الأحد 24 أُغسطس ,2025 الساعة: 06:15 مساءً
الرابع والعشرون من أغسطس يوم سيظل محفوراً في جبين اليمنيين وذاكرة وتاريخ اليمن كيوم أسود نكست فيه رؤوس اليمنيين من قبل قادتهم ورؤسائهم الذين لا يهتمون لمصالح هذا الشعب.
ثلاثة أحداث لا يمكن نسيانها في هذا اليوم، وإن اختلفت الأعوام والرؤساء والعهود.
ففي الرابع والعشرين من أغسطس 2014 كان الرئيس عبد ربه منصور هادي يتآمر مع المليشيا الحوثية ويمهد لها الطريق لدخول العاصمة صنعاء، ظناً منه أنه يستعملهم لمواجهة شركائه في الإصلاح وتخليصه من نفوذ اللواء علي محسن والجانب القبلي في اليمن، وليصفو له الجو بالاستفراد بحكم اليمن.
في الحقيقة لم يكن يفكر فقد كان هناك من يفكر له ويسيره، وكان ينفذ رغبات خارجية أكثر منها قناعته الشخصية أو حاجته الداخلية لها، لكن هكذا صور له المشهد من استعمله في ذلك الظرف من قبل أمريكا وبريطانيا.
كان الرئيس هادي يتحجج بأنه وحده في الساحة، ولا نصير له؛ كون قوة النفوذ كانت بيد علي صالح وعلي محسن والإصلاح وقبائل حاشد، وبتخلصه من بعضهم بيد الحوثي يمكن باستطاعته إعادتهم إلى جحورهم، بالضبط كما كانت نظرة الرئيس السابق صالح؛ الكل استخدم الحوثيين لتصفية منافسيه وخصومه، بينما كان الحوثي ينسج شباكه مع دول أخرى خارجية للانقضاض على اليمن واستعادة الإمامة، وبسط النفوذ الإيراني في اليمن.
رداً على الرئيس هادي بأنه وحيد دون نصير حشدت له القوى اليمنية المختلفة حشوداً جماهيرية لم يسبق للعاصمة صنعاء أن شهدتها من قبل، أسميت بمسيرة "الاصطفاف الوطني" في يوم 24 أغسطس 2014، وتحركت المسيرة من باب اليمن إلى شارع الستين حيث منزل الرئيس ليرى تلك الحشود الهادرة والغاضبة لحصار مليشيا الحوثي صنعاء في تلك الأثناء.
المسيرة تلك طالبت الرئيس بمواجهة الحوثيين، وأن الشعب اليمني كله إلى جواره سيقاتل معه إن هو حرك الجيش واتخذ قرار المواجهة الفعلية، لكنه لم يفعل، ولم يكلف نفسه عناء توجيه خطاب لتلك المسيرة وإلقاء التحية لها!
صعق الشعب اليمني من ردة فعل الرئيس الباردة تلك، وأصيب بهزيمة نفسية كبرى أدرك بعدها أن الرئيس هادي سيسلم صنعاء لا محالة، وأنه يعمل لصالح المليشيا الحوثية، وأنه خاذل شعبه في أحلك الظروف.
في تلك الأثناء كان وفده من مستشاريه وبعض الشخصيات الحوثية مرسلاً من قبله كلجنة حوار في صعدة، بالتنسيق مع المبعوث الأممي جمال بن عمر، تزور عبدالملك الحوثي في مقر إقامته للتفاوض لتجنيب العاصمة المواجهات، والحقيقة أن صاعق المواجهات كان قد نزع في عمران حينما قال: "عمران عادت إلى حضن الدولة" بعد قتل مليشيا الإرهاب الحوثي العميد حميد القشيبي واحتلال المحافظة بالقوة.
في تلك الأثناء كان الوفد عبارة عن قشة يتمسك بها غريق عبثاً وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، والرئيس ووزير دفاعه يسحبان ذلك الغريق إلى قعر البحر، بينما كان في الشق الآخر وزير الدفاع محمد ناصر أحمد يمول المحاصرين الحوثيين وأنصار صالح لصنعاء ب 300 بطانية، ويمدهم بالغذاء وكافة الاحتياجات الضرورية للحصار!
تلك الهزيمة النفسية هي الحقيقة المرة التي جعلت كل اليمنيين حينها، بمن فيهم القوى السياسية المختلفة، يتخلون عن واجبهم المقدس في الدفاع عن صنعاء، وترك الأمور تمضي إلى غايتها النهائية، وترقّب المصير وخطوات ما بعد السقوط!
بعد ثلاثة أعوام بالضبط سيكرر الرئيس صالح مع جمهوره وحزبه نفس الخطوات التي اتخذها عبدربه منصور هادي، وكأن الرجلين ينهلان من درس واحد، أو تم إدخالهما من ثقب واحد!
في الرابع والعشرين من أغسطس عام 2017 كانت ذروة التعبئة الجماهيرية والسياسية التي قام بها المؤتمر الشعبي العام والرئيس صالح في تهيئة الشعب للوقوف ضد الحوثي، رافضاً لكل سياساته الإقصائية وممارساته التعسفية بحق الحزب، مخالفة لاتفاق شراكة ومصالح الانقلاب ومآلات ما بعد الانقلاب.
