الصنمية الثقافية المعاصرة : بذور الصنمية المعاصرة (الحلقة الثانية)
الأحد 07 سبتمبر ,2025 الساعة: 06:11 مساءً


استعرضنا بعض القيم
- إنسانياً وحضارياً ورأينا كيف ترسخت بفضل قيام الرسول. ص. بوظيفته التي حددها القرآن المتمثلة في تلاوة الآيات، والتزكية ، وتعليم الكتاب والحكمة، وعليه فلا غرابة إذا رأينا قيم القرآن، تتجسد في مقاصد تصرفات ص- عقدياً وعملياً في واقع جيل الصحابة والتابعين كما أسلفنا في الحلقة الأولى.

على أننا نلاحظ الحكمة في تصرفات الرسول ؛ حيث نجده ص.ركّز على البناء مكتفياً بما شرعه القرآن في نقد قيم الجاهليه..فالرسول ص. لم ينشغل بمهاجمة قيم الجاهلية الا في حدود مناسبات قليلة..!
وكأنّه ص. يحثنا على بناء القيم الإيجابية فقط وإغفال الحديث حول القيم السلبية إذ بإغفالها سيلحقها الضمور والتلاشي، وبمهاجمتها يعني استفزازاً واحياءً لها، سيما في مجتمع تشرب العصبية قروناً طويلة. 

     بذور جنينيه: 

الفيلسوف الهندي المسلم محمد اقبال رحمه الله قال :
إن التشريعات العملية- إنسانياً وحضارياً ظلت جنينيه ولم يكتب لها النمو والتكامل، نظراً لقِصر المدة الزمنية أيام حياة الرسول. ص. والعهد الراشدي، 
ذلك أننا لو افترضنا أن هذا التشريع الإنساني الحضاري المشرق استمر 100 عام فأكثر لا شك أن التجربة ستكون ثرية وخصبة من خلال ظهور المستجدات في مجالات الحياة تربية وممارسة! 

صنمية بلباس ديني: 

المتغيرات السياسية - مواقف وتصرفات - 
عالجت إشكالات السياق الظرفي، وبمرور الوقت تحولت تلكم المعالجات إلى بذور تشريعية تؤسس لمنهج تأصيلي في مجال السنن الحاكمة للاجتماع.
مثلاً:
تنازل الحسن بن علي لمعاوية عام 40 هج.. فقدكان التنازل آنذاك له مبررراته السياقية - سيما وجرح حربي الجمل وصفين لا زال حياً حاضراً في وجدان الفضاءالمجتمعي عمودياً وافقياً، فجاءالتنازل حقنا للدماء، 
فاتجه الخطاب الديني مشيداً بموقف الحسن.
غيرأن هذه الإشادة مثّلت بذرة تشريعية مغايرة لما كان عليه العصر النبوي والراشدي! 
ولم يمر سوى عقدين من الزمن حتى تحولت شتلة صغيرة تحمل بذور الصنمية!
كيف لا، والفقه السياسي اعتبر تنازل الحسن إحدى وسائل إقامة الشرعيه السياسية؛ معللاً بذلك تحقيق مصلحة حقن الدماء.
وعليه: 
بما أن تنازل الخليفة الحسن منح الشرعية السياسية لمعاوية، فإن الخليفه معاوية يحق له تعيين ولي عهد لأن العلة قائمة و هي مصلحة حقن دماء المسلمين.

إزجاء الفراغ التشريعي: 

بطبيعة الحال إن تنازل الحسن لم يكن محل رضا الجميع سيما قادة جيش الحسن وغيرهم بغض النظر عن دوافع الرفض وخلفياته..! فكذلك موقف معاوية في ولاية العهد وتوريث ولده لاقى رفضاً يصف التوريث بالكسروية والهرقليه- أيّ أنها قيم منافيه لتعاليم الإسلام.
هنا حضر العقل الفقهي ولكن بحجة إضافية تملأ الفراغ الفكري وبتعليل فلسفي ديني تشريعي- هو حديث منسوب للنبي (ص) هدفه ترجيح كفة التوريث- دينياً -من جهة واسكات المعارضين من جهة ثانية بنسبة حيث نص الحديث أن: 
الأئمة من قريش! 
فالحسن بن علي قرشي تنازل لقرشي، ومعاوية نقلها الى البيت القرشي!
 لم يكتف فقه البلاط بما سبق وإنما عززه بأنه تشريع متبع مارسه الراشدون وبحضرة الصحابة، فتم نسبة الحديث الآنف إلى الصديق أنه قال يوم بيعة السقيفة، 
بل وأن الصديق عهد بالخلافه لعمر.. ولا مانع ابداً طالما والحكم أصبح حقا إلهيّاً لقريش! 

