الجمعة 08 نوفمبر ,2024 الساعة: 06:59 مساءً
رغم أنَّ المنصور القاسم بن محمد (1006هـ - 1029هـ) مؤسس الدولة القاسمية - أو الدولة الثالثة كما أسماها البعض - كما يقول غالبية مؤرخي الإمامة من نسل الهادي يحيى بن الحسين، إلا أنَّ بني عمومته من آل شرف الدين في كوكبان، وآل الـمُؤيدي في صعدة، وقفوا في الغالب ضده، وكذلك فعل الحمزات؛ والسبب عدم اعترافهم بنسبه، الأمر الذي حفزه على مُحاربتهم.
كان والده أحد أبرز رجالات المُطهر شرف الدين؛ إلا أنَّ أحفاد الأخير وقفوا ضده؛ كونهم كانوا حينها حُكامـًا لعدد من المناطق باسم الدولة العثمانية، ليبدأ عهده بقتالهم؛ لأنَّ قتال البغاة عنده مُقدم على قتال الكفار، ومن صعدة توالت تمردات العلويين عليه وعلى خلفه ولده المُؤيد محمد (1029هـ - 1054هـ)، ولم تخضع تلك الجهة لحكم الأخير إلا بعد أن كلفته الكثير.
بوفاة الحسن بن القاسم شوال 1048هـ، بدأت ملامح صراع مراكز القوى الحاكمة القاسمية تطفوا على السطح، ليتبدى ذلك وبقوة منتصف العام التالي، وذلك بتمرد أحمد بن الحسن الذي اعترض على عدم إحلاله مكان أبيه، دارت مُواجهات محدودة بين أنصاره وأنصار عمه الإمام، كلفت الجانبين عشرات الضحايا، تم الصلح بينهما لبعض الوقت، ثم دارت حروب وخطوب أجبرت الأمير المُتمرد على الهروب جنوبًا.
توفي المُؤيد محمد رجب 1054هـ، فأعلن شقيقه أحمد من شهارة، وصنوه إسماعيل من ضوران نفسيهما إمامين مُنفصلين، تلقب الأول بـ (المنصور)، وتلقب الثاني وهو الأصغر سنًا بـ (الـمُتوكل)، دارت حروب بينهما، انتصر في آخرها الأخير.
توفي المُتوكل إسماعيل جمادي الآخر 1087هـ، فأعلن من الغراس أحمد بن الحسن نفسه إمامًا، وتلقب بـ (المهدي)، ليعارضه أخوه الحسين من ذمار، مُتلقبًا بـ (الواثق)، والقاسم بن المُؤيد محمد من شهارة، مُتلقبًا بـ (المنصور)، وعلي بن أحمد من صعدة، مُتلقبًا بـ (المنصور)، ومن غير الأسرة القاسمية أعلن أحمد بن إبراهيم المُؤيدي من العشة، وعلي الشامي من خولان، وعبدالقادر شرف الدين من كوكبان، ومحمد الغرباني من برط، ليستقر الأمر بعد حروب وخطوب للأول.
بعد رحيل المهدي أحمد عاد الضجيج من جديد حول من يَخلف الإمام المتوفي، ليقع الاختيار على محمد بن المُتوكل إسماعيل، تلقب بـ (المُؤيد)، وعارضه من عارضوا سلفه، بالإضافة إلى أخوته علي في إب الذي تلقب بـ (الناصر)، والحسن في تهامه، والحسين في صنعاء، وأبناء عمومته الحسين بن محمد في عمران الذي تلقب بـ (المُتوكل)، ومحمد بن المهدي أحمد في الحجرية الذي تلقب بـ (الناصر).
مُنتصف العام 1097هـ، وبعد وفاة المُؤيد محمد، ارتفعت وتيرة الخلافات القاسمية - القاسمية، أمراء كُثر أعلنوا أنفسهم أئمة، ودارت حروب وخطوب يطول شرحها، أوجزها صاحب (الجامع الوجيز) بقوله: «افترق آل الإمام فرقًا، ومُليء بعضهم من بعض فَرَقا، فطمع الكل بالإمامة، وكادت تقوم القيامة.. وصارت الأرض جيفة، وفي كل قرية خليفة».
استقر الأمر في النهاية على الناصر محمد (صاحب المواهب) في الحجرية، ويوسف بن الـمُتوكل إسماعيل في ضوران، تلقب الأخير بـ (المنصور)، وحظي بمساندة ودعم غالبية أمراء أسرته، أرسلهم أواخر ذات العام بجيش كبير لمحاربة مُنافسه، إلا أنَّ أمطار السماء، ومناعة قلعة المنصورة حالت دون تحقيقهم النصر، دارت الدائرة عليهم، فنكل الناصر محمد بهم جميعًا، ليغادر الأخير الحجرية شمالًا لإخماد تمردات أخرى أشد ضراوة، وكانت أطول حروبه مع إمام صعدة المنصور علي.
رغم انتصاراته، لم يرعى صاحب المواهب لقراباته حرمة، نكل بهم شرَّ تنكيل، وكان من جُملة من حبسهم صنوه إسحاق، وولديه عبدالله، ثم المحسن، وقد توفي الاثنان في السجن، وكان من جملة من وزعهم على سجونه: عمه الواثق الحسين، والمنصور يوسف، والمنصور القاسم، وابن أخيه القاسم بن الحسين، فيما هرب الحسين بن الـمُتوكل إسماعيل، وأخيه الحسن، وحسن بن المنصور يوسف، وعبدالله بن يحيى، والمُتوكل الحسين بن عبدالقادر إلى مكة.
وفي رجب 1111هـ أعلن إبراهيم المحطوري العياني من حجة نفسه إمامًا، وتلقب بـ (المنصور)، لم يصمد أمام الحملات التي أرسلت من صنعاء لمُحاربته كثيرًا، هرب شمالًا، قبض عليه إمام صعدة، صلبه مدة، ثم احتز رأسه، وقد بلغ عدد ضحايا تلك الفتنة حوالي 20,000 قتيلًا.
بدأت إمامة صاحب المواهب أواخر العام 1224هـ تترنح، وذلك بعد أن أعلن الحسين بن القاسم من العصيمات نفسه إمامًا، وتلقب كأبيه بـ (المنصور)، وناصرته غالبية القبائل الشمالية، وحظي بدعم وإسناد عددًا من بني عمومته.
حروبٌ كثيرة دارت، ودماء سُفكت، وحُرمات انتهكت، ومدن وقرى نُهبت، وهزائم توالت على صاحب المواهب، لم يرفع الأخير راية الاستسلام؛ بل ظل يناور، وحين لم تنجح أساليبه في شراء الذمم بتغيير المُعادلة؛ لم يجد أمامه من خيار سوى الاستنجاد بابن أخيه القاسم، أخرجه من السجن، ووجهه من المواهب شمالًا.
حقق القاسم لعمه بعض الانتصارات، وحين رأى ألا سبيل لإخماد تلك التمردات، أعلن هو الآخر من عمران عصيانه صفر 1127هـ، التف الناس حوله، وأرادوا مُبايعته، فاقترح عليهم المنصور الحسين، اجتمع بالأخير، وصار من أكبر قادات جيشه، وكذلك فعل أبناء عمه إسحاق.
رغم أنَّه مستوف شروطها، لم يكن للمنصور الحسين من الإمامة سوى الاسم، عزله قائد جيشه القاسم بن الحسين، فاختار علماء صنعاء الأخير إمامًا ذو القعدة 1128هـ، تلقب بـ (الـمُتوكل)، دارت حروب وخطوب، ولم يبق تحت سيطرة الأول سوى شهارة، والسودة، والشرفين، وبقي رغم هزيمته على دعوته حتى وفاته شعبان 1131هـ.
صفت الإمامة بعد ذلك للمُتوكل القاسم، جعل من مدينة صنعاء عاصمة له ولمن بعده من الأبناء والأحفاد، مُؤسسًا بذلك لحكم أسرته، ولأكثر من 120 عامًا. لم يكتفِ في إقصاء بني عمومته، وتحييدهم؛ بل ذهب أبعد من ذلك، أخذ ما تحت أيديهم من أموال، وأمعن في إذلالهم، وسعى لمُلاحقة المُتذمرين منهم، وزج بهم في السجون.
استاء القاسميون من تلك التُصرفات، أرسلوا وفودهم للمُراجعة، إلا أنَّه - أي الإمام - لم يعرهم أي اهتمام؛ الأمر الذي أنعش في نفوسهم الرغبة في التمرد والانتقام، هربوا في العام التالي إلى أرحب، ومعهم محمد بن إسحاق، نصبوه إمامًا، تلقب الأخير بـ (المُؤيد)، ليجنح بعد حروب وخطوب للسلم.
