الأربعاء 09 أبريل ,2025 الساعة: 08:15 مساءً
منذ انقلاب الحوثيين على الدولة ونهب ومصادرة مؤسساتها في العام 2014م ركز الانقلابيون على إعادة تشكيل المجال التربوي والتعليمي على مقاساتهم الأيديولوجية المستوردة من إيران، ووفقاً لهذا المنحى حولوا المراكز الصيفية من برامج تربوية وترفيهية مفترضة إلى ساحات لتلقين الفكر الطائفي المقيت، ومؤخرا وفي آخر خطاب له أعلن زعيم جماعة الحوثيين المدرجة في قوائم الإرهاب الدولي تدشين المراكز الصيفية في سلوك سنوي تتبناه الجماعة الانقلابية في مناطق سيطرتها، وهي خطوة يمكن وصفها كحرب أخرى تشنها الجماعة بحق أطفال اليمن، وذلك عبر زراعة الطائفية المقيتة في أذهانهم وتجريف الوعي الوطني، وتحويل الأطفال إلى مشاريع هدم وقنابل موقوتة في أوساط أسرهم ومجتمعاتهم.
في طريقها لزرع مشروعها الطائفي الدخيل على اليمنيين ولأنها تدرك أن العقل الحر الواعي لن يخضع لها ولأفكارها المشوهة، ولأن التعليم الخندق الأخير الذي يتحصن فيه الوعي الوطني اليمني ركزت جماعة الحوثيين الانقلابية على هدم مداميك التعليم النظامي سواء في المرحلة الالزامية المدرسية أو مرحلة التعليم الجامعي، وذلك عبر سياسات وخطوات أصابت النظام التعليمي في مقتل، وافرغته من محتواه الحقيقي ليتحول إلى مجرد وعاء لزراعة الفكر المليشاوي.
شملت سياسات الجماعة الهدامة تغيير المناهج المدرسية، وخصوصا في مواد التربية الإسلامية والتاريخ واللغة العربية، وأدرجت مضامين تمجّد الجماعة، وتقدس رموزها ومشروعها الطائفي العنصري، وبالمقابل تم تجريد المناهج من كل ما يرتبط بالهوية الوطنية وبرموزها، كما تم إعادة تقديم التاريخ بما يخدم السلالة ويلغي الأبعاد الوطنية والقومية لليمنيين وحضارتهم الضاربة في عمق التاريخ.
مارست الجماعة كل ما بوسعها لضرب النظام التعليمي عبر ايقاف رواتب المعلمين واستبدالهم بعناصر مليشاوية، وتحويل المدارس الى ثكنات عسكرية ومخازن للاسلحة، وفي السنوات الأخيرة اختصرت العام الدراسي، وكل هذا الممارسات هدفت لتحويل التعليم إلى أداة طائفية، وليغدو غير قادراً على بناء شخصيات المتعلمين وإعدادهم للخوض في مضمار الحياة العملية، ثم توجيههم الى المراكز الصيفية الحوثية لاستكمال تطييفهم وزرع روح الكراهية لديهم.
في المراكز الصيفية الحوثية لا مكان للعلم أو الإبداع أو الترفيه البريء بالمطلق، بل يرتكز المحتوى الذي يتم تدريسه في الأساس على تزييف التاريخ وتقديس السلالة، وزرع فكرة أحقيتها بالحكم كتكليف إلهي !، وتقديم المشروع الطائفي العنصري الخاص بالجماعة الحوثية تحت يافطة جذابة عنوانها "الهوية الإيمانية"، وحقيقتها إعادة استزراع الطائفية المقيتة، وتجريف الهوية الوطنية الجامعة والتي لا تعترف بالفوارق الاجتماعية التي يقوم عليها فكر الجماعة الانقلابية.
لا تدرّس في هذه المراكز أيٍّ من مواد الرياضيات أو العلوم أو اللغة العربية أو العلوم الحديثة، ويتم الاقتصار على ما يخدم الفكر الطائفي الحوثي، ويلقن الأطفال خطب زعيم الجماعة الانقلابية «عبدالملك الحوثي»، وتقرأ عليهم ملازم مؤسس الحركة «الهالك حسين الحوثي» والتي تحوي خطابا عنصرياً يرى في اليمنيين مجرد رعايا للسلالة ، كما يتم زراعة كراهية الآخر واعتبار أبناء المناطق المحررة "مرتزقة" أو "خونة"!، وهو ما يؤسس لتفتيت النسيج الاجتماعي اليمني ، ويزرع الصراع الطبقي، ويكرس الطائفية السياسية والعقائدية.
خلال المراكز الصيفية الحوثية ، وبجانب الشحن الطائفي المركّز والذي تنتج عنه عمليات غسيل دماغ الطلبة يتم انتهاك حقهم كاطفال بتدريبهم على استخدام الأسلحة المختلفة ، ثم تجنيدهم سواء بالترهيب أو الترغيب ، ثم يُدفع بهم إلى جبهات القتال حيث يلاقون حتفهم في معارك لا يفهمون لها معنى سوى ما زرعته فيهم خطب الكراهية من أوهام "الجهاد" ضد إخوتهم اليمنيين.
نحن أمام حقيقة مرّة لا تكفُّ فيها جماعة الحوثي عن العبث بمقدرات الحاضر ومستقبل الأجيال ، ولم تكتفِ بالجراح التي صنعهتا في أرجاء اليمن قتلاً وحصاراً وتشريداً ، بل ذهبت لتمارس حرباً من نوع أخر عبر تفخيخ عقول الناشئة في مسعى لغرس هويتها الطائفية المستوردة ، وتجريف الهوية اليمنية الجامعة ، وصناعة جيل لا يرى في اليمن وطناً للجميع ، بل ملكية خاصة بيد السلالة ، وهذا الشحن ليس مجرد مأساة تعليمية ، بل حرب ومشروع إبادة ثقافية بحق شعب ووطن استفاد فيه الانقلابيون من حالة التراخي الدولي واتباع سياسة المراضاة وتقديم القرابين ، فيما تزداد الضريبة التي ندفعها كيمنيين في كل يوم يمر من عمر هذا الانقلاب ، ولا خيار لايقاف هذا العبث إلا باستكمال اسقاط الانقلاب ، واستعادة الدولة اليمنية ببعدها الوطني الجامع .
دمتم سالمين