الأربعاء 08 أكتوبر ,2025 الساعة: 03:08 مساءً
من نافلة القول أن تعز مدينة ومحافظة تعرضت لأشد أنواع الظلم والتدمير والحصار الجائر من مليشيا الانقلاب الحوثية الإرهابية، وأنها اكثر محافظة يمنية تعرضت للقتل والخراب والاستهداف والالغام والتمزيق، وأنها الأولى في عدد الشهداء والجرحى وتفجير المنازل وزراعة الألغام والمختطفين!
لم تتعرض محافظة تعز لهذا الظلم فقط من قبل الإرهاب الحوثي، فقد كانت الشرعية ذاتها على رأس من ظلمها وخذلها وتجاهلها ولم يسع في نصرتها والتفريج عنها إلا من بعض المواقف، لموقعها الجغرافي وموقفها السياسي من كثير من الأحداث؛ فقد كان يراد لها ان لا تتصدى للغزاة الحوثيين وحلفائهم الانقلابيين، ولذلك دفعت الثمن ولا زالت.
هذا الموقف تجلى وعبر عنه وزير الدفاع السابق الفريق المقدشي بوصفها قطاعاً منفصلاً.
حينما سألته عن هذا الوصف لتعز وجدته مبرراً عن حسن نية لا سوء نية؛ فبين مقامه في مارب وتعز أراض لا تخضع عسكرياً لوزارة الدفاع، وكل إمداد إليها لا يصل، بل يتم مصادرته في ذلك الطريق الطويل لجغرافيا يتحكم بها المجلس الانتقالي.
كما خذلت الشرعية تعز خذلتها الأحزاب أيضاً التي اتخذت موقفاً عدائياً من شخصيات وقيادات مختلفة معها حزبيا وسياسياً، وسلطت كلابها للنيل من المقاومة والجيش اللذين نشآ أثناء مقاومة الغزو الحوثي؛ فقد كانت مع الغزو تمسك العصا من المنتصف، وحيث إن جيش تعز ومقاومتها لا يعاقبون أحداً ولا يمسكون البلاد بقبضة حديدية إرهابية كما تفعل مليشيا الحوثي الإرهابية فقد أمن نشطاء تلك الأحزاب العقاب وفرغوا أنفسهم للنيل من تعز قيادة وجيشاً ومقاومة وأمنا، تغذيهم بعض الجهات الخارجية وتدفع لهم أموالا مقابل كل تلك الحملات، وجندت الكتائب لهذا الغرض.
ذهبت تلك الأحزاب وسفهاؤها الممولون في النيل من صورة تعز ومقاومتها وجيشها، يتهمونهم بنهب الدعم المقدم لهم من التحالف، بينما من يتحكم بكل ذلك الدعم كانت قيادة الناصري؛ مالياً عبدالله نعمان، ومعونات غذائية الوزير عبدالرقيب فتح، وهناك لجان متفرعة عنهما، وحيث كانت هذه الحملات على أشدها لم يستطع أي منهم أن يثبت ذلك النهب، ولو كان حدث فعلا لما ادخر عبدالله نعمان وسعاً أن يثبته ويسرب استلامات الدعم عبر نشطائه ويوضحه للرأي العام!
مالا يعرفه معظم اليمنيين أن محافظة تعز تقع عسكرياً ضمن المنطقة العسكرية الرابعة، وهذه المنطقة تخضع نفوذاً وتحكماً وتمويلاً لدولة الإمارات العربية المتحدة، والكل يعلم موقف الإمارات من قيادة جيش ومقاومة تعز بتصنيفهم إصلاحيين تكن لهم كل عداء أشد من عدائها للحوثيين، ولذلك جعلت كل تحكم التمويل بيد عبدالله نعمان، الأمين العام للحزب الناصري، وهو ما أوضحه بداية الحرب لقيادة تعز أنهم غير مقبولين لدى الإمارات.