اختلف المُتوكل القاسم قبل وفاته مع ولده الحسين حاكم عمران، كان الأخير يتطلع لزيادة نصيبه في الإقطاع، استغل سخط القبائل، وسعى لتمتين علاقته مع كبرائها، وقاد بنفسه الجموع الغاضبة صوب صنعاء، دخل الأخيرة بمجاميعه 21 رمضان 1139هـ، وأبوه طريح الفراش، لم يكترث لمرضه، ولم يقم حتى بزيارته، ليلفظ الأخير في اليوم التالي أنفاسه.
بوفاة المُتوكل القاسم بن الحسين ارتفعت وتيرة الصراع القاسمي - القاسمي، تنافس ثلاثة من نفس الأسرة على الإمامة، وحظوا بمبايعة أغلب الأنصار، تنحى كبيرهم المنصور يوسف، فانحصر الصراع بين اثنين منهم محمد بن إسحاق، والحسين بن القاسم، كليهما تلقبا بـ (الناصر)، وكلاهما عاثا في المناطق الشمالية نهبًا وخرابًا.
وما هي إلا سنوات معدودة حتى اختلف الإمام المُنتصر الحسين بن القاسم، والذي غير لقبه إلى (المنصور) مع أخيه أحمد حاكم تعز، وقد انتهى ذلك الصراع بصلح مؤقت، وما هي إلا سنوات أخرى معدودة حتى تجدد الصراع، فقدم حينها الشاعر أحمد الرقيحي حله الناجع لذلك الإشكال المُتجدد قائلًا:
صنوان قد سقيا بماء واحد
والفضل خال من كلا الأخوين
جرحا قلوب العالمين فما لها
من مرهم إلا دم الأخوين
توفي المنصور الحسين ربيع الأول 1161هـ، والصراع بينه وبين أخيه أحمد على أوجه، ورث ولده عباس الذي تلقب بـ (المهدي) ذلك الصراع، فيما تمادى العم في طموحاته، وأعلن نفسه إمامًا، تلقب بـ (الهادي)، وانفصل بتعز، وإب، ولم ينته ذلك الخلاف إلا بوفاته في العام التالي، وكم كان الشاعر الرقيحي مُحقًا في تشبيهه، إذا ما اعتبرنا دم الأخوين نهايتهما.
وفي عهد المنصور علي بن المهدي عباس (1181هـ - 1224هـ) تمرد أهالي الروضة بإيعاز من آل الكبسي، وآل أبي طالب شوال 1222هـ، وحين تقوى أمرهم، رام بعضهم خلع الإمام، وتنصيب الحسين الكبسي بدلًا عنه، فشلت جهود الوسطاء في إيقافهم، فخرج إليهم أحمد بن الإمام، قبض على قادتهم، فيما تشفع لهم العلامة الشوكاني من موت مُحقق، أودعوا السجن، ليموت الكبسي مع بداية العام التالي في دهاليزه.
وفي عهد المهدي عبدالله بن المتوكل أحمد (1231هـ - 1251هـ) أعلن أحمد السراجي نفسه إمامًا جمادي الأولى 1247هـ، تلقب بـ (الهادي)، وناصرته بعض القبائل، زحف بهم لمُحاصرة صنعاء، إلا أنَّهم تفرقوا بعد أنْ أغدق إمامها على كبرائهم بالأعطيات، عاد مرة أخرى إلى نهم مُنطلق دعوته، ليحشد القبائل مرة أخرى، فدس له المهدي من قتله غيلة بضربة سيف صفر 1248هـ.
دخلت الإمامة الزيدية بعد وفاة المهدي عبدالله مرحلة الموت السريري؛ بل وعجزت عن حكم صنعاء نفسها، عصفت الخلافات الأسرية بشبه الدولة المُتبقي، وانحصرت دولة الإمامة بأئمتها الجدد في المناطق البعيدة، وعنهم قال المُؤرخ إسماعيل الأكوع: «وكان كل واحد يرى الحق معه، ولقد بلغ الحال ببعضهم أنْ قاتل أخاه وابن عمه، ورفع السيف على أبيه».
تولى علي بن المهدي عبدالله الإمامة بعد وفاة أبيه شعبان 1251هـ، وتلقب بـ (المنصور)، ولم تدم إمامته في جولتها الأولى سوى سنة وثلاثة أشهر، قام ابن عمه عبدالله بن الحسن بعزله، وأعلن نفسه إمامًا، تلقب بـ (الناصر)، وزج به وعمه محمد بالسجن، وقد كانت نهاية الناصر قتيلًا على يد الإسماعيليين ربيع الأول 1256هـ (مايو 1840م).
