الإثنين 16 مارس ,2020 الساعة: 09:43 مساءً
من يتابع تفاعل العالم من الشرق حتى الغرب مع أزمة كورونا ، وردود الأفعال الموحدة على المستوى الوطني والعالمي بعد أن أعلن أنه أصبح جائحه عالمية ، وسيطرة الخوف بهذا الشكل على العالم من عدو عابر للحدود ، استثنائي لا يمكن إخضاعه لأجهزة الرقابة الأمنية الاستخباراتية في المنافذ، والأهم ظهور الدول القوية الكبرى والصغرى ، الفاشية والديمقراطية بمظهر هز الثقة لدي الشعوب، وجعل خوفها مضاعف، كل هذا يجعل أي متابع يمعن النظر في كثير من المعطيات والمسلمات ، والخروج بعدد من الملاحظات منها على سبيل المثال :
- بعد مائه سنه من مقولة نيتشه ( موت الإله) التي تشير ببساطة الى أن أوروبا لم تعد بحاجة إلى الإله كمصدر ومرجعية للأخلاق أو القيمة أو النظام في الكون، بل كانت الفلسفة والعلوم قادرتين على فعل ذلك من أجلنا. وأن العلم حل محل الإله في حل قضايا العالم ومشاكله الكبرى ، اليوم أمام فيروس كورونا، يقف العالم حائرا والعالم بكل قوته عاجزا ، أمام فيروس لا يرى بالعين المجردة ، حيث أعاد الفيروس، إحياء الاله الذي أماته نيتشه لدى الأوربيين ، ليعود إلي رحابه الإنسان الأوربي الخائف، فنرى ترامب يعلن الأحد 15 مارس يوما للصلاة ، والتوجه الى الله ، وهي علاقة ستفتح الباب واسعا لمراجعات فلسفية عميقة في أوربا على الأقل ؛ وإعادة رسم العلاقة بين العلم والإله.
- في مسار فيروس كورونا ، بدأ تحوله من المسار الصحي الى المسارات السياسية والإقتصادية والعسكرية والتكنولوجية ، حال العالم المتداخل في كل شيء ، ظهر الاستعراض التكنولوجي التقني في مكافحته، وسط خطاب إعلامي كبير منذ البداية حتى تحول الى أزمه عالمية ، علما أن الإنفلونزا العادية تقتل سنويا أكثر من ٢٥٠ الف دون ضجه إعلامية.
صناعة الخوف عبر الاعلام ، لتطويع النفوس وإخضاع العقول لتصبح قابلة لتقبل أي تفسير ولو كان خرافي أو غير منطقي ، كما أطلت السياسة بقرونها حيث تبادل كلا من الصين وأمريكا الاتهامات بوجود حرب بيولوجية ، وسط أوجاع المساكين والضعفاء ، حيث بدأت تخوفات جديه من شكل الحروب العالمية القادمة إن صحت الاتهامات ، وطريقة التلاعب والتحكم بها.
- يقيني أن العالم بعد كورونا لن يكون كما قبله ، الفيروس والإعلام والإجراءات المتخذة الغير مسبوقة المصاحبة لانتشار الفيروس، يهيئ العالم نفسيا و ذهنيا لتقبل أي تغييرات مقبلة على مستوى الاقتصاد والعلاقات الدولية و الإجتماعية حتى طرق العيش و التعامل التكنولوجي ، فنحن أمام حالة انعطاف تاريخية، انكشف فيها النظام العالمي سياسيا واقتصاديا والأهم صحيا واجتماعيا، فلم يعد أحد لدية ثقه بما يكتب ويسوق لهذا النظام. سنرى قريبا مقولات جديده وبلورة جديدة لنظام عالمي جديد ستكون الصحة أو مفهوم جديد الأمن هو الأساس، وربما يصبح مفهوم العالم التكنولوجي بدل المدن الإلكترونية هو المفهوم الأقرب للذهن في حال نجحت فترة الاختبار الحالية بإدارة الشأن العام والخاص من المنازل عبر الدوائر الإلكترونية بما فيها التعليم.