من المعلوم بداهة أن أي جيش يتبع لأية دولة أن توفر له تلك الدولة مختلف الاحتياجات من الزي العسكري مرتين في العام على الأقل، ومن المصاريف اليومية خاصة أثناء الحرب، وكذلك التموين الغذائي والمحروقات والمساكن والسلاح والذخيرة، والعلاج والمشافي، وكل ما تحتاجه الحرب، وكما قيل: الحرب محرقة الأموال، ناهيك عن مساَواته ببقية الوحدات في الجمهورية.
الجندي في تعز يتسلم راتباً مقداره 100 ريال سعودي فقط، يأتي مرة كل ثلاثة أشهر، في حين زملاؤه في الساحل الغربي وفي المحافظات الجنوبية وفي الحدود الشمالية يتسلمون بين ألف وألف وخمسمائة ريال سعودي، صحيح أنه نفس راتب الجندي في مارب إلا أن مكرمة الملك سلمان في مارب تغطي عجز الجندي هناك فيتسلم ألف ريال سعودي إلى جانب راتبه اليمني المقدر بستين ألف ريال فقط.
وفوق كل ذلك منع محور تعز من تجنيد وإلحاق أي مجندين جدد في إطار المحور للتعويض عمن تسرب، أو الشهداء، أو حاجة الجبهات لمجندين جدد رغم استنزاف محور تعز اليومي من كل صوب، في حين مسموح الالتحاق في كل المحاور والمناطق الأخرى!
ثمة محاَولات حثيثة لإفراغ تعز من جيشها وحماتها وتشويه صورتها؛ تم استقطاب معظم منتسبي اللواء 35 مدرع بعد استشهاد قائده عدنان الحمادي وانضمامهم للساحل، وتم تسريب واستقطاب الكثير من بقية الألوية نحو الساحل والجبهات الحدودية الأخرى في صعدة ونجران، فضلاً عن اغتيال واستهداف قرابة ثلاثمائة ضابط وجندي في تعز.
تم نصب وافتعال الكثير من الأحداث والمكائد والشباك داخل تعز للصدام مع الجيش والأمن لتشويههما، صاحب كل ذلك حملات إعلامية مكثفة ومنظمة، ولما يئسوا من التأثير الكبير في ذلك تم افتعال اغتيال القائد الحمادي، وأحدث محاولة كان اغتيال الشهيدة افتهان المشهري، وأجزم أنها لن تكون الأخيرة في هذا المسلسل، بعد اغتيال المقدم عبدالله النقيب، ما لبث أن لحقه النقيب محرم في التربة، ومحاولة اغتيال الجبولي الذي شهد حملات تحريض ضده مؤخراً.
في محافظة تعز ترك الجرحى دون علاج، وإن عولج بعضهم مرة فهو يتطلب رعاية دايمة ومراجعة طبيب حتى يتماثل للشفاء، وكثير منهم تعرضت جراحهم للتعفن حتى توفي بعضهم دون رعاية.
في كثير من المرات حينما كُشِف ظهر الجيش والمقاومة من السند المالي والمعنوي لجأ قاداتهم لحث المواطنين والتجار لسد هذا العجز والتبرع بوجبات الغذاء وحق العيش، وما يتم ذلك في أي بلد في العالم!
إن أخطر ما بحيط بالجيش هو معنوياته، وكشف ظهره للعدو بالخذلان؛ معنى ذلك تسليمه لقمة سائغة لهذا العدو المتربص الذي يمتلك كافة الإمكانيات.
هنا يتساءل المواطن التعزي: لماذا كل هذا الخذلان؟!
حينما يفكر الجندي أن هناك مؤامرة عليه تنهش الكلاب الضالة جسده، وتحرض عليه: أنظروا.. إنهم يعيشَون وهم المؤامرة، وأن الجميع ضدهم، وأنهم يستعطفون الناس بذلك، وأنهم مستمرون في الكذب!
ماذا نسمي كل ما مر إذاً؟!
نأتي هنا إلى صلب الموضوع، وموضوع مصادرة ضريبة القات في تعز..
