سلاحك الأقوى في مواجهة تحديات الحياة
الإثنين 14 أبريل ,2025 الساعة: 07:17 مساءً

لا يكتمل الرضا بالقضاء إلا إذا تجاوز القبولَ السطحي إلى تفضيل ما قدّره الله على ما كنا نتمنى أن يقدّره لنا. فالمؤمن لا يكتفي بأن يقول "رضيت"، بل يُقبّل يد القدر بقلب شاكر، تغمره سعادة داخلية، وتزهو روحه بالانتصار على ثقافة "لو" الشيطانية، تلك الثقافة التي تسرق الطمأنينة، وتغذي التذمر، وتغتال الأمل. ثقافة التخذيل في المواقف الصعبة" يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا"154آل عمران- .

في لحظة الرضا الحقيقي، تتجدد في دفقات الدم طاقة هائلة، تمنح الإنسان شعورًا داخليًا خالصًا بالقدرة على الفعل، والإقدام على الحياة، وتلك بعض بركة التحرر من معاصي التذمر، والإحباط، واليأس من روح الله. "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ، وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" 216 البقرة- 
وتحضرني هنا توجيهات النبي الكريم "واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان."
تلك "اللو" ليست مجرد كلمة، بل مدخل إلى سلسلة من الظنون، والندم، والانفصال عن الواقع، وتدمير الطاقة الداخلية التي يمكن أن تُستثمر في البناء لا البكاء.

 ما قدّره الله مما لا يعجبك، بعد أن بذلت كل جهدك لمدافعته، هو الميدان الجديد المتجدد الذي منحك الله إياه لتضاعف رصيدك في الكفاح، في التجربة التي يريدها الله لك مرةً بعد مرة، لا عبثًا، بل لتخرج منها في كل مرة أكثر حكمة، وأوسع إدراكًا، وأنقى نية.

وما قدّره الله بسبب تقصيرك، فهو جزاء تربوي لا عقوبة مهينة. ويجب أن تتقبله بشرف، يليق بإنسانيتك، لا بروح متخاذلة تلوم الحياة، وتنسى أن الله ربّها.

أما ما قدّره الله عقوبةً عاجلة لك في الدنيا، فهي منحة إلهية للتخفيف عليك من عذاب أشد.
ومن رحمة الله  أن يُربّينا بالزجر، لئلا يُعاقبنا بالعذاب.

وعقوبة المحبوب لذيذة على قلب المحب الصادق في حبه، يقول السياب " لك الحمد إن الرزايا عطاء وإن المصيبات بعض الكرم" ومن تجليات ابن عربي: "كل محبة لا يؤثر صاحبها إرادة محبوبه على إرادته لا يعوَّل عليها، وكل محبة لا يلتذ صاحبها بموافقة محبوبه فيما تكرهه نفسه طبعًا، لا يعوَّل عليها" فما أصدق هذا القول حين يُطبّق على علاقة العبد بربه، حيث لا تُختبر المحبة إلا في المكاره.

إن ما قدّره الله، مهما كان مؤلمًا أو مفاجئًا، هو الواقع الذي أمامك، وهو  المعطى الوحيد القابل للبناء عليه، وهو الحقيقة التي تستحق أن نستند إليها، وننطلق منها.

وتقبّله لا يعني الخنوع، بل أن نستقبله بعقيدة الرضا، لنحوله إلى نقطة انطلاق نحو التغيير، أو التصحيح، والتقدم.

فالرضا ليس نهاية الطريق، بل هو بدايته. إنه إعلان الإيمان العميق بأن ما أراده الله، هو خيرٌ، ولو خالف كل ما تمنيناه.

وفي نفس الوقت بداية طريق  التخطيط للمستقبل بطموح واقعي، ونفسية متصالحة مع الحياة تراها جميلة بكل متاعبها" هو عبءٌ على الحياة ثقيلٌ من يظن الحياة عبئًا ثقيلا"، وبذات متحررة من ثقافة الكراهية تحب الخير للجميع. بما في ذلك الخصوم الذين افترقت سبلنا معهم، نحب لهم على الأقل خير الهداية إلى الصراط المستقيم.

ملاحظة: " كتبت هذه المقالة الصغيرة قبل أكثر من سنة، وترددت كثيرًا في نشرها ، فقد حاولت أن أعيش معانيها، ونجحت في بعض اللحظات، وأخفقت في كثيرٍ منها. لكنني أدركت مؤخرًا أن الحديث عن الرضا، وإن بدا كبيرًا، لا يُشترط أن يُقال من قِمّة الكمال، بل قد يُقال من قلبٍ يتعثر ويحاول.

أنشرها اليوم، لا من مقام الواعظ، بل من موقع الساعي معكم، لعلها تستنبت وعيًا في قلب قارئٍ قويّ العزم، ولعلها تكون حافزًا لي على مجاهدة نفسي، كلما أوشكت أن أضعف عن الرضا"


نقلا عن صفحة الكاتب على فيسبوك 


Create Account



Log In Your Account