الجمعة 08 أُغسطس ,2025 الساعة: 07:02 مساءً
مستهل:
حب النصر والانتصار غريزة فطرية مركوزة في وجدان الانسان ؛ فهو يحب النصر الحسي والمعنوي في مجالات حياته المختلفة حتى وإن وقع انتصاره في المكان الخطأ - ظلم للانسان أو إعانة ظالم وماشابه ذلك.
ونظراً لأهمية النصر وصلته بإ رساء أسس السلام، وإقامة العدل ؛ حفظاً لكرامة وحرية وحقوق الفرد والمجموع،
نجد أن القرآن العظيم قدم منظومة متكاملة عن مفهوم النصر أخذت حيزاً واسعاً في سياقات القران المختلفة.
غير أننا سنسلط الضوء على أبرز النقاط التي تمثّل العمود الفقري المكوّنة لمنظومة مفهوم النصر وذلك على النحو التالي:
اولاً : مفهوم النصر
بين التفاؤل والادوات
1ـ الوهم المعرفي الموروث : موروثنا الثقافي الاسلامي
صنع عند الكثير وهماً معرفيا هشاً- ان لم نقل ساذجاً - فتراه يخطف مفهوم النص القر آني
قائلا: ( النصرمن الله)!
2 ـ تفاؤل يتجاوز منطق السنن:
بنى القرآن منظومة النصر على أساس منهج سنني- اعتقاداً وأدوات ومؤهلات ومعوقات!
غير أن طغيان الموروث الثقافي خلق عماية تتجاوز المنهج السنني الذي أراده الله وطلب منا أن نؤمن بالمنهج السنني كونه جزء من عقيدتنا وقيمنا وشرعتنا الحضارية الخالدة!
تفاؤل مفرط في السذاجه وفهم مغشوش للتوكل ؛ نابذاً منهجية القرآن وراء ظهره ناقلا فقاقيع من التراث، المهم أنه قالها فلان!
على شاكلة هذا الجدل الساذج :
- أتنكرون أن النصر من عند الله ؟
- إيمانكم بالأسباب شرك اكبر؛ ذلك أن الأسباب خلقها الله واذا شاء أبطلها، أليس كذلك؟؟
أنتم تنكرون قول الله:
(وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)
هذا ديننا قاله أسلافنا الكبار- فلان وفلان، بحار العلم !!
يعزز الطرح الآنف الموقف التالي:
بصيص الضوء نهاية النفق:
يستند ذوو الثقافة المتوارثة عموماً وحول مفهوم النصر خصوصاً الى بصيص ضوء في نهاية الطريق، فيظنون أن الطريق كلها ضوء وانتصار، وما أسرع اختطاف الاستدلال بمعجزات الأنبياء السابقين ونسيان منهج القران، والقائمة طويييل!
باختصار: الثقافة المتوارثة هي من أكبر - المعوقات إن لم تكن أكبرعائق في ميدان سنن النصر العسكري و النهوض الحضاري!!
ثا نياً:
حضور الدلالة اللسانية:
1ـ الجذر اللغوي- ن ، ص ، ر :
- مفرد (نَصَرَ) وردت في القرآن77مرة !
2ـ أحصينا مفردات النصر التي وردت بتصاريف مختلفة مثل-
انصار،نصير منصور،انتصر..!
3 ـ قمنا بإحصاء المفردات المتضمنة دلالات متصلة بمفهوم النصر مثل: شفاء الصدور، الظفر، الفتح، الثبات، العون،
التمكين وغير ذلك فبلغت 73 !
4ـ بلغ عدد مفردات منظومة مفهوم النصر 150 مفرد !!
كل ماسبق خارج منهجية عوامل وأدوات ومؤهلات النصر!
ثالثاً: أنواع النصر:
اقتضت حكمة الله العليم أن يكون حب النصر غريزة فطرية مركوزة في الواجدان البشري، بما أن الله هو صاحب الخلق والأمر فقد استعمل القرآن مفردات النصر تضمنت دلالات ومفاهيم لغوية ونفسية بل واعتبار المآلات أنها نصر..!
فإلى التوضيح التالي:
1ـ النصر المادي البحت:
(آ لم غلبت الروم في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون)
هذا نصر قادم من قانون حركة التاريخ، قانون التداول(وتلك الأيام نداولها بين الناس)!!