تولى الإمامة السجين محمد الذي تلقب بـ (الهادي)، ثم السجين علي الذي تلقب بـ (المهدي)، وعارض الأخير قريبه محمد بن يحيى الذي تلقب بـ (المتوكل)، حظي بدعم حسين بن حيدر صاحب أبي عريش، وبه انتصر جمادي الآخر 1261هـ، وما هي إلا أربع سنوات حتى ثار أهالي صنعاء عليه، أعادوا المهدي علي لكرسي الإمامة، ليأمر الأخير بضرب عنقه.
كان قد بويع في صعدة للمنصور أحمد الويسي إمامًا شعبان 1264هـ، توجه جنوبًا، وحين فشل المهدي علي في صد زحوفاته، خلعه سكان صنعاء رجب 1266هـ، ونصبوا العباس بن عبدالرحمن إمامًا، لينقسم سكان الأخيرة بينه وبين الإمام القادم من صعدة، ليؤول الأمر بعد خمسة أشهر لهذا الأخير، حبس العباس، وقام بتخريب وحرق بيوت مُعارضيه، ونهب أموالهم.
أما المهدي علي فقد نفد بجلده إلى وادي ظهر، وجدد من هناك دعوته، وتلقب بـ (الـمُتوكل)، وحظي بمساندة القبائل التي ناصرت المنصور أحمد، ليجتاح صنعاء بـ 6,000 مُقاتل، لتتعرض المدينة لأشنع جرائم السلب والنهب، أما الإمام المخلوع فقد خرج خفية إلى أرحب، وفيها استقر إلى أن قضى نحبه، وقيل أنَّه مات مسمومًا.
عمت الفوضى، وسقط الأمر من يد الـمُتوكل علي الذي فرَّ هو الآخر إلى يريم، ليكثر بعد ذلك أدعياء الإمامة، حتى أنَّ أحدهم أعطى أرباب الدولة 500 ريـال لينصبوه إمامًا، نصبوه ليلة واحدة، أو بعضها، ثم عزلوه في الصباح.
ومن منطقة الروضة أعلن غالب بن الـمُتوكل محمد نفسه إمامًا شعبان 1267هـ، وفي صنعاء عقدت البيعة لمحمد بن عبدالله، استمرت إمامته لثلاثة أيام، ولم يتجاوز خلالها عتبة داره، وقد كان مدعاة للتندر والسخرية، وفي كوكبان انقلب أحمد شرف الدين على ابن عمه محمد عبدالكريم، واستقل بحكمها لنفسه، ومن ضوران أعلن عبدالرحمن بن الـمُتوكل أحمد نفسه إمامًا، وتلقب بـ (المهدي)، ومن ضلاع جدد المُؤيد العباس دعوته، وتوجه بالقبائل المناصرة له صوب صنعاء.
كان الهادي غالب قد سبق المُؤيد عباس بدخول صنعاء، لينقسم سكانها بين الاثنين، دارت حرب شعواء بين أنصارهما جمادي الآخر 1268هـ، دفعت صنعاء ثمنه كثيرًا، ومن طريف ما يروى أنَّ الدعاء في خطبة الجمعة بقبة المهدي كان للعباس، وفي الجامع الكبير كان لغالب، تحققت بعد 52 يومـًا الغلبة للأخير، ولم يتجاوز حكمه أسوارها.
اختلف الهادي غالب بعد ذلك مع أحمد شوع الليل، دارت بينهما حروب داخل أسوار المدينة المنكوبة، انتهت بداية العام التالي بخلع الهادي، توجه بعد ذلك وفدٌ من العلماء والأعيان إلى بني حشيش، حيث محمد الوزير، ألزموه الحجة، فأظهر دعوته، وتلقب بـ (المنصور).
استقرت صنعاء في عهد الإمام الجديد نوعًا ما، ولم يكد العام 1270هـ ينتهي حتى عاد رجال القبائل لغيهم، اجتمعوا في الروضة حول الحسين الذعرور، ساندوه ونصبوه إمامًا، تلقب بـ (الـمُتوكل)، واقتحم صنعاء، ودارت مواجهات متقطعة بين أنصاره وأنصار المنصور محمد، وحين لم ينتصر أي من الإمامين، اجتمع أعيان صنعاء، ومشايخ القبائل، واتفقوا على خلعهما، وتنصيب محسن الشهاري إمامًا، تلقب الأخير بـ (المتوكل)، إلا أن أمر صنعاء لم يستتب له.
