الزيدية بين القداسة السياسية وتجارة المظلومية
الأربعاء 08 أكتوبر ,2025 الساعة: 01:35 مساءً



يبدو أن الزيدية في واقعها المعاصر لم تعد مذهبا فقهيا بقدر ما تحولت إلى مشروع سياسي، يحمل على كتفيه عباءة المظلومية ليبرر بها كل انحراف وسلوك غير أخلاقي. فبينما كان هذا المذهب في أصله محاولة لتقريب الفكر الشيعي من الوسطية والاعتدال، أصبح اليوم في بعض مظاهره أشبه بمسرحية كبرى تتداخل فيها الشعارات الدينية مع المصالح الدنيوية، وكأن القداسة تحولت إلى بطاقة مرور لكل سلوك غير مشروع.

والمفارقة الساخرة أن الحديث عن " الحق الإلهي" في الحكم و"الولاية"لم يعد سوى واجهة أنيقة لثقافة فيد ونهب، تُمارَس باسم "التاريخ"و" انسب الشريف". 

وهكذا يصبح المقدس مجرد أداة، لا لإصلاح المجتمع، بل لاستنزافه وتجريده من موارده، تحت غطاء الدفاع عن الدين والهوية.
على إننا أمام عقلية لا ترى في الدولة إلا غنيمة، ولا في الناس إلا قطعانا يجب تأطيرها بشعارات دينية حتى تواصل الخضوع.

والأخطر من ذلك أن العنصرية تُسوَّق اليوم كجزء من "هوية ايمانية مذهبية ". 
فيما يُزرع في النفوس أن ثمة سلالة أرقى من سلالة، وأن من لم يكن من تلك الطبقة المقدسة"
 فمكانه الطبيعي هو الطاعة والتبعية.
ولكن أليس هذا تناقضا صارخا مع قيم العدل والمساواة التي يتغنى بها المذهب في نصوصه القديمة؟
فأين ذهبت شعارات "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وأن أكرمكم عند الله اتقاكم"
فحين يتحول المعروف إلى مصالح خاصة والمنكر إلى صمت مريب عن الممارسات البشعة؟

على إن النقد هنا ليس للمذهب كفقه أو فكر نظري، بل لتلك الذهنية التي اختطفته وحولته إلى ذريعة للهيمنة.
و كل مذهب أو فكر، مهما كان نقيا في أصله، إذا تحول إلى أداة سلطة وامتياز عنصري، يفسد ويشوَّه، وهذا ما نراه اليوم في بعض تجليات الزيدية السياسية.

من هنا فإننا بحاجة إلى إعادة تعريف القداسة: القداسة ليست غطاءً للنهب ولا تذكرة للتمييز العنصري، بل مسؤولية أخلاقية أمام الله والناس. 
وإذا أراد أتباع أي مذهب أن يصونوا سمعتهم، فعليهم أولا أن يحرروا دينهم من سلطة الامتيازات والنسب، وأن يجعلوا العدالة لا النسب هي المعيار. 
وعندها فقط سيسقط القناع، ويعود الدين دينا لا صفقة. أو شركة عائلية!


Create Account



Log In Your Account