حمود سعيد المخلافي...فارس تعز بين نار المقاومة وحملات التشويه
الخميس 25 سبتمبر ,2025 الساعة: 09:00 مساءً



في خضمّ الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة تعز مؤخرًا، إثر الجريمة البشعة التي طالت الشهيدة أفتِهان المشهري، تسابق البعض إلى استغلال المأساة لتصفية حسابات سياسية قديمة.

فجأةً انبرى الذباب الإلكتروني مدفوعًا بحملة منظمة، ومعه بعض الخصوم التقليديين، ليوجّهوا سهامهم نحو شخصية وطنية كبيرة مشهود لها بمواقفها الصلبة وشجاعتها في مواجهة آلة الموت الحوثية، هو الشيخ حمود سعيد المخلافي، القائد الذي ارتبط اسمه بتاريخ تعز المقاوم وبذاكرة أبنائها في أحلك الظروف. هذه المحاولات لم تأتِ نتيجة تحقيق موضوعي أو استنادًا إلى أدلة جنائية، بل جاءت في إطار تشويه ممنهج يهدف إلى ضرب الرمزية الوطنية للرجل وتشويه سمعته، في مسعى لإسقاط واحد من أبرز رموز المدينة الذين ظلوا عنوانًا للتضحية والصمود في وجه مشروع الانقلاب.

الشيخ حمود المخلافي لم يكن يومًا شخصية عابرة في المشهد اليمني، بل كان حاضرًا بقوة منذ وقت مبكر في قضايا المجتمع والدفاع عن حقوق الناس، حيث عُرف بمواقفه الجريئة وصوته المرتفع في وجه الظلم. وعندما اندلع انقلاب الحوثيين وصالح عام 2014، برز اسمه كأحد أبرز قادة المقاومة الشعبية في تعز، فكان من المؤسسين والقيادات الفاعلة في “المجلس الأعلى للمقاومة”، محولًا تعز إلى قلعة للصمود في وجه آلة الحرب.

لم يكن القتال حينها خيارًا سهلًا ولا مغامرة عابرة، فقد واجه مع رجاله أكثر من اثني عشر لواءً عسكريًا مدججًا بالسلاح والعتاد، ومع ذلك صمدوا بثبات نادر، ودفعوا أثمانًا باهظة من دمائهم وأرواحهم، ليحافظوا على بقاء المدينة واقفة رغم الحصار الخانق والقصف المستمر، وليؤكدوا أن إرادة تعز أقوى من أن تُكسر.

لم يكن الشيخ حمود قائدًا عسكريًا وحسب، بل رمزًا جامعًا. في اللحظة التي تفرّق فيها الآخرون على أسس حزبية أو مناطقية، رفع راية المقاومة باعتبارها قضية وطنية. لذلك، التفت حوله القبائل والأحزاب والمستقلون، لأنه جسّد صورة القائد الذي لا يساوم على الكرامة. يكفي أن نذكر أن ابنه أسامة، وشقيقه، وعددًا من مرافقيه سقطوا في المعركة، ليؤكد أن المقاومة بالنسبة له ليست شعارات، بل دماء وعزيمة.

الأهم أن الشيخ حمود نفسه سارع إلى إصدار بيان واضح وصريح، وضع فيه النقاط على الحروف، مؤكدًا أن ما جرى لا يمكن التعامل معه كحادث عابر أو قضية فردية، بل هو جزء من مخطط أوسع يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار في تعز وضرب مؤسسات الدولة فيها. وقد شدّد في بيانه على تحميل السلطة المحلية والأجهزة الأمنية كامل المسؤولية في مواجهة هذا الانفلات ومنع استغلال الجريمة لتمرير أجندات مشبوهة، بل وساعد بكل امكانياته في القبض على القاتل دون الاعتبار لاي صلة او قرابة ووضع جائزة مالية كبيرة لمن يدلى بمعلومات تؤدي للقبض على المتهمين.

إن مثل هذا الموقف، الذي يتسم بالشفافية والوضوح، يكفي وحده لتفنيد دعاوى التورط، فهل يُعقل أن يخرج رجل متهم بالمؤامرة ليعلن على الملأ موقفًا بهذا الوضوح ويطالب الدولة بتحمّل مسؤولياتها أمام الجميع؟ بل إن البيان يكشف عن حرص المخلافي على حماية مدينته من الانجرار نحو الفوضى، ويعكس إدراكه العميق لخطورة المرحلة وحاجتها إلى التماسك لا إلى التراشق بالاتهامات.

إن محاولات تشويه المخلافي لا تنفصل عن سياق أوسع. فالرجل كان ولا يزال عقبة أمام مشروع الحوثي وحلفائه، وخصومه يدركون أن رمزيته الشعبية في تعز تعني الكثير. لذا، يسعى البعض إلى إعادة تدوير خطاب قديم واتهامات لا أساس لها. لكن أبناء تعز، الذين عاشوا سنوات الحصار، يعرفون من كان معهم ومن تركهم. يعرفون من صمد على الجبهات ومن اكتفى بالخطابات.
إنصاف المخلافي لا يعني إعفاء أحد من المحاسبة، لكنه يعني ببساطة أن لا تتحول تضحيات الرجال إلى مادة في سوق المزايدات. حمود سعيد المخلافي سيبقى صفحة ناصعة في تاريخ تعز، مهما حاول المشككون طمسها. فالتاريخ لا يُكتب بالاتهامات، بل بالمواقف والتضحيات، وتاريخ هذا الرجل يشهد له لا عليه.

من يحاول جرّ رموز وشخصيات بارزة إلى هذا المربع المظلم، عليه أن يفهم أنه لا يوقع طيشه على شخصٍ واحد فحسب، بل يجرّ المحافظة بأسرها إلى أتون عنف وفوضى لا تحمد عقباهما، وأن تحويل قضية إنسانية إلى مادة للتصفية السياسية وافتعال الأزمات على منصات التواصل يشعل فتائل التوتر ويقوّض اللحمة المجتمعية التي تصون تعز، ويمهّد الطريق أمام أعداء المحافظة ليستغلّوا الفوضى في خدمة مشروعهم الكهنوتي الذي يترصّد كل فرصة ليزيد من معاناة الناس ويعمّق الانقسام، لذا على كل من يلهثون وراء مكاسب آنية أن يتوقفوا فورًا وأن يحولوا طاقاتهم إلى أعمال بنّاءة تحافظ على أمن المدينة وسلامة أهلها بدل أن يقدّموا وقودًا لنيران لا تفرق بين مدني ومحارب.


Create Account



Log In Your Account