الجمعة 04 يناير ,2019 الساعة: 03:57 مساءً
موسوعة المحيط
أحمد قاسم دماج، شاعر يمني ، ولد في قرية (ذي المحاسن)، عزلة النقيلين،مديريةالسياني،محافظة إب عام (1939م).
في مايو عام (1944م) أُخِذ أحمد قاسم دماج رهينة لدى النظام الملكي مع 12 آخرين من أفراد أسرته وأبناء بلدته الريفية.
كان هذا بعد أيام قليلة من فرار عمه المناضل الشيخ مطيع بن عبد الله دماج من سجن الشبكة في مدينة تعز إلى عدن كأول طلائع الحركة الوطنية المعارضة لنظام الإمام يحيى حميد الدين، وأحد مؤسسي حزب الأحرار اليمنيين هناك.
بعد أشهر من احتجازه في مقام ولي العهد، و(دار الناصر) في تعز، أودع الطفل أحمد قاسم دماج بصورة مستمرة كرهينة في (قلعة القاهرة) لأكثر من 11 عاماً.
في نفس الفترة، كان 16 رجلاً من كبار عائلته أيضاً سجناء في سجن نافع في مدينة حجة، بينهم والده الشيخ قاسم بن عبد الله دماج، وقد تم إطلاق سراحهم تباعاً بعد أعوام.
خلال السنوات التي قضاها أحمد قاسم دماج كرهينة، كان يسمح له بزيارات نادرة إلى قريته، ولأيام معدودة، بعد أن يكون أحد أقاربه قد وضع رهينة بدلاً عنه خلال تلك الزيارات.
كان الشاب أحمد أحد أثنين من أقربائه الرهائن من بقيا على قيد الحياة.
التعليم
في قلعة القاهرة تلقى دروساً أولية في القراءة والنحو على يد الفقيه (قاسم غالب) الذي كان مسجوناً في (قلعة القاهرة)، والذي أخذ على عاتقه تعليم الرهائن القراءة والكتابة تطوعاً.
كانت الحياة القاسية التي عاشها أحمد قاسم دماج كرهينة في قلعة القاهرة، مثله مثل المئات من الرهائن في العصر الإمامي، هي التي ألهمت ابن عمه الروائي العربي الكبير زيد مطيع دماج لكتابة رائعته الروائية الخالدة (الرهينة).
تم إخلاء سبيل الشاب أحمد قاسم دماج من سجن القاهرة، ومن حياة الرهن، بعد أن تم استرهان أخيه الأصغر (أمين) بدلاً عنه كما جرت العادة.
أخضعه عمه مطيع دماج، مع رفيق عمره زيد مطيع دماج، لبرنامج تعليمي صارم تجاوز العلوم التقليدية من لغةٍ وبيان وصرف ونحو وأصول دين إلى العلوم التطبيقية المعاصرة من رياضيات وجغرافيا وعلوم، وهو ما استدعى ابتعاث مدرساً خاصاً من عدن إلى مدينة موزع و(الوازعية) حيث كان عمه مطيع يعمل هناك بأوامر من الإمام فيما يشبه المنفى.
كانت تلك مرحلة أولى في تعليمه، اعقبتها مرحلة مكثفة قضى فيها أحمد قاسم دماج سنوات معتكفاً في مكتبة عمه بداره الريفي التي كان قد عاد بها من عدن، وفيها شُغِف بقراءة الشعر قديمه وحديثه، خاصة شعر المتنبي وأحمد شوقي والسياب. كما قرأ كتب التراث العربي القديم مثل مؤلفات الجاحظ وابن حيان، إلى جانب ساطع الحصري ومؤلفات سلامة موسى وغيرهم، ليتمكن بذلك من اللحاق بأقرانه ومجايليه بعد أن حاز حصيلة كبيرة من معارف عصره، وبشغف فريد للقراءة والمعرفة ظل يرافقه حتى آخر أيام حياته.
هذا التأهيل المعاصر مكنه من الالتحاق في مشروع النقطة الرابعة بتعز كمتدرب في المدرسة التابعة لها، ثم لاحقاً عمل فني مساحة في نهايات (1958).
النشاط السياسي
في (1959م) التحق أحمد قاسم دماج بحركة القوميين العرب، وكان أحد مؤسسيها في اليمن، وأحد قادتها البارزين، وصولاً الى تأسيس وقيادة الحزب الديمقراطي الثوري.
