المُشتركُ الثقافيّ بين اليمنِ والجزائر "حيزيّة والدودحيّة" أنموذجا
الخميس 08 مايو ,2025 الساعة: 01:42 مساءً

مُريبٌ هذا التشابه والتقاربُ وعجيبٌ ومُبهج!

شخصيّةٌ حقيقيّةٌ واحدةٌ تظهرُ في مكانينِ مختلفينِ في زمنٍ متقاربٍ بينَ اليمنِ وبينَ الجزائرِ، وترتبطُ بقيمٍ وعاداتٍ وأغانٍ ذائعةٍ تُردِّدها الذّاكرةُ الشّفهيّةُ بينَ اليمنِ والجزائرِ إلى يومِنا، إنَّها حكايةُ حيزيّة الهلاليّة والدّودحيّة الخبّانيّة المتطابقتان!

يا دُودحيّة أنا ابن عمّك أنا... وأنتِي اللي تدري بمو تمْ بيننا.   لا الذنب ذنبك ولا ذنبي انا... ذنب الذي من دُجا الباب ردّنا. يا دووووووودحية!

ولحيزيّةَ الجزائريّة ابنُ عمٍّ هامَ بِها حدّ التلف اسمُه (سعيد)، وكان وفيا معها، يُخلد الشاعر الجزائري ابن قيطون حكاية الحبّ الجزائرية بقصيدة أغنيةٍ شهيرةٍ (عزوني يا ملاح في رايس البنات)

خدّضك ورد الصباح وقرنفل وضـــّـــاح *** الدم عليـــــه ساح وقت الصحويــــــا

الفم مثل عــــاج المضحـــــك لعـــــــاج *** ريقك سـيُ النعاج عسله الشهايــــــــا

والحقّ يُقال إنّ التاريخ لا يحفلُ سوى بأيقونات العشق الأكثر حزناً والأكثر مأساويّة، وكأنَّ المأساة وحدها مَن تخلّد نفسَها بنفسها على مرّ العصورٍ، وكأنّ الحبَ لا يحفل بسادته المتيّمين بقدر ما يحفلُ بضحاياه المثكولين؛ ولذا أتحفظُ على التفسير الماركسيّ الذي وضعه البردوني لحكاية الدودحيّة وذيوعها!    

"وصف حسي لحيزيّة!

شوف الرقبة خيار من طلعت جمـــــــار * جعبـــــة بلار والعواقيد ذهبيــــــــا

صدرك مثل الرخـــــــام فيه اثنين توأم * من تفـــــــــاح السقام مسوه يديـــــــا   ...

الدّودحيّةُ وحيزيّة قصّةٌ واقعيّة مأساويّةٌ مُشتركَةٌ بين اليمنِ والجزائر، إنَّها عدسةٌ تمكِّنُنا من رُؤيةِ إنسانِ هذهِ الأرضِ والتّعرّفِ إليهِ في وحدتهِ وقيمهِ وأعرافهِ، واكتشافِ التّأثيرِ المُتبادَل بينَ الثقافتينِ اليمنيّةِ والجزائريّةِ، وتتبّعِ تطوّرِ القيمِ والأفكارِ والجُذُورِ والرَّوابِطِ التَّاريخيَّةِ بينَ القُطرينِ العَربِيَيْنِ.

 إنَّ دراسةَ المُشتركاتِ الثّقافيةِ ليست نشاطًا أكاديميًّا عاديًّا، بل تُعتبرُ أداةً لتعزيزِ الرَّوابِطِ، وتحقيقِ فهمٍ أعمقَ للذَّاتِ العربيَّةِ ممَّا يعزّزُ الشُّعورَ بالانتماءِ إلى هذهِ الأُمَّةِ وتُوكّدُ وحدةَ المِخيال الذّي تَصْدُرُ الشُّعوبُ العربيّةُ :

تهدفُ هذهِ الدِّراسَةُ إلى تحليلِ البِنيةِ السَّرديَّةِ في الحِكايتينِ خاصّةً ما تعلّقَ بالحَبكةِ التّي تدُورُ حولَ المرأةِ المَظلُومةِ المَقهُورةِ في قصَّةِ الحُبِّ المأساويّةِ التّي تَنتهِي بالموتِ غَيرِ الطَّبِيعيِّ للدَّودحيَّةِ وحِيزيَّة، وكلٌّ منهما الشَّخصِيَّةُ الرَّئيسةُ في كِلا الحِكايتينِ, فهما تُعانيَانِ من الظُّلمِ الاجتِمَاعيِّ والذّي يقُودُنا إلى الكشفِ عنِ السِّياقِ الثَّقافِيِّ والاجتماعيِّ الذّي تنحصرُ إشكاليَّاتُهُ في:

البيئةُ الزّمنيّة والمكانيّة: متى وأين نشأت كلُّ قصَّة؟ ما هي الظُّروف الاجتماعيَّةُ والاقتصاديَّةُ التي شكّلت هذه القِصَصَ؟ فهمُ السِّياقِ التَّاريخيِّ يُساعدُ في تفسيرِ دوافعِ الشَّخصيَّاتِ والأحداثِ.
العاداتُ والتَّقاليدُ: ما هي العاداتُ والتَّقاليدُ التّي تظهرُ في القصَّتينِ؟ هل تعكسُ قيمًا مُشتركةً أو مُختلفةً بين المُجتمعينِ اليمنيِ والجزائريِّ في تلك الفترةِ؟ (مثل قيم الكرم، الشجاعة، الولاء القبليّ، مكانة المرأة).
الدّورُ الاجتماعيُّ للقصَّةِ: لماذا تمَّ تداوُلُ هذه القصصِ وحفظُها في الذَّاكرة الشَّعبيَّةِ؟ ما هي الوظيفة الاجتماعيَّة التّي كانت تخدمها كل قصّة في مجتمعِها (مثل التّرفيه، التّعليم، الحفاظ على الهوية، التّعبير عن التطلعات، الرّمز والإيحاء)؟
دراسةُ الأداءِ الشفهيِّ والغنائيِّ:

الارتباطُ بالغناءِ: كيف يتمُّ أداءُ هذه القصصِ غنائيًّا؟ ما هي الألحانُ والإيقاعاتُ المُصاحبةُ؟ هل هناك أنماطٌ غنائيةٌ متشابهةٌ أو مختلفةٌ؟ تحليلُ العناصرِ الموسيقيَّةِ يمكنُ أن يكشفَ عن أوجهِ تشابهٍ في التَّعبيرِ العاطفيِّ.
الذَّاكرةُ الشَّفهيَّةُ: كيف تمَّ تناقُلُ هذه القصصِ عبر الأجيالِ؟ ما هو دورُ الرُّواةِ والشُّعراءِ الشَّعبيينَ في الحفاظِ عليها وتطويرها وتثبيتها في الذاكرة الجمعيّةِ؟ هل هُناكَ عناصرُ مشتركةٌ في آليَّاتِ الحفظِ والتَّداوُلِ الشَّفهيِّ؟
التَّأثيرُ العاطفيُّ: ما هو الأثرُ العاطفيُّ الذّي تُحدِثُهُ هذهِ القصصُ في المُستمِعينَ؟ هل تُثير الشّخصيّتانِ نفسَ المشاعرِمثلَ الحماسِ، الحزنِ، الفخرِ، أو التّعاطُفِ؟
ملاحظة المقال هو في الأصل مقتطفات من دراسة مقدمة لأكاديمية وهران الجزائرية.


Create Account



Log In Your Account