    تبديل وتشريع: 
حديث الأئمة من قريش 

وتلفيق قصة عهد الصديق لعمر، وتنازل الحسن، كان تشريعاً جديداً ابتكرته الحاجة السياسية وظروفها.
ولوأن التشريع الناشئ وقف هنا، لهان الأمر، 
وسيأتي يوم تعود المياه الى مجاريها.

لكن القاصمة هي غض الطرف إزاء مقاصد القرآن ومقاصد تصرفات الرسول (ص) المجسدة للسنن الحاكمة للاجتماع - دستورالمدينة نموذجاً، ومواقف الراشدين المتأسية بمقاصدالشرع! 

   التأصيل الأخطر: 
كل التصرفات السابقة وجدت ذاتها إزاء تشريعات القرآن المجسدة بأفعال الرسول الرسول ( ص) للسنّة الثابته..!
 فما ذاحصل؟
 برزت بوادر تأصيل على استحياء مفادها: 
أن أفعال الرسول ( ص)ليست حجة، وإنما الحجة هي أقواله..!
طيب وايش الدليل؟
الجواب: 
أنه (ص ) تزوج تسعاً وهذا فعله، فهل نتأسّي به؟
أشهد أن هذا الاستدلال جمع بين المغالطة الفقهية والإرهاب الفكري في آن..!
غير أن هذا الدفن للسنة العملية ظل داخل أروقة القصر، وإذا جاءمعترض فالجواب هو: 
 الائمة من قريش..! 
والحسن سليل النبوة أسوة في فهم وفقه سنة جده( ص )، ومصلحة حقن دماء
المسلمين، مقدمة على الشورى والشرعية السياسية، وأيضاً وحدة الأمة بعد انقسام جهوي كوفي شامي .. الخ. 

النتيجة الأولى: 
فلا مقاصد التشريع حاضرة ولا وحدة الأمة قامت وإنما انقلابات وحروب شتى..!
وفوق ذلك تأصيل تشريعي يمهد لنشوء الصنمية وتحصينها ولكن بلباس ديني تشريعي محروس بنوعين من الارهاب الفكري العقدي شعاره حقن الدماء مقدم..!
و النوع الثاني من الإرهاب هو سيف السياسة! 
 
النتيجة الثانية: 
الاستهانة بدم المعترض: 

لا نستغرب إذا وجدنا التاريخ قد سجل قولاً لأحد الخلفاء مفاده: 
من قال لي اتق الله ضربت عنقه! 
نعم ، لا غرابة، كيف لا والحكم حق قريش والقيدان التشريعيان - القرآني والسنة العملية أصبحا غير ملزمين! 

اذن: 
 الصنمية الهرقلية القيصرية حلت داخل الفكر الإسلامي بإسم الاسلام! 

العباسيون والصنمية: 

استند الأمويون الى حديث الأئمة من قريش! 
العباسيون يستندون سنة قولية تدعم حقهم في الحكم من ذلك: 

1- لخلافة في ولدك ياعباس..!
2 - المهدي من ولدك ياعباس! 
3- النبوة في ولدك ياعباس! 
4 - الخلفاءمن ولدك ياعباس ويتصدرهم ثلاثة: 
ابوالعباس السفاح. 
ابوجعفر المنصور.
الهادي بن ابي جعفر. 

فإذا جاء من يقول لا صحة لهذا، 
الجواب جاهز وهو: 
العباسيون ورثوا الملك و النبوة بالعصبية؛ لأن العباس عصبة النبي( ص)
ومن لم يقتنع فالسيف جاهز! 

