هلموا إلي... هل ترغبون بفنجان من القهوة؟
الإثنين 03 فبراير ,2025 الساعة: 09:32 مساءً

قبل أكثر من شهر، حصلت على دعوة لحضور فعاليات منتدى اليمن الدولي الثالث، الذي سينعقد في الأردن هذا الشهر، بحضور أكثر من 200 شخصية قيادية على المستويين الدولي والمحلي. 

مثل هذه الدعوات تتكفل الجهة المنظمة بنفقات حضور المدعويين، لكن في هذا المؤتمر الامر يختلف، عليك تحمل التكاليف وهم سيوفرون لك القهوة..هذا العرض يشمل البسطاء، اما القادة وكبار الشخصيات سيحضرون بالدرجة السياحية.

شخصيا.. اعتقد ان مثل هذه الدعوات، خصوصا أذا ما كان القائمون عليها جهات يمنية، فغالبا ما تكون تحصيل حاصل أو مبرر لقسم اليمين أمام الممول أن الاختيار تم بشفافية، لذلك لم لا اهتم بها كثيرا. لكن صديق لي همس في أذني "فرصة السفر شبه مضمونة"، ولأني أعرف أن هذا الصديق يعرف ما يقوله، سارعت للدخول إلى رابط الدعوة وقدمت المعلومات اللازمة. هذا الصديق، صدم لاحقا من عرض القهوة.

ولأني لا احظى بمثل هذه الفرص كثيرا، نظرا لتجنبي قطار التطبيل للسلطات والمسؤولين وحتى الاحزاب، قلت في نفسي، إن حضور المنتدى فرصة كبيرة لترميم الحالة النفسية التي طحنتها الحرب طيلة السنوات الماضية، وهي أيضا فرصة لزيارة شقيقي سليم الذي يعيش في الاردن منذ 15 عاما. 

سأضرب عصافير عدة وليس عصفورين فقط، بحجر واحده، أولها المشاركة في منتدى دولي، رغم أن هذه المنتديات والمؤتمرات ليست الا ثقبا أسود لابتلاع أموال المانحين التي تقدم باسم دعم اليمن، ومع ذلك لن أتردد بتقديم النصيحة للقيادات اليمنية ان الحل لوضع اليمن يبدأ من الميدان وليس من الفنادق والمؤتمرات والقهوة، وثانيها تغيير جو أعالج بها أوجاع الروح، وثالثها سأزيل الشوق مع أخي وسأتجسس على وضعه بعد 15 عاما من الغربة.. سأكتشف هل أكمل نصفه الاخر في عمان كما تتردد الاشاعات منذ سنوات،  أم اشترى نصف "معان" - محض خيال - أم فاز بحق اللجوء ام لم يفز بأي شيء سوى النجاة بجلده من وطنه الذي تقاسمته عصابات الفساد وتجار السياسة ودعاة الحق الإلهي.. سأسأله هل ما يزال يذكر "القات المطيور"، لانه غالبا لا يتحدث عن ذلك اثناء تواصله بنا.. باختصار : سأعرف اخباره أيا كانت، وأحل اللغز الذي حير الاسرة. 

شهر كامل، وأنا أخطط لرحلة الاردن..المنتدى مدته ثلاثة أيام، لكن رحلتي ستكون لاسابيع وربما أشهر، سأتجول في شوارع عمان مرتديا بدلة أنقية وربما نظارات شمسية، وأذهب لزيارة صديقي عمر الحاج في "معان"، ان كان لا يزال هناك، وأصدقاء آخرون كثر، سأشاهد "البتراء"، وربما أذهب الى المكان الذي يشاهد فيه المسجد للاقصى - لا أعرف اسمه - وسأحاول تجنب اختلاس النظر الى الحسناوات في العقبة..هل سأتمكن من ذلك حقا؟.. ربما.

يوم الخميس الماضي، عند الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، وردني اشعارا من البريد الإلكتروني، ولمحت عيني، في الاشعار كلمة "موافقة"، قبل ان يختفي الاشعار من الشاشة، فأخذني عقلي الباطن ورافقه الظاهر، الى المنتدى الدولي، فسارعت لقراءة البريد وكانت بالفعل الرسالة المطلوبة. 

الرسالة من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، تفيد بقبول طلب المشاركة في المؤتمر، وأرفقوا لي ملفين..أحدهما خطاب الموافقة والثاني تفاصيل الترتيبات اللوجستية.

تجاهلت ملف خطاب الموافقة وذهبت للترتيبات اللوجستية، واثناء ذلك تعكر صفوي بعدما تذكرت ان جواز سفري مفقود، لكن طمأنت نفسي بأن الجواز سهل، سأتدبر الامر بشكل ما. 

في الترتيبات اللوجستية، تجولت بنظري سريعا على الصفحات لعلي ألمح أي جملة تشير الى تذاكر الطيران، او جزء من الدعم المادي، لكني لم أجد أي من ذلك. 

قلت لا يعقل.. سأعيد القراءة مرة أخرى، لعلي لحنت النظر، او ربما الحماس أخذ تركيزي برهة من الوقت وترك الأمر لنظري الذي لا يستطيع العمل بدون رفيقه. 

أعدت القراءة.. وحصرت البحث في زاوية ضيقة، أفتش عن علامة "$"، أو "طيران اليمنية"، لكن لا يوجد أي منها. لم أجد أي ترتيبات لوجستية. 

إذن.. ما هو الدعم اللوجستي، بعد تفحص، قال المركز العملاق، إنه سيتكفل بوجبة غداء والقهوة وبعض الوجبات الخفيفة. 

يا إلاهي..ما الذي يحدث..دعوة مطولة ومعرضة لأجل كوب القهوة. 

مئات آلاف الدولارات وربما ملايين لاقامة الحدث على حساب المانحين طبعا، وبالنهاية سيقدمون لي القهوة..قهوة يا بتوع المدارس 

طبعا..لن نهضم المركز حقه، فقد حرص على اخباري بلون التاكسي المفضل للتنقل، والمسافة بين الفنادق ومقر انعقاد المنتدى..قال ان التاكسي الاصفر مفضل، ونصحني بمصارفة الدولارات التي سأجلبها معي الى الاردن لشرب كوب القهوة الذي سيقدمه لي المركز مجانا. 

للتأكد وازالة الشك.. سألت مسؤولة بقسم التواصل في المركز عن تكاليف السفر، فقالت إن مشاركتي "ذاتية التغطية"، فقلت لها، هل يعقل ان أدفع آلاف الدولارات من أجل أشرب قهوة المركز. القهوة اليمنية جيدة، وسعرها لا تتعدى سنتات، فلماذا ادفع آلاف الدولارات لأشرب قهوتكم¡؟ 

اتوقع ان القهوة كانت ستقدمها فتاة شقراء مليحة المنظر، حسنة الهندام، لكن ماذا لو قلت لكم اريدها من يد شخص عادي، اشعث أغبر... هل سيخفض السعر الى النصف؟ 

بحسب معلوماتي، يتلقى هذا المركز دعما كبيرا، من مانحين، تقدم لهم باسم دعم اليمن، والنتيجة "ذاتية التغطية".. يقدمون الفتات لكسب شرعية استمرار تدفق اموال المانحين. 

لم اغضب اطلاقا، بل على العكس، اصبت بنوبات من الضحك على عرض القهوة المغري، والوجبات الخفيفة.
 
القهوة اليمنية ممتازه، لذلك تجاهلوا أي عروض خارجية لشرب القهوة خاصة اذا كانت من دول منافسة لموكا كوفي.


Create Account



Log In Your Account