هذا نصر لاعلاقة له بايمان ولا كفر إنما هو قائم على القوى المادية!
2 ـ النصر المذموم :
في قصة النمرود وإحراق الخليل ابراهيم عليه السلام ( حرّقوه وانصروا آلهتكم..)!
- يلحق به مناصرة الطغيان، والظلم والصراعات القبلية..
ومناصرة الأشخاص ضد المبادئ.
كل ذلك مذموم قرآنا وسنة(انصر أخاك ظالماً - رده الى الحق..ومظلوماً ) ليتمكن من أخذ حقه دون عسف او ظلم!
3 ـ النصر بمفهوم الانتقام:
( ولمن انتصر بعد ظلمه فاؤلئك ماعليهم من سبيل..)
هذا النوع سماه القرآن نصراً علماً بأنه انتقام، لكن القرآن سماه نصراً لأنه يلامس الغريزة الوجدانية المطروحه؛ فيشعر المنتقم أن جرحه هدأ والتأم !
4 ـ النصر: نجاة حامل الفكرة
القرآن يرسم لنا منهجية النصر في ظروف محددة من زاوية النظر المقاصدي، أي عتبار المآلات!
قال تعالى:
(إن لّا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه إن الله معنا..)الخ
- نجاة ابراهيم عليه السلام من كيد الوثنيين ؛ فتحولت النار برداً وسلاماً !!
- نجاة النبي هود عليه السلام.
- قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله- أيّ لنقتلنه ليلاً في بيته، لكن الله نجى هوداً ( فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين)
5- نصر الثبات على العقيدة:
هذه صورة من صور النصر ؛ حيث يثبت المنتصرون على عقيدتهم حتى الموت ؛ فيخلدهم التاريخ للعالمين!
قال تعالى:
(قتل أصحاب الأخدود) الخ.
فقد ورد في السنة وكتب التاريخ أنهم ثبتوا وفضلوا الموت حرْقاً، ولا يتنازلون عن العقيدة.
6 - نصر استحقاق بشروط:
قال تعالى:
(وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)
هذا وعد باستحقاق النصر للمؤمنين.
قال تعالى:
(ولينصرن الله من ينصره..).
لكن الوعد بهذا النوع من النصر لم ولن يحصل مالم تتوفر السنن والأدوات، كما سنوضح لاحقاً.
رابعاً :
أبرز مؤهلات النصر:
1 الإيمان بالله إيمانا راسخاً لا يتزلزل:
قال سبحانه:
- ( ولينصرن الله من ينصره ورسله بالغيب..)انظر بالغيب.
- (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي..).
واذن: فالايمان بالغيب هو أول مؤهلات واستحقاق النصر.
2- الإعداد حسب المستطاع:
قال تعال:
( وأعِدّوا لهم ما استطعتم من قوة..) نلاحظ (مفرد قوة) جاءت نكرة. لم يقل (القوة) والنكرة في سياق الإثبات تفيد العموم، ايّ استعدوا بكل وسائل ما تملكون من قوة، وعون الله ونصره سيأتيكم كونكم مؤمنين اولاً وامتثلتم أمرالله بإعداد القوة ثانياً.
3- التخطيط :
باختصار: التخطيط جزء من إعداد القوة.
4 - وضوح الهدف:
حضور الهدف بقوة في مخيلة الجند يعتبر من العوامل المؤثرة في إحراز النصر.
قال تعالى:
(وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم..)
نحن أمام هدفين واضحين : أمّا القافلة وإمّأ قيادة قريش!
5- وحدة القرار:
هذا عامل يؤهّل الجند لاحراز النصر ولكنه متصل اتصالاً وثيقاً بوضوح الهدف !
6- روح الفريق الواحد:
باختصار: نقرر جازمين أن وضوح الهدف، ووحدة القرار ، وروح الفريق: ثلاثة مؤهلات متداخلة، حد التماهي في بعضها، وقد جمعها القرآن في نص واحد. قال تعالى:
(واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) الله أكبر !
نلاحظ أن القرآن عطف طاعة القيادة( ورسوله) ولم يقل واطيعوا الرسول؛ ذلك أن طاعة الرسول هنا هي عين طاعة الله، وهذا يعطينا دلالة مكثفة حول تداخل مؤهلات النصر الثلاثة؛
فوضوح الهدف جاء من تشاور واقتناع، التشاور خلق الثقة بالقيادة، الثقة بالقيادة ووضوح الهدف، خلق روح الفريق، وحضور روح الفريق يجسد ثلاثية لها دور قوي في احراز النصر!!
خامساً:
معوقات النصر:
1- ضعف الايمان ، غياب الهدف، سوء التخطيط وضعف الاعداد.
باختصار: الفردية في القرار ينتج عنه ملل وتذمر، تباطؤ، تنازع، غياب روح الفريق وذهاب الريح- القوة وصولاً الى الهزيمة!
سادساً:
مراتب النصر - فلسفة النصر:
يعتبر هذا المحور أهم المحاور كونه يتضمن ثقافة لها أهميتها ؛ ذلك أن ثقافة الفرد والمجموع بمراتب النصر تؤدي الى :
٠ بناء شخصية الفرد والمجموع!
- بناء شخصية الأمة بتلك المدخلات يجعل الأمة ذات هيبة لدى الخصم!
- بناء شخصية الأمة يفشل وسائل وأساليب المرجفين، المنافقين و والخ..هذا من جهة.
ومن جهة ثانية، على الرغم من أهمية مراتب النصر وفلسفتها
فإننا سنقدمها بإيجاز فيما يلي:
1- النصر العسكري:
غزوة بدر نموذجاً للنصر العسكري الذي ألحق هزيمة نكراء خلدها التاريخ بسبب عدم تكافؤ القوى المادية، ومثلها غزوة الأحزاب وخيبر .
قال تعالى:
(ولقد نصركم الله ببدرٍ وانتم أذلة..).
إذن: هو نصر عسكري حاسم في إطار المعركة المحدودة.
2 - الفتح - تهيئة الوضع:
- هذه المرتبة أقوى من سابقتها علماً بأنها قد تكون ناتجة إمّا عن نصر عسكري، وإمّا عن نصر سياسي دبلوماسي، صلح الحديبية نموذجاً.
قال تعالى:
(إنا فتحنا لك فتحاً مبينا)
إن فلسفة النصر في القرآن تلفتنا النظر الى اعتبار المآلات المتمثلة في الاعتراف بقوة المسلمين وتهيئة الجو لانتشار الدعوة وهذا المآل أعظم وأثقل في ميزان القوة الاستراتيجية بدون شك.
كما أن هناك مآل آخر وهو حرية انتقال المسلمين في التجارة وترتيب أوراق الفرد والمجموع.
الجدير ذكره أن القرآن يعلمنا كيفية النظر الى اعتبار مآلات الأمور، في إطار نظري يتسق مع كليات الدعوة وأهدافها الغائية، وما أكثر العقليات العائشة في معركة السجالات الجزئيه..!
3 ـ التمكين والبناء الحضاري:
قطعاً هذه المرتبة هي الأعلى بلا نزاع.
قال تعالى:
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني ولا يشركون بي شيئاً )
وقال سبحانه:
( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم ائمة و نجعلهم الوارثين، و نمكن في الأرض و نري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).
الجدير ذكره أن النصين الآنفين حملا دلالات تضمنت:
النصر،الفتح، التمكين، إغاظة الخصوم، وهذا لذة وجدانية، أما أكبر المآلات الكبرى هي الإسهام في إرساء القيم الحضارية: كرامة الانسان، الحريات،
المساواة، خلق الرحمة، القيام بالقسط، أخلاقيات العلم، إطلاق القدرات ونهوض حضاري..!
تلكم هي فلسفة النصر في القرآن، ولقد شهد بهذا خصوم الإسلام منهم على سبيل المثال:
- توماس ارنولد،في كتابه الدعوة الى الاسلام.
- توينبي، في كتابه حضارة الاسلام.
- غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب.!
- توماس كار لايل في كتابه محمد المثل الاعلى!!
- واشنطن ارفينغ في كتابه الضخم الفريد وغير المسبوق، محمد وخلفاؤه!!
- مونتجمري وات، في كتابه ماهو الاسلام ؟
نكتفي بهذا القدر على أمل اللقاء بعونه سبحانه مع نظرات في إعادة البناء الثقافي، تحليل ونقد وتبصير.