عذبته مليشيا الحوثي حتى أصيب بالشلل.. أي حياة أعيشها الآن؟
الأربعاء 25 ديسمبر ,2024 الساعة: 11:30 مساءً
منظمة سام جنيف - الحرف 28

لا يستطيع محمد الحاج سرد التفاصيل التي شلت حركته، فكلما دخل في الحديث انهار وبكى، وسرعان ما يطلب من الآخرين مغادرة المكان ويلوي على الصمت. أصعب المواقف التي يتعرض لها الإنسان أن يحكي الإهانات التي تلقاها، التعذيب الذي شل حركته، كيف وقد حدث ما حدث لعامل بناء يعمل بالأجر اليومي وأساس حياته تقوم على الحركة.

كان محمد الحاج يعيل والدته المريضة ويوفر علاجها كما يرعى شقيقاته اليتيمات، من عمله كبَنَّاء. كان ذلك قبل أن تروه مشلولاً يحكي ما تعرض له: «كنت أعمل في إحدى البنايات المجاورة لمصنع السمن والصابون بتعز، لكي أوفر لقمة عيشٍ لي وأمي وشقيقاتي، كنت سندهن الوحيد، ضحيت بسعادتي من أجلهن. حضر أبو علي الشامي إلى البناية يسأل عن اسمي فأجبته: أنا.. أنا.. كنت قد فرحت واعتقدت أنه يريدني للعمل».

توقف محمد عن الحديث، طلب وقتاً كي يغالب أحزانه، فالفرحة التي راودته أثناء وصول أبو علي الشامي، كانت فرحة ناجمة عن ضمانه لخوض عمل جديد يضمن فيه استمرارية مصاريف أسرته: أمه المريضة وشقيقاته اليتيمات. غير أن تلك الفرحة،  كانت بداية الأحداث التي ستجعله على ما هو عليه الآن: جسداً ممتداً على فراش، مشلولًا لا يقوى على الحركة.

ظن الحاج أن الشامي زبوناً من ذوي الجاه إذ يرافقه مسلحون، ولم يظنه قيادياً مع جماعة الحوثي في المناطق التي يسيطرون عليها في محافظة تعز، بمجرد أن ذكر اسم: «محمد خالد محمد الحاج»، وقف محمد مبتسماً واثقاً من نفسه وجودة عمله: «أنا هو المطلوب»، حينها، يواصل محمد الحديث: «بدأ الرجل بصفعي على الوجه بدون أي سبب أو مبرر غير أني قلت له أنا الشخص الذي تبحث عنه، وكان جواره ٨ مسلحين وجهوا أسلحتهم تجاهي».

يبكي محمد قبل أن يستأنف سرد الوقائع التي تلت نقله إلى معتقل مدينة الصالح ــ وهي مدينة سكنية لم تكتمل بعد، حولها الحوثيون إلى معتقل كبير متعدد البنايات والاستخدامات في منطقة الحوبان شمال شرق مدينة تعز.

زجوا بمحمد إلى داخل غرفة صغيرة: «لا أستطيع النوم فيها، كانت رائحة الغرفة نتنة، في اليوم الثاني قدموا لي وجبة، بعدها قرروا لي وجبتين و75 مليلتر من الماء في اليوم».

ظل محمد لأربعة أيام دون أي تحقيق، كان يفكر بوالدته وعلاجها: «كنت أريد طمأنتها ولكن كيف؟!».
لم يجد طريقة لطمأنة أمه، لأنه لم ير أحدًا يسأله ويستجوبه طوال ثلاثة أيام من الاعتقال، وعند الساعة الرابعة عصراً من اليوم الرابع: «أخذوني إلى التحقيق، وعندما وصلت إلى المحقق كان أول شيء طلبه مني: اعترف أنك داعشي» ـ يستخدم الحوثيون هذه التهمة لكل من يخالفهم ولا علاقة لها بالتنظيم المتطرف دولة العراق والشام "داعش".

يصمت محمد قليلاً: «ما معنى كلمة داعشي؟ أنا عامل بناء لا أعرف أي شيء». يحني رأسه ثم يرفعه والدمع يسطع بعينيه: «تم الربط على عيني وتكبيل يديّ وتعليقي وبدأوا التعذيب، تعرضت إلى أكثر من ٣٠ لكمة ولطمة في الوجه حتى أغمي عليّ، كنت أنزف من الأنف بسبب ما تعرضت له».

يحاول محمد السيطرة على دمعه باللجوء إلى الصمت لهنيهة، لكن دموعه تسقط بغزارة، وإثر ذلك يطلب من فريق الرصد بصوت يتحشرج بالبكاء أن يتركوه قليلاً.

بعد نصف ساعة، واصل محمد سرد التفاصيل وهو مغمض العينين: «عندما أغمي عليّ قاموا بضربي بالرأس بقارورة ماء مثلجة حتى أفقت، كنت أطلب منهم أن يوقفوا النزيف، لكن لا حياة لمن تنادي. كنت أقول لماذا كل هذا يحصل لي؟ ما هو الذنب الذي فعلته لكي يحصل لي كل هذا؟»
يبكي بحرقة، ويدعو على الحوثيين الذين عذبوه، ثم يتابع: «أعادوا لي نفس الطلب:
«اعترف بأنك داعشي؟» لا أعرف معنى الكلمة. فعادوا لتعذيبي واتخذوا هذا المرة طريقة جديدة وهي ربط أصابع قدميّ كل إصبع لوحدها وقام بشدها بقوة ومن شدة الألم والصياح الذي كنت أطلقه يغمى علي وكلما يغمى علي يقوم المحقق بضربي بالرأس بقارورة ماء مثلجة حتى أصحو. استمر التعذيب بهذه الطريقة من الساعة الرابعة عصرا وحتى الحادية عشرة ليلاً. لم أفق إلا في اليوم الثاني وشفت نفسي بين ٣٠ معتقلا في شقة.. كنت أسألهم: أين أنا؟».

يكتم محمد بكاءه، وبصوت متهدج يواصل: «كنت أتعرض إلى أبشع أنواع التعذيب.. يومين في الأسبوع» ينفجر بالبكاء، يصمت لمدة ساعة كاملة، يظن من يستمع له أنه قد استرد أنفاسه وأصبح مستعدًا لاستئناف التفاصيل:

«عذبوني حتى صرت معاقاً لا أستطيع الوقوف على قدمي، دخلت المعتقل وأنا بكامل صحتي وخرجت معاقًا»، يحاول التحرك بجسده الممتد، يبكي بحرقة ويهطل دمعه كالمطر: 

ـ «أي حياة أعيشها الآن بعد ماصرت معاقًا وصارت أمي تستجدي الناس في الشوارع؟ أي حياة هذه؟».
يصمت محمد، يتوقف عن الكلام، يبكى، وبلغة الإشارة يطلب من الراصدين الخروج.

نقلاً عن موقع منظمة سام للحقوق والحريات


Create Account



Log In Your Account