بعد كل هذا الخذلان للرجال المرابطين في الجبهات وهم يحرسون ثغور المدينة التي ما فترت مليشيا الإرهاب الحوثي عن مهاجمتها ومحاولة تسجيل الاختراق لها للنفاذ إلى قلب المدينة وإحكام الحصار، لجأت قيادة المحور لتحصيل ضريبة القات فقط وتوزيعها على المرابطين في الجبهات، وحق لهم ألف مرة ذلك الأمر طالما خذلوا وتركوا لنهش المليشيا.
الأصل في مثل حالة تعز أن توجه كل إيرادات المحافظة لرواتب الجيش والأمن والموظفين عموماً لتماسك الجبهات مع حاضنته الشعبية ولا تذهب تلك المحاصيل لجيوب الفاسدين الذين فرضوا لهم مبالغ تحصيلية على بقية السلع كالمحروقات وغيرها.
لولا هؤلاء المرابطين المضحين الفدائيين ما كان لشيء اسمه شرعية وجوداً، ولا لقيادات في المحافظة مسؤولية وتربعاً على كراسيهم، ولكانوا مشردين خارجياِ عائدين من حيث أتوا إلا بفضل هؤلاء المضحين.
قبل أن تصادر قيادة المحور ضريبة القات وتوزعها للمرابطين أين كانت تذهب؟ لجيب من من المسؤولين؟ ولماذا لا يتم محاسبة المحافظ ووكلائه وغيرهم عن تحصيل ضرائب المحروقات وغيرها، وأين تذهب، ولمن تورد؟!
هناك الكثير من الملفات يمكن بحثها والتنبيش فيها.
على اعتبار أن الشيخ حمود المخلافي قائد المقاومة الشعبية في تعز وتم إخراجه منها تحمل مسؤولية عناصر المقاومة؛ فهو يبحث عن دعم علاجي لهم، او مساعدات مادية تقيهم ذل السؤال وعرفاناً ووفاءً لهم، بينما مسؤولو الشرعية لا يكترثون لذلك، ولذلك لم يسلم حمود المخلافي من الشيطنة والحملات المضللة المأجورة عليه في كل حين، كما شيطنوا من قبل أبا الأحرار الحديث الشهيد حميد القشيبي.
حينما نهض المقاومون المتطوعون للدفاع عن تعز ولقنوا الانقلابيين دروساً في الكرامة والصمود والشجاعة، وبأسلحتهم الشخصية التي جاؤوا بها من بيوتهم ولم تصرف لهم، كان جزاء كثير منهم التهميش والاستغناء والتسريح من الجيش رغم توجيهات الرئيس هادي عام 2061 بضمهم إلى الجيش، وحينما فرزت الكشوفات منعوا جميعاً من الرواتب وإلحاقهم بالجيش وتذرعت اللجنة العسكرية المشكلة لهذا الغرض انها لن تقبل إلا من كان عسكرياً انضم للجيش برقمه ورتبته وكان في الجيش السابق، بينما حرم الكثير من حماة تعز الشعبيين!
تغتاظ بعض الأحزاب ونشطاؤها من وصفهم أنهم مناصرون للمليشيا الحوثية الإرهابية في الهجوم على تعز، وشركاء لهم في ذلك، بينما هذه هي الحقيقة كوضوح الشمس في رابعة النهار؛ فهؤلاء لا يتناولون الإرهاب الحوثي بربع ما يهاجمون به جيش تعز وأمنها تحت لافتات مختلفة، وبشكل مستمر، وإن فعلوا مرة او مرتين لمهاجمة الحوثي فمن باب رفع الحرج عنهم لا أكثر.
المواقف الميدانية هي الفيصل، وهي الكاشفة، وهي التي تفرز الرجال.
رغم كل ما يمر من مآسي واستهدافات لتعز ومؤسساتها العسكرية والأمنية إلا أننا مطمئنون للحراس الأمناء في الجبهات؛ فمعنوياتهم تناطح الجبال، وَيدركون كل ما يتربص لتعز وما يحاك لها، ومنهم نستمد معنوياتنا، ومنهم نستلهم الدروس والأخلاق والتضحية والصمود.