في (1961م) كان ضمن المجموعة الوطنية المكلفة بعملية اغتيال الإمام أحمد في منطقة السخنة بالحديدة، وبعد فشلها تعرض مع رفاقه إلى عملية ملاحقة واسعة من السلطات الإمامية.
في العام نفسه ساهم أحمد قاسم دماج في تأسيس أول نقابة سرية للعمال في شمال اليمن آنذاك من خلال نقابة عمال (النقطة الرابعة)، وساهم مع سعيد الجناحي، بتكليف من الحركة، في اصدار منشور اسبوعي سري باسم الثورة المستمرة ضد النظام الإمامي.
مظاهرات تعز
في يوم (26 سبتمبر 1962م) كان ضمن الشباب الذين قادوا المظاهرات في تعز دعماً للجمهورية الوليدة حتى تم السيطرة على المدينة واسقاط السلطات الامامية فيها.
في اليوم الرابع من الثورة أنتقل مع آخرين إلى (لواء إب) الذي كان أول لواء يُسقط سلطات الإمامة بقيادة عمه مطيع الذي أصبح أول محافظ جمهوري للواء إب بعد أن قاد مجاميع شعبية جماهيرية للسيطرة عليه دون أي دعم من قطاعات الجيش.
صحيفة الثورة
بعد ثورة 26 سبتمبر ساهم أحمد قاسم دماج في تأسيس صحيفة الثورة مع عبدالله الوصابي ومالك الارياني وآخرين، وإصدارها من مدينة تعز.
في الأسابيع التي اعقبت الثورة تم تعيينه مديراً للإعلام في محافظة إب، كما ساهم في تأسيس الحرس الوطني، وكان ضمن أول الكتائب الوطنية التي تمكنت من اقتحام تحصينات الملكيين في مدينة صعدة بقيادة النقيب أمين أبو راس، إثر معارك حاسمة أصيب فيها للمرة الاولى اصابة بالغة في منطقة (حرف سفيان) حيث استشهد هناك رفيقه المناضل فيصل عوفان ضمن الطلائع الأولى لشهداء الثورة.
عُين دماج كأول أمين عام لمجلس الوزراء بعد الثورة، قبل أن يقدم استقالته احتجاجاً على مشاركة الحكومة في مؤتمر حرض (1965م).
ثورة أكتوبر
لعب أحمد قاسم دماج، تحت قيادة عمه مطيع دماج وبإشراف منه، دوراً مشهوداً في دعم ثورة اكتوبر والكفاح المسلح في جنوب اليمن، وتوفير الاسلحة وجمع التبرعات.
وكانت دور أبيه الشيخ قاسم وعمه مطيع في (النقيلين) ملجأً آمناً لبعض أبرز قيادات ثورة أكتوبر والكفاح المسلح في الجنوب. ساهم مع عمه مطيع، ورفيقيه عبدالله الوصابي وأحمد منصور أبو اصبع، في التحضير لمؤتمر الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني الذي أنعقد في مدينة جبلة في أبريل (1966م).
حصار السبعين
تعرض للاعتقال مع حشد من المناضلين بعد انقلاب (5 نوفمبر 1967)، وبعد اطلاق سراحه شارك مباشرة في تأسيس وقيادة المقاومة الشعبية لفك الحصار عن صنعاء، وفي وقت لاحق انتقل لقيادة المقاومة الشعبية في محافظة إب ،حيث أصيب للمرة الثانية في منطقة كحلان يريم.
بعد الانتصار في معركة “حصار السبعين”، وفي اعقاب أحداث أغسطس (1968م)، قامت السلطات باعتقاله مع كثير من قادة العمل الوطني والمقاومة الشعبية لمدة 15 شهراً. بعد خروجه من السجن، وضُع تحت ما يشبه الإقامة الجبرية في قريته حتى قيام حركة 13 يونيو التصحيحية بقيادة الرئيس ابراهيم الحمدي (1974م).
الانتماء لليسار
كان لانتمائه القومي اليساري، ووضوح موقفه من الحكومات المتعاقبة، أثراً كبيراً في استبعاده من أي منصب حكومي، إلا أنه لعب أدواراً مشهودة في فترة الرئيس الحمدي في صياغة سياسات الدولة وتشكيل أجهزتها الإدارية المدنية.