- ظهرت الكثير من الدول بما فيها الدول الكبرى، التي أنهكت قدراتها المالية والبشرية في سباق التسلح وخلق الأعداء الوطنيين أحيانا، وتضخيم الجانب الأمني والإستخباراتي ،واستعراض العضلات في البر والبحر ، إنها عبارة عن خازوق كبير كإيران وإيطاليا والعديد من دول أوربا وحتى أمريكا - أمام فيروس صغير لا يرى بالعين المجردة، وأن الخدمات الصحية الاحترازية الضرورية والاستعداد لمثل هكذا وباء ، متدنية جدا مقارنه بالاحترازات الأمنية الاستخباراتية ، وأن هذه العلاقة المضطربة يحب أن تتعدل لصالح الإنسان وأمنه النفسي والاجتماعي.
- ستدفع الأزمة الدول والشعوب، الى إعادة النظر في ترتيب الأولويات ، فلم يعد يهم الإنسان اليوم، غزو الفضاء، وسباق التسلح وصناعة الطائرات النفاثة والقاذفات ذات القدرات المتعددة، والصواريخ القريبة والبعيدة، بقدر ما يهمه مصل يقية الوباء ويوفر له الأمان النفسي، إضافة الى قدرات الدول الفاشية والاستبدادية على السيطرة أو التقليل من خطر الفيروس كالصين وكوريا الشمالية وأفريقيا ، مقابل الدول الديمقراطية التي أصبحت بؤر للمرض خاصة أوربا، ايطاليا اسبانيا فرنسا نموذجا، ما قد ينعكس اليوم حول مفهوم وظيفة الديمقراطية الاجتماعية والسياسية مقابل الأمن والصحة.
- الفيروس قرب العالم أكثر، وبين أن الإنسان كإنسان هو العمود الأساسي ورأس المال الذي يجب الحفاظ عليه ، ومنع الاقتراب منه والعبث بوظيفته ماديا أو وظيفيا ، وهذا الانسان واحد في الصين الدكتاتورية أو أمريكا الديمقراطية.
لوحظ أن تعامل الصين كان أكثر نجاعة، وبالتالي يجب على العالم الاقتراب تحت نظام عالمي أخلاقي وقيمي تحدد العلاقة بين الإنتاج العلمي والشره الرأسمالي والانسان ، الذي يجب أن يكون أساس الثورة العلمية أو التطور التكنولوجي ، لقد ذهبت حضارة البهرجه لمنح لاعب كره القدم ومغني الحفلات وممثل السينما وعارض الأزياء رواتب خياليه ، وجعلهم قدوة المجتمع، في حين علماء البيولوجيا والصحة أصبحوا في عداد الوظائف التهافهة من حيث الراتب والمكانة ، هذه المعاملة سيعاد النظر فيها حتما ، حيث هؤلاء العلماء من يعول عليهم إنقاذ البشرية اليوم.
- العودة الى البيت أو القطر والانكماش خلف الحدود والجدران لتحسس الذات ومراجعة العلاقة الأسرية والاجتماعية أحد تجليات هذه الأزمة في عالم أصبحت الأسرة والفرد جزء من الماضي، أو ضد متطلبات العصر المادي الفردي، في الصين على سبيل المثال، عادت الأسر التي تعودت على السفر والتنقل الى الاجتماع وفتح نقاش كبير حول مفهوم الأسرة وبالذات أسرة الطفل الواحد، وخطورة انقطاع النسل بموت هذا الطفل.
أوروبا ستمضي في طريق المراجعة الاجتماعية، حيث العلاقة الاجتماعية التي صنعتها السوشيال ميديا اثبت انها غير قادرة على منح الدفء الاجتماعي والأمان المستقبلي وما يترتب عليها من تصرفات وقيم ، مما سيفتح نقاشات جديدة واقعية وحميمية توفر الدفء والامان.
- مراجعات مهمه حول الحرب الاقتصادية والكساد، المؤسسات المالية، ومفهوم الدولة الوطنية، والشعبوية، وعودة الماضي بكل تفاصيله الحدود والطوارئ والأمن وغيرها.
العالم أمام تحديات كبيرة اولها استيعاب ما حدث ، وتعريف ذاته على ضوء الانعكاسات الحالية للفيروس، ومفهوم المستقبل الذي نظر الى المريخ بدل عن الأرض ، ودرس خطر النيازك الكبيرة ونسي الفيروسات الصغيرة ، تفاجأت أوربا التي تقلصت فيها الأمراض وأعداد المرضي بهذا الهجوم الخفي ، عجزت عن المواجهة ظنت أنها قادرة على كل شيئ في لحظات، وهي تعرف جواز الفضاء وأعمال الأرض، ولذا مهم أن نستوعب قوله تعالي (قل هو من عند انفسكم ) وايضا قوله تعالي : ( حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ).