إيران وإسرائيل جنباً إلى جنب لتقسيم سوريا
الثلاثاء 11 مارس ,2025 الساعة: 03:19 مساءً

بتنسيق أو بدونه، التقت مصالح إيران وإسرائيل في سوريا، وقاتلتا جنباً إلى جنب في الميدان كما في الدعاية الضخمة في الشبكات الاجتماعية والإعلام.

يمكن الاعتراف بأن طهران وتل أبيب، اللتين تركضان في مساحات واسعة من عالمنا العربي المستباح، لم تخسرا كلياً المعركة العسكرية للفلول، لكنهما ربحا، بما لا يقاس، معركة الدّعاية والتضليل.

من يتابع الحسابات الإيرانية وشبكة محور وأذرع طهران من بغداد إلى صنعاء على مواقع الشبكات الاجتماعية، كما الحسابات الإسرائيلية، سيعرف تماماً كيف كانتا تتكاملان في السرديات نفسها.

قبل أن يشتعل الساحل السوري بهجمات الفلول والمذابح الكبيرة بحق أفراد القوات الحكومية، كانت الحسابات الصهيونية والإيرانية تبشِّر ب"ثورة" تقتلع السلطة الجديدة.

وفي الساعات الأولى، كانت هذه الحسابات تنشر الأخبار أولاً بأول عن السيطرة على مدن الساحل السوري. واستبقت وسائل إعلام وحسابات إيرانية تلك الهجمات بالإعلان عن إنشاء "المقاومة الإسلامية في سوريا".

احتاج الوضع لأن يتغيَّر أقل من 24 ساعة، واستطاعت السلطات استعادة زمام السيطرة على مُعظم مناطق الساحل السوري، ثم انتقلت المواجهات إلى الأحراش والجبال، وهي مستمرة هناك.

لقد كانت المقتلة التي تعرَّضت لها قوات الأمن العام كبيرة ووحشية: في الساعات الأولى كان الحديث عن أكثر من مائة عنصر في عدد من الأكمنة، وبعد مرور 24 ساعة تبيَّن أن القتلى بالمئات.

أساليب القتل كانت مروِّعة وفظيعة، ذكَّرت بعهد مجازر ومحارق نظام الأسد بحق السوريين طيلة 14 عاماً.

هناك مقاطع مصوَّرة لمقداد فتيحة (أحد ضباط النظام)، الذي تزعم تشكيل "لواء درع الساحل"، وهو يتوعّد سكان علويين -انتقدوا دعواته- بالقتل. قال إنه يعرفهم واحداً واحداً، وسيصل إليهم "مباوسة"!

سيظهر هذا المجرم، الذي سبق له تصوير نفسه وهو يقوم بحرق جثث مواطنين سوريين سُنّة ويدوس على رؤوسهم في عهد بشار، وهو يرتدي زي قوات الأمن العام!

هناك شهادات موثَّقة تؤكد أن مجاميع الفلول عندما سيطرت على بعض المناطق باشرت بأعمال القتل حتى في المشافي، وقتلت بشكل جماعي عائلات سُنية في بعض المناطق في جِبلة واللاذقية.

لقد هزَّت الجرائم الشعب السوري، ولنقل بصورة أدق هزّت المواطنين السُّنة، الذين شعروا بمرارة سياسات الإدارة الجديدة التي تجاوزت عن انتهاكات الفلول، ومنحتهم تسويات، رغبة في كسر الحقبة الدّموية.

من الواضح أن السُّنة الذين يشكِّلون أغلبية الشَّعب السوري، وكانوا عُرضة للمجازر وحرب الإبادة الطائفية طيلة 14 عاماً، والظلم طيلة أكثر من خمسة عقود، كانوا الأكثر شعوراً بالقهر مع مواساة محدودة من الطوائف الأخرى.
أن تكون عُرضة للاضطهاد والقمع والقتل المستدام محكوماً طيلة فترة سيطرة الأقلية العلوية فتلك مرحلة عبَرت على الملايين من جماجمهم مكرهين. لكن أن تكون عُرضة للمجازر، وأنت الطرف الأهم في ميزان القوة بعد سقوط بشار، فتلك جالبة للسخط والانتقام لدى البعض.

كان من الطبيعي أن تكون هناك تجاوزات، ففي الميدان، حيث ينغمس المقاتلون في معارك وهم يشاهدون رفاقهم وذويهم يحرقون أحياء، يصبح لجم الانتقام من تاريخ طويل من المجازر والدّم أمراً صعباً، وربما مستحيلاً. لكن السلطات السورية سارعت على الفور لضبط انفلات الأعصاب، وتحمَّلت المسؤولية، وشكَّلت لجنة تحقيق.

والسؤال: هل كانت الانتهاكات بتلك الصورة التي روَّجتها الهجمة الهائلة الإسرائيلية - الإيرانية والروسية، وغرف الدِّعاية السوداء لأذرعهم على الشبكات الاجتماعية والإعلام؟

أي متابع لتلك الحسابات، لا سيما على منصة (x)؛ باعتبارها المنصة الأهم لإدارة حملات التضليل، سيعرف حجم التزييف والفبركة والاختلاق المهول الذي لجأت إليه اللجان الإسرائيلة والمحورجية، وبعض الحسابات العربية المناهضة لسلطة أحمد الشرع.

نظراً لشحة المادة الحقيقية المنقولة من الميدان، أو عدم توفّرها أصلاً بتلك المزاعم، عمدت هذه الحسابات إلى نشر صور من خارج سوريا، وادعت مقتل أشخاص وعائلات سُرقت صورهم الشخصية من حساباتهم على السوشال ميديا، قبل أن يخرجوا لينفوا أنهم قتلوا!

هذا أحد المؤشرات على أن التضخيم كان هدفاً لإحداث أكبر قدر ممكن من ردود الأفعال بين القتل والقتل المضاد، ومضاعفة تمزيق المجتمع السوري واستدعاء التدخلات الخارجية.

كان هناك، ولايزال، نهر من الأكاذيب يتدفق بصورة محمومة ومنسَّقة تشير إلى حجم الإعداد المسبق لحدث ضخم ضُرب في مهده، لكنه مازال يشكِّل تهديداً في تداعياته.

غير أن أسوأ ما حدث على الإطلاق هو السطو على إرشيف ضحايا النظام الذين قتلتهم الآلة الوحشية لبشار طيلة 14 عاماً، والإدعاء بأنهم ضحايا الحملة الأمنية والعسكرية للسلطة الجديدة على مناطق العلويين!

تصور حجم الإرهاب والتضليل والقهر: أن ترى صور ذويك الذين قتلهم النظام تُنشر للتحريض عليك والإدعاء بأنك قتلتهم، وأنهم ضحاياك؟!

إيران وأذرعها متمرسة في تكتيكات التضليل كما الإسرائيليين، والجميع خبراء في التنكيل بضحاياهم مرتين.

بعد عام من الحرب في اليمن، أقام نظام الملالي في طهران معرضاً للصور وزعم أنه يظهر ضحايا لهجمات التحالف. كان قسماً كبيراً من تلك الصور هو لضحايا جرائم المليشيات الحوثية في اليمن؛ بينها صورة مؤثرة لطفل يقف حزيناً على أنقاض منزله. هذا المنزل فجَّرته مليشيا الحوثي في محافظة عمران قبل أن تسيطر على صنعاء، وقبل أشهر من اندلاع الحرب!

إسرائيل فعلت أمراً مشابهاً حين استخدمت صوراً لضحايا فلسطينيين، وزعمت أنهم إسرائيليون!

لقد شنت إيران وإسرائيل حرباً مزدوجة ومتزامنة على الشعب السوري: على الأرض يواصل الجيش الصهيوني توغلاته في قضم المزيد من الأراضي السورية جنوباً مع تدخلات سياسية مباشرة في الوصاية على مكوِّنات سورية، وفي الغرب السوري فجَّرت إيران حرباً طائفية تهدد سوريا بالتقسيم، وتدعم مع الأمريكان المليشيات الكردية الانفصالية شمالي شرق البلاد.

