكرية والاجتهادية.
تعتمد الوثيقة على مفهوم الاصطفاء الذي يضع من يسمون أنفسهم آل البيت في مرتبة فوق الجميع بناء على تفسيرات دينية تتسم بالتحيز والتضييق. الاصطفاء، كما هو مفصل في الوثيقة، يعني أن الله اختار آل البيت ليكونوا هداة للبشرية وولاة للأمة، وهو مفهوم يستخدمه الحوثيون لتبرير احتكارهم للسلطة والتفوق العرقي. هذا التصور يرسخ الفكرة القائلة بأن فئة واحدة تمتلك الحق الإلهي في الحكم والتوجيه، ما يخلق انقساما خطيرا بين أبناء الشعب اليمني. من خلال هذا التصور، يتحول الخلاف السياسي إلى صراع ديني، ويصبح كل من لا يؤمن بهذا الاصطفاء خارجاً عن الدين أو كافرا، ما يفتح الباب أمام تبرير القمع والتمييز ضد كل من يخالفهم الرأي أو تلك العقيدة الرثة والمتخلفة.
والحال أن انقلاب 21 سبتمبر هو الفتنة التي شرخت اليمن بعد عقود من وحدة الثوار وان التشيع القسري هو سلاح الحوثيين لتفكيك المجتمع"
"فبعد أن كانت ثورة 26 سبتمبر 1962، بمبادئها التحررية، رافعة لتحرير اليمنيين من قمع الإمامة والحكم السلالي، أعاد انقلاب الحوثيين اليمن إلى مشهد يتجاوز الانقسام السياسي، ليصبح انقساما اجتماعيا وثقافيا ودينيا حادا"
"كان الهدف المعلن للحوثيين هو “إسقاط الجرعة” الاقتصادية والإصلاحات الحكومية، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل اليمني الذي وياللمفارقة هم القوى الوحيدة التي انقلبت على الإجماع الذي تمثله تلك المخرجات .فالخطوات التي تلت ذلك أوضحت أن هدفهم الحقيقي كان السيطرة الكاملة على الدولة اليمنية وإعادة إحياء نموذج الإمامة القديمة في صورة جديدة مغلفة بشعارات معاصرة، لكنها مليئة بالتشيع السياسي والعقائدي المفروض بالقوة".
كذلك" تحولت الصرخة من شعار إلى “شرخة” للمجتمع".
فيما الواقع يكشف"رفع الحوثيون شعارهم المعروف بـ”الصرخة”، وهو في الحقيقة ليس مجرد شعار سياسي أو عقائدي، بل أداة لتقسيم المجتمع إلى فسطاطين: “فسطاط الحوثيين وأتباعهم”، و”فسطاط بقية الشعب الذي يعارضهم”. تحول الشعار مع مرور الوقت إلى “شرخة” عميقة داخل المجتمع اليمني، حيث استُخدم لترهيب المعارضين والتجييش ضد من يرفض الخضوع للإيديولوجيا الحوثية". منقول عن الخميني.
وهكذا"لقد حولت جماعة الحوثي المساجد والمدارس إلى ساحات للتجنيد العقائدي، حيث يُستغل الدين لتبرير السياسات القمعية وإحكام السيطرة على المجتمع. وبهذا، لم يعد الصراع في اليمن صراعا سياسيابحتا بل أصبح صراعا عقائديا طائفيا، تستغله الجماعة لإضعاف أي محاولة لإعادة بناء الوحدة الوطنية".