     البطنان والصنمية: 
فاطمة ورثت الحكم..
وبالتالي فالحق الإلهي لأولادها - البطنين! 
لم يخل هذا الاستدلال من سخرية لاذعه وهي:
المرأة لاشأن لها بالملك! 

الجواب :
يستند اولاد فاطمة الى إرث الملك من أبيها أولاً.
والى السنة القولية التي قالها الرسول (ص) يوم الغدير..!

الخلاصة: 
أ/ تم دفن التشريع المنزل بتشريع مبدل!
ب/ انتقل الفكر الإسلامي من الأصول الأولى المعصومة الموسسة للمعرفة، إلى منهجية تأسيس للمعرفة، انطلقت من واقع رازح تحت العصبية السياسية مدعوماً بروايات مصادمة لنصوص القرآن ومقاصده، وللسنة العملية! 
ج/ ازدواجية منهجيه إلى حد التناقض..!
إزدواجية تقول :
السنة العمليه مفسرة للقران، وهذا الكلام سليم، فالشعائر التعبدية كلها بينتها السنة العملية بلاشك، وعليه: 
فالرفض للسنة النبوية العمليه قديؤدي الى الكفر! 
بالمقابل :
نجد هذه المنهجية تقول إن السنة النبوية العملية في مجال السنن الحاكمة للاجتماع السياسي - كالشرعيه السياسية القائمه علي الشورى والدستور والبيعة والشورى التنفيذيه والقيود الوارده علي السلطة، 
وحرية المعارضة - النفاق نموذجاً والمواطنه المتساوية، دستور المدينه للجميع - يهود ومشركين وأوس وخزرج ومهاجرين مختلفي الأعراق يحتضنهم دستور واحد
وإماتة العصبيه( انها منتنه)!
 والنهي عن التفاخر بالأحساب والطعن في الأنساب وصفهما الرسول أنهما جاهلية..!
باختصار: 
ما يحصن المجتمع من تغول السلطات تم نسفه باسم المنهجية المؤسسة للمعرفه والتي نصت أن
( السنة العملية غير ملزمة)
 بل وليست تشريع، فقط السنة القوليه هي التشريع الملزم! 
ونسجت الأقوال والآراء انتصاراً لهذا التفريق بين مقاصد تصرفات الرسول ( ص) .

     النتائج: 
1- انقلابات قبلية في ظاهرها ولكنها في الحقيقة باطنية شيعية فارسية، ذلك أن الاقطاعيه الفارسية اتقنت التخطيط فكان: 
- الإنقلاب الرسي في اليمن عام284 هج. 

- البويهي الشيعي الفارسي عام334 هج.ولكن باسم الزيدية! 
- العبيدية بالمغرب العربي.
- الفاطمية مصر. 
- الحمدانية حلب والموصل. 
القرامطة في البحرين. 
وهكذا الصليحيون، الأيوبيون ، المماليك ودويلات كثيره.. 
ومثلها في الاندلس! 
العجيب الغريب أن معظم هذه الدويلات ادعت انها تنتسب الى الفاطمية والعلوية و.. والخ. 

2 - تشظي المجتمع الاسلامي الي فرق فكرية ومذهبيه بل وصل التشظي في إطار الطائفة الشيعيه الى12 فرقه ومذهب وكذلك داخل الطائفه السنية.
وطائفة التصوف الفلسفي في اطار طائفة السنة، وكلٌ يدعي انه متأسٍّ وملتزم بالكتاب والسنه! 
3- الأكثر سوءً هو أن كل هذه الفرق والمذاهب والنّحل، عقائدها كلها تصب في تحصين الطغيان والفجور السياسي وتقديس الظلمه! 

  متلازمة الصنمية الرسية: 

وصل الرسي الى اليمن واختار صعدة مقراً لدعوته السلالية وعزف على أخطر وتر يلامس الوجدان العقدي في الوسط القبلي الذي يجهل كثيراً من أمور الشريعة، ولكنه وجدان مفعم بحب النبي ( ص).
فاستغل الرسي ذلك الوجدان ولم يكتف، بل فتح شهية الفيد للقبائل مؤكداً أنه سيغزو بهم مركز الدولة العباسية- بغداد..! 
     
