هل تتحاور واشنطن وطهران مباشرة؟
السبت 13 فبراير ,2021 الساعة: 01:08 مساءً
موقع جاده

تدرك طهران أن شيئا كبيرا تغيّر في أميركا. ليس عادياً أن ينتظر رئيس الحكومة الإسرائيلي بنجامين نتنياهو اتصالا من الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لثلاثة أسابيع كاملة، وليس طبيعيا أن يصرح البيت الأبيض بوضوح ألا خطط للاتصال بولي العهد السعودي محمد بن سلمان وقبل ذلك تجميد صفقات السلاح وإعلان واشنطن وقف دعمها للحرب الهجومية للتحالف السعودي الإماراتي على اليمن. بل، ورفع حركة أنصار الله الحوثية اليمنية عن لوائح الإرهاب الأميركية بعد شهر على وضعها من قبل الإدارة الأميركية السابقة.

تراجع واشنطن سياساتها في المنطقة بشكل جذري، هذا الذي تقوله خطوات الأسابيع الأولى من حكم بايدن. حتى فيما يتعلق بالعلاقة مع طهران هناك ما يجري خلف الكواليس ولا يبدو أن أحدا تمكن حتى الآن من رصده. ربما هي ظروف كورونا التي تمنع الحركة وتسمح أكثر بدبلوماسية رقمية سرية غير قابلة للخرق من جهة، وبجهود دبلوماسية موزعة على جبهات متعددة لصناعة حلول تمهّد لحل كبير قد يأتي وقد لا يأتي، بناء على ما ستثمر عنه الجهود. لكن ما هي هذه المسارات الحساسة التي تلتقي عند الهدف وتبقى منفصلة في الطريق؟.

المسار الأول مرتبط بأموال إيران في الخارج، ومؤخرا برزت بشكل كبير قضية الأموال الإيرانية في كوريا الجنوبية والتي بحسب وكالة يونهاب الكورية تزيد عن التسعة مليارات دولار، سبعة منها من صفقات نفطية لم تقم سؤول بتسديدها بسبب العقوبات الأميركية، والبقية أموال مصادرة من فرع بنك ملت الإيراني في العاصمة الكورية. ملف الأموال يتحرك بشكل بطيء لكن جدي وتقول مصادر مطلعة لـ “جاده إيران” إن محاولة لربط النزاع تجري حاليا دون الكشف عن المكان أو طبيعة الحل وهل هو نتيجة وساطة أم بشكل مباشر. الأموال الإيرانية المصادرة في الخارج ملف ضخم وجزء كبير منه في دولة كالصين، من المفترض أن علاقاتها بطهران جيدة وتتجه تدريجيا لتصبح استراتيجية في حال التوقيع على معاهدة التعاون الاستراتيجي بين البلدين، بيد أن العقوبات الأميركية تمنع بكين من تسديد من يقارب العشرين مليار دولار من الأموال الإيرانية المحتجزة. العراق بدوره لديه ما يقارب الستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية ولا يبدو أنه قادر على سدادها عما قريب.

المسار الثاني يرتبط برفع العقوبات وتراجع إيران عن الخطوات التي تبنتها بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في آيار/ مايو من العام ٢٠١٨. قد تكون المسألة ظاهريا سهلة إذا ما جرت العودة إلى خطة التزامن التي جرى تبنيها عام ٢٠١٣ بعد اتفاق جنيف. تصريح ظريف في مقابلة مع شبكة سي إن إن الأميركية والذي دعا فيه وزير خارجية الاتحاد الأوروبي بالإشراف على عملية مزامنة رفع العقوبات مع تعليق الخطوات الإيرانية عكس نوعا من رمي الكرة في الملعب الأوروبي، بينما تقول المؤشرات إن إمكانية حصول اتفاق إيراني أميركي في حال وجود الرغبة متوفرة دون وساطة من أحد. ولعل كلام وزير الخارجية العماني حول عدم الحاجة لقنوات خلفية بين أميركا وإيران بسبب وجود خطط مباشرة بينهم، يلمح إلى أن إمكانية حدوث شيء بعيدا عن الأنظار غير مستبعد. وقد قال بدر البوسعيدي إن” مسقط تتمتع بعلاقات طيبة للغاية مع كل من طهران وواشنطن، ومستعدة للمساعدة إذا لزم الأمر” مضيفا أن “القنوات مفتوحة مباشرة بين فرق السياسة الخارجية في واشنطن وإيران” وأنه لا يرى سبباً يحول دون إعادة تفعيل تلك القنوات.

المسار الثالث متعلق بدور إيران في المنطقة وقدراتها العسكرية التي تنظر إليها واشنطن بريبة وتصّر دول المنطقة المتخاصمة مع إيران على أنها تشكل خطرا كبيرا عليها. برز في هذا الإطار ربط الرئيس الفرنسي بين أي مفاوضات نووية قادمة ومشاركة السعودية وإسرائيل فيها وهو ما رفضته طهران جملة وتفصيلا على لسان المتحدث باسم خارجيتها سعيد خطيب زاده. ترفض إيران هذا الطرح وتقدم طرحا مقابلا مفاده أن أي حوار حول المنطقة والخلافات والتهديدات يجب أن يكون بين دول المنطقة ومنفصلا عن أي شيء آخر. في هذا الإطار يمكن القول إن طهران لا تبدو في عجلة من أمرها لصناعة تسوية مع السعودية تحديدا، مع الأخذ بعين الاعتبار المنحى غير الواضح الذي تتخذه العلاقات السعودية الأميركية، كما أنها تعوّل بشكل كبير على حصول تحولات في المنطقة على غرار المواقف الأميركية من حرب اليمن ورفع الحوثيين عن لوائح الإرهاب واتضاح موقف واشنطن أكثر من الرياض وأبو ظبي.

بغض النظر عما يمكن أن يتمخض عنه الملف الأخير، تبرز محورية الملف النووي كعامل تهدئة وتفجير في العلاقة بين واشنطن وطهران. الاتفاق على العودة لخطة العمل الشاملة سيشكل نقطة انطلاق للمزيد من التواصل الأميركي الإيراني والذي قد يحمل حلولا إضافية وتهدئة مفترضة لنقاط اشتباك عديدة يتجاور فيها الطرفان. لكن فشل هذا المسار، لأي سبب كان، ومتابعة واشنطن فرض العقوبات، واستمرار إيران في عملية تطوير برنامجها النووي، مع الأخذ بعين الاعتبار إشارة وزير الأمن الإيراني محمود علوي لمسألة فتوى القائد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي حول الأسلحة النووية وإمكانية أن تعمد أي “قطة لحظة حشرها في الزاوية” لفعل أي شيء، هذه الإشارة وإن حصلت محاولات لتوضيحها لاحقا، تقول إن المزيد من الضغط الأميركي، والذي لن يكون شبيها بذلك الذي مارسته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب تحت عنوان حملة الضغوط القصوى، سيعني تحولا ضخما على مستوى القراءة الإيرانية لمنظومة الردع وحتى لمبدأ حيازة الأسلحة النووية والدمار والشامل.

علي هاشم مراسل الشؤون الإيرانية في بي بي سي ورئيس تحرير موقع جاده الإيراني


Create Account



Log In Your Account