وبالعودة إلى الأئمة الذين تم خلعهم، فقد أجمعوا أمرهم على عودة الهادي غالب لتولي الإمامة، ليدخل الأخير صنعاء للمرة الثانية دون حرب، وجعل الحاج أحمد الحيمي وزيرًا، اختلفا؛ فاستدعى الأخير علي بن المهدي، ونصبه إمامًا، حشد الأول القبائل المُساندة له، وحاصر بهم صنعاء، ثم وقع الصلح على خلع علي، وبقاء غالب إمامًا صُوريًا ليس له من الأمر غير الدعاء.
جدد المتوكل محسن الشهاري دعوته، وناصرته بعض القبائل، فيما راسل أنصار الحيمي بعد أن ثار سكان صنعاء عليه الحسين بن محمد في الطويلة، وطلبوا منه أن ينهض بالأمر، دعا الأخير لنفسه، وتلقب بـ (الهادي)، وأطاعته أغلب القبائل، وكانت له بادئ الأمر سطوة عظيمة، وقد انتهى به الأمر مطرودًا من صنعاء بعد ثورة قام بها سكانها.
استقر التنافس بين الـمُتوكل محسن، والهادي الحسين، حاولا كليهما السيطرة على صنعاء، ولم يحصل منهما - كما أفاد الـمُؤرخ الحرازي - للمسلمين فلاح، ولا ظهر من أحدهما في البلاد نجاح، لينجح الأول بالسيطرة على صنعاء جمادي الأولى 1279هـ، إلا أنَّ بقاءه فيها لم يستمر طويلًا.
في بداية العام التالي جدد من الروضة الذعرور دعوته، وتلقب هذه المرة بـ (الهادي)، ناصرته بعض القبائل، دخل صنعاء، ولم يكن له من الأمر شيء. كان لا يزال في تلك الأثناء الهادي حسين، والـمُتوكل مُحسن الشهاري على دعوتهما، وبدأ كليهما يتهيأن للانقضاض على ذات المدينة، وهدفهما الانتقام من سكانها الذين نكثوا بيعتهما.
كانت جبهة المُتوكل مُحسن الأكثر عددًا، توافد رجال القبائل لنصرته، وبدأ أنصاره داخل مدينة صنعاء يمهدون لوصوله، إلا أنَّ حاكمها محسن معيض فوت عليهم ذلك، ساند الهادي حسين، وتحقق للأخير دخول ذات المدينة ذي القعدة 1282هـ، سيطر عليها بالكامل، وبايعه بعض سكانها.
خفت بعد ذلك ذكر الهادي حسين، خلعه سكان صنعاء، وساندوا الذعرور، وكانت نهاية الأخير مطرودًا ومعه حشد كبير من أفراد أسرته، دانت المدينة لمُحسن الشهاري جمادي الأولى 1284هـ، لم يطل بقاؤه هو الآخر طويلًا، جاء الأتراك بطلب من عدد من الأعيان والأئمة السابق ذكرهم 1289هـ (1872م)، ولم تستعد دولة الإمامة جزء من عافيتها إلا بعد تولي المُتوكل يحيى بن المنصور محمد حميد الدين الحكم 1322هـ (1904م).
عارض الحسن الضحياني الإمام يحيى، وتلقب بـ (الهادي)، اكتفى بحكم مناطق شمال شمال، وتسمى بـ (إمام الشام)، وسمى منافسه بـ (إمام اليمن)، وقد عمد بعض مؤرخي العهد المُتوكلي على تسميته بـ (المشاقق)، صمد لخمس سنوات، وبالحيلة استطاع مُنافسه أنْ ينتصر عليه، وانتهى به الحال بالموافقة على العيش في باقم، مُتخذًا منها هجرة للعلوم الدينية حتى وفاته 1347هـ (1927م).
كما عارض الإمام يحيى محمد المُؤيدي، كانت دعوة الأخير ذات حضور محدود، لم يتوسع الـمُؤرخون في ذكر تفاصيلها، ليقوم إمام صنعاء فيما بعد بحبسه 1349هـ، ولم يخرج من السجن إلا بعد مرور 30 عامًا، وكان قد مضى من عمره الكثير، وكان الموت إليه أقرب.