متلازمة مذهب الرسية: 

من يطالع كتاب- الأحكام للرسي يجد أن كل معتقدات الرسي السياسية وانحرافاته الفكرية والعقدية قد الصقها بالرسول ( ص)،
حيث يضع سؤالاً ثم يقدم الجواب مصدّراً بــ( قال جدي)!
ودور الرسي فقط، هو إقامة ( شريعة آل البيت)
معلناً شروط الإمامة ذات الحق الالهي انها 14 شرطا..!
لشرط الاول: 
 أن يكون من البطنين!
الشرط الثاني: 
أن يخرج الإمام بالسيف يقتل من لم يبايعه!

نص أن إقامة الحاكم يعتبر من أصول الدين! 
هذا المذهب الغريب تمخض عنه متلازمة عقدية خطيرة:

1- ادعاءالحق الالهي في الحكم. 
2 -العصمة لحكام البطنين! 
3 -النبوة ممتدة في البطنين! 
4 - تكفير الصحابه! 
5 -كفر من خالف هذا المذهب!  
6 -قتل من لم يعتقدهذا الكلام! 
7- قتل من لم يبايع! 
باختصار:
أحكمك أو أقتلك! 
وقد استقدم جيشاً من الطبريين لتخريب بيوت المخالفين، ونهب ممتلكاتهم وحرق مزاعهم وتدمير مصادر المياه : آبار.د، حواجز مياه، صهاريج ، إلى جانب ضرب قبيلة بأخرى..! 
محاربة الدويلات المجاورة له.
سارت فروع الرسية عبر التاريخ على هذه الفوضى، وتم نهب مدينة صنعاء مراراً وبقية المناطق اليمنيه- كما ذكر ذلك مؤرخوا بلاط الرسيين قرابة 1100 عام.
كرست السلالة في اليمن فوضى دموية وإفساد وإهلاك للحرث والنسل! 
كرست عزلة المجتمع اليمني، ولم تكتف بل كرست تمزيق النسيج المجتمعي على مستوى القبيله والعشيرة! 
كرست أعرافا قبليه جائرة جداً كسباً لولاءالقبائل، ومن ذلك قتيل بني فلان يساوي عشرات من القبائل الأخرى! 
كرست حرمان النسا من الميراث.
وعليه: 
نجد الصنميه بأنواعها قد تكرست في كل اتجاه، والسبب يعود إلى الإنحراف المبكر المتمثل في الصراع على الكرسي بين أبناء العم، والذي تحول الى عقيدة راسخة مستندة الى روايات مكذوبة مصطنعه مخالفة للقران ومقاصد الشريعة، جاعلة من الرسول(ص) أنه متعصب لقبيلته التي طردته وآذته طوال أيام دعوته وإقامة دولة الاسلام، وحاشاه (ص)
ضاع العرف القرآني: العدل ، المساواة
ومحاصرة الطغيان.
وظهر تشريع مستأنف يبني الصنميه ويحصن الطغيان ويكرس الطبقية والكهنوتيه.
 
نلتقي بعونه سبحانه مع مظاهر الصنميه المعاصرة



 
----------------------------
- تذييل: 
فات الكاتب في الحلقة السابقة نقطتان بارزتنا تعكسان تلاشي الصنمية أفقياً على المستوى الاجتماعي.

القيمة الأولى: 
 
القرآن حسم وبقوة قضية الصنمية القبلية والعشائرية التي ألغت شخصية الفرد ليكون مع العرف الأعوج ولا قيمة لرأيه ولا و لا، 
فقرر القرآن( لا إكراه في الدين )
وهذا يعني أن الإنسان مكرم وله خياراته في أخطر القضايا وهي الدين فمابالك في المجالات الأخري؟

القيمة الثانية: 
هذه القيمة ثمرة للقيمة الاولى: 
 أصبح الكثير من حملة الشريعة هم من الرقيق ومنهم: 

- طاووس اليماني
- عطاءبن ابي رباح. 
- نافع مولى ابن عمر. 
- الحسن البصري. 
- عكرمة. 
- ربيعة الرأي شيخ مالك. 
- ابو حنيفة الفقيه العملاق أبوه كان رقيقاً.


Create Account



Log In Your Account