هلال العيد وعدم قبول شهادة الشافعي
الأحد 30 مارس ,2025 الساعة: 09:40 مساءً



لم يترك الإماميون مناسبة من مناسبات المسلمين إلا وأعلنوا فيها مخالفتهم لعامة المسلمين السنة، سواء كانت المناسبات صغيرة أو كبيرة، وقلما، أو من النادر أن يتفقوا معهم، حتى في إطار البلد الواحد.

من هذه المناسبات تكون مناسبات الشعائر الدينية في المقدمة؛ كإعلان بداية أو نهاية رمضان، وتحديد عيدي الفطر والأضحى، وغيرها من المناسبات.
يكذب من يقول إن هناك تسامحاً مذهبياً أو عقائدياً في اليمن في التاريخ الإمامي تحديداً، وما أكثر الشواهد على ذلك.
دعوني أسرد لكم مناسبة من هذه المناسبات لعدم التسامح المذهبي في التاريخ الإمامي، حتى في أبسط الأشياء.
 في عام 1083هـ على عهد الإمام المتوكل إسماعيل، الذي شهد عهده قمة عدم التسامح المذهبي وفرض عقيدته الجارودية على اليمنيين بقوة الحديد والنار، وصاحب الفتوى الشهيرة "إرشاد السامع إلى جواز أخذ أموال الشوافع"، كان قاضي تعز الفقيه علي المخلافي الشافعي قد تقدم بإثبات هلال عرفة، ورفعه لسلطة الإمام كشهادة دينية عامة من قاضٍ مختص بالشريعة حتى يعيد الناس، لكن الإمام وحاشيته رفضوا شهادته، رغم تعزيز تلك الشهادة والرؤيا من بعض أهالي صنعاء.

إمعاناً في رفض أي شيء يأتي من قبل عالم من غير مذهبهم؛ فهم لا يقبلون إلا أن تكون العلوم منهم، كما يرددون في أدبياتهم في أنه لا يمكن للناس أن يأخذوا علومهم إلا من (آل البيت كونهم حجة على الناس)، وهو ما يكررونه في كل زمان، ومع كل إمام.
ذهب المتوكل إسماعيل عوضاً عن شهادة القاضي المخلافي الشرعبي إلى اعتماد شهادة علي بن جابر الهبل (الرافضي) في ذلك وأَعْيَدوا في غير ذلك اليوم!
فالمتوكل إسماعيل كان لا يهادن ولا يتسامح مع علماء عصره الذين يرون آراء فقهية مخالفة لمذهبه، حتى وإن كان الفقيه أو العالم من نفس المذهب الهادوي، ومن ذلك مثلاً أنه لم يتسامح مع الفقيه أحمد جابر العيزري (ت 1091) فأبطل أحكامه وما جرت به أقلامه، وعدم تنفيذها من ولاة زمانه. واحتج عليه سائر الحكام بأنه صار يحكم بخلاف مذهبه، ولا ولاية له من الإمام في حكمه( ).

ذكّرتني هذه الحادثة بحادثة أخرى تعرضت لها شخصياً في صنعاء، عام 1992م، حينما كنت أحد منتسبي الجيش في الفرقة الأولى مدرع.
في أحد أيام ذلك العام كان قيّم الجامع من الزيود المتزمتين؛ شائب في السبعين من عمره، حصل أن تأخر عن موعد أذان صلاة العصر، فبادرت للأذان لصلاة العصر بعد أن أذن المؤذنون بدقيقة واحدة فقط، فما كان منه إلا أن جاء مهرولاً غاضباً وأعاد الأذان مرة أخرى، وما إن أكمل الأذان حتى بادر بالسب والشتم، وأن أذان (صاحب تعز) غير مقبول أبداً، خاصة وهو لم يؤذن بـ"حي على خير العمل" في الأذان، ويشهد الله أن هذا ما حصل فعلاً دون تأليف حرف واحد من الكذب، ويشهد بذلك اللواء يحيى أبو عوجاء إن كان يتذكر ذلك، فقد كان حينها ضابطاً برتبة ملازم ثاني، إن وصله هذا المقال.
هذا الرجل الشايب كان من عكفة الإمام أحمد، وربما أبيه يحيى قبل ذلك، وكان من العكفة المتنفذين المرابطين في منطقة الحجرية؛ التي كانت مورداً مالياً كبيراً لهم، كما يقول هو بنفسه.

"كانت الحجرية بالنسبة لنا أكثر من الخليج اليوم؛ لم نبني بيوتنا وثرواتنا إلا منها، وياسعد من كان يعمل في الحجرية"، هكذا كان يردد لي دائماً.
لهذه القضية قصة كبيرة، كما يعرفها المؤرخون اليمنيون.
فقد كان الأئمة يطلقون العنان لعساكرهم المرتزقة على البلاد فيعيثون فيها نهباً وسلباً وفساداً؛ يأخذون كل أموال المواطنين؛ خاصة أولئك الذين لا يذعنون لحكم الأئمة ويرفضونه. يسلطون عليهم أولئك المرتزقة فلا يتركون للمواطنين شيئاً من محاصيلهم الزراعية ولا بقية الأموال، ويفرضون على الرعية الذبائح المختلفة والضيفة المستمرة التي قد تستمر لأشهر إلى حين يتأكدون أنهم لم يبقوا شيئاً للمواطنين ما يبقي على رمق أولادهم، ويتركون البلاد خراباً يباباً، وربما كان المواطن نفسه حرم نفسه وأهله وأطفاله اللحم طيلة العام ليأتي عسكري الإمام فيفرض عليه ذبح خرافه ونعاجه وصولاً إلى بقرته التي تعول الأسرة بكاملها، وكانت من أشد أنواع العقوبات التي يفرضها الأئمة على المواطنين، ويحصل أن يتقاسموا البلاد كلها بين أبنائهم وعمالهم ومرتزقتهم حتى يستهلكونها كل الاستهلاك ما تلبث أن تظهر المجاعات المختلفة في المواطنين وتفني بلادهم بكاملها. هذا فضلاً عن دفع الأجرة المالية الباهظة من قبل المواطنين لهؤلاء العسكر، ومن لم يجد يتم أخذه إلى السجن ويمكث هناك حتى يتم الدفع أو يتوفى داخل سجنه، دون أدنى رحمة، أو قبول شفاعة من أحد.


Create Account



Log In Your Account