وفي العام 1341هـ (1922م) كان تمرد بيت الوزير الأول، قاده محمد بن علي الوزير، كان الأخير نائبًا عن أبيه في قبض واجبات خولان، شجع بعض عقال الجبل على التمرد، وحين تم القبض عليهم تخلى عنهم، ليعاود الظهور من ذات الجبل، بعد أن تجمع معه جماعة من بني جبر، وخولان، وبني بهلول، وأعلن نفسه مُحتسبًا، وشرع في بث رسائله إلى الجهات مُعترضًا على أسلوب الإمام يحيى في الحكم، إلا أن الأخير قبض عليه، وزج به بالسجن، ليتدخل ابن عمه عبدالله في الإفراج عنه، وكانت نهايتهم جميعًا بعد فشل ثورة 1948م.
وفي العام 1936م أعلن أحمد بن محمد زبارة نفسه مُحتسبًا، وطالب بتأليف هيئة من كبار العلماء على رأسها زيد الديلمي، لتنظر في ذلك الموضوع، وقد أحال الإمام يحيى أمره لوالده، فما كان من الأخير إلا أن أخذ ولده إلى المقام، فقدم المُحتسب اعتذاره، وقضي الأمر.
وفي العام 1946م انضم إبراهيم بن الإمام يحيى إلى صفوف الأحرار، الأحرار الذين حسموا أمرهم بثورة لبست العباءة الزّيدِيّة، ونصبوا عبدالله الوزير إمامًا دستوريًا ربيع الثاني 1367هـ (فبراير 1948م)، تلقب الأخير بـ (الهادي)، وكان بشهادة كثيرين أسوأ من سلفه بكثير.
استغل ولي العهد أحمد يحيى حميد الدين حادثة مقتل أبيه، وحشد الحشود لدخول صنعاء، ولم يكد يصل حجة حتى ظهر إمام آخر، يدعى علي بن حمود شرف الدين، أحد رجالات دولة الإمام المقتول، إلا أنَّ الأخير سريعًا ما أذعن وأعلن ولاءه للسيف أحمد، وكان من أبرز رجالاته في سحق الثورة الدستورية، وكوفئ بتعينه أميرًا للواء الحديدة.
دخلت قوات السيف أحمد صنعاء؛ فانتهت بذلك إمامة ابن الوزير التي استمرت لـ 26 يومـًا، في اليوم التالي لسقوط تلك المدينة أعلن السيف أحمد نفسه إمامًا، وتلقب بـ (الناصر)، أسرف في سفك الدماء، وقتل شقيقه إبراهيم بالسم، وقتل أيضًا أخوه يحيى بنفس الأسلوب، كما أعدم عبدالله الوزير و36 ثائرًا بدون محاكمة.
وفي شعبان 1374هـ (مارس 1955م) قامت انتفاضة المقدم الثلايا، ولم تخرج هي الأخرى عن العباءة الزّيدِيّة، أجبر الإمام أحمد أنْ يتنازل بالإمامة لأخيه غير الشقيق عبدالله، وجاء في وثيقة التنازل ما نصه: «حملنا الأخ سيف الإسلام عبدالله الحجة، وكان التنازل على أنْ يقوم بالأمر»، انطلت الخُدعة على الإمام الجديد الذي تلقب بـ (الـمُتوكل)، وحين نصحه البعض بإعدام الإمام المعزول، زجرهم، وصدق أنَّه أصبح الإمام الفعلي، ولم يفق من حلمه إلا بعد خمسة أيام، وإذا بمن عفا عنه بالأمس يأمر بفصل رأسه عن جسده، وفصل رؤوس 16 آخرين، منهم أخوه الشقيق العباس.
بعد عدة محاولات فاشلة لاغتياله، توفي الناصر أحمد في مدينة تعز ربيع ثاني 1382 (19سبتمبر 1962م)، فخلفه ولده محمد البدر، تلقب الأخير بـ (المنصور)، وأعلن بعد يومين من الجامع الكبير بصنعاء خارطة طريق حكمه، وأنَّه لن يحيد قيد أنملة عن نهج أسلافه، ليهرب بعد خمسة أيام بصعوبة؛ وذلك بعد أنْ أعلن الثوار بقيادة الزعيم عبدالله السلال قيام (الجمهورية العربية اليمنية).