كان الحوثي يبتلع المؤسسات، ويقصي المؤتمريين من كل نافذة يتواجدون فيها، ويضيق عليهم، وينحت من جماهير المؤتمر وشعبية الرئيس صالح، وصولاً إلى تحدي صالح بإحياء ذكرى تأسيس المؤتمر في ميدان السبعين، حاشداً كل أعضاء المؤتمر من أنحاء الجمهورية، في رسالة تحدٍ للحوثي، وبلغت الأزمة أشدها بين الطرفين.
صعّد الحوثي من ناحيته، واشترط على صالح أن يقيم فعالية التأسيس دون تصعيد خطابي أو سياسي أو جماهيري، ودون دخول المؤتمريين مسلحين إلى العاصمة، وإبراز بطائق المؤتمر عند مداخل العاصمة، وفرض تولي مليشيا الحوثي حماية هذه الفعالية، ورضخ صالح لهذه الإجراءات المذلة.
بنى المؤتمريون وغير المؤتمريين المعولين على هذه الفعالية آمالاً عريضة، وكانوا يقولون إن قرار المواجهة قد حسم من خلال هذه الفعالية للتحرر من التسلط الحوثي، وأن كثيراً من القوى المحلية ستساندهم في هذه التحركات، وبينما كانت مختلف الجماهير معولة على هذا اليوم وما سينتج عنه من خطاب صالح وتوجيهاته، إذ بهذا الخطاب يأتي باهتاً مخيباً للآمال، حتى أنه بكى كثير من المؤتمريين في ذلك اليوم، كما بكى الشعب في مسيرة الاصطفاف من خذلان الرئيس هادي.
وجه صالح لجماهيره ضربة قاصمة، وهزمهم نفسياً، وقضى على روحهم المعنوية، ومثلت هذه الانتكاسة الهزيمة الحقيقية لمشروع صالح النهائي في مواجهة الحوثيين، وما كانت مواجهة الثاني من ديسمبر إلا تحصيل حاصل فقط، ولعب في الوقت الضائع، والرفسة الأخيرة لطائر مذبوح يركل بقدميه ألماً من الذبح لا أكثر.
بعد هذه المناسبة أدركت الجماهير العامة أنه لا تعويل على صالح، وراحت الشخصيات الانتهازية النفعية تلوذ بالمليشيات الحوثية وتنحاز إليها مبكراً، وكما هو معروف عن غالبية الشعب والجماهير أنها دائماً تنحاز للأقوى لا لصاحب الحق ولا لصاحب المُثُل والمبادئ والأخلاق.
الجماهير تقتلها سلبية القيادة وبرودتها وخذلانها، كما جرت في مواطن عديدة حتى أثناء الحرب والانسحاب من مكان إلى آخر في مارب والحديدة، والرضوخ لشروط الإرهاب الحوثي هو أكبر هزيمة من المعركة المسلحة في الميدان.
لذلك من خلال الأحداث التاريخية سواء الإسلامية أو اليمنية أو العربية فإنه بقدر ما تكون القيادة صلبة يكون التفاف الجماهير حولها، وبقدر هذا الالتفاف يكون النصر.
فالقائد دائماً هو الذي يبحث على أبسط الثغرات لرفع معنويات مقوديه، ويتتبع أبسط الخيوط التي يشد بها من أزر أتباعه ويزرع فيهم الأمل، ويصبرهم على المواجهة، ويُجَلِّدهم على تحمل الشدائد، ويعدهم بالنصر.
بينما كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يرى أصحابه يعذبون ويستضعفون في مكة كان يعدهم بالنصر، وبينما كانت الأحزاب العربية من المشركين تحاصر المدينة وأحدهم لا يأمن كيف يقضي "بولته" كما قال أحدهم وإذا بالنبي يعدهم بقصور كسرى وقيصر!
لكن المهم هو الإصرار على الهدف، والتضحية في سبيله، والعمل بكل السبل لتحقيقه، ومن سار على الدرب وصل.
في الرابع والعشرين من أغسطس 1968، في عهد الرئيس الإرياني، تم القضاء على أفضل نواة للجيش اليمني كانت يمكن أن تكون نواة حقيقية لجيش نظامي، رغم ما شابها من أدران لا يمكن نكرانها؛ حيث تم في هذا اليوم المواجهات الدامية التي جُيرت طائفياً وقبلياً بين فريق رئيس الأركان عبدالرقيب عبدالوهاب ومن معه من الصاعقة والمظلات، وبين فريق القبائل وتيار انتهازي يعمل على عدم تنشئة المؤسسات، والسيطرة القبلية على الجيش على حساب الدولة والمؤسسية ودعاة الحروب.
بعد هذه المواجهات صار الرئيس الإرياني شخصية ضعيفة فاقدة للقوة والنفوذ يتم التلاعب بها من قبل القوى التي نشأت على الأرض المتحكمة بالمشهد السياسي والعسكري، وفقد نصف الشعب معنويته تقريبا، وسمح للعناصر الإمامية التسلل إلى صفوف الجمهورية وتوسيع الشق والفجوة بين الجمهوريين والتلاعب بمصائر الثورة وإضعاف الروح الثورية لدى معظم اليمنيين.