خلال عمله النقابي، لعب أحمد قاسم دماج دوراً هاماً في الدفاع عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي في شطري اليمن خلال الفترة التي سبقت قيام الوحدة. ساهم في تأسيس نقابة الصحفيين اليمنيين، وكان رئيس لجنتها التأسيسية، وترأس المؤتمر التأسيسي عام (1976).
ساهم في تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين (أول مؤسسة موحدة بين شطري اليمن)، وانتخب كثاني رئيس للاتحاد بعد الأستاذ عبدالله البردوني في المؤتمر الثاني بصنعاء عام (1980م)، في مسيرة نقابية حافلة حظي بموجبها بثقة الأدباء والكتّاب في اليمن لاختياره رئيساً للاتحاد لثلاث دورات مختلفة.
العمل الحزبي
على الرغم من ابتعاده عن العمل الحزبي المباشر، ظل أحمد قاسم دماج ينشط في صفوف الحركة الوطنية في شطري اليمن على حد سواء، فكان عوناً للتوجهات الوطنية والتنموية للرئيس ابراهيم الحمدي في الشمال، كما كان وسيطاً نزيهاً وناصحاً مخلصاً لفرقاء النظام في الجنوب، محذراً من وقت مبكر من النزعات والاختلالات التي رافقت عملية الإعداد لقيام دولة الوحدة اليمنية (1990م).
أُنتخب نائباً للجنة الحوار الوطني في شمال اليمن، ورئيساً للجانها التنفيذية، كما كان عضواً في لجنة صياغة الميثاق الوطني عام (1981م).
عشية إعلان الوحدة، غادر أحمد قاسم دماج، ورفيق دربه الأستاذ عمر الجاوي، موقعهما القيادي في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فيما يشبه اعتزال العمل العام.
إتحاد الأدباء
بعد سنوات، وتصدياً لآثار حرب صيف عام (1994م)، عاد أحمد قاسم دماج إلى قيادة اتحاد الأدباء والكتاب مرة أخرى، رافضاً ما عُرض عليه من مناصب حكومية أو ديبلوماسية مباشرة، متمسكاً بقيمه الراسخة المنحازة للعمل المدني، والحراك الاجتماعي الانساني العادل، مكتفياً بعمله الصوري كمستشار في رئاسة الوزراء ومستشار لوزارة الثقافة لأعوام عديدة.
من خلال نشاطه الأخير في اتحاد الأدباء والكتاب، الذي استمر حتى عام (2010م)، أستطاع أحمد قاسم دماج أن يحافظ على دور فعال في المشهد الثقافي والسياسي العام، وظل خلال تلك الفترة، وما بعدها، حريصاً على تقديم تحليلاً مبكراً، وتوصيفاً شجاعاً لطبيعة الأزمة اليمنية عن طريق العديد من الندوات الفكرية والمقابلات الصحفية.
الكتابات
تنوعت كتابات أحمد قاسم دماج بين البحث التاريخي والدراسات السياسية، والتحليل الاجتماعي، وكتابة المقال السياسي، كما كانت له أعمال عديدة كتبها للإذاعة في فترات متفرقة، إلا أن اسهامه البارز في المجال الفكري والأدبي كان من خلال كتابة الشعر والنقد الأدبي.
نشر أحمد قاسم دماج العشرات من القصائد الرائدة في عدد من الدوريات اليمنية والعربية، وهي القصائد التي لاقت اهتماماً كبيراً من قبل النقاد، وجعلته واحداً من أبرز شعراء الحداثة في اليمن والوطن العربي.
عُرف أحمد قاسم دماج بحياته المتواضعة، ونزاهته، وعزوفه عن الشهرة، حتى أنه رفض مطلقاً أن تجمع قصائده في ديوان أثناء حياته.
ظل أحمد قاسم دماج، حتى اللحظات الأخيرة من عمره، وفي زمن شهد انكسارات مخيفة على كافة الأصعدة، متمسكاً بمواقفه الوطنية، وانحيازاته الاجتماعية، والسياسية، والانسانية، ضارباً المثل الأكثر وضوحاً للإنسان الشريف، والمناضل الزاهد، والسياسي النزيه، والمثقف الموسوعي المتمتع ببعد النظر وقوة الضمير.
وفاته
توفي أحمد قاسم دماج يوم الاثنين (2 يناير 2017) بالمستشفى العسكري بصنعاء، ووري الثرى يوم الأربعاء (4 يناير 2017) في مقبرة (شهداء الكرامة) في صنعاء.
---------
نقلا عن موسوعة المحيط