السبت 25 يناير ,2025 الساعة: 06:39 مساءً
في الواقع، يشهد اليمن حالة تشطير لا تخطئها العين حيث هناك، منذ عشر سنوات، سلطتان متمايزتان في لونهما السياسي وهويتهما شكلهما الإداري وان كان الفساد يجمعهما مع ظهور فارق في درجة استعمال العنف والقهر وخرج القانون وممارسة سياسية تميزية تفوز الجماعة الحوثية بالمركز الأول، وهناك سياستان نقديتان تصدر إحداهما من عدن وتأتي الأخرى من صنعاء نتج عنهما ريال يمني بسعرين متفاوتين. وهناك منظومتان تعليميتان، فما هي أفق الانفصال؟
الحوثية جماعة انفصالية. وهي السباقة إلى تكريس التشطير بوسائل متعددة رغم أسبقية ادعاء الانفصال من طرف فصيل في الجنوب. لكن الجماعة الحوثية انفصالية تسيطر على شمال غرب اليمن لا لأنها قد قنعت عن الجنوب أو أنها بالفعل ترى القضية الجنوبية قضية جوهرية في معالجة الشأن اليمني ولا بأس من تقديم تنازلات إنما انفصال على سبيل تثبيت وترسيخ سلطتها في جزء من اليمن حتى تتمكن لاحقاً من تعميم سلطتها القسرية وفرض هويتها السياسية الدينية وهيمنتها المذهبية على باقي اليمن.
اليكم الحقايق التالية:
أولا الاستعدادات العسكرية من جانب مكونات الشرعية المختلفة هي استعدادات دفاعية فقط ولا تروم بلوغ صنعاء بينما يراكم الحوثيون القدرات العسكرية ويعززون من مقدراتهم القتالية الصاروخية منها، تحديدا على نحو هجومي يستطيعون بها الاستيلاء على كامل البلاد.
ثانياً، لم تستطع الحكومة الشرعية تنفيذ أي عمل جهومي نتج عنه إلحاق أي ضرر مباشر منها بصنعاء أو الحديدة منذ أن توقف الطيران بينما تجاوز ضرر الحوثي الخطوط القتالية وخلق قواعد اشتباك جديدة فضرب منشآت في عدن وحضرموت وشبوة البعيدتين عن جبهات المواجهة.
ثالثاً، لم تتمكن عدن لاسباب كثيرة منها المراوحة بين التعبير عن عاصمة يمنية مؤقتة أو البقاء تحت سيطرة فصيل انفصالي من التحول إلى عاصمة لكل اليمنيين ومرتكزا عسكرياً وأمنياً وسياسياً وحزبياً ودبلوماسياً لخوص معركة استعادة الدولة ودحر الخطر الحوثي بينما تؤدي صنعاء دوراً مركزيا في الاستراتيجية الحوثية من أجل الاستيلاء على كامل اليمن.
هذا لا يعني أن الجماعة الحوثية وحدوية التكوين أو النهج انما توسعية وبالتدريج وعلى مراحل وتتحين الفرصة لبسط نفوذها على كامل الجنوب والشرق وسبق أنها حاولت فعل ذلك عين استولت بجحافلها على عدن ولحج ومدن في شبوة وأبين ولم يقصر يدها غير عمل عسكري إقليمي أو بإسناد إقليمي كبير.
لذا وبناء على الرغبة في ابتلاع البلاد وفرض واحدية مذهبية وسياسية، لا يمكن أن تكون هذه الجماعة الحوثية شريكاً وحدوياً مع بقية القوى السياسية التي لا تحبذ الفيدرالية أو ترغب بيمن واحد موحد ولديها موقف متصلب من أي نزعة انفصالية سياسية كانت أو عسكرية. كما لا يمكن التعويل على سلوك الجماعة الحالي التشطيري لحقيق انفصال ناجز في الجنوب.
وستكون النخب الجنوبية الانفصالية ساذجة إذا استأنست إلى هذه الموقف الحوثي الموقت وظنت إنها تستطيع الانكفاء وعدم الانخراط في معركة واحدة لتقويض سلطة الحوثي.
وستكون أكثر سذاجة ان ظنت أن الحوثي طرف مناسب لتحقيق الانفصال كونه يلجم القوى الوحدوية في الشمال وسيقبل بتقاسم البلاد معها.
بالمقابل ترهّل بل وتفكك الدولة اليمنية من داخل الشرعية لا يعني أن الجنوب برمته قد وصل إلى اجماع سياسي على تحديد الهوية والشكل السياسيين لمناطق الجنوب والشرق يصبح معهما انفصال الجنوب تحصيل حاصل ومسألة اجرائية.
العشر السنوات الماضية خلقت واقعا جديدا في مناطق الجنوب والشرق جعلت انفصال الجنوب أكثر تعقيدا مما كان في مرحلة الحوار الوطني. لأنها نقلت هذا الأمر من قضية سياسية تتكيء على مضالم الجنوب في عهد صالح وسوء إدارة مرحلة الوحدة الاندماجية كقضية تحظى بقبول سياسي للنقاش إلى ميدان لصراع محلي -اقليمي يهدد سلامة الجنوب عينه.
حيث اشتبكت قوى إقليمية عديدة اصبح معها قيام هوية وكيان سياسيين جنوبيين موحدين أمر في غاية التعقيد وطريق لا تعيده إلى الصراعات الشاقة نتيجة تعدد الفاعلين وتنوع تبعياتها الخارجية وتكاثر الكيانات السياسية المسلحة. ظهرت حالة توازن ضعف وتشرذم سياسي يتعذر معهما انتصار مشروع سياسي واحد على مشاريع أخرى إلا بدماء وإلغاء وتهميش وإقصاء. أي بتكرار تجارب سيئة لا تصلح بناء مستقبل
هل يمكن التطرف لموضوع كهذا في هذه المرحلة؟
الانشغال بالصراع مع الحوثي والرغبة في ممالاة الحالة الجنوبية والترفع عن المزاج الشطط وتحبيذ خلق مناخ تعاضدي وتوجيه النظر نحو اخطار أكبر وطارئة وإعادة ترتيب الأولويات يستدعي ضمنيا عدم التطرق إلى الوضع في الجنوب بنوع من الصراحة والشفافية. لكن النزاهة البحثية أو صدق الاهتمام بالوضع اليمني يستلزم الخوض ويستوجب وضع السبابة حيث تنبغي الإشارة إلى مكامن القصور والعجز والخلل.
خلاصة القول هنا أن الحالة التشطيرية التي تسارع الحوثية إلى رسمها في اليمن لا تقود إلى انفصال آمن ولا توفر شروطه الحقيقة مهما بدت ظواهر التشطير في بعدها السطحي مؤسسةً للانفصال.
وستخطئ النخب الانفصالية الجنوبية إذا ركنت إلى هذا الواقع التشطيري المؤقت المرسوم بارادة حوثية والذي قد يباغتها بتقلباته. كما تخطيء النخب غير الانفصالية إذا لم تجمع قواها الكامنة لتجاوز التشطير نظرا لكلفته الباهظة على الحاضر اليمني.
نقلاً عن صحفة الكاتب على منصة إكس