بالتزامن، هناك حملة أكاذيب ضخمة تقودها تل أبيب وطهران، مسنودة بالإعلام الروسي والأمريكي، تهدف إلى إشعال حرب أهلية، وتمزيق سوريا، ووضع البلد تحت الوصاية الدولية.

تمعّنوا جيداً في هذا التحرّك الأمريكي - الروسي السريع لعقد اجتماع في مجلس الأمن لبحث مستجدات الشأن السوري.

طوال 14 عاماً، ارتكب نظام الأسد، مسنوداً بروسيا وإيران ومئات المليشيات الشيعية، حرب إبادة قتلت وشرّدت 16 مليوناً من المواطنين السُّنة مستخدمة البراميل المتفجِّرة والغازات السامّة والأسلحة الكيماوية.

تناوب الأمريكان والروس والصينيون في تحويل الجريمة إلى وجهة نظر، ومنع أي قرار لمحاسبة للنظام.

لكنهم الآن يتحرّكون بسرعة، فقد قالت الخارجية الأمريكية إنها تقف مع الأقليات في سوريا، وهذا يعني ضمناً أنها تؤيد قتل الأغلبية!

ما هو مؤسف أن بعض العرب يتحولون إلى ببغاوات تعيسة في هذه الهجمة الدولية الشرسة، لمجرد إشباع الحقد الأيدلوجي أو مشاعر النقمة السياسية، بينما يلوح في الأفق أننا نوشك على الاقتراب من مرحلة التقسيم التي لن تتوقف عند سوريا.

في عام 2006، نشر الضابط الأمريكي المتقاعد، رالف بيترز، خطة لإعادة تقسيم دول منطقة الشرق الأوسط "تصحيحاً" لما اعتبره "خطأ" ارتكبته خطة "سايكس وبيكو" البريطانية - الفرنسية قبل أكثر من مائة عام، عندما قسَّمت المنطقة العربية. نُشرت الخطة في مجلة القوات المسلحة الأمريكية، واقترحت تقسيم عديد دول على رأسها السعودية بالإضافة إلى سوريا والعراق واليمن، وحتى إيران نفسها.

أما في 2013، فقد نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" خرائط خمس دول؛ على رأسها أيضاً السعودية، مقترحة تحويلها إلى 15 دولة، بينها سوريا والعراق واليمن وليبيا.

لقد أطلقت الولايات المتحدة يد إيران في المنطقة منذ احتلال العراق، وكان على النظام الطائفي أن ينخر الشعوب العربية من الداخل. دمرت إيران 4 دول عربية، وحوَّلت حياة شعوبها إلى جحيم.

كانت تلك هي الوصفة التي أقامت "حدود الدَّم" بين مكوِّنات الشعوب والدول العربية الأربع، وهي الحدود الكامنة في ما تبقى، وها هو العالم يتهيأ لنقل ما رسمه على الورق إلى الواقع.
إنها المؤامرة التي تستثمر في إفرازات الحكم والسياسة في العالم العربي.

بعد سنوات من التضليل خلف القضية الفلسطينية، اليوم تقاتل إيران جنباً إلى جنب مع إسرائيل في سوريا لتأكيد أن مخطط "استهداف السُّنة"، كما كتب عنه المسيحي الماروني د. نبيل خليفة، يمضي على قدم وساق.

ربما ليس مصادفة أن إسرائيل وإيران اللتين تحدث عنهما الكاتب باعتبارهما الأداة الرئيسة للمشروع، هما الأكثر حضوراً الآن في تنفيذ المخطط المسنود أمريكياً وروسياً.

المحزن أن كل ذلك يحدث مجسداً على الأرض، بينما عديد دول عربية مستهدفة، لم تبرح سياستها القديمة التي مكّنت لهذا الخراب.

نقلًا عن موقع قناة بلقيس 


Create Account



Log In Your Account